إشترِ نسختك الرقميّة
أطلب نسختك الورقيّة
إفتتـاحيّــة العدد
اقرأ الافتتاحيّة كاملةً
زمن الكورونا وأطول رحلة للكائن البشريّ!
في زمن الكورونا، الفيروس المستجدّ والقاتل، أُصيب ويُصاب الملايين من البشر بداء تحوّل إلى وباء يلفّ زوايا الأرض الأربع. في زمن الكورونا، حيث العزلة أصبحت ضروريّة وكأنّها الدواء الأنجح لمقاومة المرض، حيث أصبح التباعد الجسديّ واجبًا للحفاظ على السلامة الفرديّة والجماعيّة، سنحت الفرصة للكائن البشريّ، بوجه أو بآخر، بالتقرير أو بالاختيار، أن يغوص حتّى قعر ذاته، ومنهم من اكتشف للمرّة الأولى في وجودهم على هذه البسيطة النزول إلى عمق الذات، وهذا افتراض ربّما عايشه الكثير من الناس. وسنقول أيضًا إنّ كثيرين لم يتوقّفوا بالمطلق عند هذه الفرصة السانحة بل إنّهم فضّلوا إكمال عيشهم وكأنّهم في رحلة سياحيّة مداها المنزل أو المساحة المخصّصة لوجودهم اليوميّ.
في زمن الكورونا، اكتشفنا في تلك العودة إلى الذات، والخوف لا يزال يعترينا والهواجس، أنّ فينا قوى عظيمة من احتياط الرجاء والأمل والعقلانيّة. إكتشفنا نورًا غير محدّد في زوايا الذات يقودنا إلى المطلق الروحيّ، نعبّر عن ذلك بالصلاة والتأمّل والمشاهدة. إكتشفنا أنّ الظلمة هي العابر والنور هو الباقي، إن أحسنّا التعامل مع الفيروس بالحذر الكافي والوقاية اللازمة. إكتشفنا أنّ العزلة الجسديّة لا تمنعنا في زمن وسائل الاتّصال المتعدّدة والمتوافرة على نطاق واسع من التواصل الاجتماعيّ مع أحبّاء وأصدقاء، ورفاق. إكتشفنا كم في الذات تكمن العواطف والمشاعر بالتعاطف مع الآخرين والمتألّمين والمصابين بالأزمة الصّحيّة وأيضًا تلك الأزمة الاقتصاديّة والماليّة وهي وليدة من قرّروا أن يمنحوا ذاتهم الروحيّة والقيميّة التي تكلّلها الفضيلة من أن يقولوا كلمتهم وتهمس في آذانهم المرغوب والممنوع فوقعوا كما يقال في آفة النسيان والفساد وهي تخرب ذاتهم النبيلة، كما قيل في زمن آخر.
في زمن الكورونا، محنةً وامتحانًا، الفرصة هي ألّا تتغيّر الحياة في جوهرها بل أن تتغيَّر نوعيّة الحياة. ذلك يعني أنّ الإنسان قد ينجح في إيقاظ فضائل الإنسانيّة والوطنيّة والمواطنة والمحبّة والحياد والتضامن، وإن كان الأمر معقولًا، بل هو علامات محسوسة في الذات الباطنيّة، يترجمه العقل والعاطفة في مواقف لها أبعادها الما بين شخصيّة والاجتماعيّة.
في زمن الكورونا، نتخطّى المحنة وننجح في الامتحان وفي العزلة عندما نتخلّى عن شوائب التصنّع والتكلّف والترف والبهرجة الخارجيّة. تعلّمنا الرحلة إلى الذات، تلك الرحلة الطويلة، معنى الوحدة بدل التفرّق، معنى التلاقي بدل التباعد الاجتماعيّ أو حتّى العائليّ ومعنى الحرّيّة بدل بناء الحيطان مع الجيران ومعنى التضامن بدل الأنانيّة.
في زمن الكورونا، يُباد الفيروس المستجدّ عندما تتحرّك ذاتنا الدفينة الروحيّة وحتّى العقليّة لتصحيح بعض سلوكنا الذي أصبح جزءًا من كياننا. إذ ذاك يطلّ علينا الفجر الجديد فنستعيد أنوار الحياة ومعانيها الأساسيّة بفضل تلك القوى النفسيّة والروحيّة والكامنة فينا ولم نستخدمها من قبل كما هو واجب ولائق.
في زمن الكورونا، بالنسبة إلى مَن هم في قيادة دفّة الحياة العمليّة، تتحرّك فيهم حميّة حماية الإنسان من الأوبئة المهدّدة البشريّة بدل التوظيف الماليّ والتبشير في عقاقير وأدوية لا طائل منها وغير ضروريّة، أو في نُظم الأسلحة المهدّدة للوجود الطبيعيّ والبشريّ.
في زمن الكورونا اكتشفنا كم أنّ سياسات الدول الصحّيّة والقويّة منها هزيلة، وكم أنّ الإنسان هو في الاهتمامات الأخيرة بدل أن يكون في المقدّمة.
زمن الكورونا يقول لنا: حان تصحيح مسار الرحلة لا إلى المريخ بل إلى قعر الذات لتحصل الولادة للإنسان الجديد.
إفتتـاحيّــة العدد
اقرأ الافتتاحيّة كاملةً
زمن الكورونا وأطول رحلة للكائن البشريّ!
في زمن الكورونا، الفيروس المستجدّ والقاتل، أُصيب ويُصاب الملايين من البشر بداء تحوّل إلى وباء يلفّ زوايا الأرض الأربع. في زمن الكورونا، حيث العزلة أصبحت ضروريّة وكأنّها الدواء الأنجح لمقاومة المرض، حيث أصبح التباعد الجسديّ واجبًا للحفاظ على السلامة الفرديّة والجماعيّة، سنحت الفرصة للكائن البشريّ، بوجه أو بآخر، بالتقرير أو بالاختيار، أن يغوص حتّى قعر ذاته، ومنهم من اكتشف للمرّة الأولى في وجودهم على هذه البسيطة النزول إلى عمق الذات، وهذا افتراض ربّما عايشه الكثير من الناس. وسنقول أيضًا إنّ كثيرين لم يتوقّفوا بالمطلق عند هذه الفرصة السانحة بل إنّهم فضّلوا إكمال عيشهم وكأنّهم في رحلة سياحيّة مداها المنزل أو المساحة المخصّصة لوجودهم اليوميّ.
في زمن الكورونا، اكتشفنا في تلك العودة إلى الذات، والخوف لا يزال يعترينا والهواجس، أنّ فينا قوى عظيمة من احتياط الرجاء والأمل والعقلانيّة. إكتشفنا نورًا غير محدّد في زوايا الذات يقودنا إلى المطلق الروحيّ، نعبّر عن ذلك بالصلاة والتأمّل والمشاهدة. إكتشفنا أنّ الظلمة هي العابر والنور هو الباقي، إن أحسنّا التعامل مع الفيروس بالحذر الكافي والوقاية اللازمة. إكتشفنا أنّ العزلة الجسديّة لا تمنعنا في زمن وسائل الاتّصال المتعدّدة والمتوافرة على نطاق واسع من التواصل الاجتماعيّ مع أحبّاء وأصدقاء، ورفاق. إكتشفنا كم في الذات تكمن العواطف والمشاعر بالتعاطف مع الآخرين والمتألّمين والمصابين بالأزمة الصّحيّة وأيضًا تلك الأزمة الاقتصاديّة والماليّة وهي وليدة من قرّروا أن يمنحوا ذاتهم الروحيّة والقيميّة التي تكلّلها الفضيلة من أن يقولوا كلمتهم وتهمس في آذانهم المرغوب والممنوع فوقعوا كما يقال في آفة النسيان والفساد وهي تخرب ذاتهم النبيلة، كما قيل في زمن آخر.
في زمن الكورونا، محنةً وامتحانًا، الفرصة هي ألّا تتغيّر الحياة في جوهرها بل أن تتغيَّر نوعيّة الحياة. ذلك يعني أنّ الإنسان قد ينجح في إيقاظ فضائل الإنسانيّة والوطنيّة والمواطنة والمحبّة والحياد والتضامن، وإن كان الأمر معقولًا، بل هو علامات محسوسة في الذات الباطنيّة، يترجمه العقل والعاطفة في مواقف لها أبعادها الما بين شخصيّة والاجتماعيّة.
في زمن الكورونا، نتخطّى المحنة وننجح في الامتحان وفي العزلة عندما نتخلّى عن شوائب التصنّع والتكلّف والترف والبهرجة الخارجيّة. تعلّمنا الرحلة إلى الذات، تلك الرحلة الطويلة، معنى الوحدة بدل التفرّق، معنى التلاقي بدل التباعد الاجتماعيّ أو حتّى العائليّ ومعنى الحرّيّة بدل بناء الحيطان مع الجيران ومعنى التضامن بدل الأنانيّة.
في زمن الكورونا، يُباد الفيروس المستجدّ عندما تتحرّك ذاتنا الدفينة الروحيّة وحتّى العقليّة لتصحيح بعض سلوكنا الذي أصبح جزءًا من كياننا. إذ ذاك يطلّ علينا الفجر الجديد فنستعيد أنوار الحياة ومعانيها الأساسيّة بفضل تلك القوى النفسيّة والروحيّة والكامنة فينا ولم نستخدمها من قبل كما هو واجب ولائق.
في زمن الكورونا، بالنسبة إلى مَن هم في قيادة دفّة الحياة العمليّة، تتحرّك فيهم حميّة حماية الإنسان من الأوبئة المهدّدة البشريّة بدل التوظيف الماليّ والتبشير في عقاقير وأدوية لا طائل منها وغير ضروريّة، أو في نُظم الأسلحة المهدّدة للوجود الطبيعيّ والبشريّ.
في زمن الكورونا اكتشفنا كم أنّ سياسات الدول الصحّيّة والقويّة منها هزيلة، وكم أنّ الإنسان هو في الاهتمامات الأخيرة بدل أن يكون في المقدّمة.
زمن الكورونا يقول لنا: حان تصحيح مسار الرحلة لا إلى المريخ بل إلى قعر الذات لتحصل الولادة للإنسان الجديد.
محتويات العدد
نشوء الحداثة ومتناقضاتها اليوم وتغيير الذِّهن العربيّ
الكتابة الصحافيّة بين الأدب والمجتمع - كتاب «الرحّالة» لسامي كليب أنموذجًا
التقويم التربويّ: تعريفه، أنواعه، وأهدافه
مريم بين الصُّورة والسُّورة
«والدة الإله: هيكل الربّ». سلطة الليترجيا اللاهوتيّة في الأعياد المريميّة
زمن الكورونا وأطول رحلة للكائن البشريّ
التاريخانيَّة مدخلُ الحداثة. قراءة في فكر عبد الله العروي الحداثيّ
تمثيل جبل لبنان في «مجلس المبعوثان» العثمانيّ (1876-1916)
الدَّور السياسيّ المسيحيّ في لبنان بعد اتّفاق الطائف (1)
مسيرة الحوار بين الكنيسة الكاثوليكيّة وكنيسة المشرق الأشّوريّة (1978-2020)
شعريّة الصَّمت
مقالات هذا العدد
التَّاريخانيَّة مدخلُ الحداثة. قراءة في فكر عبدالله العروي الحداثيّ
عبدالله العروي فيلسوف ومؤرّخ وُلد في مدينة أزمور بالمغرب العام 1933. تجاوز فكره حدود بلده لينتشر في العالم العربيّ والغرب. تندرج مساهمته الفكريّة في إطار البحث الدؤوب عن أسباب التخلّف في العالم العربيّ والإسلاميّ. يعتبر العروي أنّ إخفاق الإيديولوجيا العربيّة المستمرّ في اللحاق بركب الحداثة يعود إلى التمسّك بالماضي وعدم اعتناق كلّ عناصر الحداثة الغربيّة التي تبرز نموذجًا لكلّ حداثة ومعيارًا لها. ويقترح العروي التاريخانيّة الماركسيّة وسيلة تمكِّن النخبة الفكريّة العربيّة من تجاوز تحدّياتها. لا شكّ في أنّ مقاربته تمثِّل مساهمة مهمّة لفهم العالم العربيّ فهمًا أفضل بقدر ما تثير أسئلة أساسيّة.
تمثيل جبل لبنان في «مجلس المبعوثان» العثماني 1876-1916
يعالج هذا المقال اشكالية تمثيل متصرفية جبل لبنان (1861-1918) في “مجلس المبعوثان” العثماني. في الواقع لقد طرحت الحكومة العثمانية هذا الموضوع ثلاث مرات: رفضه اللبنانيون في العام 1876، وفي العام 1908. تكرّرت الدعوة للمرة الثالثة في العام 19016 وأرغم اللبنانيون على المشاركة في الانتخابات.
لم يأت المؤرخون على معالجة هذا الموضوع معالجة دقيقة إذ انكر بعضهم اجراء انتخاب شعبي في جبل لبنان وفق القوانين العثمانية عام 1916، وقالوا باعتماد التعيين، وردد آخر إن “متصرفية جبل لبنان لم تشترك في الانتخابات العثمانية بحكم تمتعها بنظام ذاتي خاص مستقل عن السلطنة العثمانية”.
يطرح هذا المقال هذه الاشكالية ويرصد انقسام اللبنانيين والدعم الدولي الضامن لنظام المتصرفية، ويؤكد اجراء انتخابات عامة “شكلية” وانتخاب ثلاثة نواب مثلوا جبل لبنان في “مجلس المبعوثان”
الدور السياسيّ المسيحيّ في لبنان بعد اتفاق الطائف (1)
يجد المسيحيّون أنفسهم في الشرق الأوسط محاصرين بالهواجس واختلال الميزان الديموغرافي، ولم يبقوا مؤثّرين إلّا في لبنان، فمسيحيّو لبنان لطلما حافظوا على وجودهم في السلطة، وكذلك كرّسوا بعداً اجتماعيّاً متنوّعاً في المشرق، كما عزّزوا حضوراً ثقافيّاً بالغ التأثير. ووضع لبنان مهم كونه آخر معقلٍ للتعدّديّة في الشرق الأوسط، كما برز كحاضنةٍ للثقافات والتعدّديّة والتنوّع.
إلا ان لبنان في تاريخه الحديث مرّ بحقبات سياسيّة عديدة منها الحقبة المارونيّة (1943 – 1975)، التي كان القرار النهائي فيها للبُنية السياسيّة المارونيّة، أعقبتها فترة احتضارٍ استمرّت أربع عشرة سنةٍ، فقد فتحت الحرب المسيحيّة-المسيحية الباب أمام مرحلةٍ جديدة، آلت اليد العليا فيها للمسلمين وبدأ معها ما سمي بالإحباط المسيحي، وانتهت هذه الحقبة بمؤتمر الطائف 1989 ومقرّراته التي افتتحت ما اصطلحنا على تسميته ب”السنيّة السياسيّة” التي استمرّت حتّى 2005، لتعقبها “الشيعيّة السياسيّة” وهي سمة زمننا الحاضر. وقد خضع لبنان لسُلطَة الوصاية السُّوريّة ما بين العامين 1990 و 2005، حيث أدارتْ شؤونه ومؤسّساته الدُّستوريّة وفرضت عليه نظاماً أمنيّاً – استخبارتيّاً وعلاقاتٍ تعاهديّةً إستثنائيّة (معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق) تصبّ في مصلحتها.
وما يهمّنا في هذه الدراسة هو مرحلة ما بعد الطائف، حيث تميّزت هذه المرحلة بعمليّةُ ضرْب المارونيّة السياسيّة والحالة المسيحيّة عموماً الذي شَمل كُلّ مُستويات الوجود المسيحي في البلاد. سنقوم بعرض الدور السياسي المسيحي في لبنان وتحليله منذ عام 1990 ولغاية العام 2005 (تاريخ انتهاء حقبة الحريرية السياسيّة)، ومحاولة فهم الأسباب السياسيّة التي أدّت إلى تآكل أحد مكوّنات لبنان الأساسيّة والتراجع المتسارع للوجود المسيحي فيه. فما هي الأسباب التي أدّت إلى هذا التحوّل الكبير؟ وما هي مظاهر الإحباط المسيحي؟ وهل يمكن إيقاف الانحدار؟.
العروبة في الوجدان المارونيّ – تاريخ وآفاق قراءة في فكر المطران أنطوان-حميد موراني
شكّلت قضيّة العروبة في لبنان أزمة لأنّها طُرحت بشكل سلبيّ فيه تحدّ واتّهام الآخر، بدل أن تكون فرصة للتبادل والحوار والانفتاح والثقة. كما أحدثت خلافًا وتباينًا وجدلاً بين المسلمين والمسيحيين في لبنان نتيجة سوء الفهم والنظرة السلبية لمفهومها ولجذورها وأبعادها، والشكّ بالآخر المؤدّي إلى العنف والإلغاء، حتى تحوّلت أزمة طالت الوجود والهويّة.
رجع موراني بالموارنة إلى تاريخهم مُذكّرًا إياهم أنهم أصحاب رسالة في الشرق. ولهذه الرسالة وظيفة هي تحرّكهم مع التاريخ، أي تحرّك في مجال الأفق العربي وفضائه. لقد أراد إخراج الذات المارونيّة واللبنانيّة من حالة الانكفاء إلى حالة الانفتاح والتفاعل الوجوديّ. وهذا الانتقال إلى الذاتيّة العربيّة يحتاج برأيه إلى الفكر النقديّ. فهو يؤمن بأنّ عروبة لبنان هي عروبة نقدية وديناميكيّة. والعروبة النقديّة لا تعني نقد أو انتقاد الدول العربيّة أو ثقافاتها، إنما هي في وجودها تتضمن التفكير. كما أنّ موراني اختار مفهوم الوظائفيّ للعروبة، حيث اعتقد أنّ عروبة الشعب العربيّ مُختلفة من شعب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. فنحن واحد في العروبة، ولكن لكلّ واحد مهمّة يقوم بها ووظيفة تتطابق مع طبيعته ووعيه. فالعربيّ هو واحد ومُختلف.
إنّ التوجّه نحو العالم العربي بكل صدق الحرية والحقيقة والأخوّة هو وحده ما يُحقّقنا كلّنا جميعًا. وعلى هذا الأساس يرتفع مستوى عالمنا العربيّ ولا تعود العروبة قدرًا، بالنسبة للبنان، بل حريّة داخليّة ورسالة. فعروبة المُسلم هي في مستوى المُعطى التاريخيّ، أما عروبة المسيحي فهي عروبة الرّضى والاختيار. ومع ذلك يقرّ موراني بأنّ وظيفة الهويّة حاليًا هي الفضاء العربيّ. يَستنهض موراني الهمّة المارونيّة للإقبال على التّحدي الحضاريّ الأخطر أي مواجهة العروبة. فهل استطاع موراني نقل الموارنة معه إلى هذا الفضاء-التّحدي فكريًا وتاريخيًا وعلميًا وعمليًا؟
– مسيرة الحوار بين الكنيسة الكاثوليكيّة وكنيسة المشرق الأشّوريّة (1978- 2020)
يهدفُ هذا المقال إلى إظهار أهمّيّة الحوار بين الكنيسة الكاثوليكيّ وكنيسة المشرق الأشّوريّة، وقد بدأ في العصر الحديث منذ العام 1978 حتّى اليوم. وفي مقدّمته، يسردُ سردًا تاريخيًّا مراحل الحوار المسكونيّ هذا، ويسلّط الضوء على ثمار لاهوت المجمع الفاتيكانيّ الثاني (1962- 1965) والقرارات الجريئة التي اتّخذها بخصوص نظرة الكنيسة إلى ذاتها، هي التي تسعى إلى نشر المصالحة والعدالة والسلام في العالم أجمع.
شعريّة الصمت
الشعريّة في المكتوب هي الإبداع والتأثير والانحراف الأسلوبيّ والخلق والمفاجأة و” توقّع اللامتوقّع في الصورة أو المفردة أو القافية ، حيث تبديل كلمة واحدة في البيت من مكانها المألوف إلى مكان قبل أو بعد يخلق لها لمعة أبرع أو موسيقى أجمل وتنقلها من السرد العاديّ إلى اللقطة الإبداعيّة”، والشعريّة هي” أن يبني الشاعر قصيدته في تصاعد متتالٍ حتّى يبلغ قمّة في بيت، ثمّ يعود فيبني من جديد إلى قمّة أخرى”.
إنّ شعريّة الصمت هي كلّ هذه الأمور ولكنّها تأتي متولّدة من سكون مدوٍّ، ولا أقصد بهذا السكون السكتة التي تلي الجملة لترك المجال لإدراك معانيها الخاصّة الواردة فيها. إنّ معاني الصمت تتكوّن من حالات صامتة تلي أصواتًا، وتلي عبارات وجملاً. بمعنى أنّ الشعر الكبير هو هبوط إلى أسفل لجمع مكوّنات قمّة تأثيريّة جماليّة والصعود بها إلى علُ.
“إنّ جوهر الشعر لا تحدّده الكلمات، ولا المعايير النقديّة، ولا المقاييس الأكاديميّة، بل تحدّده حالة يخلقها الشاعر في قصيدته، تنتقل منها إلى القارئ وتنقله إلى حالة خاصّة من التواصل مع حالة القصيدة وحالة الشاعر معًا”. وهذه الحالة عينها ، التي يخلقها الشاعر في قصيدته، ممكن أن تكون ابنة الصمت المؤثّر الذي ينقل المتلقّي إلى عالم آخر آسر ساحر، وفي هذا الموقع أيضًا يكون الصمت شعريًّا.
نشوء الحداثة ومتناقضاتها اليوم وتغيير الذهن العربيّ
الإنسان هو الموضوع الأوّل والأخير، وكلّ تجربة لا يتوسّطها الإنسان هي تجربة سخيفة .
المجتمع العربيّ المعاصر تائهٌ بين الأخذ بأسباب الحداثة والرجوع إلى التراث؛ إذ يجد الإنسان العربيّ نفسه حائرًا بينهما. فالتراث، من قيمٍ ومُثل وأعراف ولغة ودين وأدب..، لم يتدخّل الإنسان العربيّ المعاصر في بنائه، ولم يستشر في اختياره. لذلك، فالتراث يفرض نفسه من دون حريّة اختيار من قِبل أفراد لا يعاصروننا ويعبّرون من خلاله عن قيم عصرهم .لم يستثمر الإنسان العربيّ المعاصر أيضا في الحداثة وتوجّهاتها العامّة؛ بل هي مفروضة عليه كذلك من قِبَل آخرين يعاصرونه (الغرب المختلف قيمًا وتمثّلات متعدّدة) من العلمانيَّة في الدِّين، والديموقراطية في الحكم، والرأسماليَّة في الاقتصاد، والتقنيَّة في العلم، ومن الجماعة إلى الفرد والثورة الصناعية والتقنية في العلم، والنزعة الإنسانية التي ترجع للإنسان حقه في الوجود، وقدرته على تسخير الطبيعة وبناء المؤسَّسات . فالحداثة قطار لا يشاور أحدًا في الانطلاق والاستمرار، ويفرض على الأفراد ركوبه سواء أمؤهّلين كانوا أم عاجزين . يمسي الإنسان العربيّ اليوم رهنًا بين أمرين لم يخترهما. لذلك، فإنَّ الصراع القيميّ والثقافيّ الذي يعيشه الوجدان والفكر مردّه إلى صراع دائر بين تراث لم نشيَّده وحداثة لم نبنها.
الكتابة الصحافيّة بين الأدب والمجتمع – كتاب ” الرحّالة ” لسامي كليب أنموذجًا
يأتي اهتمام الدراسات والأبحاث العلميّة والأكاديميّة بموضوع الكتابة الصحافيّة وبتأثيراتها الاجتماعيّة في سياق طبيعيّ، بسبب الارتباط العضويّ بين المجتمع والإعلام. كما أنّ العلاقة بين الأدب والصحافة قد تبدو ملتبسة، ففي الوقت الذي يرى بعضهم أنّ الصحافة تحدّ من طاقة الأديب وتضع أمامه قيودًا ليبقى موضوعيًّا وبعيدًا من نسج ذاته، يرى آخرون أنّ الأمر يغني تجربته ويضيف مساحات تعبيريّة غير محدودة. فيدرس هذا البحث تأثير المجتمع في الكتابة الصحافيَّة باعتباره مادّتها وهدفها، كما يدرس دور الصحافة في بلورة صورة المجتمع، وفي قدرتها على التغيير المجتمعيّ، وذلك في محاولة لإيجاد منصّة حوار بين الشعوب. نقل كتاب الرحّالة للإعلامي سامي كليب أخبارًا، وعكس وقائع حياة الناس في بلدان زارها لدواعٍ صحافيّة، وصوّر تقاليد شعوب وثقافاتها، من مشارق الأرض ومغاربها، بلغة تراوحت بين الإبلاغيّة حينًا والإبداعيّة أحيانًا؛ لذا كان مادّة الدراسة.
التقويم التربويّ: تعريفه، أنواعه، وأهدافه
يُعدّ التقويم التربويّ عمليّةً متزامنةً والتعلّم فهو جزءٌ لا يتجزّأ من عمليتيّ التعلّم والتعليم، يستمرّ باستمرارها ويهدف إلى إعطاء صورةٍ عن نموّ التلميذ في جميع جوانبه. ويعتمد على عددٍ من المبادئ والأسس التي تجعله أوسع من القياس الّذي يُعتبر كمؤشّرٍ يُستعمل من قبل التقويم في سبيل تنمية مهارات التلميذ وقدراته وتحسين العمليّة التعليميّة وتطويرها.
كما يُعتبر التقويم عمليّةً إجرائيّةً تستند إلى مجموعةٍ من الأدوات والأساليب الّتي ترمي إلى تعرّف مدى تحقيق التلميذ لغايات التعلّم بما يتضمّنه من خبراتٍ تعليميّةٍ تشمل المعارف والقيم والاتّجاهات والمسلّمات بُغية مساعدته على النموّ بكلِّ جوانبه. وقد قُسّم هذا التقويم إلى أربعة أنواعٍ هي: التقويم التشخيصيّ، والتقويم التكوينيّ البنائيّ أو التطويريّ، والتقويم النهائيّ أو الختامي، وتقويم المتابعة.
ويهدف التقويم التربويّ بأنواعه كافّةً إلى التّحقّق من مدى مسير العمليّة التعليميّة في الاتّجاه الصحيح عبر مجموعةٍ من الإجراءات السليمة التي تساعد في تقويم الأهداف التربويّة بدقّةٍ وصدقيّةٍ ومنهجيّةٍ سليمةٍ، وفي سبيل تقديم صورةٍ حقيقيّةٍ لواقع هذه العمليّة ولمدى بلوغها الأهداف المنشودة، ما يتيح بتوجيه برامجنا المستقبليّة الوجهة الصحيحة.
مريم بين السورة والصورة
إنّ العبارة: “وَرَتِّل القُرآنَ تَرْتِيلا”، ترجّح أنّ قسمًا من القرآن، هو كتاب صلاة. وسورة مريم هي مجموعة أناشيد، منها قصة مريم. جُمعت أحداث متتالية في النصّ، على طريقة الالحان الليتورجية، وهي:
– لجوء مريم إلى النخلة وأكلها من ثمارها وقت هربها إلى مصر عبر صحراء سيناء
– خروج نبع الماء وارواء عطشها
– شَكّ أهلها ببتوليّتها، “وأشارت اليه” ليبرئها
– نُطق الطفل وإعلانه رسالته فهو: عبدالله أي انسان كامل، ونبي يمارس التعليم والهداية بالكتاب الذي يحمله بيده، كما يصوَّر في الايقونات، وهو في حضن أمّه، وكبش فداء، فهو سيموت ويبعث حيّا، كما يجري في القداس، وهذا ما صوّرته الايقونات السريانية والقبطية والارمنية حيث يولَد المسيح على مذبح.
“والدة الإله: هيكل الربّ” – سلطة الليترجيا اللاهوتيّة في الأعياد المريميّة
يعالج هذا المقال موضوع الأعياد المريميّة وتتضمّن ولادة مريم ودخولها الهيكل ورقادها. فما سلطة العيد المريميّ وأهمّيّته؟ وقد اختار المؤلّف عيد تقدمة والدة الإله إلى هيكل أورشليم وهي طفلة، مبيّنًا، أوّلًا، جوانبَ هذا الحدَث التاريخيّة والجوهريّة، وطريقة الاحتفال به بحسب سلطته المبنيّة على كتاب منحول أي إنجيل يعقوب التمهيديّ، وثانيًا، سلطة العيد المريميّ استنادًا إلى بُعد العبادة الكريستولوجيّ، إذ تحتلّ الإفخارستيّا النقطة المركزيّة فترتفع التسابيح نحو الثالوث الأقدس.
القدّيس ستانسلاس كوستكا – أوّل طوباويّ من الرهبانيّة اليسوعيّة
القدّيس ستانسلاس كوستكا
أوّل طوباوي من الرهبانيّة اليسوعيّة (2)
افتتحت المؤلّفة هذا الجزء من مقالتها المشار إليها، بطائفة من الكلمات التي تُظهر كيف كانت حياة القدّيس ستانسلاس كوستكا Stanislas Kostka في دير الابتداء. ثمّ وقفت على شغفه العظيم بالعذراء مريم، وتعبّده السامي لها. ثمّ أظهرت كيف سنة 1568، تمنّى أن يكون في السماء في عيد انتقال ذه الأم البتول، وكيف تشفّع إليها بالقدّيس لورنسيوس Laurent حتّى تتنازل وتجيبه إلى التمنّي المذكور، وكيف رقد بالعليّ القدير في العيد المومأ إليه. وبعد ذلك، تحدّثت عن إعلان طوباويته، فإعلان قداسته، وأوضحت لماذا عُيِّنَ عيده في يوم وفاة شقيقه بولس Paul. ثمّ أوضحت كيف أجرى ديان الأحياء والأموات على يديه مجموعة من الكرامات الباهرة، ووضعت نصب أعين المتلقّين كرامتين من ذي الكرامات. وبعد ذلك، أظهرت كيف عمدَ بعضُ الباحثين إلى الجمع بين ترجمته وترجمة القدّيس لويس دي غونزاغا اليسوعيّ Louis de Gonzague في بوتقة واحدة، وأوردت شاهدين دالين على هذا الجمع. وأنهت المقالة بخاتمة أوجزت فيها أنفاس سيرته الحميدة، مقوّمة أيّاها، تاركة إيانا نستنشق رحيقها النظيف الورع…
مقالات هذا العدد
التَّاريخانيَّة مدخلُ الحداثة. قراءة في فكر عبدالله العروي الحداثيّ
عبدالله العروي فيلسوف ومؤرّخ وُلد في مدينة أزمور بالمغرب العام 1933. تجاوز فكره حدود بلده لينتشر في العالم العربيّ والغرب. تندرج مساهمته الفكريّة في إطار البحث الدؤوب عن أسباب التخلّف في العالم العربيّ والإسلاميّ. يعتبر العروي أنّ إخفاق الإيديولوجيا العربيّة المستمرّ في اللحاق بركب الحداثة يعود إلى التمسّك بالماضي وعدم اعتناق كلّ عناصر الحداثة الغربيّة التي تبرز نموذجًا لكلّ حداثة ومعيارًا لها. ويقترح العروي التاريخانيّة الماركسيّة وسيلة تمكِّن النخبة الفكريّة العربيّة من تجاوز تحدّياتها. لا شكّ في أنّ مقاربته تمثِّل مساهمة مهمّة لفهم العالم العربيّ فهمًا أفضل بقدر ما تثير أسئلة أساسيّة.
تمثيل جبل لبنان في «مجلس المبعوثان» العثماني 1876-1916
يعالج هذا المقال اشكالية تمثيل متصرفية جبل لبنان (1861-1918) في “مجلس المبعوثان” العثماني. في الواقع لقد طرحت الحكومة العثمانية هذا الموضوع ثلاث مرات: رفضه اللبنانيون في العام 1876، وفي العام 1908. تكرّرت الدعوة للمرة الثالثة في العام 19016 وأرغم اللبنانيون على المشاركة في الانتخابات.
لم يأت المؤرخون على معالجة هذا الموضوع معالجة دقيقة إذ انكر بعضهم اجراء انتخاب شعبي في جبل لبنان وفق القوانين العثمانية عام 1916، وقالوا باعتماد التعيين، وردد آخر إن “متصرفية جبل لبنان لم تشترك في الانتخابات العثمانية بحكم تمتعها بنظام ذاتي خاص مستقل عن السلطنة العثمانية”.
يطرح هذا المقال هذه الاشكالية ويرصد انقسام اللبنانيين والدعم الدولي الضامن لنظام المتصرفية، ويؤكد اجراء انتخابات عامة “شكلية” وانتخاب ثلاثة نواب مثلوا جبل لبنان في “مجلس المبعوثان”
الدور السياسيّ المسيحيّ في لبنان بعد اتفاق الطائف (1)
يجد المسيحيّون أنفسهم في الشرق الأوسط محاصرين بالهواجس واختلال الميزان الديموغرافي، ولم يبقوا مؤثّرين إلّا في لبنان، فمسيحيّو لبنان لطلما حافظوا على وجودهم في السلطة، وكذلك كرّسوا بعداً اجتماعيّاً متنوّعاً في المشرق، كما عزّزوا حضوراً ثقافيّاً بالغ التأثير. ووضع لبنان مهم كونه آخر معقلٍ للتعدّديّة في الشرق الأوسط، كما برز كحاضنةٍ للثقافات والتعدّديّة والتنوّع.
إلا ان لبنان في تاريخه الحديث مرّ بحقبات سياسيّة عديدة منها الحقبة المارونيّة (1943 – 1975)، التي كان القرار النهائي فيها للبُنية السياسيّة المارونيّة، أعقبتها فترة احتضارٍ استمرّت أربع عشرة سنةٍ، فقد فتحت الحرب المسيحيّة-المسيحية الباب أمام مرحلةٍ جديدة، آلت اليد العليا فيها للمسلمين وبدأ معها ما سمي بالإحباط المسيحي، وانتهت هذه الحقبة بمؤتمر الطائف 1989 ومقرّراته التي افتتحت ما اصطلحنا على تسميته ب”السنيّة السياسيّة” التي استمرّت حتّى 2005، لتعقبها “الشيعيّة السياسيّة” وهي سمة زمننا الحاضر. وقد خضع لبنان لسُلطَة الوصاية السُّوريّة ما بين العامين 1990 و 2005، حيث أدارتْ شؤونه ومؤسّساته الدُّستوريّة وفرضت عليه نظاماً أمنيّاً – استخبارتيّاً وعلاقاتٍ تعاهديّةً إستثنائيّة (معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق) تصبّ في مصلحتها.
وما يهمّنا في هذه الدراسة هو مرحلة ما بعد الطائف، حيث تميّزت هذه المرحلة بعمليّةُ ضرْب المارونيّة السياسيّة والحالة المسيحيّة عموماً الذي شَمل كُلّ مُستويات الوجود المسيحي في البلاد. سنقوم بعرض الدور السياسي المسيحي في لبنان وتحليله منذ عام 1990 ولغاية العام 2005 (تاريخ انتهاء حقبة الحريرية السياسيّة)، ومحاولة فهم الأسباب السياسيّة التي أدّت إلى تآكل أحد مكوّنات لبنان الأساسيّة والتراجع المتسارع للوجود المسيحي فيه. فما هي الأسباب التي أدّت إلى هذا التحوّل الكبير؟ وما هي مظاهر الإحباط المسيحي؟ وهل يمكن إيقاف الانحدار؟.
العروبة في الوجدان المارونيّ – تاريخ وآفاق قراءة في فكر المطران أنطوان-حميد موراني
شكّلت قضيّة العروبة في لبنان أزمة لأنّها طُرحت بشكل سلبيّ فيه تحدّ واتّهام الآخر، بدل أن تكون فرصة للتبادل والحوار والانفتاح والثقة. كما أحدثت خلافًا وتباينًا وجدلاً بين المسلمين والمسيحيين في لبنان نتيجة سوء الفهم والنظرة السلبية لمفهومها ولجذورها وأبعادها، والشكّ بالآخر المؤدّي إلى العنف والإلغاء، حتى تحوّلت أزمة طالت الوجود والهويّة.
رجع موراني بالموارنة إلى تاريخهم مُذكّرًا إياهم أنهم أصحاب رسالة في الشرق. ولهذه الرسالة وظيفة هي تحرّكهم مع التاريخ، أي تحرّك في مجال الأفق العربي وفضائه. لقد أراد إخراج الذات المارونيّة واللبنانيّة من حالة الانكفاء إلى حالة الانفتاح والتفاعل الوجوديّ. وهذا الانتقال إلى الذاتيّة العربيّة يحتاج برأيه إلى الفكر النقديّ. فهو يؤمن بأنّ عروبة لبنان هي عروبة نقدية وديناميكيّة. والعروبة النقديّة لا تعني نقد أو انتقاد الدول العربيّة أو ثقافاتها، إنما هي في وجودها تتضمن التفكير. كما أنّ موراني اختار مفهوم الوظائفيّ للعروبة، حيث اعتقد أنّ عروبة الشعب العربيّ مُختلفة من شعب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. فنحن واحد في العروبة، ولكن لكلّ واحد مهمّة يقوم بها ووظيفة تتطابق مع طبيعته ووعيه. فالعربيّ هو واحد ومُختلف.
إنّ التوجّه نحو العالم العربي بكل صدق الحرية والحقيقة والأخوّة هو وحده ما يُحقّقنا كلّنا جميعًا. وعلى هذا الأساس يرتفع مستوى عالمنا العربيّ ولا تعود العروبة قدرًا، بالنسبة للبنان، بل حريّة داخليّة ورسالة. فعروبة المُسلم هي في مستوى المُعطى التاريخيّ، أما عروبة المسيحي فهي عروبة الرّضى والاختيار. ومع ذلك يقرّ موراني بأنّ وظيفة الهويّة حاليًا هي الفضاء العربيّ. يَستنهض موراني الهمّة المارونيّة للإقبال على التّحدي الحضاريّ الأخطر أي مواجهة العروبة. فهل استطاع موراني نقل الموارنة معه إلى هذا الفضاء-التّحدي فكريًا وتاريخيًا وعلميًا وعمليًا؟
– مسيرة الحوار بين الكنيسة الكاثوليكيّة وكنيسة المشرق الأشّوريّة (1978- 2020)
يهدفُ هذا المقال إلى إظهار أهمّيّة الحوار بين الكنيسة الكاثوليكيّ وكنيسة المشرق الأشّوريّة، وقد بدأ في العصر الحديث منذ العام 1978 حتّى اليوم. وفي مقدّمته، يسردُ سردًا تاريخيًّا مراحل الحوار المسكونيّ هذا، ويسلّط الضوء على ثمار لاهوت المجمع الفاتيكانيّ الثاني (1962- 1965) والقرارات الجريئة التي اتّخذها بخصوص نظرة الكنيسة إلى ذاتها، هي التي تسعى إلى نشر المصالحة والعدالة والسلام في العالم أجمع.
شعريّة الصمت
الشعريّة في المكتوب هي الإبداع والتأثير والانحراف الأسلوبيّ والخلق والمفاجأة و” توقّع اللامتوقّع في الصورة أو المفردة أو القافية ، حيث تبديل كلمة واحدة في البيت من مكانها المألوف إلى مكان قبل أو بعد يخلق لها لمعة أبرع أو موسيقى أجمل وتنقلها من السرد العاديّ إلى اللقطة الإبداعيّة”، والشعريّة هي” أن يبني الشاعر قصيدته في تصاعد متتالٍ حتّى يبلغ قمّة في بيت، ثمّ يعود فيبني من جديد إلى قمّة أخرى”.
إنّ شعريّة الصمت هي كلّ هذه الأمور ولكنّها تأتي متولّدة من سكون مدوٍّ، ولا أقصد بهذا السكون السكتة التي تلي الجملة لترك المجال لإدراك معانيها الخاصّة الواردة فيها. إنّ معاني الصمت تتكوّن من حالات صامتة تلي أصواتًا، وتلي عبارات وجملاً. بمعنى أنّ الشعر الكبير هو هبوط إلى أسفل لجمع مكوّنات قمّة تأثيريّة جماليّة والصعود بها إلى علُ.
“إنّ جوهر الشعر لا تحدّده الكلمات، ولا المعايير النقديّة، ولا المقاييس الأكاديميّة، بل تحدّده حالة يخلقها الشاعر في قصيدته، تنتقل منها إلى القارئ وتنقله إلى حالة خاصّة من التواصل مع حالة القصيدة وحالة الشاعر معًا”. وهذه الحالة عينها ، التي يخلقها الشاعر في قصيدته، ممكن أن تكون ابنة الصمت المؤثّر الذي ينقل المتلقّي إلى عالم آخر آسر ساحر، وفي هذا الموقع أيضًا يكون الصمت شعريًّا.
نشوء الحداثة ومتناقضاتها اليوم وتغيير الذهن العربيّ
الإنسان هو الموضوع الأوّل والأخير، وكلّ تجربة لا يتوسّطها الإنسان هي تجربة سخيفة .
المجتمع العربيّ المعاصر تائهٌ بين الأخذ بأسباب الحداثة والرجوع إلى التراث؛ إذ يجد الإنسان العربيّ نفسه حائرًا بينهما. فالتراث، من قيمٍ ومُثل وأعراف ولغة ودين وأدب..، لم يتدخّل الإنسان العربيّ المعاصر في بنائه، ولم يستشر في اختياره. لذلك، فالتراث يفرض نفسه من دون حريّة اختيار من قِبل أفراد لا يعاصروننا ويعبّرون من خلاله عن قيم عصرهم .لم يستثمر الإنسان العربيّ المعاصر أيضا في الحداثة وتوجّهاتها العامّة؛ بل هي مفروضة عليه كذلك من قِبَل آخرين يعاصرونه (الغرب المختلف قيمًا وتمثّلات متعدّدة) من العلمانيَّة في الدِّين، والديموقراطية في الحكم، والرأسماليَّة في الاقتصاد، والتقنيَّة في العلم، ومن الجماعة إلى الفرد والثورة الصناعية والتقنية في العلم، والنزعة الإنسانية التي ترجع للإنسان حقه في الوجود، وقدرته على تسخير الطبيعة وبناء المؤسَّسات . فالحداثة قطار لا يشاور أحدًا في الانطلاق والاستمرار، ويفرض على الأفراد ركوبه سواء أمؤهّلين كانوا أم عاجزين . يمسي الإنسان العربيّ اليوم رهنًا بين أمرين لم يخترهما. لذلك، فإنَّ الصراع القيميّ والثقافيّ الذي يعيشه الوجدان والفكر مردّه إلى صراع دائر بين تراث لم نشيَّده وحداثة لم نبنها.
الكتابة الصحافيّة بين الأدب والمجتمع – كتاب ” الرحّالة ” لسامي كليب أنموذجًا
يأتي اهتمام الدراسات والأبحاث العلميّة والأكاديميّة بموضوع الكتابة الصحافيّة وبتأثيراتها الاجتماعيّة في سياق طبيعيّ، بسبب الارتباط العضويّ بين المجتمع والإعلام. كما أنّ العلاقة بين الأدب والصحافة قد تبدو ملتبسة، ففي الوقت الذي يرى بعضهم أنّ الصحافة تحدّ من طاقة الأديب وتضع أمامه قيودًا ليبقى موضوعيًّا وبعيدًا من نسج ذاته، يرى آخرون أنّ الأمر يغني تجربته ويضيف مساحات تعبيريّة غير محدودة. فيدرس هذا البحث تأثير المجتمع في الكتابة الصحافيَّة باعتباره مادّتها وهدفها، كما يدرس دور الصحافة في بلورة صورة المجتمع، وفي قدرتها على التغيير المجتمعيّ، وذلك في محاولة لإيجاد منصّة حوار بين الشعوب. نقل كتاب الرحّالة للإعلامي سامي كليب أخبارًا، وعكس وقائع حياة الناس في بلدان زارها لدواعٍ صحافيّة، وصوّر تقاليد شعوب وثقافاتها، من مشارق الأرض ومغاربها، بلغة تراوحت بين الإبلاغيّة حينًا والإبداعيّة أحيانًا؛ لذا كان مادّة الدراسة.
التقويم التربويّ: تعريفه، أنواعه، وأهدافه
يُعدّ التقويم التربويّ عمليّةً متزامنةً والتعلّم فهو جزءٌ لا يتجزّأ من عمليتيّ التعلّم والتعليم، يستمرّ باستمرارها ويهدف إلى إعطاء صورةٍ عن نموّ التلميذ في جميع جوانبه. ويعتمد على عددٍ من المبادئ والأسس التي تجعله أوسع من القياس الّذي يُعتبر كمؤشّرٍ يُستعمل من قبل التقويم في سبيل تنمية مهارات التلميذ وقدراته وتحسين العمليّة التعليميّة وتطويرها.
كما يُعتبر التقويم عمليّةً إجرائيّةً تستند إلى مجموعةٍ من الأدوات والأساليب الّتي ترمي إلى تعرّف مدى تحقيق التلميذ لغايات التعلّم بما يتضمّنه من خبراتٍ تعليميّةٍ تشمل المعارف والقيم والاتّجاهات والمسلّمات بُغية مساعدته على النموّ بكلِّ جوانبه. وقد قُسّم هذا التقويم إلى أربعة أنواعٍ هي: التقويم التشخيصيّ، والتقويم التكوينيّ البنائيّ أو التطويريّ، والتقويم النهائيّ أو الختامي، وتقويم المتابعة.
ويهدف التقويم التربويّ بأنواعه كافّةً إلى التّحقّق من مدى مسير العمليّة التعليميّة في الاتّجاه الصحيح عبر مجموعةٍ من الإجراءات السليمة التي تساعد في تقويم الأهداف التربويّة بدقّةٍ وصدقيّةٍ ومنهجيّةٍ سليمةٍ، وفي سبيل تقديم صورةٍ حقيقيّةٍ لواقع هذه العمليّة ولمدى بلوغها الأهداف المنشودة، ما يتيح بتوجيه برامجنا المستقبليّة الوجهة الصحيحة.
مريم بين السورة والصورة
إنّ العبارة: “وَرَتِّل القُرآنَ تَرْتِيلا”، ترجّح أنّ قسمًا من القرآن، هو كتاب صلاة. وسورة مريم هي مجموعة أناشيد، منها قصة مريم. جُمعت أحداث متتالية في النصّ، على طريقة الالحان الليتورجية، وهي:
– لجوء مريم إلى النخلة وأكلها من ثمارها وقت هربها إلى مصر عبر صحراء سيناء
– خروج نبع الماء وارواء عطشها
– شَكّ أهلها ببتوليّتها، “وأشارت اليه” ليبرئها
– نُطق الطفل وإعلانه رسالته فهو: عبدالله أي انسان كامل، ونبي يمارس التعليم والهداية بالكتاب الذي يحمله بيده، كما يصوَّر في الايقونات، وهو في حضن أمّه، وكبش فداء، فهو سيموت ويبعث حيّا، كما يجري في القداس، وهذا ما صوّرته الايقونات السريانية والقبطية والارمنية حيث يولَد المسيح على مذبح.
“والدة الإله: هيكل الربّ” – سلطة الليترجيا اللاهوتيّة في الأعياد المريميّة
يعالج هذا المقال موضوع الأعياد المريميّة وتتضمّن ولادة مريم ودخولها الهيكل ورقادها. فما سلطة العيد المريميّ وأهمّيّته؟ وقد اختار المؤلّف عيد تقدمة والدة الإله إلى هيكل أورشليم وهي طفلة، مبيّنًا، أوّلًا، جوانبَ هذا الحدَث التاريخيّة والجوهريّة، وطريقة الاحتفال به بحسب سلطته المبنيّة على كتاب منحول أي إنجيل يعقوب التمهيديّ، وثانيًا، سلطة العيد المريميّ استنادًا إلى بُعد العبادة الكريستولوجيّ، إذ تحتلّ الإفخارستيّا النقطة المركزيّة فترتفع التسابيح نحو الثالوث الأقدس.
القدّيس ستانسلاس كوستكا – أوّل طوباويّ من الرهبانيّة اليسوعيّة
القدّيس ستانسلاس كوستكا
أوّل طوباوي من الرهبانيّة اليسوعيّة (2)
افتتحت المؤلّفة هذا الجزء من مقالتها المشار إليها، بطائفة من الكلمات التي تُظهر كيف كانت حياة القدّيس ستانسلاس كوستكا Stanislas Kostka في دير الابتداء. ثمّ وقفت على شغفه العظيم بالعذراء مريم، وتعبّده السامي لها. ثمّ أظهرت كيف سنة 1568، تمنّى أن يكون في السماء في عيد انتقال ذه الأم البتول، وكيف تشفّع إليها بالقدّيس لورنسيوس Laurent حتّى تتنازل وتجيبه إلى التمنّي المذكور، وكيف رقد بالعليّ القدير في العيد المومأ إليه. وبعد ذلك، تحدّثت عن إعلان طوباويته، فإعلان قداسته، وأوضحت لماذا عُيِّنَ عيده في يوم وفاة شقيقه بولس Paul. ثمّ أوضحت كيف أجرى ديان الأحياء والأموات على يديه مجموعة من الكرامات الباهرة، ووضعت نصب أعين المتلقّين كرامتين من ذي الكرامات. وبعد ذلك، أظهرت كيف عمدَ بعضُ الباحثين إلى الجمع بين ترجمته وترجمة القدّيس لويس دي غونزاغا اليسوعيّ Louis de Gonzague في بوتقة واحدة، وأوردت شاهدين دالين على هذا الجمع. وأنهت المقالة بخاتمة أوجزت فيها أنفاس سيرته الحميدة، مقوّمة أيّاها، تاركة إيانا نستنشق رحيقها النظيف الورع…