الإنسان هو الموضوع الأوّل والأخير، وكلّ تجربة لا يتوسّطها الإنسان هي تجربة سخيفة .
المجتمع العربيّ المعاصر تائهٌ بين الأخذ بأسباب الحداثة والرجوع إلى التراث؛ إذ يجد الإنسان العربيّ نفسه حائرًا بينهما. فالتراث، من قيمٍ ومُثل وأعراف ولغة ودين وأدب..، لم يتدخّل الإنسان العربيّ المعاصر في بنائه، ولم يستشر في اختياره. لذلك، فالتراث يفرض نفسه من دون حريّة اختيار من قِبل أفراد لا يعاصروننا ويعبّرون من خلاله عن قيم عصرهم .لم يستثمر الإنسان العربيّ المعاصر أيضا في الحداثة وتوجّهاتها العامّة؛ بل هي مفروضة عليه كذلك من قِبَل آخرين يعاصرونه (الغرب المختلف قيمًا وتمثّلات متعدّدة) من العلمانيَّة في الدِّين، والديموقراطية في الحكم، والرأسماليَّة في الاقتصاد، والتقنيَّة في العلم، ومن الجماعة إلى الفرد والثورة الصناعية والتقنية في العلم، والنزعة الإنسانية التي ترجع للإنسان حقه في الوجود، وقدرته على تسخير الطبيعة وبناء المؤسَّسات . فالحداثة قطار لا يشاور أحدًا في الانطلاق والاستمرار، ويفرض على الأفراد ركوبه سواء أمؤهّلين كانوا أم عاجزين . يمسي الإنسان العربيّ اليوم رهنًا بين أمرين لم يخترهما. لذلك، فإنَّ الصراع القيميّ والثقافيّ الذي يعيشه الوجدان والفكر مردّه إلى صراع دائر بين تراث لم نشيَّده وحداثة لم نبنها.

Share This