كاتب
محور
مجلد
سنة
مقال
افتتـاحيّــة العدد الأحدث
اقرأ الافتتاحيّة كاملةً
عبثيَّة الحروب والحقُّ في الحياة
تُعدُّ الحروب واحدةً من أقدم الظَّواهر وأبشعها الَّتي عرفتها البشريَّة، وتترك آثارًا عميقة على المجتمعات والأفراد. وعلى الرُّغم من التَّقدُّم الَّذي أحرزته البشريَّة في مختلف المجالات، إلَّا أنَّ الحروب لا تزال تفتك بالبشر وتدمِّر الحضارات. وما يجري على أرض لبنان...
مقالات العدد الأحدث
عبثيَّة الحروب والحقُّ في الحياة
تُعدُّ الحروب واحدةً من أقدم الظَّواهر وأبشعها الَّتي عرفتها البشريَّة، وتترك آثارًا عميقة على المجتمعات والأفراد. وعلى الرُّغم من التَّقدُّم الَّذي أحرزته البشريَّة في مختلف المجالات، إلَّا أنَّ الحروب لا تزال تفتك بالبشر وتدمِّر الحضارات. وما يجري على أرض لبنان وغزَّة وأوكرانيا والسُّودان وبلدان أخرى من تدميرِ الحضارات وعماراتها الثَّقافيَّة وتسويتِها بالأرض، عدا عن إزهاق الأرواح البريئة، يؤكِّد عبثيَّة الحروب وانتهاكها حقَّ الإنسان الأساسيّ في الحياة.
كلُّنا يعلم رأيَ الفيلسوف توماس هوبز في الطَّبيعة البشريَّة وفي منشأ الحروب. ففي كتابه الشَّهير «اللفياثان» (1651 – Leviathan) يصف الفيلسوف الإنجليزيّ حالة الطَّبيعة البشريَّة بأنَّها «حرب الكلِّ ضدَّ الكلّ»، حيث يسعى كلُّ فرد إلى تحقيق مصالحه الخاصَّة، وكلُّ جماعة من أجل الوصول إلى تحقيق مآربها الفئويَّة من دون قيود. ولتجنُّب هذه الحالة الفوضويَّة، يرى هوبز أنَّ البشر بحاجة إلى عقد اجتماعيّ لتكوين دولة قويَّة تحافظ على الأمن والاستقرار. وبينما يركِّز هوبز على دور الدَّولة في الحفاظ على السَّلام، ينفتح المجال على اندلاع العنف، فتسلِّط أفكارُه الضَّوء على العواقب الوخيمة للحروب والصِّراعات.
أمَّا الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط فيرى أنَّ الحرب هي حالة غير طبيعيَّة للإنسان، وأنَّ العقل يُملي علينا السَّعي إلى السَّلام، معتبرًا أنَّ «قانون الحرب» يتضمَّن إشكاليَّة مزدوجة من حيث أساسه. فالحرب لا تحدِّد القانون، ولا تملك قوَّة القانون – من حيث تطبيقه – لأنَّنا لا نستطيع أن نستنتج القانون من الواقع. ويقول إنَّ العقلانيَّة هي السَّبيل الوحيد لتحقيق السَّلام الدَّائم بين الدُّول. فهو يدعو إلى تأسيس مجتمعٍ دوليٍّ قائمٍ على القانون والعدالة، حيث تتمُّ تسوية الخلافات بالطُّرق السِّلميَّة.
أمَّا البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة، فيشدِّد باستمرار على أهمِّيَّة السَّلام والعدالة في العالم، معتبرًا الحروب عبثًا مطلقًا ومأساة إنسانيَّة وهزيمة للبشريَّة لا يمكن تبريرها، داعيًا إلى الحوار والتَّفاهم بين الشُّعوب. يرى البابا أنَّ كلَّ إنسان هو عطاء إلهيّ وذلك ما تقوله الأديان، وفي المسيحيَّة هو ابن الله، وبالتَّالي فإنَّ قتل أيِّ شخص هو انتهاك لحرمة الحياة. كما يؤكِّد ضرورة العمل من أجل بناء عالَمٍ أكثر عدلًا ومساواة، حيث يتمتَّع الجميع بحقوقهم الأساسيَّة، بما في ذلك الحقُّ في الحياة.
وهكذا فإنَّ الحروب، أكانت من الطَّبيعة أم لا، هي عبثيَّة لأنَّها لا تحقِّق أيَّ فائدة حقيقيَّة للبشريَّة بل تقضي على الحياة الفرديَّة والثَّقافات لا بل الحضارات، إذْ تدمِّر الممتلكات والبنية التَّحتيَّة، وتقتل الأبرياء، وتشرِّد الملايين، وتؤدِّي إلى الكراهية والانتقام. كما أنَّها تستهلك الموارد الَّتي يمكن استخدامها لتحسين حياة النَّاس. ويبقى القهر على مَن غادروا، ضحايا، من كلِّ وطنٍ وبلاد شاركوا في الحرب، بينما السَّعادة تغمر تُجَّار السِّلاح، وحدَهم، فاقدي الضَّمير والدِّين.
إنَّ الحقَّ في الحياة هو حقٌّ أساسيّ لكلِّ إنسان، وهو حقٌّ غير قابل للتَّفاوض. والحروب هي انتهاك صارخ لهذا الحقّ. فكلُّ إنسان له قيمة وكرامة، ويجب احترامهما.
وبما أنَّ الدِّين والفلسفة يتَّفقان على أنَّ الحروب هي شرّ، وأنَّ السَّلام هو الهدف الأسمى للإنسانيَّة، فعلى الجميع أن يعملوا على إنهاء هذه الحروب بالتَّربية. فالأديان السَّماويَّة تدعو إلى المحبَّة والسَّلام، والفكرُ الإيجابيّ وحده، ضمن الحوار واحترام القانون وأسس العدالة وتهميش العصبيَّات الدِّينيَّة والقوميَّة، يقدِّم إلينا أدوات التَّفكير النَّقديّ لمساعدتنا على فهم أسباب الحروب وإيجاد حلول لها.
الأب سليم دكَّاش اليسوعيّ: رئيس تحرير مجلَّة المشرق. رئيس جامعة القدِّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتِّحاد الدَّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز شهادة دكتوراه في العلوم التَّربويَّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، وشهادة دكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السُّوربون 1 (1988)، ويدرِّس فلسفة الدِّين والحوار بين الأديان والرُّوحانيَّة السِّريانيَّة في كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة في الجامعة اليسوعيَّة.
موقف الكنيسة من الدَّولة بين الرَّفض والقبول- قراءة في خِبرة الكنيسة في القرنَين الثَّاني والثَّالث
في القرنين الثَّاني والثَّالث اضْطلعت الكنيسة، الَّتي غالبًا ما يُطلَق عليها اسم «كنيسة الشُّهداء»، بدور حاسم في تحديد علاقتها بالدَّولة. في أثناء تلك الفترة، ورغم أنَّ الكنيسة كانت تُصلِّي من أجل أصحاب السُّلطة، فقد كانت تعارض بشدَّة تلك السُّلطة عندما كانت تطالبُها بعبادة آلهةِ الدَّولة أو الاعتراف بألوهيَّة الإمبراطور. وذلك الموقف الواضح في مواجهة مَطالب الدَّولة عرَّض الكنيسةَ للاضْطهاد، وأشار، بتزايد، إلى الفصل بين السُّلطة الرُّوحيَّة والسُّلطة السِّياسيَّة.
ولكن، إضافةً إلى الموقف المناهض الدَّولة، تُظهر الأدبيَّات المسيحيَّة في تلك الفترة أيضًا موقفًا متردِّدًا تجاه الدَّولة، يتراوح بين القبول والرَّفض. فبعض الكتَّاب المسيحيِّين كان يرَى في الإمبراطوريَّة جزءًا من القصد الخلاصيّ، ما دفع لاحقًا بعضَ المفكِّرين، مثل القدِّيس أوغسطينُس، إلى اعتبار الدَّولة أداةً زمنيَّة في خدمة الكنيسة. وقد مهَّد هذا التَّصوُّر الطَّريق لقرون من حالات الشَّدِّ بين الكنيسة والدَّولة، الَّتي لم تتَّضح معالمها بالكامل إلَّا في المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني. في أثناء هذا المجمع، أعادت الكنيسة تأكيد فصلها عن المجال السِّياسيّ مع الحفاظ على دورها الخُلقيّ والرُّوحيّ، حيث كانت تدعم الدَّولة عندما كانت تحترم واجباتها، وتعارضُها عندما تتجاوزُها.
كلمات مفتاحيَّة: علاقة الكنيسة بالدَّولة – كنيسة الشُّهداء – الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة – قبول الدَّولة – رفض الدَّولة – الفصل بين الدِّين والدَّولة – وظيفة الدَّولة – المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني – الحرِّيَّة الدِّينيَّة.
Le positionnement de l’Église vis-à-vis de l’État entre refus et acceptation
Une lecture de l’expérience de l’Église aux IIe et IIIe siècles
P. Salah Aboujaoudé
Aux deuxième et troisième siècles, l’Église, souvent appelée « l’Église des martyrs », a joué un rôle crucial dans la définition de sa relation avec l’État. Durant cette période, bien qu’elle priât pour les détenteurs du pouvoir, l’Église s’opposait fermement à l’autorité lorsque celle-ci exigeait de vénérer les dieux de l’État ou de reconnaître la divinité de l’empereur. Cette opposition claire face aux demandes de l’État exposait l’Église à des persécutions, tout en marquant une distinction croissante entre l’autorité spirituelle et l’autorité politique. t
Malgré cette résistance, la littérature chrétienne de l’époque montre une attitude ambivalente envers l’État, alternant entre acceptation et rejet. Certains écrivains chrétiens percevaient l’empire comme faisant partie du dessein divin de salut, ce qui a conduit plus tard certains penseurs, comme saint Augustin, à voir l’État comme un outil temporel au service de l’Église. Cette vision a préparé le terrain pour des siècles de tensions entre l’Église et l’État, qui ne seront pleinement clarifiées qu’au concile Vatican II. Durant ce concile, l’Église a réaffirmé sa séparation de la sphère politique tout en conservant son rôle de guide moral et spirituel, soutenant l’État lorsqu’il respectait ses devoirs et s’opposant à lui lorsqu’il les dépassait. t
Mots clés : La relation entre l’Église et l’État – L’Église des martyrs – L’Empire romain – L’acceptation de l’État – Le refus de l’État – La séparation entre la religion et l’État – La fonction de l’État – Le Concile Vatican II – La liberté religieuse. t
الأب صلاح أبو جوده اليسوعيّ: نائب رئيس جامعة القدِّيس يوسف، وعميد كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة. له عدد من المؤلَّفات اللَّاهوتيَّة والسِّياسيَّة الصَّادرة عن دار المشرق، منها السُّنون العجاف – 2018، ومخاض الدِّيموقراطيَّة في لبنان والشَّرق الأوسط – 2014، وهويَّة لبنان الوطنيَّة، نشأتها وإشكاليَّاتها الطَّائفيَّة – 2008.
لويس ماسينيون والقضيَّة الفلسطينيَّة
يُلاحَظ صمت نسبيّ من جانب المرجعيَّات الدِّينيَّة الكبرى تقليديًّا، المسيحيَّة والإسلاميَّة، أمام هول العنف واستمراره في الأراضي المقدَّسة. يكرِّس هذا الصَّمت حالة تراجع مطَّرد عن أخذ الجانب الرُّوحيّ لقضيَّة فلسطين بعين الاعتبار من قِبل جهات نفترض أن تكون معنيَّة بمجريات الأحداث؛ فكأنَّ «قضيَّة الأراضي المقدَّسة» لم يعد لها مع القداسة علاقة تُذكر.
شهد موقف لويس ماسينيون (1883-1962) في هذه القضيَّة انقلابًا جذريًّا انتقل من داعمٍ للصُّهيونيَّة إلى مناهض شديد لها، مع احتفاظه بصداقة اليهود واحترامهم شعبًا وديانةً، بينما تبلور موقفه المُطالب بالعدالة ليتأسَّس على البُعد الكتابيّ لمفهوم الضِّيافة ويتغذَّى من إشعاع غاندي (المعاصر له) في مقاومته المدنيَّة اللَّاعنفيَّة من أجل الحقِّ، وفي شهادة حياته وموته.
عبَّر ماسينيون، العارف بتاريخ العرب ولغتهم، وبالإسلام، والمؤمن الكاثوليكيّ الملتزم، والكاهن منذ 1950، في كتابات مختلفة (خصوصًا بين 1948 و1954) عن منظور للقضيَّة الفلسطينيَّة عكس في بعض النِّقاط موقف الكنيسة الكاثوليكيَّة في ذلك الوقت، وهو موقف لزمت الكنيسة الصمت عنه لاحقًا، بينما تجاوزته مقاربة ماسينيون في عمق منطلقها.
أَنشُد من هذه الدِّراسة، ، وبروح الانتماء البنويّ إلى الكنيسة الَّذي به كتب ماسينيون ونشط ونقَد «الغرب المسيحيّ»، إعادة تقديم الرُّوحانيَّة الَّتي أسَّس عليها طروحاته، منذ ثلاثة أرباع القرن، في ظروف شابهت، من نواحٍ عديدة، ظروف اليوم، وكانت مقدِّمة لها؛ لعلَّ في ذلك ما يلهم لدى الكنيسة (قلِ الكنائس) رؤيا، وموقفًا صريحًا، وصادقًا بمسؤوليَّة مع الجميع، أمام ما يقع من أحداث تاريخيَّة بل ربَّما إسكاتولوجيَّة! ودورًا نبويًّا في حمل راية سلامٍ يبقى ممكنًا بحسب رجائها.
كلمات مفتاحيَّة: ماسينيون – الأرض المقدَّسة – فلسطين- إبراهيم – غاندي – ضيافة – لجوء – سلام – الكنيسة.
Louis Massignon et la question Palestinienne
On note un silence relatif de la part des principales autorités religieuses traditionnelles, tant chrétiennes que musulmanes, face à l’ampleur massive et continue de la violence en Terre sainte. Ce silence perpétue un déclin constant de la prise en compte de l’aspect spirituel de la question palestinienne par des parties que nous supposerions préoccupées par le cours des événements. Tout se passe comme si la « question de la Terre sainte » n’a pas beaucoup à voir avec la sainteté. t
La position de Louis Massignon (1883-1962) sur cette question connaît un changement radical : le partisan du sionisme devient progressivement un farouche opposant, tout en gardant une profonde amitié pour le peuple juif et le judaïsme, tandis que son attitude réclamant la justice a mûri en se fondant sur la dimension biblique du concept d’hospitalité, et se nourrissant par le rayonnement de Gandhi, son contemporain, dans sa résistance civile non violente et par le témoignage de sa vie et de sa mort. t
Massignon, fin connaisseur de l’histoire des Arabes, de leur langue et de l’Islam, croyant catholique engagé, prêtre à partir de 1950, a exprimé dans divers articles, (surtout entre 1948 et 1954) une approche de la question palestinienne qui a reflété en quelques points les attitudes de l’Église catholique de l’époque (dont elle a ensuite gardé silence), approche qui a dépassé, dans son profond point de départ, ces attitudes. t
À travers cette étude, je cherche, dans un esprit d’appartenance filiale à l’église, à présenter à nouveau la spiritualité sur laquelle Massignon fondait ses propositions, il y a trois quarts de siècle, dans des circonstances qui, à bien des égards, sont similaires à celles d’aujourd’hui et qui en ont été précurseurs. Peut-être cela inspirera-t-il un renouveau de la vision de l’Église (ou des Églises), une attitude franche et amicale envers chacun – une amitié responsable – face aux événements historiques (et peut-être même eschatologiques) qui se produisent, ainsi qu’un rôle prophétique pour porter l’étendard de la paix qui reste possible selon son espérance. t
Mots clés : Massignon – Terre sainte – Histoire – Palestine –Abraham – Gandhi – Hospitalité – Refuge – Paix – Eglise. t
الأستاذ أديب الخوري : باحث، ومترجم، ومدرِّس. مُجاز في الرِّياضيَّات والمعلوماتيَّة من كلّيِّة العلوم – جامعة دمشق. عضو في الجمعيَّة الكونيَّة السُّوريَّة. من منشوراته في التَّرجمة الفرنسيَّة والإنجليزيَّة: أجمل المعادلات الرِّياضيَّة (بيروت: أكاديميا، 1996). ويوميّات القراءة، ألبرتو مانغويل (بيروت: دار السّاقي، 2015). وله أيضًا: تعليم جديد من أجل عالم مختلف (دمشق: معابر، 2015).
المجتمع والدُّستور والدَّولة عند أرنست-فولفغانغ بوكنفوردي
تناقش هذه المقالة نظريَّة أرنست فولفغانغ بوكنفوردي الدُّستوريَّة . صاحبُها الفيلسوف والدُّستوريّ الألمانيّ، الَّذي يربط البعد الاجتماعيّ السِّياسيّ في قيام الدُّستور بـ «روح الشَّعب»، باعتباره سلطة تأسيسيَّة بأصوات ممثّليها. لكنّ بوكنفوردي يضيف عوامل أخرى في هذه العمليّة، مثل القانون الطَّبيعيّ كمصدر معياريّ. ومن ثمّ يقيم علاقة ديناميكيّة بين الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة والمكوِّنات المجتمعيّة. تسلِّط هذه العلاقة الضَّوء على الدَّور الحاسم للشَّعب في المشاركة السِّياسيَّة الفعَّالة. ووفقًا لهذه العلاقة، ينسب بوكنفوردي إلى الشَّعب سلطة إعادة النَّظر في شرعيّة الدُّستور، مثل تعديله النّسبيّ أو المنهجيّ. وهذا يعني أنّ هذه النَّظريَّة الدُّستوريَّة تضع ثقلها على «روح الشَّعب» بطبيعته التّفاعليَّة وقوَّته التَّأسيسيَّة باعتباره لحظة لا عودة عنها في علاقتها بالدُّستور.
كلمات مفتاحيَّة: الدُّستور – الدَّولة – روح الشَّعب – ما بعد الدَّهرنة – الدَّهرنة – الإرادة السِّياسيّة – العقد الاجتماعيّ – المعياريّ – السُّلطة المُنشِئة - السُّلطة المُنشَأة.
Société, État et constitution chez Ernst-Wolfgang Böckenförde
Théodore Rai
Cet article traite de la théorie constitutionnelle chez Ernst-Wolfgang Böckenförde, philosophe et constitutionnel allemand, qui relie la dimension socio-politique, ou «l’esprit du peuple», en tant que pouvoir constituant par les voix de ses représentants. Mais Böckenförde fait inclure d’autres facteurs à ce processus, comme la loi naturelle comme source normative. Il a donc une relation dynamique entre la légitimité constitutionnelle et les composantes sociétales. Cette relation met en relief le rôle crucial du peuple dans une participation politique effective. D’après cette relation, Böckenförde attribue au peuple un pouvoir de revisiter la légitimité de la constitution, comme son amendement relatif ou systématique. Ceci dit que cette théorie constitutionnelle met le poids sur «l’esprit du peuple» dans sa nature interactive et son pouvoir constituant comme un moment irréversible dans sa relation à la constitution. t
Mots-clés : la constitution – L’État – l’esprit du peuple – post sécularisation – sécularisation – la volonté politique – pacte social – normatif – pouvoir constituant – pouvoir constitué. t
الأستاذ تيودور الرَّاعي: حائز إجازة في العلوم السِّياسيّة والإداريَّة في الجامعة اللُّبنانيَّة، كلِّيَّة الحقوق والعلوم السِّياسيَّة والإداريَّة – الفرع الثَّاني. وهو حاليًّا طالب سنة ثانية دراسات معمَّقة (M2) في العلوم السِّياسيّة في الجامعة نفسها، ويجيد اللّغات: الفرنسيَّة والإنجليزيَّة والألمانيَّة.
دور مدينتَي بيروت واﻹسكندريَّة في تجارة الحرير بين السَّلطنة المملوكيَّة وأوروبَّا
إبَّان العصر المملوكيّ، عرفت مدينتا بيروت والإسكندريَّة تطوُّرًا اقتصاديًّا، وكان لهما دور رئيسيّ في تجارة الحرير، إذ إنَّ تصدير الحرير إلى أوروبَّا كان محصورًا بمينائَي هاتين المدينتين فحسب، ما جعلهما مقصدًا للتُّجَّار الأوروبِّيِّين وفي طليعتهم التُّجَّار البنادقة الَّذين نظُّموا خطوطًا تجاريَّة بحريَّة تعمل عليها السُّفن بشكل منتظم لنقل الحرير والتَّوابل من بيروت والإسكندريَّة إلى مدينة البندقيَّة.
كلمات مفتاحيَّة: بيروت – الإسكندريَّة – الحرير – البندقيَّة – السَّلطنة المملوكيَّة – المودا – البحر المتوسِّط – التِّجارة.
Le rôle des villes de Beyrouth et d’Alexandrie dans le commerce de la soie entre le sultanat mamelouk et l’Europe
Dr. Pierre Moukarzel
À l’époque mamelouke, les villes de Beyrouth et d’Alexandrie ont connu un développement économique. Elles jouèrent un rôle majeur dans le commerce de la soie dont l’exportation vers l’Europe se limitait aux ports de ces deux villes devenues une destination pour les marchands européens, notamment les marchands vénitiens qui organisaient des lignes commerciales maritimes sur lesquelles les navires opéraient régulièrement pour transporter la soie et les épices de Beyrouth et d’Alexandrie vers la ville de Venise. t
Mots-clés : Beyrouth, Alexandrie, la soie, Venise, le sultanat mamelouk, la Muda, la Méditerranée, le commerce.. t
الدُّكتور بيار مكرزل: حائز شهادة الدّكتوراه في التَّاريخ الوسيط من جامعة بواتييه (فرنسا)، معهد الدِّراسات العليا لحضارة القرون الوسطى. ومتخصِّص بتاريخ المماليك (1250-1517) والعلاقات بين أوروبَّا والشَّرق في القرون الوسطى. أستاذ مادَّة التَّاريخ الوسيط في كلِّيَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة (الفرع الثّاني) في الجامعة اللُّبنانيَّة. ومحاضر في جامعات لبنانيَّة وأوروبيَّة.
العمل التَّعاونيّ معيار لفعَّاليَّة التَّعليم في المدارس الرَّسميَّة في لبنان
يسلِّط هذا النَّصّ الضَّوء على تأثير التَّعاون في التَّعليم استجابةً للتَّحدِّيات المتزايدة الَّتي تواجهها الأنظمة المدرسيَّة. وعلى مدى العقود الماضية، بدأت بلدان عدَّة بتطبيق إصلاحات مدرسيَّة تهدف إلى تحقيق اللَّامركزيَّة في سلطة اتِّخاذ القرارات، وحثِّ الجهات الفاعلة في مجال التَّعليم على اعتماد أشكال جديدة من التَّعاون. وبالتَّالي، يُعتبر العمل التَّعاونيّ أداة أساسيَّة لتحسين نوعيَّة التَّعليم وتحقيق نجاح التَّلاميذ. وتستعرض الدِّراسة، الَّتي تمَّ إجراؤها في لبنان وتشمل مديري المؤسَّسات التَّعليميَّة الثَّانويَّة الرَّسميَّة ومعلِّميها، مختلفَ جوانب هذا التَّعاون، كالالتزام وآليَّات التَّعاون وأنواعه. وتُظهر النَّتائج أنَّ التَّعاون، لا سيَّما عبر الحوار وتبادل الموارد والمسؤوليَّة المهنيَّة، ضروريّ لنموّ المعلِّمين على الصَّعيد المهنيّ والابتكار التَّربويّ. ويحثّ مديرو المؤسَّسات التَّعليميَّة على تطبيق هذه الممارسات ويسلِّطون الضَّوء على أهمِّيَّة استقلاليَّة المعلِّمين واتِّخاذ القرارات الأخلاقيَّة وإدارة النِّزاعات. وتشدِّد هذه الدِّراسة على أنَّ نجاح التَّعليم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإنشاء مجتمع تعليميّ قائم على التَّعاون والالتزام المهنيّ.
كلمات مفتاحيَّة: الالتزام المهنيّ – المسؤوليَّة – البُعد العلائقيّ – المجتمع التَّعليميّ.
Le travail collaboratif, un critère d’efficacité de l’enseignement, dans les établissements publics au Liban
Dr. Talar Oumoudian
Le texte suivant souligne l’impact de la collaboration dans l’enseignement, en réponse aux défis croissants auxquels font face les systèmes scolaires. Ces dernières décennies, de nombreux pays ont initié des réformes scolaires visant à décentraliser le pouvoir décisionnel et à promouvoir de nouvelles formes de collaboration parmi les acteurs de l’éducation. Le travail collaboratif est ainsi reconnu comme un outil central pour améliorer la qualité de l’enseignement et la réussite des élèves. L’étude réalisée au Liban, impliquant des chefs d’établissements et des enseignants de lycées publics, explore divers aspects de cette collaboration, tels que l’engagement, les mécanismes et les types de coopération. Les résultats montrent que la collaboration, notamment par le dialogue, l’échange de ressources et la responsabilité professionnelle, est essentielle au développement professionnel des enseignants et à l’innovation pédagogique. Les chefs d’établissement encouragent ces pratiques en mettant en avant l’importance de l’autonomie des enseignants, de la prise de décision éthique, et de la gestion des conflits. Cette étude souligne que le succès de l’enseignement est étroitement lié à la création d’une communauté d’apprentissage fondée sur la coopération et l’engagement professionnel. t
Mots-clés: engagement professionnel – responsabilité – dimension relationnelle – communauté d’apprentissage. t
الدُّكتورة تالار أموديان: حائزة شهادة الدُّكتوراه في العلوم التَّربويَّة في جامعة القدِّيس يوسف، وموضوعها «الأخلاقيَّات المهنيَّة للمعلِّم». مُدرِّسة مادَّة العلوم الطَّبيعيَّة في ثانويَّة بيت شباب الرَّسميَّة. من أبحاثها المنشورة: «الأخلاقيَّة المهنيَّة للأساتذة»، و«إدماج التِّكنولوجيا في تعليم العلوم الطَّبيعيَّة في الصُّفوف الثَّانويَّة»، و«مرض السُّكّريّ عند الأطفال».
اللَّاأرخيَّة – نحو مصطلحٍ جديد
تستكشف هذه الدِّراسة مفهوم «الأرخيّة» وضرورة استخدامه، من الآن فصاعدًا، في الفلسفة العربيَّة من خلال تحليل أصول الكلمة اليونانيَّة «ἀρχή» واستخداماتها الشَّائعة في التَّرجمة. يجادل الكاتب بأنَّ التَّعريفات الحاليَّة للأرخيَّة لا تنقل كامل دلالاتها، ويقترح العودة إلى أصل المصطلح اليونانيّ لفهم أعمق. ويُقدِّم الكاتب تعريفًا جديدًا للأرخيَّة كمبدأ أساسيّ يكوِّن الواقع ويمنحه بنيته. وأخيرًا، يسلِّط الضَّوء على أهمِّيَّة هذا التَّعريف الجديد لفهم أبعاد الأرخيَّة وتأثيراتها في الفكر المعاصر بكلِّ أبعاده.
كلمات مفتاحيَّة: أرخيَّة – فوضى- مصطلح – لاسلطويَّة – خاوس.
La-Archia : vers un nouveau concept en arabe
Dr. Frank Darwiche
Cette étude explore le concept d’« archè » et la nécessité de le traduire par « arkhiyya » en philosophie arabe, en analysant les origines du mot grec « ἀρχή » et ses usages courants dans les traductions. L’auteur soutient que les définitions actuelles de l’archè ne rendent pas pleinement compte de ses connotations. Il suggère un retour à l’origine du terme grec pour une compréhension plus profonde. L’auteur propose une nouvelle définition de l’archè en tant que principe fondamental qui façonne la réalité et lui donne structure. Enfin, l’auteur souligne l’importance de cette nouvelle définition pour comprendre les dimensions de l’arkhiyya et ses effets sur tous les domaines de la pensée contemporaine. t
Mots-clés : archè – arkhiyya – chaos – an-archie – arabe. t
الدُّكتور فرانك درويش: أستاذٌ جامعيّ (حاليًّا جامعة برغندي – فرنسا، وسابقًا جامعة البلمند، كلِّيَّة الفنون والعلوم، قسم الفلسفة). باحثٌ في فلسفة هايدغر والوجوديَّة والفِسارة والفِنومِنولوجيا والجماليَّات والفلسفة اللُّبنانيّة. من مؤلَّفاته: (2013) Heidegger: le divin et le Quadriparti، وله العديد من المقالات العلميَّة في الفلسفة الألمانيَّة والفرنسيَّة واللُّبنانيَّة، وترجمات من الألمانيَّة والفرنسيَّة إلى العربيَّة. قدَّم أطروحته Le divin dans la pensée de Martin Heidegger في جامعة برغندي (2008)، وصدر له مؤخّرًا: «من الأرض إلى السَّماء: سيزان، كلي وهايدغر»، في المجلَّة العربيَّة للعلوم الإنسانيَّة، العدد 164، 2024؛ وترجمة كتاب فلهلم شميدت – بيغمان، الفلسفة الخالدة: الخطوط التَّاريخيَّة العريضة للرُّوحانيَّة الغربيَّة في العصر القديم والوسيط والحديث المبكِر، بيروت: دار المشرق، 2024.
في الأقانيم والجوهر مقالان ليحيى بن عديّ في التَّثليث والتَّوحيد اختصرهما الصَّفيُّ بن العسَّال
يضمُّ هذه البحث مقالَين مخطوطَين ليحيى بن عديّ يُنشران لأوَّل مرَّة:
1- مختصَرَ جواب يحيى بن عديّ عن مسائلَ في الأقانيم الثَّلاثة.
2- مختصَرَ مقالةٍ له في جواب مقالة يعقوبَ الكنديّ في الرَّدِّ على النَّصارى، وذلك في سنةِ خمسين وثلاثِمئةٍ.
يتضمَّن البحث دراسةً للمخطوطات ولأسلوب الصَّفيِّ بن العسَّال في التَّلخيص ولمضمون النَّصَّين المختصرَين.
كلمات مفتاحيّة: التَّثليث – التَّوحيد – الجوهر – الأقانيم – الفصل – النَّوع - الواحد – المركَّب.
Les hypostases et la substance Deux traités de Yaḥyā Ibn ‘Adī sur la Trinité et l’Unité résumé par al- Ṣafī Ibn al-‘Assāl, t
Dr. Nadine Abbas
Deux textes inédits de Yaḥyā Ibn ‘Adī sont édités dans cette étude : t
1) Le résumé de la réponse de Yaḥyā Ibn ‘Adi aux questions sur les trois hypostases. t t
2) Le résumé du traité de Yaḥyā Ibn ‘Adi en réponse sur le traité de Yaʻqūb Ibn Ishāq al-Kindi sur la Réfutation des chrétiens, publié en l’an 350. t t
Les textes sont précédés d’une étude des manuscrits, du style de résumé d’al-Ṣafī Ibn al-‘Assāl, et du contenu des deux textes résumés. t
Mots-clés : La Trinité – l’Unité – la substance – les hypostases – la différence – l’espèce – l’Un – le composé. t
[email protected]
الخير والنُّور والجمال كأسماء إلهيَّة لدى ديونيسيوس الأريوباغيّ المُنتحِل
كثيرًا ما تمَّت دراسة كتابات ديونيسيوس الأريوباغيّ المنتحِل انطلاقًا من الأفكار الفلسفيَّة الَّتي سبقته أو ربَّما المعاصرة له لتبيان تأثيرها في تفكيره، واكتشاف التَّحوُّل الَّذي أجراه ليلائمها مع الإيمان المسيحيّ. لكنَّ هذه الدِّراسات قلَّما أعارت العنصر الدِّينيّ، والخبرة الرُّوحيّة الَّتي يصبو إلى إبرازها، انتباهًا كافيًا. في هذه الدِّراسة، سوف يتمُّ عرض أفكار ديونيسيوس في جدليَّة الاسم الإلهيّ وتكشُّفات الذَّات الإلهيَّة في أسماء الخير والنُّور والجمال وعلاقتها بعضها ببعض.
كلمات مفتاحيَّة: الخير – النُّور – الجمال – يهوه – اسم إلهيّ – ارتقاء.
Le Bon, la Lumière et la Beauté comme Noms Divins
selon Pseudo-Denys l’Aréopagite
P. Sami Hallak
Les écrits du Pseudo-Denys l’Aréopagite ont souvent été étudiés en relation avec les concepts philosophiques ultérieurs, ou peut-être de son temps, pour montrer leur influence sur ses écrits, les modifications qu’il a entreprises pour adapter ces pensées à la foi chrétienne. Cependant, ces études ont rarement attiré suffisamment l’attention sur l’aspect religieux et l’expérience spirituelle qui l’ont poussé à mettre en valeur son étude. Nous présenterons ici les idées de Denys sur la dialectique du « nom divin » et les révélations de l’Être Divin dans les noms du Bien, de la Lumière et de la Beauté et leurs interrelations.
Mots clés : Bon – lumière – Beau – Jéhovah – nom divin – ascension.
الأب سامي حلَّاق اليسوعيّ: كاتب وباحث، ومدرِّس في جامعة القدِّيس يوسف – بيروت. له مؤلَّفات وترجمات عدَّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيَّة في مجلَّة المشرق.
الرَّصافيَّات والرِّيحانيَّات، نظر للأب لويس شيخو اليسوعيّ
مقالات من أرشيف مجلَّة المشرق
السَّنة الثَّالثة عشرة، العدد 5، أيَّار (1910)
Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux Régionaux
Salah Aboujaoudé S.J. t
Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux régionaux
1ère édition, 204 p. Beyrouth : Dar El Machreq, 2024
ISBN: 978-2-7214-7120-8
جميل أن تهتمّ الجماعات والرَّهبانيَّات والجامعة الخاصَّة بالشَّأن العامّ في لبنان لأنَّ معظم الجامعات اللُّبنانيّة أضحت معولمة، وتُعنى بتخريج أفواج من الطُّلَّاب المؤهَّلين للعمل في الخارج. والأجمل أنَّ أحد هؤلاء الرُّهبان الأب اليسوعيّ الدُّكتور صلاح أبو جوده، وهو مؤلِّف هذا الكتاب الَّذي نسعى إلى مقاربته، يجهد بمختلف الوسائل من أجل إيجادِ صيغةٍ صالحة لإرساء الاستقرار ومن ثمَّ الرَّخاء في لبنان. ولكنَّ المؤلِّف ما يلبث أن يجدَ نفسه في صميم صراع الآلهة – بحسب تعبير الجنرال شارل ديغول – ومصالح الجماعات وصراع الأصوليَّات والصِّراعات الإقليميَّة على السَّاحة اللُّبنانيّة. اصطدمَ الكاتب بمقولة جورج نقَّاش التَّاريخيَّة والَّتي أدخلته يومها إلى السِّجن: «مضادَّان لا يبنيان أمَّة» (Deux négations ne font pas une nation).
في الكتاب يطرح المؤلِّف دور الطَّائفيَّة وتأثيرها في مفهوم الدَّولة المُعاصرة، مُشدِّدًا على وجوب أن تندرج حقوق الطَّوائف في نطاقِ مصلحةِ الوطن.
«Cette pratique politique est forcément source de conflit et de problème. D’abord, elle est conflictuelle, car elle crée une situation de confrontation permanente entre les représentants des confessions les plus puissantes sur la base de la lutte pour les droits confessionnels au pouvoir. Cependant, les confessions moins puissantes se sentiront marginalisées et lésées… Mais comme il est difficile voire impossible de définir le bien d’une confession dans le contexte libanais, cette revendication se voit réduite aux intérêts personnels des dirigeants qui d’une certaine manière se transforme en symbole sacré des droits de leur confession»[1]. t
نتيجة لذلك، نشأت ديناميَّة صراعِ الطَّوائف الَّتي نظرت إلى مصلحة الطَّائفة قبل مصلحةِ الوطن. وقد دفعت النُّخب الفكريَّة ثمنًا باهظًا لهذا الصِّراع، بحيث أصبحت المراكز العامَّة حكرًا على المتشدِّدين والمتعصِّبين، وهم غالبًا لا يملكون الكفاءة، على حساب أهل العلم والاختصاص والنَّزاهة.
عوَّلَ المؤلِّف على ثورة السَّابع عشر من تشرين الأوَّل من العام 2019، وعلى دور الشَّباب في إحداث التَّغيير المنشود ولكن من دون طائل. انتهت الثَّورة كما ظهرت سريعًا، وعادت الإقطاعيَّات السِّياسيّ ة إلى سابق عهدها.
أثار المؤلِّف أيضًا موضوع التَّحالفات غير الطَّبيعيَّة بين مختلف الأحزاب السِّياسيَّة، والَّتي لم تُسفِر عن أيّ نتائج إيجابيَّة على الصَّعيد الوطنيّ. وهذا الأمر ليس غريبًا، حيث المصالح تتقدَّم على المبادئ، فالمصالح دائمة والصَّداقات مؤقَّتة،[2] وطرحَ بالمقابل موضوع تعميم الدِّيموقراطيَّة حلًّا للمعضلات المذهبيَّة والطَّائفيَّة المتحجِّرة.
«Quelle issue pour le Liban? Le début d’un changement résiderait dans l’acceptation d’une critique objective des expériences historiques des différentes confessions et de leurs doctrines théologico-politiques à la lumière des exigences de l’État démocratique; cela reste évidemment un défi énorme. Pourtant une deuxième issue existe aussi: c’est la diffusion systématique de la culture démocratique déjà présente dans la société libanaise»[3]. t
وللأسف الشَّديد، أظهرت تجربة الدِّيموقراطيَّة في العالم العربيّ من خلال «الرَّبيع العربيّ» خيبة أملٍ كبيرةٍ، بحيثُ إنَّ هذا الرَّبيع لفظَ أنفاسَهُ الأخيرة مع عودة ظاهرة الانتخابات الرِّئاسيَّة بمعدّلاتٍ تفوقُ التِّسعين بالمئة. أمَّا أسباب فشل هذه التَّجربة الفريدة، الَّتي لن تتكرَّر قبل وقتٍ طويلٍ، فتعود إلى أسباب ذكَرها الكاتب، وتعود إلى دور الدِّين في العالم العربيّ وتحكُّمِ الطَّبقات السِّياسيَّة (المتسلِّطة) وخوف الطَّبقات المتوسِّطة، الَّتي تُمثِّلُ الأمل الوحيد في التَّغيير، من التَّداعيات الفكريَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة على واقعها. وقد تخاذلت النُّخب الفكريَّة أمام الحركات الدِّينيَّة المتطرِّفة وأقنعت نفسها بما أطلقت عليه لقبَ الاعتدالِ الدِّينيّ الَّذي لا يُغيِّرُ شيئًا من واقعِ الحال[4]. وحاول المؤلِّف في مقاربتهِ النَّقديَّةِ إيجاد الحلّ من طريق الاستشهاد بالإرشاد الرَّسوليّ الَّذي أصدره البابا الرَّاحل القدِّيس يوحنَّا بولس الثَّاني:
«Parce qu’il est composé de plusieurs communautés humaines, le Liban est regardé par nos contemporains comme une terre exemplaire. En effet, aujourd’hui comme hier, sont appelés à vivre ensemble, sur le même sol, des hommes différents sur le plan culturel et religieux, pour édifier une notion de dialogue et de convivialité et pour concourir au bien commun»[5]. t
إنَّ نظرة نقديَّة إلى هذه الدَّعوة تُظهر أنَّ الطَّوائف اللُّبنانيّة تتعايش بشكلٍ جميلٍ على صعيد العمل، والعلاقات الاجتماعيَّة، ولكنَّ الأمور تتعقَّد كثيرًا عندما تصل إلى النَّواحي الدِّينيَّة والسِّياسيّ ة حيثُ تظهر خلافات جذريَّة بشأن الهويَّة الوطنيَّة.
ويرى المؤلِّفُ أنَّ الإرشاد الرَّسوليّ يدعو إلى التَّرقّي إلى حدود العمل للمصلحة العامَّة (bien commun) الَّذي هو مصدر شرعيَّة السُّلطة السِّياسيّ ة والأخلاقيَّة، والخضوع لدولة القانون.
«Somme toute le bien commun a pour fin et la personne et l’ensemble des hommes. En se souciant donc du bien de «tous», le bien du «particulier» n’est pas nié, bien au contraire, il se réalise pleinement dans le bien de tous. En dehors de ces fondements, toute pratique politique n’est qu’un malheur!»[6]. t
وبينما يشدِّد المؤلِّف على دور المواطنة في تحقيق الخير العامّ، تظهر مرَّة أخرى إشكاليَّة تحديد الهويَّة الوطنيَّة الَّتي نصَّ عليها الميثاق الوطنيّ، والَّتي عدَّلها اتِّفاق الطَّائف. وهنا نتساءل كيف يمكن وطنًا أن يكون ذا وجهٍ عربيٍّ ويُصبحَ عربيًّا أصيلًا في أقلّ من خمسين عامًا؟
مرَّة أخرى لم يتراجع المؤلِّف أمام صعوبة «الحالة اللُّبنانيّة» داعيًا إلى تحقيق العقل والمنطق وحُسن النَّوايا لإيجاد صيغة تعايش وطنيّ تخدم الإنسان.
«Cette évolution peut-être réalisée principalement par une critique objective, scientifique et audacieuse de l’histoire négative qui lie les différentes confusions ainsi que des conséquences néfastes de la coexistence actuelle»[7]. t
وفي إطار استشرافه الواقع اللُّبنانيّ، استعرضَ الكاتب، بمقاربة نقديَّة ثاقبة وبعيدًا من المجاملة، واقع الإسلام السِّياسيّ في المنطقة بدءًا من ابن تيميَّة حتَّى الثَّورة الخمينيَّة في إيران، مُظهرًا التَّحدِّيات الَّتي واجهت، وما تزال، العالمَ الإسلاميّ منذ البداية وإشكاليَّة العلاقة بين التَّقليد والحداثة، ودور الدِّين على الصَّعيدَين الشَّخصيّ والسِّياسيّ ، رابطًا التَّجدُّد الإسلاميّ بمقاربة الواقع الإسلاميّ النَّقديَّة من مختلف جوانبه.
«Quelle que soit la forme qu’il revit, l’islam politique est principalement une réaction, à la fois, à la modernité occidentale à la suprématie et à la politique étrangère, d’une part, et à l’échec politique des régimes locaux dans tous les domaines, d’autre part. Cependant, en tant que mouvement intellectuel, l’islam politique est resté prisonnier du cadre traditionnel de la pensée religieuse islamique. Or, aucune rénovation ou modernisation ne peut être obtenue sans une critique sérieuse de l’éthos islamique, c’est-à-dire l’ensemble des croyances des idéaux et des modèles de comportement qui forment l’esprit des gens»[8]. t
إنَّ إشكاليَّة بناء الدَّولة الحديثة مطروحة منذ استقلال بلدان العالم الثَّالث منذ أواخر خمسينيَّات القرن الماضي وصولًا إلى اليوم. وخلاصة القول إنَّ معظم هذه الدُّول أصبحت دولًا مارقة (failed states) ولم تتمكَّن من تأمين مستوى لائقٍ لمواطنيها. ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ أنماط تقدُّم الدُّول مرتبطة بالنَّموذج الأوروبيّ والغربيّ الَّذي تُجسِّده أدبيَّات العالِم الألمانيّ ماكس فيبير Max Weber الَّذي تحدَّث عن البيروقراطيَّة والتَّسلسل العاموديّ للدَّولة من الأعلى إلى الأسفل، والحياد الوظيفيّ، وهي غير متوافرة في بلدان العالم الثَّالث، حيث تسود العصبيَّة والقبليَّة وحُكمُ الأقليَّة المتسلِّطة على موارد الدَّولة للأكثريَّة. وعلى الرُّغم من وجود طبقة مثقَّفة وراقية في لبنان، فالوضع لا يختلف كثيرًا عن واقع الإدارة العامَّة مع معظم الدُّول النَّامية. أمَّا الأسباب فهي متنوِّعة، وأبرزها جنوح نظام التَّعليم في مختلف مراحله باتِّجاه القطاع الخاصّ، وإهمال كلِّ ما يتعلَّق بالقطاع العامّ الَّذي يُنظَر إليه بدونيَّة. لم تستطع هذه النُّخب الجامعيَّة أن تفهم أنَّ نجاح القطاع الخاصّ مرتبط بنجاح القطاع العامّ وثباته.
لقد طرحَ المؤلِّف الأب أبو جوده حلولًا عديدة للنُّهوض بالدَّولة وبالوطن، منطلِقًا من تعاليم الكنيسة والسِّينودس والتَّحليل العقلانيّ في مقاربةٍ مِلؤها الإيمان والمهنيَّة والعقلانيَّة ومحبَّة الغير والإخلاص للوطن. بيد أنَّ الطُّروحات تسقط أمام قلاع الجهل والتَّخلُّف والأنانيَّة ومصالح الطَّبقة الحاكمة والفاسدين والمُفسدين، مع ملاحظة أنَّ طروحات العلمانيَّة والقوميَّة العربيَّة والثَّورات الإسلاميَّة على نمط «الإخوان المسلمين» أو «الثَّورة الخمينيَّة» في إيران لم تؤدِّ إلى نهوض هذه الدُّول بل ازدادت تخلّفًا بالمعنى الحضاريّ للكلمة وتراجَع مستوى المعيشة فيها، وازدادَ شعور مواطنيها بالقهر الَّذي دفع بِخيرة الأجيال إلى الهجرة نحو الغرب، واضعين معارفهم وعلومهم في خدمة هذا الأخير. كما أنَّه لا يمكن تجاهل تأثير الدُّول الإقليميَّة السَّلبيّ في السَّاحة اللُّبنانيّة، حيث سارعت معظم الجماعات (communautés) اللُّبنانيّة إلى التَّودُّد إليها سعيًا إلى كسب صداقتها، وتوظيف ذلك في زيادة نفوذها في لبنان على حساب الجماعات والطَّوائف الأخرى في الوطن.
وفي هذا الإطار، فإنَّ الحلول قد تكون «عمليَّة» وليس أيديولوجيَّة. فاتِّفاقيَّة الطَّائف نصَّت على اعتماد اللَّامركزيَّة الإداريَّة على صعيد القضاء، والَّتي تشكِّل – بعكس الفيدراليَّة – مدخلًا لتخفيف الصِّراع والتَّشنُّج بين مختلف الطَّوائف في لبنان، لأنّه توجد ضرورةٌ ملحَّة إلى التَّخفيف من المركزيَّة الشَّديدة الَّتي تُعطِّل أقلّ القرارات أهمِّيَّة من خلال إدخالها في آتون الصِّراع بين هذه الطَّوائف على السُّلطة. أضف إلى ذلك أنَّ المسألة اللُّبنانيّة مرتبطة بقيام صحوة إسلاميَّة مُعاصرة عقلانيَّة ونقديَّة صارمة تُعيد قراءة الماضي في ضوء الواقع الحضاريّ المُعاصر. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ العمل من أجل تحديد الهويَّة الوطنيَّة اللُّبنانيَّة وقيام المواطَنة الصَّالحة يبقى من المحطَّات الرَّئيسة للإصلاح السِّياسيّ في لبنان.
يزخر الكتاب بالكثير من التَّحليلات العميقة والدَّقيقة، وأكثر ما نستشفُّه منه السَّعي الدَّؤوب لاستشراف الواقع اللُّبنانيّ، وإيجاد حلول تدفع بهذا الوطن نحو التَّقدُّم والرُّقيّ بحيث يُصبح وطنًا للإنسان وللإنسانيَّة.
[1] Salah Aboujaoudé, Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux régionaux (Beyrouth: Dar El Machreq, 2024), p. 44. t
[2] We have no permanent friends, we have no permanent enemies. We have permanent interests, https://www.quotetab.com/quotes/by-benjamin-disraeli. t
[3] Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.61. t
[4] إشارة هنا إلى أنّ العديد من طلَّاب الدُّكتوراه العرب، الَّذين أشرف على أطاريحهم، يعارضون الدِّيموقراطيَّة، مفضِّلين عليها الأنظمة الدِّيكتاتوريَّة البائدة.
[5] Exhortation apostolique signée par Jean Paul II, citée dans: Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.44. t
[6] Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.45. t
[7] Aboujaoudé, ibid., p.14. t
[8] Aboujaoudé, ibid., p.150. t
الدُّكتور جورج لبكي: رئيس مجلس إدارة ومدير المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز شهادة دكتوراه في القانون من السُّوربون، وأخرى في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس XII. من مؤلَّفاته باللُّغة الفرنسيَّة: أنثولوجيا، والأدب اللُّبنانيّ باللُّغة الفرنسيَّة، ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.
دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة- طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة
الأب غي سركيس ولينا حوَّاط
دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة –
طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة
ط.1، 136ص.، بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-1221-8
يطرح الأب غي سركيس والدُّكتورة لينا إسكندر حوَّاط في كتابهما دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة إشكاليَّة العبور إلى أرض منهجيَّة متجدِّدة في اختصاصهما اللَّاهوت والفلسفة. إذ إنَّ البحث في النُّظم العامَّة للمنهجيَّة في الاختصاصات المختلفة سيؤدِّي حتمًا إلى إثارة جدليَّةٍ لن تنتهي، ولن توصل إلى أرض ميعاد، بل سيرى الجميع هذه الأرض ولن يدخلوها. لعلَّ هذا المأزق هو الذي دعا مشير باسيل عون، في تقديمه الكتاب، إلى حمل صليب المساءلة في مشكلة المنهجيَّة، ولعلَّه سيلتقي بأكثر من «سمعان القيرواني» يحملون معه ثقل هذه المنهجيَّة الَّتي «تُعاني من لزوجة التُّربة ورخاوة المسار وليونته» (ص.6)، وهي ما زالت في دراساتنا تبحث عن قيامة مرجوَّة في تخبُّطٍ واضح باستخدام الوافد إلى اللَّاهوت والفلسفة من دون مراعاة إبداع عمليَّة «التَّوفيق بين موضوعيَّة البحث العلميّ وذاتيَّة الاختبار الإيمانيّ» ( ص.6).
يشير الكاتبان إلى «أنَّ الغاية من هذا الكتيِّب – الدَّليل هي المساعدة على إعداد البحث العلميّ القصير، فلا يرى الطَّالب، بعد ذلك، في هذا النَّاشط دربَ جلجثة أو جاثومًا، بل مناسبة للنُّضوج في مسيرته الدِّراسيّة» (ص.19) من هنا يقوم الكتيِّب على منظومة منهجيَّة تضع المرجع في المتن، وتتوسَّع في الحواشي، ويعتمد من الصَّفحة الأولى على المراجع الأجنبيَّة، كما في تعريفه البحث العلميّ بـ «إنَّه عرض تدريجيٌّ ودقيق ومترابط». (روس 2017 ، 101) (ص.15). قسّم المؤلِّفان الكتيِّب إلى:
– المرحلة التَّمهيديَّة: تمَّ فيها تبرير هذه المنهجيَّة التَّوضيحيَّة في مجال اللَّاهوت والفلسفة، بدءًا من لاهوتيِّين كتوما الأكويني، انتهاءً بفلاسفة: كأفلاطون، وكانط، وهيجل، وماركس، ونيتشه وغيرهم (ص.17)، وتحليل ذلك عبر «انتقاءِ مقتطفات من كتاب مدخل إلى العقيدة المسيحيَّة للأب توماس ميشال اليسوعيّ وهي مجموعة محاضرات ألقاها في كلِّيَّة الشَّريعة الإسلاميَّة بأنقرة» (ص.20). توصيفًا لهذه المرحلة التَّمهيديَّة عرض المؤلِّفان، شرحًا مسهبًا، النِّقاط التَّقليديَّة الرُّوتينيَّة للبحث لدى الطَّالب: إعداد الجدول الزَّمنيّ (ص.21)، اختيار الموضوع (ص.22)، متلائمًا مع قدرات الطَّالب العلميَّة (ص.24)، الإشكاليَّة والسُّؤال الرَّئيس (ص.25)، نماذج عن طرح الإشكاليَّة (ص.30). وحسنًا فعل المؤلِّفان في عدم استخدام «هل» في أمثلة طرح الإشكاليَّة على شكل سؤال (ص.30 و31 و32)، لأنّ «هل» حرف استفهام لطلب التَّصديق الإيجابيّ، أي: إدراك النِّسبة الإيجابيَّة، ويُجاب عنه بـ «نعم» أو «لا»، لكنَّهما عادا واستخدماه (ص.46).
هذا وتُقدِّم المرحلة التَّمهيديَّة أيضًا مصطلحات اللَّاهوت والفلسفة بين السِّمات المشتركة والسِّمات الخاصَّة به (ص.35)، وكيفيَّة جمع المصادر والمراجع (ص.37) وما اصطُلح عليه بمصطلح «التَّقميش»، إلى جانب اعتماد المنهجيَّة (ص.39)، مع الانتباه إلى أنَّ المؤلِّفَين استخدما مصطلح المقارنة (ص.40)، على أنَّها بين نصَّين لكاتبين مختلفَين في الهويَّة واللُّغة، مع توضيح ما جاء عند أبي القاسم الآمدي (توفّي 370 هـ. – 980م.) في كتابه «الموازنة»، وهي ما بين كاتبين من هويَّة واحدة ولغة واحدة، ويُنهي المؤلِّفان هذه المرحلة بوضع الطَّالب تصميم بحثه (ص.43).
– مرحلة التَّدوين: من المتَّفق عليه أنَّ المقدِّمة تتضمَّن: عرض الموضوع، والإشكاليَّة (ص.94)، والإعلان عن السُّؤال الرَّئيس، وتعريف المصطلحات (ص.50)، وشرح المنهجيَّة (ص.51). ثمّ يأتي التَّوسيع، حيث يرى المؤلِّفان وغيرهما «ضرورة توزيع جسم البحث بالتَّساوي بين الأقسام، لأنَّ غياب التَّناسق في الأحجام علامة ضعف في الهيكليَّة» (ص.53). هذه مساحة خلاف بين العاملِين في المنهجيَّات، إذ لا يرَون في هذا التَّقسيم المتوازن ضرورة إلزاميَّة، بل يعود حجم كلِّ قسم إلى ما يطرحه مستقلًّا عن الأقسام الأخرى، وقد يزيد أو ينقص بحسب قابليَّة التَّوسُّع في مفاصله. أمَّا الخاتمة فتقوم على «التَّذكير بالسُّؤال الرَّئيس، والخطوط العريضة، وتقييم النَّتائج، واقتراح مسألة أو الإشارة إلى توصيات ترسم آفاقًا جديدة (ص.57) مع إيراد قائمة المصادر والمراجع (ص.59)، من دون الإشارة إلى الفهارس العلميَّة الباقية كفهرس الآيات، أو الأشعار، أو الأعلام، وهذا يعود طبعًا إلى أساليب المنهجيَّة المتَّبعة المتنوِّعة في الجامعات المختلفة. لقد أشار المؤلِّفان إلى ذلك التَّنوُّع المنهجيّ في ذكرهما طرقَ توثيق المصادر كنظام هارفرد بعلم الاقتصاد وبالجامعات البريطانيَّة، وجمعيَّة علم النَّفس الأميركيَّة APA بالعلوم الاجتماعيَّة، ونظام فانكوفر بالطُّبّ، ونظام شيكاغو بالعلوم الإنسانيَّة، ونظام جمعيَّة اللُّغة المعاصِرة بدراسة اللُّغة والأدب MLA (ص.59).
قام المؤلِّفان بوضع مجموعة من الإرشادات في الأسلوب والمضمون، الأسلوب الأكاديميّ (ص.67)، النّفَس النَّقديّ (ص.68)، بنية المقطع (ص.73)، الاقتباس والاستشهاد (ص.77)، ترك الاختيار بين كتابة الحاشية في أسفل الصَّفحة أو في المتن (ص.78)، الانتحال (ص.81)، التَّرقيم / التَّرفيد (ص.83)، [التَّرفيد هو وضع علامات اصطلاحيَّة في الكتابة لترفد المعنى وترفع عن النَّصّ اللُّبس والغموض]، أدوات الرَّبط المنطقيّ (ص.86)، الحاشية السُّفليَّة (ص.87)، التَّدقيق (ص.91)، قواعد طباعة النَّصّ (ص.91)، التَّسطير (ص.92)، وهي مفردة تقابِل المفردة المتداوَلة: التَّرصيف JUSTIFY، ومعناه انتظام نهايات الأسطر، والتَّرتيب في صفٍّ واحد، إضافةً إلى ملاحق لنماذج عن البحث العلميّ أو المقالة العلميَّة (ص.80).
لقد أشار المؤلِّفان إلى موضوع استخدام الطَّالب لمفردتَي «الأنا» و«النَّحن» (ص.88)، وفعلًا هذه تشكِّل مشكلة خلافيَّة. حاول المؤلِّفان تقديم صيغة متعدِّدة لأماكن استخدام هذَين الضَّميرَين، ولكن سيبقى النِّقاش دائرًا بشأن هذا الاستخدام، وقد يرد بحدَّة عند بعضهم. لربَّما من الأفضل عدم مساءلة الطَّالب في استخدام هذين الضَّميرَين لصعوبة معالجة المواقف المتعدِّدة. يبقى أخيرًا لفت الطَّالب إلى ضرورة كتابة آيات الكتاب المقدَّس والقرآن الكريم ( ص.81) وَفْق ما جاء في البرامج الإلكترونيَّة لنقل هذه الآيات كما هي، كي لا يقع الطَّالب في أيِّ خطأ نحويّ أو طباعيّ، إذا اعتمد أسلوب الطِّباعة اليدويّ العاديّ في كتابتها.
ختامًا، هو دليل يجمع بين النَّظريَّة والتَّطبيق، وفق خبرة المؤلّفَين الواسعة في مجال البحث العلميّ والتَّدريس الأكاديميّ لإعداد البحث العلميّ في مجالات العلوم الإنسانيَّة، مع تركيز خاصّ على العلوم الدِّينيَّة والفلسفة واللَّاهوت.
الدُّكتور جان عبد اﷲ توما: حائز شهادة دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها من الجامعة اللُّبنانيَّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدِّيس يوسف، واللُّبنانيَّة، وسيِّدة اللَّويزة، ويشغل منصب رئيس قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة الجنان. له تسعة عشر إصدارًا من كتب أدبيَّة، وشعريَّة، وروايات، ودراسات تربويَّة، وتحقيق مخطوطات.
مَيمَر في الحُرِّيَّة
مَيمَر في الحرِّيَّة
قدَّم له الأب پيير مصري
ط.1، 94 ص. بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤
ISBN : 978-2-7214-5668-7
ثاودورُس أبو قرَّة المولود في الرُّها، هو أحد آباء الكنيسة الَّذي عاش ما بين أواسط القرن الثَّامن وأوائل القرن التَّاسع. اعتنق الحياة الرَّهبانيَّة في دير مار سابا (فلسطين) ثمّ أصبح أسقف حرَّان (تركيَّا حاليًّا) الملكيّ. كتب مؤلَّفاتٍ في اللُّغتَين العربيَّة واليونانيَّة للدِّفاع عن الإيمان المسيحيّ في وجه المسلمين واليهود والمانويِّين، وعن التَّعاليم الخلقيدونيَّة في وجه النَّساطرة والمونوفيزيِّين (أو أصحاب المشيئة الواحدة).
في هذا المَيمر – أو القصيدة التَّعليميَّة – المُدَوَّن بالعربيَّة والأوسع شهرةً من بين مؤلَّفاته، يدافع عن الموقف المسيحيّ في مسألة العلاقة بين قدرة الله وإمكانيَّة الإنسان على الاختيار، وكان «أوَّل من استخدم في اللُّغة العربيَّة لفظة الحرِّيَّة بالمدلول الشَّخصيّ، لا الاجتماعيّ» (ص.٦).
في الجزء الأوَّل، ينتقد القائلين في «الجبل»، أي أنَّ الله الخالق لم يمنح الإنسانَ الحرِّيَّة أو القدرةَ على الاختيار. يسأل الكاتبُ كيف يكون الله عادلًا في دينونة المخلوق إذا كانت حياةُ هذا الأخير مرسومةً مسبقًا؟ فيجيب في تشبيهٍ للدَّلالة على تفاهة آراء مخاصميه: «ما هذا إلَّا كمن يقول للحمار: يا حمار، طِرْ مُحلِّقًا في الجوّ كما يطيرُ العقابُ. فإذا لم يفعل ذلك، ضربه» (ص.٥٠). في الجزء الثَّاني، ينتقد أتباع ماني المُنادين بالقهر، أيْ أنّ «الجسد قد غلب على النَّفس وقهرها» (ص.٥٨)، فأصبحت مُضطرَّة إلى اتِّباع شهواته. وفي هذه المسألة، يرتكز المؤلِّفُ على عدالة ﷲ الَّذي أمر الإنسانَ بالخير ونهاه عن الشَّرّ. إذا كانت النَّفس عاجزةً عن الامتناع عن الشَّرّ، فالأمر يشبه «رجلًا عمد إلى عُقابٍ قد أُوثقت أجنحتُه بالحبال الثَّخينة إلى جنبه، فقال له: طِرْ! من غير أن يفكَّ عنه وِثاقَه» (ص.٥٩). في مقاربته يعتمد أبو قرَّة أوّلًا على الكتاب المُقدَّس، ويلجأ أيضًا إلى الصُّور الشِّعريَّة والفكاهة، ولا بدَّ للقارئ من أنْ يلمس شغفه بالإيمان بالمسيح. إنّها فرصةٌ ليكتشف القارئ العربيّ نصًّا مميَّزًا من التُّراث العربيّ المسيحيّ.
أمَّا أهمِّيَّة المؤلَّف فليست في مضمون صفحاته وحسب، بل في الدَّافع إلى طباعته. فهو نُشرَ في السَّابق مرَّتَين: المرَّة الأولى على يد الأب قسطنطين الباشا في العام ١٩٠٤، والثَّانية على يد الأب سمير خليل في العامَين ٢٠٠٥ و٢٠٠٦. أمَّا الطَّبعة الثَّالثة فحقَّقها وقدَّم لها الأب پيير مصري، خادمُ رعيَّة الملاك ميخائيل للرُّوم الكاثوليك في حلب، والباحث في حقل التُّراث العربيّ المسيحيّ، والأستاذ في جامعات عديدة. في الدِّراسة التَّمهيديَّة (ص.٥-٣٩)، فسَّر الأب مصري، الَّذي راجع المخطوط الأقدم في دير القدِّيسة كاترينا، الحاجة إلى طبعةٍ جديدة «لأنَّنا لا نزال نفتقر إلى نصٍّ مُحقَّقٍ بحسب القواعد المنهجيَّة لتحقيق المخطوطات العربيَّة» (ص.٩)، فإنَّ الأب الباشا لم يتردَّد مثلًا في تغيير النَّصّ الأصليّ بالحذف أو الإضافة أو التَّعديل في الصِّياغة أو تبديل المفردات. كشف الأب مصري عن التَّغييرات في نسخته وبرَّر خياراته في حالات التَّردُّد بين كلمتَين (مثلًا: بين الجَبْر والجَبْل، وبين صِبْغة أو صُنْعة) «من دون أن يعني ذلك نفي إمكانيَّة صحَّة القراءة السَّابقة» (ص.٢٨)، فأظهر في مبادرته في آنٍ عن الصَّلابة الأكاديميَّة في طلب الدِّقَّة العلميَّة، وعن تقدير أعمال مَن سبقوه من دون غضّ الطَّرف عن نواقصها، فكان نموذجًا في البحث الجدِّيّ عن الحقيقة.
الأب غي سركيس: حائز درجة الدُّكتوراه في اللَّاهوت من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدِّيس يوسف، والحكمة. وهو كاهن في أبرشيَّة بيروت المارونيَّة. له مجموعة من المؤلَّفات الدِّينيَّة والتَّأمُّليَّة والفكريَّة في اللَّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسَّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث – النَّشاط اللَّاهوتيّ في المسيحيَّة، ودروس من الهرطقات، ودليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة).
فقر الرُّوح – ألم البشر وآلام المسيح
فقر الرُّوح، ألم البشر وآلام المسيح
تعريب الأب باسم الرَّاعي
ط.1، 88 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-5667-0
كُتيِّب صغيرٌ في حجمه، ثقيلٌ في مضمونه. جان بابتيست ماتس لاهوتيّ ألمعيّ مشهور، خصوصًا في مجال اللَّاهوت السِّياسيّ . وهذا الكتاب يضمّ نصَّين له. يقدِّم ماتس نصَّه الأوَّل الَّذي عَنونه: «فقراء الرُّوح» على النَّحو الآتي:
«هذا الكتاب هو بمثابة اختبار، بحكم أنَّه يجمع بين دفَّتيه نصَّين يعودان إلى ما يناهز الخمسين سنة، يمثِّلان بعضًا من منعطفات مسيرتَي اللَّاهوتيَّة، وهما من طبيعةٍ روحيَّةٍ تأمُّليَّةٍ صرفة، تتشابك فيهما وفي كلّ واحدٍ منهما خبرة الإيمان واللَّاهوت» (ص.19).
صدر هذا النَّصّ لأوَّل مرَّة في العام 1961، والنَّصّ المترجم إلى العربيَّة هو نسخة معدَّلة قام الكاتب بتعديلها لاحقًا، فحذف فيها «مبدأين قريبَين من سلوكٍ فرِّيسيٍّ – مسيحيٍّ نمطيّ» (ص.20).
أمَّا النَّصّ الثَّاني فهو أحدث، وتعود جذورُه، بحسب ما يقوله الكاتب، إلى العام 2006، وعنوانه «الألم والآلام» (العنوان في الطَّبعة العربيَّة: ألم البشر وآلام المسيح).
يبدأ النَّصّ الأوَّل بقصَّةِ تجارب يسوع كما وردت في إنجيل متَّى، ليعالج بعدها مسألة الوجود، والكينونة، والحرِّيَّة. عناصر ثلاثة موجودة في الإنسان في حالة صراعٍ غالبًا. فمِن تجارب يسوع يستخلص الكاتب صراع الإنسان مع ذاته ومع ﷲ بسبب صراع العناصر الثَّلاثة الآنف ذكرها؛ الإنسان يريد أن يكون محورًا لذاته، فيقع في فقرٍ مدقع. وبالمقابل، يقدِّم الكاتب يسوع، الشَّخص الَّذي اقتبل ذاته بفقرها، ووقف إلى جانبنا كي نصعد بجهد قلبه المحتوم إلى نور «النِّعم» الكبرى. يسوع الَّذي لا يقدّم إلينا ﷲ مُنافسًا للبشر بل ضامنًا وحيدًا لحالتنا البشريَّة.
الإنسان يختبر في حياته العَوز، ويسعى إلى سدِّه بطرائق مختلفة، والكاتب يُبيّن بطلان هذه الطَّرائق، ويدعوه إلى قبول العوز الَّذي فيه، فهذا القبول يسمح ﷲ بأن يسدَّ العوز بنِعمه. وهذا ما يُسمَّى باللُّغة الرُّوحيَّة: فقر الرُّوح.
«في فقر حالنا الإنسانيَّة الجذريّ هناك شيءٌ من مقاومة ذاتيَّة، بحيث يُترك الإنسان بدون سند وظهره للحائط، وتتصدَّع معاقل الحماية الذَّاتيَّة، وتُنْزَع عنه أفق حياته اليوميَّة المألوفة والموثوق بها والمختبرة طويلًا. لذلك لا يستطيع الإنسان العيش بعيدًا عن حقيقة كينونته، وإلَّا ابتعد عنها باعتبارها «شيئًا» أي يبتعد عن لا نهائيَّة فقره، اللَّامحصور والمُلِحّ» (ص.45)
بعد ذلك يستعرض الكاتب أشكال الفقر البشريّ، ويخصِّص لما يسمِّيه «فقر العبادة» مقطعًا كاملًا.
النَّصّ الثَّاني: «ألم البشر وآلام المسيح»، يعرض فيه الكاتب موضوع التَّعاطف والمؤازرة في الألم، ويبيِّن أنَّه يتطلَّب زُهدًا يجعل الإنسان يترك ذاته ويلتفت إلى قريبه ليسمع صرخة ألمه. وينطلق الكاتب من آلام المسيح ومعناها، ليصل إلى ما تُعلِّمنا إيَّاه هذه الآلام عن المؤازرة، وسماع صرخة المتألِّمين؛ ويُنهي بتساؤلَين موجَّهَين، واحد للكنيسة وآخر للمسيحيِّين، عن الموقف الَّذي يجب اتِّخاذه تجاه آلام البشر في عالمنا اليوم.
قلت في البداية، الكتيِّب صغير الحجم، ثقيل المضمون. ماتس ينتمي إلى جيل اللَّاهوتيِّين الأوروبيِّين الَّذين يدعون إلى ترك اللُّغة التَّجريديَّة الجافَّة، والمصطلحات العقلانيَّة الفكريَّة المعقَّدة، واستعمال لغة الواقع البسيطة السَّهلة. كان هذا حلمه، ولكنَّه، وكثيرين من أبناء جيله، لم يوفَّقوا في تحقيقه بكتاباتهم قطّ، أقلُّه العقائديَّة منها. فالفارق في سهولة الفهم، أو بالحريّ صعوبة الفهم، بين النَّصَّين واضحة. الأوَّل عسير على الرُّغم من الجهود المبذولة لتبسيط ترجمته، في حين أنَّ الثَّاني أبسط، أو بتعبير أدقّ، أقلّ عسرًا. وهذا يبيِّن ثمار جهود ماتس في إعلان حقيقة الإيمان ببساطةٍ ذروتها بساطة المسيح في تعاليمه.
[email protected]
ندامةُ الله بين الرَّحمةِ والعدالةِ في أسفارِ الأنبياء
ندامةُ ﷲ بين الرَّحمة والعدالةِ في أسفار الأنبياء
ط.1، 62 صفحة، بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤
ISBN : 978-2-7214-5669-4
الأب فِراس لُطفي راهبٌ فرنسيسكانيّ من مواليد سوريا. حائزٌ شهادة الماجستر في اللَّاهوت الكتابيّ من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة في روما، وهو يدرِّس مادَّة الكتاب المُقدَّس في مركز اللَّاهوت بحلب.
في هذا الكتاب، يبحث المؤلِّفُ في المعنى الحقيقيّ لصيغة الصِّفات الإلهيَّة، أي العبارة القائلة إنّ الله يندم على فِعل الشَّرّ الواردة في سفرَي النَّبيَّيْن يوئيل ويونان، وفي أصلها، وفي الاختلافات بين أسفار الأنبياء بشأنِ الصِّفات الواردة فيها. ثمّ تناول معنى صفة ندامة الله على الشَّرّ، أيْ قابليَّة التَّغيير داخل الذَّات الإلهيَّة. ففيما بعض النُّصوص ينفي فكرة تغيير الله لفكره، فيقول سفر العدد «ليس الله ابنَ بشرٍ فيندم» (٢٣: ١٩)، تدعم أخرى فكرة أنّ الله يغيِّر فكره. يتعمَّق الكاتبُ في سفر يونان أنموذجًا للتَّأكيد أنَّ مقدرة الرَّبّ على النَّدامة هي فعلٌ حرّ للانتقال من حُكم الدَّينونة إلى الرَّحمة. فعندما طلب الله من يونان النَّبيّ تحذيرَ أهل نينوى الوثنيِّين، هرب النَّبيّ من المهمَّة، ليس خوفًا من أن يكون نذيرَ خرابٍ، بل لأنَّه علِم أنّ ﷲ «إلهٌ رؤوفٌ رَحيمٌ طويلُ الأناةِ كثيرُ الرَّحمة ونادمٌ على الشَّرّ». علم النَّبيّ يونان أنّ ﷲ سيمنحُ غفرانَه في حالِ رغِبَ سكَّانُ نينوى بالتَّوبةِ وتجاوبوا مع ندائه، فهو رفض «ندامةَ الرَّبّ»، فكان حدثُ اهتداء سكَّان نينوى وسيلةً تربويَّة للنَّبيّ يونان.
بعد ذلك توقَّف الأب لُطفي على مَشاهد ثلاثة تُظهر «ندامة ﷲ»، وهي رواية الطُّوفان، ورواية العهد، ورواية نهاية مُلكِ شاول، والمشاهد الثَّلاثة تُظهر «بداياتٍ متعثِّرة»، ولكنَّها كانت أيضًا «فرصةً سعيدة» أظهرت محبَّةَ ﷲ وأمانته ووفاءَهُ لوعوده. فعندما حاد الشَّعبُ عن وصاياه وآثر عبادة عجلٍ ذهبيّ، لم يفسخ ﷲ العهد مع الشَّعب، بل غفر له. في كلّ مرَّة قابل المؤمنون أمانة ﷲ بالخيانة والرَّفض، قرّر ﷲ المُضيّ قُدُمًا إلى الأبد بالرُّغم من الخطأ البشريّ. إنَّ النَّدامة تأكيدٌ أنَّ ﷲ حرٌّ «في الانتقال من صفةٍ إلى أخرى، أي من العدل إلى الرَّحمة، مع إعطاء صفة الرَّحمة الأولويَّة» (ص.٣٠)، لأنَّه يريد حياةَ الإنسان وخيره. هو يتغيَّر، لكنَّه يتغيَّر كإلهٍ لا كالخليقة.
إنَّ هذا الكتاب هو على الأرجح الرِّسالة الَّتي قدَّمها الأب لنيل شهادة الماجستر، وهو إنَّما وضَعها في متناول القارئ غير المتخصِّص تبحث في إشكاليَّة أساسيَّة، ألا وهي صفة «التَّغيّر» في ﷲ بعد أن اعتاد الكثيرون على اعتبار الجماد علامةً للكمال. كما أنَّه يدعو إلى التَّفكير كيف أنَّ صفتَي العدل والرَّحمة، وقد يراهما بعضُهم متناقضتَين، ترتبطان بالله الَّذي خلق الحياة ويريد أنْ يهبَها بوفرة لخلائقه. إنَّه كتاب عميق ويدعو إلى التَّفكير والتَّأمُّل في آن.
الأب غي سركيس: حائز درجة الدُّكتوراه في اللَّاهوت من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدِّيس يوسف، والحكمة. وهو كاهن في أبرشيَّة بيروت المارونيَّة. له مجموعة من المؤلَّفات الدِّينيَّة والتَّأمُّليَّة والفكريَّة في اللَّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسَّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث – النَّشاط اللَّاهوتيّ في المسيحيَّة، ودروس من الهرطقات، ودليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة). [email protected]
جعلتُ أمامك الحياة. الإجهاض: المحرقة الصَّامتة
الأب جان پاول اليسوعيّ
جعلتُ أمامك الحياة
الإجهاض: المحرقة الصَّامتة
ترجمة يزن غزالة
ط.1، 276 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN : 978-2-7214-5671-7
عنوان يلفت نظر القارئ قبل الغوص في مضمون الكتاب لأنَّ الإنسان مشروعُ حياة لا موت، مشروع نموٍّ لا إجهاض. حياة تبدأ براعمها بالتَّفتُّح وهي بعدُ في رحم مَن لا تصير أمَّا إلَّا بعد أن تَلِد. فالمولود هو الَّذي يجعل مَن حملَته في أحشائها أمَّا لأنَّ الأمومة دورٌ يُكتَسَب مع التَّربية والاهتمام بالمولود الجديد منذ ولادته. إنَّها صيرورة تنمو وتكبر مع الكائن الجديد الَّذي أطلَّ على الحياة لتكون الحياة أمامه.
في مقدِّمة الكتاب يُشير المترجم الدُّكتور يزن غزالة إلى أهمِّيَّة موضوع الإجهاض كطرحٍ ذي أبعادٍ أخلاقيَّة وروحيَّة، حيث يحمل الكتاب طيَّ صفحاته أجمل ما كُتب عن الحياة قيمةً إنسانيّةً وروحيَّة. يدعو مؤلِّف الكتاب، منذ بداية الفصل الأوَّل، القرَّاء إلى حزنه وخوفه اللَّذين يشعر بهما فيقول: «يبدو لي أنَّ الكثيرين منكم، وأنتم أناس صالحون ولطفاء، لا يرغبون بقراءة المزيد عن الإجهاض وقتل الرُّضَّع والقتل الرَّحيم. في هذا المجال، تتعارض القناعات وتكون العواطف شديدة، وتُمسي النِّقاشات صاخبة. (ص.14). ويرجو المؤلِّف قرَّاءه أن يبقوا معه لمشاركته شيئًا من نفسه وحالته، ويُضيف: «قد لا تجدون أنفسكم في الموقف نفسه الَّذي أنا فيه، ولا بأس بذلك. حسنٌ لنا أن تكون لدينا مواقفُ مختلفة… قد لا تتَّفقون مع معتقداتي، ولا أنا مع معتقداتكم، ولكن حسنٌ لكلٍّ منَّا أن يصغي إلى الآخر… في مثل هذا الحوار.. في مثل هذه المشاركة، الجميع رابح لأنَّ الجميع يغتني من خبرات الآخرين» (ص.14-15).
«كلُّ إنسان رسالة»: هذا العنوان الفرعيّ قد يكون توليفةً لِما يحمله الكتاب من دفاع عن الحياة.
«يعالج الأب پاول اليسوعيّ في هذا الكتاب قضيَّة الإجهاض فينطلق من الخبرة المؤلمة لدى زيارته بقايا أحد معسكرات الموت النَّازيَّة الَّتي قُتل فيها حرقًا، بالإضافة إلى ملايين اليهود، الآلافُ من المرضى والأطفال المُعاقين، والمسنِّين المُقعدين…» (غلاف الكتاب)
عناوين الكتاب، بفصوله الأحد عشر، تدعو كلُّها إلى التَّأمُّل بالحياة في أبعادها الجسديَّة والنَّفسيَّة والرُّوحيَّة كونها هبة الوجود وسرَّه. تتخلَّل هذه الفصول صورٌ من واقع الحياة في تكوينها، ومسيرتها ومسارها، وطفولتها الَّتي تحبو لتصبو إلى الحياة بشبابها وشيبها. تمرّ أيضًا صورة ذي الاحتياجات الخاصَّة المفعَم بمرونة الحياة، والمُسنّ الَّذي حفر العمرُ سطوره تاريخًا على مُحيَّاه فحيَّته الحياة باستراحةٍ على تجاعيد هذا المُحيَّا، وهو الإنسان المُحيّى لأنَّه عرف معاني الحياة وحافظ عليها بأحزانها وأفراحها.
قراءة هذا الكتاب هي فعلًا مشاركة للمؤلِّف حزنَه وخوفَه، كما دعا قرّاءه، منذ الصَّفحة الأولى من كتابه، فإذا بها دعوة إلى إعادة اكتشاف القيمة الَّتي تجسِّدها الحياة، والَّتي باتت تضمحلُّ وتُنذر بالتَّهاون مع ما يُسمَّى الإجهاض والموت الرَّحيم وإنهاء حياة الإنسان، بمعزلٍ أحيانًا عن إرادته، فأتى العنوان الفرعيّ للعنوان الرَّئيس «المحرقة الصَّامتة» مُعبّرًا عن مأساة خنق الحياة منذ الرَّحم حتَّى ما قبل المواراة في اللَّحد.
الفصل الحادي عشر والأخير يعرض بالعنوان العريض «مقترحات عمليَّة لأنشطة داعمة لحقِّ الحياة»، فالمؤلِّف يخلص إلى القول بأنَّنا لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي… علينا أن نفعل شيئًا!» أمَّا المقترحات فهي الآتية: (ص.258-262) :
– الانضمام «إلى إحدى مجموعات دعم الحياة…».
– تشجيع «المساهمات لدعم الحياة ماليًّا».
– كتابة «رسائل مختصرة وواضحة إلى الصُّحف ومحطَّات التّلفزيون والمجلَّات…».
– «نشر وتقديم أيِّ مساعدة» يمكن «تقديمها إلى الجماعات الَّتي تقدِّم بدائل من الإجهاض بالإضافة إلى تقديم التَّعاطف والمحبَّة «للَّواتي يواجهن صعوبات في الحمْل إذا أردنا أن تكون لنا مصداقيَّة في موقفنا الدَّاعم للحياة».
– «المشاركة في أيّ مسيرة أو مؤتمر لدعم الحياة…».
– الطَّلب من كاهن الرَّعيَّة أو القسِّيس «أن يعظ عن حقِّ الحياة…».
– جعل «الرِّسالة تصل إلى المدارس…».
– جعل «القضايا المتعلِّقة بالحياة والموت في الواجهة». «ضعْ زهرة الحياة على صدرك. ضعْ سوارًا لدعم الحياة حول معصمك…».
– الاحتفال «بالحياة» مع تمنِّي المؤلِّف أن «تُقيم الكنائس احتفالات خاصَّة بالحمل…».
– «والأهمّ، علينا أن نصلِّي…».
انطلاقًا من هذا المُقتَرَح الأخير، يتجلَّى البُعد الرُّوحيّ الَّذي أراد المؤلِّف أن يتطرَّق إليه في هذا الكتاب الغنيّ، حيث نغوص معه «في المراجع التَّاريخيَّة والدَّوريَّات العلميَّة» مؤكِّدين معه «القيمة الجوهريَّة الكامنة في كلِّ حياة، وكون كلِّ حياة رسالة يريد لها الله أن تُكتَب»، حياة كلِّ إنسان بفرادته واختلافه وغناه الإنسانيّ.
الدُّكتورة بيتسا استيفانو: حائزة دكتوراه في العلوم الدِّينيَّة من جامعة القدِّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيَّة فيها. أستاذة محاضرة عن بُعد في الجامعة الدُّومنيكيَّة – باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللُّغتين العربيَّة والفرنسيَّة.
كتّاب العدد الأحدث
مقالات هذا العدد
عبثيَّة الحروب والحقُّ في الحياة
تُعدُّ الحروب واحدةً من أقدم الظَّواهر وأبشعها الَّتي عرفتها البشريَّة، وتترك آثارًا عميقة على المجتمعات والأفراد. وعلى الرُّغم من التَّقدُّم الَّذي أحرزته البشريَّة في مختلف المجالات، إلَّا أنَّ الحروب لا تزال تفتك بالبشر وتدمِّر الحضارات. وما يجري على أرض لبنان وغزَّة وأوكرانيا والسُّودان وبلدان أخرى من تدميرِ الحضارات وعماراتها الثَّقافيَّة وتسويتِها بالأرض، عدا عن إزهاق الأرواح البريئة، يؤكِّد عبثيَّة الحروب وانتهاكها حقَّ الإنسان الأساسيّ في الحياة.
كلُّنا يعلم رأيَ الفيلسوف توماس هوبز في الطَّبيعة البشريَّة وفي منشأ الحروب. ففي كتابه الشَّهير «اللفياثان» (1651 – Leviathan) يصف الفيلسوف الإنجليزيّ حالة الطَّبيعة البشريَّة بأنَّها «حرب الكلِّ ضدَّ الكلّ»، حيث يسعى كلُّ فرد إلى تحقيق مصالحه الخاصَّة، وكلُّ جماعة من أجل الوصول إلى تحقيق مآربها الفئويَّة من دون قيود. ولتجنُّب هذه الحالة الفوضويَّة، يرى هوبز أنَّ البشر بحاجة إلى عقد اجتماعيّ لتكوين دولة قويَّة تحافظ على الأمن والاستقرار. وبينما يركِّز هوبز على دور الدَّولة في الحفاظ على السَّلام، ينفتح المجال على اندلاع العنف، فتسلِّط أفكارُه الضَّوء على العواقب الوخيمة للحروب والصِّراعات.
أمَّا الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط فيرى أنَّ الحرب هي حالة غير طبيعيَّة للإنسان، وأنَّ العقل يُملي علينا السَّعي إلى السَّلام، معتبرًا أنَّ «قانون الحرب» يتضمَّن إشكاليَّة مزدوجة من حيث أساسه. فالحرب لا تحدِّد القانون، ولا تملك قوَّة القانون – من حيث تطبيقه – لأنَّنا لا نستطيع أن نستنتج القانون من الواقع. ويقول إنَّ العقلانيَّة هي السَّبيل الوحيد لتحقيق السَّلام الدَّائم بين الدُّول. فهو يدعو إلى تأسيس مجتمعٍ دوليٍّ قائمٍ على القانون والعدالة، حيث تتمُّ تسوية الخلافات بالطُّرق السِّلميَّة.
أمَّا البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة، فيشدِّد باستمرار على أهمِّيَّة السَّلام والعدالة في العالم، معتبرًا الحروب عبثًا مطلقًا ومأساة إنسانيَّة وهزيمة للبشريَّة لا يمكن تبريرها، داعيًا إلى الحوار والتَّفاهم بين الشُّعوب. يرى البابا أنَّ كلَّ إنسان هو عطاء إلهيّ وذلك ما تقوله الأديان، وفي المسيحيَّة هو ابن الله، وبالتَّالي فإنَّ قتل أيِّ شخص هو انتهاك لحرمة الحياة. كما يؤكِّد ضرورة العمل من أجل بناء عالَمٍ أكثر عدلًا ومساواة، حيث يتمتَّع الجميع بحقوقهم الأساسيَّة، بما في ذلك الحقُّ في الحياة.
وهكذا فإنَّ الحروب، أكانت من الطَّبيعة أم لا، هي عبثيَّة لأنَّها لا تحقِّق أيَّ فائدة حقيقيَّة للبشريَّة بل تقضي على الحياة الفرديَّة والثَّقافات لا بل الحضارات، إذْ تدمِّر الممتلكات والبنية التَّحتيَّة، وتقتل الأبرياء، وتشرِّد الملايين، وتؤدِّي إلى الكراهية والانتقام. كما أنَّها تستهلك الموارد الَّتي يمكن استخدامها لتحسين حياة النَّاس. ويبقى القهر على مَن غادروا، ضحايا، من كلِّ وطنٍ وبلاد شاركوا في الحرب، بينما السَّعادة تغمر تُجَّار السِّلاح، وحدَهم، فاقدي الضَّمير والدِّين.
إنَّ الحقَّ في الحياة هو حقٌّ أساسيّ لكلِّ إنسان، وهو حقٌّ غير قابل للتَّفاوض. والحروب هي انتهاك صارخ لهذا الحقّ. فكلُّ إنسان له قيمة وكرامة، ويجب احترامهما.
وبما أنَّ الدِّين والفلسفة يتَّفقان على أنَّ الحروب هي شرّ، وأنَّ السَّلام هو الهدف الأسمى للإنسانيَّة، فعلى الجميع أن يعملوا على إنهاء هذه الحروب بالتَّربية. فالأديان السَّماويَّة تدعو إلى المحبَّة والسَّلام، والفكرُ الإيجابيّ وحده، ضمن الحوار واحترام القانون وأسس العدالة وتهميش العصبيَّات الدِّينيَّة والقوميَّة، يقدِّم إلينا أدوات التَّفكير النَّقديّ لمساعدتنا على فهم أسباب الحروب وإيجاد حلول لها.
الأب سليم دكَّاش اليسوعيّ: رئيس تحرير مجلَّة المشرق. رئيس جامعة القدِّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتِّحاد الدَّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز شهادة دكتوراه في العلوم التَّربويَّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، وشهادة دكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السُّوربون 1 (1988)، ويدرِّس فلسفة الدِّين والحوار بين الأديان والرُّوحانيَّة السِّريانيَّة في كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة في الجامعة اليسوعيَّة.
موقف الكنيسة من الدَّولة بين الرَّفض والقبول- قراءة في خِبرة الكنيسة في القرنَين الثَّاني والثَّالث
في القرنين الثَّاني والثَّالث اضْطلعت الكنيسة، الَّتي غالبًا ما يُطلَق عليها اسم «كنيسة الشُّهداء»، بدور حاسم في تحديد علاقتها بالدَّولة. في أثناء تلك الفترة، ورغم أنَّ الكنيسة كانت تُصلِّي من أجل أصحاب السُّلطة، فقد كانت تعارض بشدَّة تلك السُّلطة عندما كانت تطالبُها بعبادة آلهةِ الدَّولة أو الاعتراف بألوهيَّة الإمبراطور. وذلك الموقف الواضح في مواجهة مَطالب الدَّولة عرَّض الكنيسةَ للاضْطهاد، وأشار، بتزايد، إلى الفصل بين السُّلطة الرُّوحيَّة والسُّلطة السِّياسيَّة.
ولكن، إضافةً إلى الموقف المناهض الدَّولة، تُظهر الأدبيَّات المسيحيَّة في تلك الفترة أيضًا موقفًا متردِّدًا تجاه الدَّولة، يتراوح بين القبول والرَّفض. فبعض الكتَّاب المسيحيِّين كان يرَى في الإمبراطوريَّة جزءًا من القصد الخلاصيّ، ما دفع لاحقًا بعضَ المفكِّرين، مثل القدِّيس أوغسطينُس، إلى اعتبار الدَّولة أداةً زمنيَّة في خدمة الكنيسة. وقد مهَّد هذا التَّصوُّر الطَّريق لقرون من حالات الشَّدِّ بين الكنيسة والدَّولة، الَّتي لم تتَّضح معالمها بالكامل إلَّا في المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني. في أثناء هذا المجمع، أعادت الكنيسة تأكيد فصلها عن المجال السِّياسيّ مع الحفاظ على دورها الخُلقيّ والرُّوحيّ، حيث كانت تدعم الدَّولة عندما كانت تحترم واجباتها، وتعارضُها عندما تتجاوزُها.
كلمات مفتاحيَّة: علاقة الكنيسة بالدَّولة – كنيسة الشُّهداء – الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة – قبول الدَّولة – رفض الدَّولة – الفصل بين الدِّين والدَّولة – وظيفة الدَّولة – المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني – الحرِّيَّة الدِّينيَّة.
Le positionnement de l’Église vis-à-vis de l’État entre refus et acceptation
Une lecture de l’expérience de l’Église aux IIe et IIIe siècles
P. Salah Aboujaoudé
Aux deuxième et troisième siècles, l’Église, souvent appelée « l’Église des martyrs », a joué un rôle crucial dans la définition de sa relation avec l’État. Durant cette période, bien qu’elle priât pour les détenteurs du pouvoir, l’Église s’opposait fermement à l’autorité lorsque celle-ci exigeait de vénérer les dieux de l’État ou de reconnaître la divinité de l’empereur. Cette opposition claire face aux demandes de l’État exposait l’Église à des persécutions, tout en marquant une distinction croissante entre l’autorité spirituelle et l’autorité politique. t
Malgré cette résistance, la littérature chrétienne de l’époque montre une attitude ambivalente envers l’État, alternant entre acceptation et rejet. Certains écrivains chrétiens percevaient l’empire comme faisant partie du dessein divin de salut, ce qui a conduit plus tard certains penseurs, comme saint Augustin, à voir l’État comme un outil temporel au service de l’Église. Cette vision a préparé le terrain pour des siècles de tensions entre l’Église et l’État, qui ne seront pleinement clarifiées qu’au concile Vatican II. Durant ce concile, l’Église a réaffirmé sa séparation de la sphère politique tout en conservant son rôle de guide moral et spirituel, soutenant l’État lorsqu’il respectait ses devoirs et s’opposant à lui lorsqu’il les dépassait. t
Mots clés : La relation entre l’Église et l’État – L’Église des martyrs – L’Empire romain – L’acceptation de l’État – Le refus de l’État – La séparation entre la religion et l’État – La fonction de l’État – Le Concile Vatican II – La liberté religieuse. t
الأب صلاح أبو جوده اليسوعيّ: نائب رئيس جامعة القدِّيس يوسف، وعميد كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة. له عدد من المؤلَّفات اللَّاهوتيَّة والسِّياسيَّة الصَّادرة عن دار المشرق، منها السُّنون العجاف – 2018، ومخاض الدِّيموقراطيَّة في لبنان والشَّرق الأوسط – 2014، وهويَّة لبنان الوطنيَّة، نشأتها وإشكاليَّاتها الطَّائفيَّة – 2008.
لويس ماسينيون والقضيَّة الفلسطينيَّة
يُلاحَظ صمت نسبيّ من جانب المرجعيَّات الدِّينيَّة الكبرى تقليديًّا، المسيحيَّة والإسلاميَّة، أمام هول العنف واستمراره في الأراضي المقدَّسة. يكرِّس هذا الصَّمت حالة تراجع مطَّرد عن أخذ الجانب الرُّوحيّ لقضيَّة فلسطين بعين الاعتبار من قِبل جهات نفترض أن تكون معنيَّة بمجريات الأحداث؛ فكأنَّ «قضيَّة الأراضي المقدَّسة» لم يعد لها مع القداسة علاقة تُذكر.
شهد موقف لويس ماسينيون (1883-1962) في هذه القضيَّة انقلابًا جذريًّا انتقل من داعمٍ للصُّهيونيَّة إلى مناهض شديد لها، مع احتفاظه بصداقة اليهود واحترامهم شعبًا وديانةً، بينما تبلور موقفه المُطالب بالعدالة ليتأسَّس على البُعد الكتابيّ لمفهوم الضِّيافة ويتغذَّى من إشعاع غاندي (المعاصر له) في مقاومته المدنيَّة اللَّاعنفيَّة من أجل الحقِّ، وفي شهادة حياته وموته.
عبَّر ماسينيون، العارف بتاريخ العرب ولغتهم، وبالإسلام، والمؤمن الكاثوليكيّ الملتزم، والكاهن منذ 1950، في كتابات مختلفة (خصوصًا بين 1948 و1954) عن منظور للقضيَّة الفلسطينيَّة عكس في بعض النِّقاط موقف الكنيسة الكاثوليكيَّة في ذلك الوقت، وهو موقف لزمت الكنيسة الصمت عنه لاحقًا، بينما تجاوزته مقاربة ماسينيون في عمق منطلقها.
أَنشُد من هذه الدِّراسة، ، وبروح الانتماء البنويّ إلى الكنيسة الَّذي به كتب ماسينيون ونشط ونقَد «الغرب المسيحيّ»، إعادة تقديم الرُّوحانيَّة الَّتي أسَّس عليها طروحاته، منذ ثلاثة أرباع القرن، في ظروف شابهت، من نواحٍ عديدة، ظروف اليوم، وكانت مقدِّمة لها؛ لعلَّ في ذلك ما يلهم لدى الكنيسة (قلِ الكنائس) رؤيا، وموقفًا صريحًا، وصادقًا بمسؤوليَّة مع الجميع، أمام ما يقع من أحداث تاريخيَّة بل ربَّما إسكاتولوجيَّة! ودورًا نبويًّا في حمل راية سلامٍ يبقى ممكنًا بحسب رجائها.
كلمات مفتاحيَّة: ماسينيون – الأرض المقدَّسة – فلسطين- إبراهيم – غاندي – ضيافة – لجوء – سلام – الكنيسة.
Louis Massignon et la question Palestinienne
On note un silence relatif de la part des principales autorités religieuses traditionnelles, tant chrétiennes que musulmanes, face à l’ampleur massive et continue de la violence en Terre sainte. Ce silence perpétue un déclin constant de la prise en compte de l’aspect spirituel de la question palestinienne par des parties que nous supposerions préoccupées par le cours des événements. Tout se passe comme si la « question de la Terre sainte » n’a pas beaucoup à voir avec la sainteté. t
La position de Louis Massignon (1883-1962) sur cette question connaît un changement radical : le partisan du sionisme devient progressivement un farouche opposant, tout en gardant une profonde amitié pour le peuple juif et le judaïsme, tandis que son attitude réclamant la justice a mûri en se fondant sur la dimension biblique du concept d’hospitalité, et se nourrissant par le rayonnement de Gandhi, son contemporain, dans sa résistance civile non violente et par le témoignage de sa vie et de sa mort. t
Massignon, fin connaisseur de l’histoire des Arabes, de leur langue et de l’Islam, croyant catholique engagé, prêtre à partir de 1950, a exprimé dans divers articles, (surtout entre 1948 et 1954) une approche de la question palestinienne qui a reflété en quelques points les attitudes de l’Église catholique de l’époque (dont elle a ensuite gardé silence), approche qui a dépassé, dans son profond point de départ, ces attitudes. t
À travers cette étude, je cherche, dans un esprit d’appartenance filiale à l’église, à présenter à nouveau la spiritualité sur laquelle Massignon fondait ses propositions, il y a trois quarts de siècle, dans des circonstances qui, à bien des égards, sont similaires à celles d’aujourd’hui et qui en ont été précurseurs. Peut-être cela inspirera-t-il un renouveau de la vision de l’Église (ou des Églises), une attitude franche et amicale envers chacun – une amitié responsable – face aux événements historiques (et peut-être même eschatologiques) qui se produisent, ainsi qu’un rôle prophétique pour porter l’étendard de la paix qui reste possible selon son espérance. t
Mots clés : Massignon – Terre sainte – Histoire – Palestine –Abraham – Gandhi – Hospitalité – Refuge – Paix – Eglise. t
الأستاذ أديب الخوري : باحث، ومترجم، ومدرِّس. مُجاز في الرِّياضيَّات والمعلوماتيَّة من كلّيِّة العلوم – جامعة دمشق. عضو في الجمعيَّة الكونيَّة السُّوريَّة. من منشوراته في التَّرجمة الفرنسيَّة والإنجليزيَّة: أجمل المعادلات الرِّياضيَّة (بيروت: أكاديميا، 1996). ويوميّات القراءة، ألبرتو مانغويل (بيروت: دار السّاقي، 2015). وله أيضًا: تعليم جديد من أجل عالم مختلف (دمشق: معابر، 2015).
المجتمع والدُّستور والدَّولة عند أرنست-فولفغانغ بوكنفوردي
تناقش هذه المقالة نظريَّة أرنست فولفغانغ بوكنفوردي الدُّستوريَّة . صاحبُها الفيلسوف والدُّستوريّ الألمانيّ، الَّذي يربط البعد الاجتماعيّ السِّياسيّ في قيام الدُّستور بـ «روح الشَّعب»، باعتباره سلطة تأسيسيَّة بأصوات ممثّليها. لكنّ بوكنفوردي يضيف عوامل أخرى في هذه العمليّة، مثل القانون الطَّبيعيّ كمصدر معياريّ. ومن ثمّ يقيم علاقة ديناميكيّة بين الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة والمكوِّنات المجتمعيّة. تسلِّط هذه العلاقة الضَّوء على الدَّور الحاسم للشَّعب في المشاركة السِّياسيَّة الفعَّالة. ووفقًا لهذه العلاقة، ينسب بوكنفوردي إلى الشَّعب سلطة إعادة النَّظر في شرعيّة الدُّستور، مثل تعديله النّسبيّ أو المنهجيّ. وهذا يعني أنّ هذه النَّظريَّة الدُّستوريَّة تضع ثقلها على «روح الشَّعب» بطبيعته التّفاعليَّة وقوَّته التَّأسيسيَّة باعتباره لحظة لا عودة عنها في علاقتها بالدُّستور.
كلمات مفتاحيَّة: الدُّستور – الدَّولة – روح الشَّعب – ما بعد الدَّهرنة – الدَّهرنة – الإرادة السِّياسيّة – العقد الاجتماعيّ – المعياريّ – السُّلطة المُنشِئة - السُّلطة المُنشَأة.
Société, État et constitution chez Ernst-Wolfgang Böckenförde
Théodore Rai
Cet article traite de la théorie constitutionnelle chez Ernst-Wolfgang Böckenförde, philosophe et constitutionnel allemand, qui relie la dimension socio-politique, ou «l’esprit du peuple», en tant que pouvoir constituant par les voix de ses représentants. Mais Böckenförde fait inclure d’autres facteurs à ce processus, comme la loi naturelle comme source normative. Il a donc une relation dynamique entre la légitimité constitutionnelle et les composantes sociétales. Cette relation met en relief le rôle crucial du peuple dans une participation politique effective. D’après cette relation, Böckenförde attribue au peuple un pouvoir de revisiter la légitimité de la constitution, comme son amendement relatif ou systématique. Ceci dit que cette théorie constitutionnelle met le poids sur «l’esprit du peuple» dans sa nature interactive et son pouvoir constituant comme un moment irréversible dans sa relation à la constitution. t
Mots-clés : la constitution – L’État – l’esprit du peuple – post sécularisation – sécularisation – la volonté politique – pacte social – normatif – pouvoir constituant – pouvoir constitué. t
الأستاذ تيودور الرَّاعي: حائز إجازة في العلوم السِّياسيّة والإداريَّة في الجامعة اللُّبنانيَّة، كلِّيَّة الحقوق والعلوم السِّياسيَّة والإداريَّة – الفرع الثَّاني. وهو حاليًّا طالب سنة ثانية دراسات معمَّقة (M2) في العلوم السِّياسيّة في الجامعة نفسها، ويجيد اللّغات: الفرنسيَّة والإنجليزيَّة والألمانيَّة.
دور مدينتَي بيروت واﻹسكندريَّة في تجارة الحرير بين السَّلطنة المملوكيَّة وأوروبَّا
إبَّان العصر المملوكيّ، عرفت مدينتا بيروت والإسكندريَّة تطوُّرًا اقتصاديًّا، وكان لهما دور رئيسيّ في تجارة الحرير، إذ إنَّ تصدير الحرير إلى أوروبَّا كان محصورًا بمينائَي هاتين المدينتين فحسب، ما جعلهما مقصدًا للتُّجَّار الأوروبِّيِّين وفي طليعتهم التُّجَّار البنادقة الَّذين نظُّموا خطوطًا تجاريَّة بحريَّة تعمل عليها السُّفن بشكل منتظم لنقل الحرير والتَّوابل من بيروت والإسكندريَّة إلى مدينة البندقيَّة.
كلمات مفتاحيَّة: بيروت – الإسكندريَّة – الحرير – البندقيَّة – السَّلطنة المملوكيَّة – المودا – البحر المتوسِّط – التِّجارة.
Le rôle des villes de Beyrouth et d’Alexandrie dans le commerce de la soie entre le sultanat mamelouk et l’Europe
Dr. Pierre Moukarzel
À l’époque mamelouke, les villes de Beyrouth et d’Alexandrie ont connu un développement économique. Elles jouèrent un rôle majeur dans le commerce de la soie dont l’exportation vers l’Europe se limitait aux ports de ces deux villes devenues une destination pour les marchands européens, notamment les marchands vénitiens qui organisaient des lignes commerciales maritimes sur lesquelles les navires opéraient régulièrement pour transporter la soie et les épices de Beyrouth et d’Alexandrie vers la ville de Venise. t
Mots-clés : Beyrouth, Alexandrie, la soie, Venise, le sultanat mamelouk, la Muda, la Méditerranée, le commerce.. t
الدُّكتور بيار مكرزل: حائز شهادة الدّكتوراه في التَّاريخ الوسيط من جامعة بواتييه (فرنسا)، معهد الدِّراسات العليا لحضارة القرون الوسطى. ومتخصِّص بتاريخ المماليك (1250-1517) والعلاقات بين أوروبَّا والشَّرق في القرون الوسطى. أستاذ مادَّة التَّاريخ الوسيط في كلِّيَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة (الفرع الثّاني) في الجامعة اللُّبنانيَّة. ومحاضر في جامعات لبنانيَّة وأوروبيَّة.
العمل التَّعاونيّ معيار لفعَّاليَّة التَّعليم في المدارس الرَّسميَّة في لبنان
يسلِّط هذا النَّصّ الضَّوء على تأثير التَّعاون في التَّعليم استجابةً للتَّحدِّيات المتزايدة الَّتي تواجهها الأنظمة المدرسيَّة. وعلى مدى العقود الماضية، بدأت بلدان عدَّة بتطبيق إصلاحات مدرسيَّة تهدف إلى تحقيق اللَّامركزيَّة في سلطة اتِّخاذ القرارات، وحثِّ الجهات الفاعلة في مجال التَّعليم على اعتماد أشكال جديدة من التَّعاون. وبالتَّالي، يُعتبر العمل التَّعاونيّ أداة أساسيَّة لتحسين نوعيَّة التَّعليم وتحقيق نجاح التَّلاميذ. وتستعرض الدِّراسة، الَّتي تمَّ إجراؤها في لبنان وتشمل مديري المؤسَّسات التَّعليميَّة الثَّانويَّة الرَّسميَّة ومعلِّميها، مختلفَ جوانب هذا التَّعاون، كالالتزام وآليَّات التَّعاون وأنواعه. وتُظهر النَّتائج أنَّ التَّعاون، لا سيَّما عبر الحوار وتبادل الموارد والمسؤوليَّة المهنيَّة، ضروريّ لنموّ المعلِّمين على الصَّعيد المهنيّ والابتكار التَّربويّ. ويحثّ مديرو المؤسَّسات التَّعليميَّة على تطبيق هذه الممارسات ويسلِّطون الضَّوء على أهمِّيَّة استقلاليَّة المعلِّمين واتِّخاذ القرارات الأخلاقيَّة وإدارة النِّزاعات. وتشدِّد هذه الدِّراسة على أنَّ نجاح التَّعليم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإنشاء مجتمع تعليميّ قائم على التَّعاون والالتزام المهنيّ.
كلمات مفتاحيَّة: الالتزام المهنيّ – المسؤوليَّة – البُعد العلائقيّ – المجتمع التَّعليميّ.
Le travail collaboratif, un critère d’efficacité de l’enseignement, dans les établissements publics au Liban
Dr. Talar Oumoudian
Le texte suivant souligne l’impact de la collaboration dans l’enseignement, en réponse aux défis croissants auxquels font face les systèmes scolaires. Ces dernières décennies, de nombreux pays ont initié des réformes scolaires visant à décentraliser le pouvoir décisionnel et à promouvoir de nouvelles formes de collaboration parmi les acteurs de l’éducation. Le travail collaboratif est ainsi reconnu comme un outil central pour améliorer la qualité de l’enseignement et la réussite des élèves. L’étude réalisée au Liban, impliquant des chefs d’établissements et des enseignants de lycées publics, explore divers aspects de cette collaboration, tels que l’engagement, les mécanismes et les types de coopération. Les résultats montrent que la collaboration, notamment par le dialogue, l’échange de ressources et la responsabilité professionnelle, est essentielle au développement professionnel des enseignants et à l’innovation pédagogique. Les chefs d’établissement encouragent ces pratiques en mettant en avant l’importance de l’autonomie des enseignants, de la prise de décision éthique, et de la gestion des conflits. Cette étude souligne que le succès de l’enseignement est étroitement lié à la création d’une communauté d’apprentissage fondée sur la coopération et l’engagement professionnel. t
Mots-clés: engagement professionnel – responsabilité – dimension relationnelle – communauté d’apprentissage. t
الدُّكتورة تالار أموديان: حائزة شهادة الدُّكتوراه في العلوم التَّربويَّة في جامعة القدِّيس يوسف، وموضوعها «الأخلاقيَّات المهنيَّة للمعلِّم». مُدرِّسة مادَّة العلوم الطَّبيعيَّة في ثانويَّة بيت شباب الرَّسميَّة. من أبحاثها المنشورة: «الأخلاقيَّة المهنيَّة للأساتذة»، و«إدماج التِّكنولوجيا في تعليم العلوم الطَّبيعيَّة في الصُّفوف الثَّانويَّة»، و«مرض السُّكّريّ عند الأطفال».
اللَّاأرخيَّة – نحو مصطلحٍ جديد
تستكشف هذه الدِّراسة مفهوم «الأرخيّة» وضرورة استخدامه، من الآن فصاعدًا، في الفلسفة العربيَّة من خلال تحليل أصول الكلمة اليونانيَّة «ἀρχή» واستخداماتها الشَّائعة في التَّرجمة. يجادل الكاتب بأنَّ التَّعريفات الحاليَّة للأرخيَّة لا تنقل كامل دلالاتها، ويقترح العودة إلى أصل المصطلح اليونانيّ لفهم أعمق. ويُقدِّم الكاتب تعريفًا جديدًا للأرخيَّة كمبدأ أساسيّ يكوِّن الواقع ويمنحه بنيته. وأخيرًا، يسلِّط الضَّوء على أهمِّيَّة هذا التَّعريف الجديد لفهم أبعاد الأرخيَّة وتأثيراتها في الفكر المعاصر بكلِّ أبعاده.
كلمات مفتاحيَّة: أرخيَّة – فوضى- مصطلح – لاسلطويَّة – خاوس.
La-Archia : vers un nouveau concept en arabe
Dr. Frank Darwiche
Cette étude explore le concept d’« archè » et la nécessité de le traduire par « arkhiyya » en philosophie arabe, en analysant les origines du mot grec « ἀρχή » et ses usages courants dans les traductions. L’auteur soutient que les définitions actuelles de l’archè ne rendent pas pleinement compte de ses connotations. Il suggère un retour à l’origine du terme grec pour une compréhension plus profonde. L’auteur propose une nouvelle définition de l’archè en tant que principe fondamental qui façonne la réalité et lui donne structure. Enfin, l’auteur souligne l’importance de cette nouvelle définition pour comprendre les dimensions de l’arkhiyya et ses effets sur tous les domaines de la pensée contemporaine. t
Mots-clés : archè – arkhiyya – chaos – an-archie – arabe. t
الدُّكتور فرانك درويش: أستاذٌ جامعيّ (حاليًّا جامعة برغندي – فرنسا، وسابقًا جامعة البلمند، كلِّيَّة الفنون والعلوم، قسم الفلسفة). باحثٌ في فلسفة هايدغر والوجوديَّة والفِسارة والفِنومِنولوجيا والجماليَّات والفلسفة اللُّبنانيّة. من مؤلَّفاته: (2013) Heidegger: le divin et le Quadriparti، وله العديد من المقالات العلميَّة في الفلسفة الألمانيَّة والفرنسيَّة واللُّبنانيَّة، وترجمات من الألمانيَّة والفرنسيَّة إلى العربيَّة. قدَّم أطروحته Le divin dans la pensée de Martin Heidegger في جامعة برغندي (2008)، وصدر له مؤخّرًا: «من الأرض إلى السَّماء: سيزان، كلي وهايدغر»، في المجلَّة العربيَّة للعلوم الإنسانيَّة، العدد 164، 2024؛ وترجمة كتاب فلهلم شميدت – بيغمان، الفلسفة الخالدة: الخطوط التَّاريخيَّة العريضة للرُّوحانيَّة الغربيَّة في العصر القديم والوسيط والحديث المبكِر، بيروت: دار المشرق، 2024.
في الأقانيم والجوهر مقالان ليحيى بن عديّ في التَّثليث والتَّوحيد اختصرهما الصَّفيُّ بن العسَّال
يضمُّ هذه البحث مقالَين مخطوطَين ليحيى بن عديّ يُنشران لأوَّل مرَّة:
1- مختصَرَ جواب يحيى بن عديّ عن مسائلَ في الأقانيم الثَّلاثة.
2- مختصَرَ مقالةٍ له في جواب مقالة يعقوبَ الكنديّ في الرَّدِّ على النَّصارى، وذلك في سنةِ خمسين وثلاثِمئةٍ.
يتضمَّن البحث دراسةً للمخطوطات ولأسلوب الصَّفيِّ بن العسَّال في التَّلخيص ولمضمون النَّصَّين المختصرَين.
كلمات مفتاحيّة: التَّثليث – التَّوحيد – الجوهر – الأقانيم – الفصل – النَّوع - الواحد – المركَّب.
Les hypostases et la substance Deux traités de Yaḥyā Ibn ‘Adī sur la Trinité et l’Unité résumé par al- Ṣafī Ibn al-‘Assāl, t
Dr. Nadine Abbas
Deux textes inédits de Yaḥyā Ibn ‘Adī sont édités dans cette étude : t
1) Le résumé de la réponse de Yaḥyā Ibn ‘Adi aux questions sur les trois hypostases. t t
2) Le résumé du traité de Yaḥyā Ibn ‘Adi en réponse sur le traité de Yaʻqūb Ibn Ishāq al-Kindi sur la Réfutation des chrétiens, publié en l’an 350. t t
Les textes sont précédés d’une étude des manuscrits, du style de résumé d’al-Ṣafī Ibn al-‘Assāl, et du contenu des deux textes résumés. t
Mots-clés : La Trinité – l’Unité – la substance – les hypostases – la différence – l’espèce – l’Un – le composé. t
[email protected]
الخير والنُّور والجمال كأسماء إلهيَّة لدى ديونيسيوس الأريوباغيّ المُنتحِل
كثيرًا ما تمَّت دراسة كتابات ديونيسيوس الأريوباغيّ المنتحِل انطلاقًا من الأفكار الفلسفيَّة الَّتي سبقته أو ربَّما المعاصرة له لتبيان تأثيرها في تفكيره، واكتشاف التَّحوُّل الَّذي أجراه ليلائمها مع الإيمان المسيحيّ. لكنَّ هذه الدِّراسات قلَّما أعارت العنصر الدِّينيّ، والخبرة الرُّوحيّة الَّتي يصبو إلى إبرازها، انتباهًا كافيًا. في هذه الدِّراسة، سوف يتمُّ عرض أفكار ديونيسيوس في جدليَّة الاسم الإلهيّ وتكشُّفات الذَّات الإلهيَّة في أسماء الخير والنُّور والجمال وعلاقتها بعضها ببعض.
كلمات مفتاحيَّة: الخير – النُّور – الجمال – يهوه – اسم إلهيّ – ارتقاء.
Le Bon, la Lumière et la Beauté comme Noms Divins
selon Pseudo-Denys l’Aréopagite
P. Sami Hallak
Les écrits du Pseudo-Denys l’Aréopagite ont souvent été étudiés en relation avec les concepts philosophiques ultérieurs, ou peut-être de son temps, pour montrer leur influence sur ses écrits, les modifications qu’il a entreprises pour adapter ces pensées à la foi chrétienne. Cependant, ces études ont rarement attiré suffisamment l’attention sur l’aspect religieux et l’expérience spirituelle qui l’ont poussé à mettre en valeur son étude. Nous présenterons ici les idées de Denys sur la dialectique du « nom divin » et les révélations de l’Être Divin dans les noms du Bien, de la Lumière et de la Beauté et leurs interrelations.
Mots clés : Bon – lumière – Beau – Jéhovah – nom divin – ascension.
الأب سامي حلَّاق اليسوعيّ: كاتب وباحث، ومدرِّس في جامعة القدِّيس يوسف – بيروت. له مؤلَّفات وترجمات عدَّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيَّة في مجلَّة المشرق.
الرَّصافيَّات والرِّيحانيَّات، نظر للأب لويس شيخو اليسوعيّ
مقالات من أرشيف مجلَّة المشرق
السَّنة الثَّالثة عشرة، العدد 5، أيَّار (1910)
Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux Régionaux
Salah Aboujaoudé S.J. t
Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux régionaux
1ère édition, 204 p. Beyrouth : Dar El Machreq, 2024
ISBN: 978-2-7214-7120-8
جميل أن تهتمّ الجماعات والرَّهبانيَّات والجامعة الخاصَّة بالشَّأن العامّ في لبنان لأنَّ معظم الجامعات اللُّبنانيّة أضحت معولمة، وتُعنى بتخريج أفواج من الطُّلَّاب المؤهَّلين للعمل في الخارج. والأجمل أنَّ أحد هؤلاء الرُّهبان الأب اليسوعيّ الدُّكتور صلاح أبو جوده، وهو مؤلِّف هذا الكتاب الَّذي نسعى إلى مقاربته، يجهد بمختلف الوسائل من أجل إيجادِ صيغةٍ صالحة لإرساء الاستقرار ومن ثمَّ الرَّخاء في لبنان. ولكنَّ المؤلِّف ما يلبث أن يجدَ نفسه في صميم صراع الآلهة – بحسب تعبير الجنرال شارل ديغول – ومصالح الجماعات وصراع الأصوليَّات والصِّراعات الإقليميَّة على السَّاحة اللُّبنانيّة. اصطدمَ الكاتب بمقولة جورج نقَّاش التَّاريخيَّة والَّتي أدخلته يومها إلى السِّجن: «مضادَّان لا يبنيان أمَّة» (Deux négations ne font pas une nation).
في الكتاب يطرح المؤلِّف دور الطَّائفيَّة وتأثيرها في مفهوم الدَّولة المُعاصرة، مُشدِّدًا على وجوب أن تندرج حقوق الطَّوائف في نطاقِ مصلحةِ الوطن.
«Cette pratique politique est forcément source de conflit et de problème. D’abord, elle est conflictuelle, car elle crée une situation de confrontation permanente entre les représentants des confessions les plus puissantes sur la base de la lutte pour les droits confessionnels au pouvoir. Cependant, les confessions moins puissantes se sentiront marginalisées et lésées… Mais comme il est difficile voire impossible de définir le bien d’une confession dans le contexte libanais, cette revendication se voit réduite aux intérêts personnels des dirigeants qui d’une certaine manière se transforme en symbole sacré des droits de leur confession»[1]. t
نتيجة لذلك، نشأت ديناميَّة صراعِ الطَّوائف الَّتي نظرت إلى مصلحة الطَّائفة قبل مصلحةِ الوطن. وقد دفعت النُّخب الفكريَّة ثمنًا باهظًا لهذا الصِّراع، بحيث أصبحت المراكز العامَّة حكرًا على المتشدِّدين والمتعصِّبين، وهم غالبًا لا يملكون الكفاءة، على حساب أهل العلم والاختصاص والنَّزاهة.
عوَّلَ المؤلِّف على ثورة السَّابع عشر من تشرين الأوَّل من العام 2019، وعلى دور الشَّباب في إحداث التَّغيير المنشود ولكن من دون طائل. انتهت الثَّورة كما ظهرت سريعًا، وعادت الإقطاعيَّات السِّياسيّ ة إلى سابق عهدها.
أثار المؤلِّف أيضًا موضوع التَّحالفات غير الطَّبيعيَّة بين مختلف الأحزاب السِّياسيَّة، والَّتي لم تُسفِر عن أيّ نتائج إيجابيَّة على الصَّعيد الوطنيّ. وهذا الأمر ليس غريبًا، حيث المصالح تتقدَّم على المبادئ، فالمصالح دائمة والصَّداقات مؤقَّتة،[2] وطرحَ بالمقابل موضوع تعميم الدِّيموقراطيَّة حلًّا للمعضلات المذهبيَّة والطَّائفيَّة المتحجِّرة.
«Quelle issue pour le Liban? Le début d’un changement résiderait dans l’acceptation d’une critique objective des expériences historiques des différentes confessions et de leurs doctrines théologico-politiques à la lumière des exigences de l’État démocratique; cela reste évidemment un défi énorme. Pourtant une deuxième issue existe aussi: c’est la diffusion systématique de la culture démocratique déjà présente dans la société libanaise»[3]. t
وللأسف الشَّديد، أظهرت تجربة الدِّيموقراطيَّة في العالم العربيّ من خلال «الرَّبيع العربيّ» خيبة أملٍ كبيرةٍ، بحيثُ إنَّ هذا الرَّبيع لفظَ أنفاسَهُ الأخيرة مع عودة ظاهرة الانتخابات الرِّئاسيَّة بمعدّلاتٍ تفوقُ التِّسعين بالمئة. أمَّا أسباب فشل هذه التَّجربة الفريدة، الَّتي لن تتكرَّر قبل وقتٍ طويلٍ، فتعود إلى أسباب ذكَرها الكاتب، وتعود إلى دور الدِّين في العالم العربيّ وتحكُّمِ الطَّبقات السِّياسيَّة (المتسلِّطة) وخوف الطَّبقات المتوسِّطة، الَّتي تُمثِّلُ الأمل الوحيد في التَّغيير، من التَّداعيات الفكريَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة على واقعها. وقد تخاذلت النُّخب الفكريَّة أمام الحركات الدِّينيَّة المتطرِّفة وأقنعت نفسها بما أطلقت عليه لقبَ الاعتدالِ الدِّينيّ الَّذي لا يُغيِّرُ شيئًا من واقعِ الحال[4]. وحاول المؤلِّف في مقاربتهِ النَّقديَّةِ إيجاد الحلّ من طريق الاستشهاد بالإرشاد الرَّسوليّ الَّذي أصدره البابا الرَّاحل القدِّيس يوحنَّا بولس الثَّاني:
«Parce qu’il est composé de plusieurs communautés humaines, le Liban est regardé par nos contemporains comme une terre exemplaire. En effet, aujourd’hui comme hier, sont appelés à vivre ensemble, sur le même sol, des hommes différents sur le plan culturel et religieux, pour édifier une notion de dialogue et de convivialité et pour concourir au bien commun»[5]. t
إنَّ نظرة نقديَّة إلى هذه الدَّعوة تُظهر أنَّ الطَّوائف اللُّبنانيّة تتعايش بشكلٍ جميلٍ على صعيد العمل، والعلاقات الاجتماعيَّة، ولكنَّ الأمور تتعقَّد كثيرًا عندما تصل إلى النَّواحي الدِّينيَّة والسِّياسيّ ة حيثُ تظهر خلافات جذريَّة بشأن الهويَّة الوطنيَّة.
ويرى المؤلِّفُ أنَّ الإرشاد الرَّسوليّ يدعو إلى التَّرقّي إلى حدود العمل للمصلحة العامَّة (bien commun) الَّذي هو مصدر شرعيَّة السُّلطة السِّياسيّ ة والأخلاقيَّة، والخضوع لدولة القانون.
«Somme toute le bien commun a pour fin et la personne et l’ensemble des hommes. En se souciant donc du bien de «tous», le bien du «particulier» n’est pas nié, bien au contraire, il se réalise pleinement dans le bien de tous. En dehors de ces fondements, toute pratique politique n’est qu’un malheur!»[6]. t
وبينما يشدِّد المؤلِّف على دور المواطنة في تحقيق الخير العامّ، تظهر مرَّة أخرى إشكاليَّة تحديد الهويَّة الوطنيَّة الَّتي نصَّ عليها الميثاق الوطنيّ، والَّتي عدَّلها اتِّفاق الطَّائف. وهنا نتساءل كيف يمكن وطنًا أن يكون ذا وجهٍ عربيٍّ ويُصبحَ عربيًّا أصيلًا في أقلّ من خمسين عامًا؟
مرَّة أخرى لم يتراجع المؤلِّف أمام صعوبة «الحالة اللُّبنانيّة» داعيًا إلى تحقيق العقل والمنطق وحُسن النَّوايا لإيجاد صيغة تعايش وطنيّ تخدم الإنسان.
«Cette évolution peut-être réalisée principalement par une critique objective, scientifique et audacieuse de l’histoire négative qui lie les différentes confusions ainsi que des conséquences néfastes de la coexistence actuelle»[7]. t
وفي إطار استشرافه الواقع اللُّبنانيّ، استعرضَ الكاتب، بمقاربة نقديَّة ثاقبة وبعيدًا من المجاملة، واقع الإسلام السِّياسيّ في المنطقة بدءًا من ابن تيميَّة حتَّى الثَّورة الخمينيَّة في إيران، مُظهرًا التَّحدِّيات الَّتي واجهت، وما تزال، العالمَ الإسلاميّ منذ البداية وإشكاليَّة العلاقة بين التَّقليد والحداثة، ودور الدِّين على الصَّعيدَين الشَّخصيّ والسِّياسيّ ، رابطًا التَّجدُّد الإسلاميّ بمقاربة الواقع الإسلاميّ النَّقديَّة من مختلف جوانبه.
«Quelle que soit la forme qu’il revit, l’islam politique est principalement une réaction, à la fois, à la modernité occidentale à la suprématie et à la politique étrangère, d’une part, et à l’échec politique des régimes locaux dans tous les domaines, d’autre part. Cependant, en tant que mouvement intellectuel, l’islam politique est resté prisonnier du cadre traditionnel de la pensée religieuse islamique. Or, aucune rénovation ou modernisation ne peut être obtenue sans une critique sérieuse de l’éthos islamique, c’est-à-dire l’ensemble des croyances des idéaux et des modèles de comportement qui forment l’esprit des gens»[8]. t
إنَّ إشكاليَّة بناء الدَّولة الحديثة مطروحة منذ استقلال بلدان العالم الثَّالث منذ أواخر خمسينيَّات القرن الماضي وصولًا إلى اليوم. وخلاصة القول إنَّ معظم هذه الدُّول أصبحت دولًا مارقة (failed states) ولم تتمكَّن من تأمين مستوى لائقٍ لمواطنيها. ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ أنماط تقدُّم الدُّول مرتبطة بالنَّموذج الأوروبيّ والغربيّ الَّذي تُجسِّده أدبيَّات العالِم الألمانيّ ماكس فيبير Max Weber الَّذي تحدَّث عن البيروقراطيَّة والتَّسلسل العاموديّ للدَّولة من الأعلى إلى الأسفل، والحياد الوظيفيّ، وهي غير متوافرة في بلدان العالم الثَّالث، حيث تسود العصبيَّة والقبليَّة وحُكمُ الأقليَّة المتسلِّطة على موارد الدَّولة للأكثريَّة. وعلى الرُّغم من وجود طبقة مثقَّفة وراقية في لبنان، فالوضع لا يختلف كثيرًا عن واقع الإدارة العامَّة مع معظم الدُّول النَّامية. أمَّا الأسباب فهي متنوِّعة، وأبرزها جنوح نظام التَّعليم في مختلف مراحله باتِّجاه القطاع الخاصّ، وإهمال كلِّ ما يتعلَّق بالقطاع العامّ الَّذي يُنظَر إليه بدونيَّة. لم تستطع هذه النُّخب الجامعيَّة أن تفهم أنَّ نجاح القطاع الخاصّ مرتبط بنجاح القطاع العامّ وثباته.
لقد طرحَ المؤلِّف الأب أبو جوده حلولًا عديدة للنُّهوض بالدَّولة وبالوطن، منطلِقًا من تعاليم الكنيسة والسِّينودس والتَّحليل العقلانيّ في مقاربةٍ مِلؤها الإيمان والمهنيَّة والعقلانيَّة ومحبَّة الغير والإخلاص للوطن. بيد أنَّ الطُّروحات تسقط أمام قلاع الجهل والتَّخلُّف والأنانيَّة ومصالح الطَّبقة الحاكمة والفاسدين والمُفسدين، مع ملاحظة أنَّ طروحات العلمانيَّة والقوميَّة العربيَّة والثَّورات الإسلاميَّة على نمط «الإخوان المسلمين» أو «الثَّورة الخمينيَّة» في إيران لم تؤدِّ إلى نهوض هذه الدُّول بل ازدادت تخلّفًا بالمعنى الحضاريّ للكلمة وتراجَع مستوى المعيشة فيها، وازدادَ شعور مواطنيها بالقهر الَّذي دفع بِخيرة الأجيال إلى الهجرة نحو الغرب، واضعين معارفهم وعلومهم في خدمة هذا الأخير. كما أنَّه لا يمكن تجاهل تأثير الدُّول الإقليميَّة السَّلبيّ في السَّاحة اللُّبنانيّة، حيث سارعت معظم الجماعات (communautés) اللُّبنانيّة إلى التَّودُّد إليها سعيًا إلى كسب صداقتها، وتوظيف ذلك في زيادة نفوذها في لبنان على حساب الجماعات والطَّوائف الأخرى في الوطن.
وفي هذا الإطار، فإنَّ الحلول قد تكون «عمليَّة» وليس أيديولوجيَّة. فاتِّفاقيَّة الطَّائف نصَّت على اعتماد اللَّامركزيَّة الإداريَّة على صعيد القضاء، والَّتي تشكِّل – بعكس الفيدراليَّة – مدخلًا لتخفيف الصِّراع والتَّشنُّج بين مختلف الطَّوائف في لبنان، لأنّه توجد ضرورةٌ ملحَّة إلى التَّخفيف من المركزيَّة الشَّديدة الَّتي تُعطِّل أقلّ القرارات أهمِّيَّة من خلال إدخالها في آتون الصِّراع بين هذه الطَّوائف على السُّلطة. أضف إلى ذلك أنَّ المسألة اللُّبنانيّة مرتبطة بقيام صحوة إسلاميَّة مُعاصرة عقلانيَّة ونقديَّة صارمة تُعيد قراءة الماضي في ضوء الواقع الحضاريّ المُعاصر. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ العمل من أجل تحديد الهويَّة الوطنيَّة اللُّبنانيَّة وقيام المواطَنة الصَّالحة يبقى من المحطَّات الرَّئيسة للإصلاح السِّياسيّ في لبنان.
يزخر الكتاب بالكثير من التَّحليلات العميقة والدَّقيقة، وأكثر ما نستشفُّه منه السَّعي الدَّؤوب لاستشراف الواقع اللُّبنانيّ، وإيجاد حلول تدفع بهذا الوطن نحو التَّقدُّم والرُّقيّ بحيث يُصبح وطنًا للإنسان وللإنسانيَّة.
[1] Salah Aboujaoudé, Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux régionaux (Beyrouth: Dar El Machreq, 2024), p. 44. t
[2] We have no permanent friends, we have no permanent enemies. We have permanent interests, https://www.quotetab.com/quotes/by-benjamin-disraeli. t
[3] Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.61. t
[4] إشارة هنا إلى أنّ العديد من طلَّاب الدُّكتوراه العرب، الَّذين أشرف على أطاريحهم، يعارضون الدِّيموقراطيَّة، مفضِّلين عليها الأنظمة الدِّيكتاتوريَّة البائدة.
[5] Exhortation apostolique signée par Jean Paul II, citée dans: Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.44. t
[6] Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.45. t
[7] Aboujaoudé, ibid., p.14. t
[8] Aboujaoudé, ibid., p.150. t
الدُّكتور جورج لبكي: رئيس مجلس إدارة ومدير المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز شهادة دكتوراه في القانون من السُّوربون، وأخرى في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس XII. من مؤلَّفاته باللُّغة الفرنسيَّة: أنثولوجيا، والأدب اللُّبنانيّ باللُّغة الفرنسيَّة، ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.
دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة- طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة
الأب غي سركيس ولينا حوَّاط
دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة –
طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة
ط.1، 136ص.، بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-1221-8
يطرح الأب غي سركيس والدُّكتورة لينا إسكندر حوَّاط في كتابهما دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة إشكاليَّة العبور إلى أرض منهجيَّة متجدِّدة في اختصاصهما اللَّاهوت والفلسفة. إذ إنَّ البحث في النُّظم العامَّة للمنهجيَّة في الاختصاصات المختلفة سيؤدِّي حتمًا إلى إثارة جدليَّةٍ لن تنتهي، ولن توصل إلى أرض ميعاد، بل سيرى الجميع هذه الأرض ولن يدخلوها. لعلَّ هذا المأزق هو الذي دعا مشير باسيل عون، في تقديمه الكتاب، إلى حمل صليب المساءلة في مشكلة المنهجيَّة، ولعلَّه سيلتقي بأكثر من «سمعان القيرواني» يحملون معه ثقل هذه المنهجيَّة الَّتي «تُعاني من لزوجة التُّربة ورخاوة المسار وليونته» (ص.6)، وهي ما زالت في دراساتنا تبحث عن قيامة مرجوَّة في تخبُّطٍ واضح باستخدام الوافد إلى اللَّاهوت والفلسفة من دون مراعاة إبداع عمليَّة «التَّوفيق بين موضوعيَّة البحث العلميّ وذاتيَّة الاختبار الإيمانيّ» ( ص.6).
يشير الكاتبان إلى «أنَّ الغاية من هذا الكتيِّب – الدَّليل هي المساعدة على إعداد البحث العلميّ القصير، فلا يرى الطَّالب، بعد ذلك، في هذا النَّاشط دربَ جلجثة أو جاثومًا، بل مناسبة للنُّضوج في مسيرته الدِّراسيّة» (ص.19) من هنا يقوم الكتيِّب على منظومة منهجيَّة تضع المرجع في المتن، وتتوسَّع في الحواشي، ويعتمد من الصَّفحة الأولى على المراجع الأجنبيَّة، كما في تعريفه البحث العلميّ بـ «إنَّه عرض تدريجيٌّ ودقيق ومترابط». (روس 2017 ، 101) (ص.15). قسّم المؤلِّفان الكتيِّب إلى:
– المرحلة التَّمهيديَّة: تمَّ فيها تبرير هذه المنهجيَّة التَّوضيحيَّة في مجال اللَّاهوت والفلسفة، بدءًا من لاهوتيِّين كتوما الأكويني، انتهاءً بفلاسفة: كأفلاطون، وكانط، وهيجل، وماركس، ونيتشه وغيرهم (ص.17)، وتحليل ذلك عبر «انتقاءِ مقتطفات من كتاب مدخل إلى العقيدة المسيحيَّة للأب توماس ميشال اليسوعيّ وهي مجموعة محاضرات ألقاها في كلِّيَّة الشَّريعة الإسلاميَّة بأنقرة» (ص.20). توصيفًا لهذه المرحلة التَّمهيديَّة عرض المؤلِّفان، شرحًا مسهبًا، النِّقاط التَّقليديَّة الرُّوتينيَّة للبحث لدى الطَّالب: إعداد الجدول الزَّمنيّ (ص.21)، اختيار الموضوع (ص.22)، متلائمًا مع قدرات الطَّالب العلميَّة (ص.24)، الإشكاليَّة والسُّؤال الرَّئيس (ص.25)، نماذج عن طرح الإشكاليَّة (ص.30). وحسنًا فعل المؤلِّفان في عدم استخدام «هل» في أمثلة طرح الإشكاليَّة على شكل سؤال (ص.30 و31 و32)، لأنّ «هل» حرف استفهام لطلب التَّصديق الإيجابيّ، أي: إدراك النِّسبة الإيجابيَّة، ويُجاب عنه بـ «نعم» أو «لا»، لكنَّهما عادا واستخدماه (ص.46).
هذا وتُقدِّم المرحلة التَّمهيديَّة أيضًا مصطلحات اللَّاهوت والفلسفة بين السِّمات المشتركة والسِّمات الخاصَّة به (ص.35)، وكيفيَّة جمع المصادر والمراجع (ص.37) وما اصطُلح عليه بمصطلح «التَّقميش»، إلى جانب اعتماد المنهجيَّة (ص.39)، مع الانتباه إلى أنَّ المؤلِّفَين استخدما مصطلح المقارنة (ص.40)، على أنَّها بين نصَّين لكاتبين مختلفَين في الهويَّة واللُّغة، مع توضيح ما جاء عند أبي القاسم الآمدي (توفّي 370 هـ. – 980م.) في كتابه «الموازنة»، وهي ما بين كاتبين من هويَّة واحدة ولغة واحدة، ويُنهي المؤلِّفان هذه المرحلة بوضع الطَّالب تصميم بحثه (ص.43).
– مرحلة التَّدوين: من المتَّفق عليه أنَّ المقدِّمة تتضمَّن: عرض الموضوع، والإشكاليَّة (ص.94)، والإعلان عن السُّؤال الرَّئيس، وتعريف المصطلحات (ص.50)، وشرح المنهجيَّة (ص.51). ثمّ يأتي التَّوسيع، حيث يرى المؤلِّفان وغيرهما «ضرورة توزيع جسم البحث بالتَّساوي بين الأقسام، لأنَّ غياب التَّناسق في الأحجام علامة ضعف في الهيكليَّة» (ص.53). هذه مساحة خلاف بين العاملِين في المنهجيَّات، إذ لا يرَون في هذا التَّقسيم المتوازن ضرورة إلزاميَّة، بل يعود حجم كلِّ قسم إلى ما يطرحه مستقلًّا عن الأقسام الأخرى، وقد يزيد أو ينقص بحسب قابليَّة التَّوسُّع في مفاصله. أمَّا الخاتمة فتقوم على «التَّذكير بالسُّؤال الرَّئيس، والخطوط العريضة، وتقييم النَّتائج، واقتراح مسألة أو الإشارة إلى توصيات ترسم آفاقًا جديدة (ص.57) مع إيراد قائمة المصادر والمراجع (ص.59)، من دون الإشارة إلى الفهارس العلميَّة الباقية كفهرس الآيات، أو الأشعار، أو الأعلام، وهذا يعود طبعًا إلى أساليب المنهجيَّة المتَّبعة المتنوِّعة في الجامعات المختلفة. لقد أشار المؤلِّفان إلى ذلك التَّنوُّع المنهجيّ في ذكرهما طرقَ توثيق المصادر كنظام هارفرد بعلم الاقتصاد وبالجامعات البريطانيَّة، وجمعيَّة علم النَّفس الأميركيَّة APA بالعلوم الاجتماعيَّة، ونظام فانكوفر بالطُّبّ، ونظام شيكاغو بالعلوم الإنسانيَّة، ونظام جمعيَّة اللُّغة المعاصِرة بدراسة اللُّغة والأدب MLA (ص.59).
قام المؤلِّفان بوضع مجموعة من الإرشادات في الأسلوب والمضمون، الأسلوب الأكاديميّ (ص.67)، النّفَس النَّقديّ (ص.68)، بنية المقطع (ص.73)، الاقتباس والاستشهاد (ص.77)، ترك الاختيار بين كتابة الحاشية في أسفل الصَّفحة أو في المتن (ص.78)، الانتحال (ص.81)، التَّرقيم / التَّرفيد (ص.83)، [التَّرفيد هو وضع علامات اصطلاحيَّة في الكتابة لترفد المعنى وترفع عن النَّصّ اللُّبس والغموض]، أدوات الرَّبط المنطقيّ (ص.86)، الحاشية السُّفليَّة (ص.87)، التَّدقيق (ص.91)، قواعد طباعة النَّصّ (ص.91)، التَّسطير (ص.92)، وهي مفردة تقابِل المفردة المتداوَلة: التَّرصيف JUSTIFY، ومعناه انتظام نهايات الأسطر، والتَّرتيب في صفٍّ واحد، إضافةً إلى ملاحق لنماذج عن البحث العلميّ أو المقالة العلميَّة (ص.80).
لقد أشار المؤلِّفان إلى موضوع استخدام الطَّالب لمفردتَي «الأنا» و«النَّحن» (ص.88)، وفعلًا هذه تشكِّل مشكلة خلافيَّة. حاول المؤلِّفان تقديم صيغة متعدِّدة لأماكن استخدام هذَين الضَّميرَين، ولكن سيبقى النِّقاش دائرًا بشأن هذا الاستخدام، وقد يرد بحدَّة عند بعضهم. لربَّما من الأفضل عدم مساءلة الطَّالب في استخدام هذين الضَّميرَين لصعوبة معالجة المواقف المتعدِّدة. يبقى أخيرًا لفت الطَّالب إلى ضرورة كتابة آيات الكتاب المقدَّس والقرآن الكريم ( ص.81) وَفْق ما جاء في البرامج الإلكترونيَّة لنقل هذه الآيات كما هي، كي لا يقع الطَّالب في أيِّ خطأ نحويّ أو طباعيّ، إذا اعتمد أسلوب الطِّباعة اليدويّ العاديّ في كتابتها.
ختامًا، هو دليل يجمع بين النَّظريَّة والتَّطبيق، وفق خبرة المؤلّفَين الواسعة في مجال البحث العلميّ والتَّدريس الأكاديميّ لإعداد البحث العلميّ في مجالات العلوم الإنسانيَّة، مع تركيز خاصّ على العلوم الدِّينيَّة والفلسفة واللَّاهوت.
الدُّكتور جان عبد اﷲ توما: حائز شهادة دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها من الجامعة اللُّبنانيَّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدِّيس يوسف، واللُّبنانيَّة، وسيِّدة اللَّويزة، ويشغل منصب رئيس قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة الجنان. له تسعة عشر إصدارًا من كتب أدبيَّة، وشعريَّة، وروايات، ودراسات تربويَّة، وتحقيق مخطوطات.
مَيمَر في الحُرِّيَّة
مَيمَر في الحرِّيَّة
قدَّم له الأب پيير مصري
ط.1، 94 ص. بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤
ISBN : 978-2-7214-5668-7
ثاودورُس أبو قرَّة المولود في الرُّها، هو أحد آباء الكنيسة الَّذي عاش ما بين أواسط القرن الثَّامن وأوائل القرن التَّاسع. اعتنق الحياة الرَّهبانيَّة في دير مار سابا (فلسطين) ثمّ أصبح أسقف حرَّان (تركيَّا حاليًّا) الملكيّ. كتب مؤلَّفاتٍ في اللُّغتَين العربيَّة واليونانيَّة للدِّفاع عن الإيمان المسيحيّ في وجه المسلمين واليهود والمانويِّين، وعن التَّعاليم الخلقيدونيَّة في وجه النَّساطرة والمونوفيزيِّين (أو أصحاب المشيئة الواحدة).
في هذا المَيمر – أو القصيدة التَّعليميَّة – المُدَوَّن بالعربيَّة والأوسع شهرةً من بين مؤلَّفاته، يدافع عن الموقف المسيحيّ في مسألة العلاقة بين قدرة الله وإمكانيَّة الإنسان على الاختيار، وكان «أوَّل من استخدم في اللُّغة العربيَّة لفظة الحرِّيَّة بالمدلول الشَّخصيّ، لا الاجتماعيّ» (ص.٦).
في الجزء الأوَّل، ينتقد القائلين في «الجبل»، أي أنَّ الله الخالق لم يمنح الإنسانَ الحرِّيَّة أو القدرةَ على الاختيار. يسأل الكاتبُ كيف يكون الله عادلًا في دينونة المخلوق إذا كانت حياةُ هذا الأخير مرسومةً مسبقًا؟ فيجيب في تشبيهٍ للدَّلالة على تفاهة آراء مخاصميه: «ما هذا إلَّا كمن يقول للحمار: يا حمار، طِرْ مُحلِّقًا في الجوّ كما يطيرُ العقابُ. فإذا لم يفعل ذلك، ضربه» (ص.٥٠). في الجزء الثَّاني، ينتقد أتباع ماني المُنادين بالقهر، أيْ أنّ «الجسد قد غلب على النَّفس وقهرها» (ص.٥٨)، فأصبحت مُضطرَّة إلى اتِّباع شهواته. وفي هذه المسألة، يرتكز المؤلِّفُ على عدالة ﷲ الَّذي أمر الإنسانَ بالخير ونهاه عن الشَّرّ. إذا كانت النَّفس عاجزةً عن الامتناع عن الشَّرّ، فالأمر يشبه «رجلًا عمد إلى عُقابٍ قد أُوثقت أجنحتُه بالحبال الثَّخينة إلى جنبه، فقال له: طِرْ! من غير أن يفكَّ عنه وِثاقَه» (ص.٥٩). في مقاربته يعتمد أبو قرَّة أوّلًا على الكتاب المُقدَّس، ويلجأ أيضًا إلى الصُّور الشِّعريَّة والفكاهة، ولا بدَّ للقارئ من أنْ يلمس شغفه بالإيمان بالمسيح. إنّها فرصةٌ ليكتشف القارئ العربيّ نصًّا مميَّزًا من التُّراث العربيّ المسيحيّ.
أمَّا أهمِّيَّة المؤلَّف فليست في مضمون صفحاته وحسب، بل في الدَّافع إلى طباعته. فهو نُشرَ في السَّابق مرَّتَين: المرَّة الأولى على يد الأب قسطنطين الباشا في العام ١٩٠٤، والثَّانية على يد الأب سمير خليل في العامَين ٢٠٠٥ و٢٠٠٦. أمَّا الطَّبعة الثَّالثة فحقَّقها وقدَّم لها الأب پيير مصري، خادمُ رعيَّة الملاك ميخائيل للرُّوم الكاثوليك في حلب، والباحث في حقل التُّراث العربيّ المسيحيّ، والأستاذ في جامعات عديدة. في الدِّراسة التَّمهيديَّة (ص.٥-٣٩)، فسَّر الأب مصري، الَّذي راجع المخطوط الأقدم في دير القدِّيسة كاترينا، الحاجة إلى طبعةٍ جديدة «لأنَّنا لا نزال نفتقر إلى نصٍّ مُحقَّقٍ بحسب القواعد المنهجيَّة لتحقيق المخطوطات العربيَّة» (ص.٩)، فإنَّ الأب الباشا لم يتردَّد مثلًا في تغيير النَّصّ الأصليّ بالحذف أو الإضافة أو التَّعديل في الصِّياغة أو تبديل المفردات. كشف الأب مصري عن التَّغييرات في نسخته وبرَّر خياراته في حالات التَّردُّد بين كلمتَين (مثلًا: بين الجَبْر والجَبْل، وبين صِبْغة أو صُنْعة) «من دون أن يعني ذلك نفي إمكانيَّة صحَّة القراءة السَّابقة» (ص.٢٨)، فأظهر في مبادرته في آنٍ عن الصَّلابة الأكاديميَّة في طلب الدِّقَّة العلميَّة، وعن تقدير أعمال مَن سبقوه من دون غضّ الطَّرف عن نواقصها، فكان نموذجًا في البحث الجدِّيّ عن الحقيقة.
الأب غي سركيس: حائز درجة الدُّكتوراه في اللَّاهوت من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدِّيس يوسف، والحكمة. وهو كاهن في أبرشيَّة بيروت المارونيَّة. له مجموعة من المؤلَّفات الدِّينيَّة والتَّأمُّليَّة والفكريَّة في اللَّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسَّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث – النَّشاط اللَّاهوتيّ في المسيحيَّة، ودروس من الهرطقات، ودليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة).
فقر الرُّوح – ألم البشر وآلام المسيح
فقر الرُّوح، ألم البشر وآلام المسيح
تعريب الأب باسم الرَّاعي
ط.1، 88 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-5667-0
كُتيِّب صغيرٌ في حجمه، ثقيلٌ في مضمونه. جان بابتيست ماتس لاهوتيّ ألمعيّ مشهور، خصوصًا في مجال اللَّاهوت السِّياسيّ . وهذا الكتاب يضمّ نصَّين له. يقدِّم ماتس نصَّه الأوَّل الَّذي عَنونه: «فقراء الرُّوح» على النَّحو الآتي:
«هذا الكتاب هو بمثابة اختبار، بحكم أنَّه يجمع بين دفَّتيه نصَّين يعودان إلى ما يناهز الخمسين سنة، يمثِّلان بعضًا من منعطفات مسيرتَي اللَّاهوتيَّة، وهما من طبيعةٍ روحيَّةٍ تأمُّليَّةٍ صرفة، تتشابك فيهما وفي كلّ واحدٍ منهما خبرة الإيمان واللَّاهوت» (ص.19).
صدر هذا النَّصّ لأوَّل مرَّة في العام 1961، والنَّصّ المترجم إلى العربيَّة هو نسخة معدَّلة قام الكاتب بتعديلها لاحقًا، فحذف فيها «مبدأين قريبَين من سلوكٍ فرِّيسيٍّ – مسيحيٍّ نمطيّ» (ص.20).
أمَّا النَّصّ الثَّاني فهو أحدث، وتعود جذورُه، بحسب ما يقوله الكاتب، إلى العام 2006، وعنوانه «الألم والآلام» (العنوان في الطَّبعة العربيَّة: ألم البشر وآلام المسيح).
يبدأ النَّصّ الأوَّل بقصَّةِ تجارب يسوع كما وردت في إنجيل متَّى، ليعالج بعدها مسألة الوجود، والكينونة، والحرِّيَّة. عناصر ثلاثة موجودة في الإنسان في حالة صراعٍ غالبًا. فمِن تجارب يسوع يستخلص الكاتب صراع الإنسان مع ذاته ومع ﷲ بسبب صراع العناصر الثَّلاثة الآنف ذكرها؛ الإنسان يريد أن يكون محورًا لذاته، فيقع في فقرٍ مدقع. وبالمقابل، يقدِّم الكاتب يسوع، الشَّخص الَّذي اقتبل ذاته بفقرها، ووقف إلى جانبنا كي نصعد بجهد قلبه المحتوم إلى نور «النِّعم» الكبرى. يسوع الَّذي لا يقدّم إلينا ﷲ مُنافسًا للبشر بل ضامنًا وحيدًا لحالتنا البشريَّة.
الإنسان يختبر في حياته العَوز، ويسعى إلى سدِّه بطرائق مختلفة، والكاتب يُبيّن بطلان هذه الطَّرائق، ويدعوه إلى قبول العوز الَّذي فيه، فهذا القبول يسمح ﷲ بأن يسدَّ العوز بنِعمه. وهذا ما يُسمَّى باللُّغة الرُّوحيَّة: فقر الرُّوح.
«في فقر حالنا الإنسانيَّة الجذريّ هناك شيءٌ من مقاومة ذاتيَّة، بحيث يُترك الإنسان بدون سند وظهره للحائط، وتتصدَّع معاقل الحماية الذَّاتيَّة، وتُنْزَع عنه أفق حياته اليوميَّة المألوفة والموثوق بها والمختبرة طويلًا. لذلك لا يستطيع الإنسان العيش بعيدًا عن حقيقة كينونته، وإلَّا ابتعد عنها باعتبارها «شيئًا» أي يبتعد عن لا نهائيَّة فقره، اللَّامحصور والمُلِحّ» (ص.45)
بعد ذلك يستعرض الكاتب أشكال الفقر البشريّ، ويخصِّص لما يسمِّيه «فقر العبادة» مقطعًا كاملًا.
النَّصّ الثَّاني: «ألم البشر وآلام المسيح»، يعرض فيه الكاتب موضوع التَّعاطف والمؤازرة في الألم، ويبيِّن أنَّه يتطلَّب زُهدًا يجعل الإنسان يترك ذاته ويلتفت إلى قريبه ليسمع صرخة ألمه. وينطلق الكاتب من آلام المسيح ومعناها، ليصل إلى ما تُعلِّمنا إيَّاه هذه الآلام عن المؤازرة، وسماع صرخة المتألِّمين؛ ويُنهي بتساؤلَين موجَّهَين، واحد للكنيسة وآخر للمسيحيِّين، عن الموقف الَّذي يجب اتِّخاذه تجاه آلام البشر في عالمنا اليوم.
قلت في البداية، الكتيِّب صغير الحجم، ثقيل المضمون. ماتس ينتمي إلى جيل اللَّاهوتيِّين الأوروبيِّين الَّذين يدعون إلى ترك اللُّغة التَّجريديَّة الجافَّة، والمصطلحات العقلانيَّة الفكريَّة المعقَّدة، واستعمال لغة الواقع البسيطة السَّهلة. كان هذا حلمه، ولكنَّه، وكثيرين من أبناء جيله، لم يوفَّقوا في تحقيقه بكتاباتهم قطّ، أقلُّه العقائديَّة منها. فالفارق في سهولة الفهم، أو بالحريّ صعوبة الفهم، بين النَّصَّين واضحة. الأوَّل عسير على الرُّغم من الجهود المبذولة لتبسيط ترجمته، في حين أنَّ الثَّاني أبسط، أو بتعبير أدقّ، أقلّ عسرًا. وهذا يبيِّن ثمار جهود ماتس في إعلان حقيقة الإيمان ببساطةٍ ذروتها بساطة المسيح في تعاليمه.
[email protected]
ندامةُ الله بين الرَّحمةِ والعدالةِ في أسفارِ الأنبياء
ندامةُ ﷲ بين الرَّحمة والعدالةِ في أسفار الأنبياء
ط.1، 62 صفحة، بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤
ISBN : 978-2-7214-5669-4
الأب فِراس لُطفي راهبٌ فرنسيسكانيّ من مواليد سوريا. حائزٌ شهادة الماجستر في اللَّاهوت الكتابيّ من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة في روما، وهو يدرِّس مادَّة الكتاب المُقدَّس في مركز اللَّاهوت بحلب.
في هذا الكتاب، يبحث المؤلِّفُ في المعنى الحقيقيّ لصيغة الصِّفات الإلهيَّة، أي العبارة القائلة إنّ الله يندم على فِعل الشَّرّ الواردة في سفرَي النَّبيَّيْن يوئيل ويونان، وفي أصلها، وفي الاختلافات بين أسفار الأنبياء بشأنِ الصِّفات الواردة فيها. ثمّ تناول معنى صفة ندامة الله على الشَّرّ، أيْ قابليَّة التَّغيير داخل الذَّات الإلهيَّة. ففيما بعض النُّصوص ينفي فكرة تغيير الله لفكره، فيقول سفر العدد «ليس الله ابنَ بشرٍ فيندم» (٢٣: ١٩)، تدعم أخرى فكرة أنّ الله يغيِّر فكره. يتعمَّق الكاتبُ في سفر يونان أنموذجًا للتَّأكيد أنَّ مقدرة الرَّبّ على النَّدامة هي فعلٌ حرّ للانتقال من حُكم الدَّينونة إلى الرَّحمة. فعندما طلب الله من يونان النَّبيّ تحذيرَ أهل نينوى الوثنيِّين، هرب النَّبيّ من المهمَّة، ليس خوفًا من أن يكون نذيرَ خرابٍ، بل لأنَّه علِم أنّ ﷲ «إلهٌ رؤوفٌ رَحيمٌ طويلُ الأناةِ كثيرُ الرَّحمة ونادمٌ على الشَّرّ». علم النَّبيّ يونان أنّ ﷲ سيمنحُ غفرانَه في حالِ رغِبَ سكَّانُ نينوى بالتَّوبةِ وتجاوبوا مع ندائه، فهو رفض «ندامةَ الرَّبّ»، فكان حدثُ اهتداء سكَّان نينوى وسيلةً تربويَّة للنَّبيّ يونان.
بعد ذلك توقَّف الأب لُطفي على مَشاهد ثلاثة تُظهر «ندامة ﷲ»، وهي رواية الطُّوفان، ورواية العهد، ورواية نهاية مُلكِ شاول، والمشاهد الثَّلاثة تُظهر «بداياتٍ متعثِّرة»، ولكنَّها كانت أيضًا «فرصةً سعيدة» أظهرت محبَّةَ ﷲ وأمانته ووفاءَهُ لوعوده. فعندما حاد الشَّعبُ عن وصاياه وآثر عبادة عجلٍ ذهبيّ، لم يفسخ ﷲ العهد مع الشَّعب، بل غفر له. في كلّ مرَّة قابل المؤمنون أمانة ﷲ بالخيانة والرَّفض، قرّر ﷲ المُضيّ قُدُمًا إلى الأبد بالرُّغم من الخطأ البشريّ. إنَّ النَّدامة تأكيدٌ أنَّ ﷲ حرٌّ «في الانتقال من صفةٍ إلى أخرى، أي من العدل إلى الرَّحمة، مع إعطاء صفة الرَّحمة الأولويَّة» (ص.٣٠)، لأنَّه يريد حياةَ الإنسان وخيره. هو يتغيَّر، لكنَّه يتغيَّر كإلهٍ لا كالخليقة.
إنَّ هذا الكتاب هو على الأرجح الرِّسالة الَّتي قدَّمها الأب لنيل شهادة الماجستر، وهو إنَّما وضَعها في متناول القارئ غير المتخصِّص تبحث في إشكاليَّة أساسيَّة، ألا وهي صفة «التَّغيّر» في ﷲ بعد أن اعتاد الكثيرون على اعتبار الجماد علامةً للكمال. كما أنَّه يدعو إلى التَّفكير كيف أنَّ صفتَي العدل والرَّحمة، وقد يراهما بعضُهم متناقضتَين، ترتبطان بالله الَّذي خلق الحياة ويريد أنْ يهبَها بوفرة لخلائقه. إنَّه كتاب عميق ويدعو إلى التَّفكير والتَّأمُّل في آن.
الأب غي سركيس: حائز درجة الدُّكتوراه في اللَّاهوت من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدِّيس يوسف، والحكمة. وهو كاهن في أبرشيَّة بيروت المارونيَّة. له مجموعة من المؤلَّفات الدِّينيَّة والتَّأمُّليَّة والفكريَّة في اللَّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسَّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث – النَّشاط اللَّاهوتيّ في المسيحيَّة، ودروس من الهرطقات، ودليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة). [email protected]
جعلتُ أمامك الحياة. الإجهاض: المحرقة الصَّامتة
الأب جان پاول اليسوعيّ
جعلتُ أمامك الحياة
الإجهاض: المحرقة الصَّامتة
ترجمة يزن غزالة
ط.1، 276 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN : 978-2-7214-5671-7
عنوان يلفت نظر القارئ قبل الغوص في مضمون الكتاب لأنَّ الإنسان مشروعُ حياة لا موت، مشروع نموٍّ لا إجهاض. حياة تبدأ براعمها بالتَّفتُّح وهي بعدُ في رحم مَن لا تصير أمَّا إلَّا بعد أن تَلِد. فالمولود هو الَّذي يجعل مَن حملَته في أحشائها أمَّا لأنَّ الأمومة دورٌ يُكتَسَب مع التَّربية والاهتمام بالمولود الجديد منذ ولادته. إنَّها صيرورة تنمو وتكبر مع الكائن الجديد الَّذي أطلَّ على الحياة لتكون الحياة أمامه.
في مقدِّمة الكتاب يُشير المترجم الدُّكتور يزن غزالة إلى أهمِّيَّة موضوع الإجهاض كطرحٍ ذي أبعادٍ أخلاقيَّة وروحيَّة، حيث يحمل الكتاب طيَّ صفحاته أجمل ما كُتب عن الحياة قيمةً إنسانيّةً وروحيَّة. يدعو مؤلِّف الكتاب، منذ بداية الفصل الأوَّل، القرَّاء إلى حزنه وخوفه اللَّذين يشعر بهما فيقول: «يبدو لي أنَّ الكثيرين منكم، وأنتم أناس صالحون ولطفاء، لا يرغبون بقراءة المزيد عن الإجهاض وقتل الرُّضَّع والقتل الرَّحيم. في هذا المجال، تتعارض القناعات وتكون العواطف شديدة، وتُمسي النِّقاشات صاخبة. (ص.14). ويرجو المؤلِّف قرَّاءه أن يبقوا معه لمشاركته شيئًا من نفسه وحالته، ويُضيف: «قد لا تجدون أنفسكم في الموقف نفسه الَّذي أنا فيه، ولا بأس بذلك. حسنٌ لنا أن تكون لدينا مواقفُ مختلفة… قد لا تتَّفقون مع معتقداتي، ولا أنا مع معتقداتكم، ولكن حسنٌ لكلٍّ منَّا أن يصغي إلى الآخر… في مثل هذا الحوار.. في مثل هذه المشاركة، الجميع رابح لأنَّ الجميع يغتني من خبرات الآخرين» (ص.14-15).
«كلُّ إنسان رسالة»: هذا العنوان الفرعيّ قد يكون توليفةً لِما يحمله الكتاب من دفاع عن الحياة.
«يعالج الأب پاول اليسوعيّ في هذا الكتاب قضيَّة الإجهاض فينطلق من الخبرة المؤلمة لدى زيارته بقايا أحد معسكرات الموت النَّازيَّة الَّتي قُتل فيها حرقًا، بالإضافة إلى ملايين اليهود، الآلافُ من المرضى والأطفال المُعاقين، والمسنِّين المُقعدين…» (غلاف الكتاب)
عناوين الكتاب، بفصوله الأحد عشر، تدعو كلُّها إلى التَّأمُّل بالحياة في أبعادها الجسديَّة والنَّفسيَّة والرُّوحيَّة كونها هبة الوجود وسرَّه. تتخلَّل هذه الفصول صورٌ من واقع الحياة في تكوينها، ومسيرتها ومسارها، وطفولتها الَّتي تحبو لتصبو إلى الحياة بشبابها وشيبها. تمرّ أيضًا صورة ذي الاحتياجات الخاصَّة المفعَم بمرونة الحياة، والمُسنّ الَّذي حفر العمرُ سطوره تاريخًا على مُحيَّاه فحيَّته الحياة باستراحةٍ على تجاعيد هذا المُحيَّا، وهو الإنسان المُحيّى لأنَّه عرف معاني الحياة وحافظ عليها بأحزانها وأفراحها.
قراءة هذا الكتاب هي فعلًا مشاركة للمؤلِّف حزنَه وخوفَه، كما دعا قرّاءه، منذ الصَّفحة الأولى من كتابه، فإذا بها دعوة إلى إعادة اكتشاف القيمة الَّتي تجسِّدها الحياة، والَّتي باتت تضمحلُّ وتُنذر بالتَّهاون مع ما يُسمَّى الإجهاض والموت الرَّحيم وإنهاء حياة الإنسان، بمعزلٍ أحيانًا عن إرادته، فأتى العنوان الفرعيّ للعنوان الرَّئيس «المحرقة الصَّامتة» مُعبّرًا عن مأساة خنق الحياة منذ الرَّحم حتَّى ما قبل المواراة في اللَّحد.
الفصل الحادي عشر والأخير يعرض بالعنوان العريض «مقترحات عمليَّة لأنشطة داعمة لحقِّ الحياة»، فالمؤلِّف يخلص إلى القول بأنَّنا لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي… علينا أن نفعل شيئًا!» أمَّا المقترحات فهي الآتية: (ص.258-262) :
– الانضمام «إلى إحدى مجموعات دعم الحياة…».
– تشجيع «المساهمات لدعم الحياة ماليًّا».
– كتابة «رسائل مختصرة وواضحة إلى الصُّحف ومحطَّات التّلفزيون والمجلَّات…».
– «نشر وتقديم أيِّ مساعدة» يمكن «تقديمها إلى الجماعات الَّتي تقدِّم بدائل من الإجهاض بالإضافة إلى تقديم التَّعاطف والمحبَّة «للَّواتي يواجهن صعوبات في الحمْل إذا أردنا أن تكون لنا مصداقيَّة في موقفنا الدَّاعم للحياة».
– «المشاركة في أيّ مسيرة أو مؤتمر لدعم الحياة…».
– الطَّلب من كاهن الرَّعيَّة أو القسِّيس «أن يعظ عن حقِّ الحياة…».
– جعل «الرِّسالة تصل إلى المدارس…».
– جعل «القضايا المتعلِّقة بالحياة والموت في الواجهة». «ضعْ زهرة الحياة على صدرك. ضعْ سوارًا لدعم الحياة حول معصمك…».
– الاحتفال «بالحياة» مع تمنِّي المؤلِّف أن «تُقيم الكنائس احتفالات خاصَّة بالحمل…».
– «والأهمّ، علينا أن نصلِّي…».
انطلاقًا من هذا المُقتَرَح الأخير، يتجلَّى البُعد الرُّوحيّ الَّذي أراد المؤلِّف أن يتطرَّق إليه في هذا الكتاب الغنيّ، حيث نغوص معه «في المراجع التَّاريخيَّة والدَّوريَّات العلميَّة» مؤكِّدين معه «القيمة الجوهريَّة الكامنة في كلِّ حياة، وكون كلِّ حياة رسالة يريد لها الله أن تُكتَب»، حياة كلِّ إنسان بفرادته واختلافه وغناه الإنسانيّ.
الدُّكتورة بيتسا استيفانو: حائزة دكتوراه في العلوم الدِّينيَّة من جامعة القدِّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيَّة فيها. أستاذة محاضرة عن بُعد في الجامعة الدُّومنيكيَّة – باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللُّغتين العربيَّة والفرنسيَّة.
مقالات العدد السابق
إشكاليّة الاعتقاد وأزمة السّلطة
تُسلّط هذه المقالة الضّوء على العلاقة الوثيقة بين أزمة السّلطة وأزمة الاعتقاد الدّينيّ أو الإيمان، وتُحلّل عواقب هذه الأزمات على سير عمل المجتمع. في استعراضها أعمال العديد من الفلاسفة، تقدّم المقالة تعريفًا وتحديدًا لمفهومَي السّلطة والإيمان باحثةً في العلاقة بينهما،...
تحليل ماليّ واقتصاديّ للأزمة الاقتصاديّة اللّبنانيّة
اتّسم المشهد الاقتصاديّ في لبنان بالاضطرابات. وقد بلغت هشاشة مقوّماته الاقتصاديّة ذروتها في أزمة ماليّة حادّة، تفاقمت بسبب سوء الإدارة داخل القطاع المصرفيّ. يستعرض هذا المقال جذور الاضطراب الاقتصاديّ في لبنان وتداعياته، محدّدًا الدّور المحوريّ الّذي أدّته ممارسات...
أبو الحسن الحرّاليّ المرّاكشيّ (ت. 638هـ./1241م.) وكتابه تفهيمِ معاني الحروف
إلى الأب بولس نويامحبّة وعرفانًا وتقديرًا تقدّم هذه المقالة في قسمها الأوّل تعريفًا بآثار أبي الحسن الحرّاليّ المرّاكشيّ، وتتناول دارسيها العرب، دراسة وتحقيقًا. وتشير إلى ما لم يُنشر من أعماله المخطوطة، مركِّزة بصفة خاصّة على أعماله في علم الحروف الّتي لم يُكتب لها...
كتابة الألف، وحذفها، وزيادتها، وقلْبها إشكاليّات وحلول
لا شَكَّ في أنَّ الكتابة باللّغة العربيّة أسهل مِنَ الكتابةِ باللّغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة، نَظَرًا إلى أنَّ الحروف الّتي تُكْتَب ولا يُنْطَق بِها أقلّ بكثير مِنَ الّتي تُكْتَب ولا يُنْطَق بها في هاتين اللّغتين؛ وكذلك بالنّسبة إلى الحروفِ الّتي يُنْطق بها ولا...
الوصف “فَعلان” تأنيثًا وصرفًا
يُمْنَع مِنَ الصَّرْف الوصف الّذي على وزن «فَعْلان» ولا يُؤَنَّث بالتّاء، نحو: «سَكْران سَكْرى»، ويُصْرَف إذا كان يُؤَنَّث بالتّاء، نحو: «مَصّان (لَئيم) مَصّانة».ولاحظ مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة أنَّ قبيلة أَسَد تُؤَنِّث هذا الوزن دائمًا، فتقول: «سَكْرانة»....
واقع القطاع الصّناعيّ في قضاء بعبدا في بدايات القرن الواحد والعشرين
يُعتبر القطاع الصّناعيّ والحرفيّ إحدى ركائز الاقتصاد في قضاء بعبدا إذ يساهم في تشغيل نسبة مقبولة من اليد العاملة، غير أنّ هذا القطاع يعاني من مشاكل عدّة، أبرزها ضعف مصادر التّمويل، وعدم القدرة على منافسة المنتج الأجنبيّ، وانخفاض مهارة العاملين، ممّا ينعكس سلبًا عليه...
مَيمَرٌ في أنَّه لا يُغفَرُ لِأحَدٍ ذَنْبٌ إلّا بأوجاعِ المَسيح لثاوذورُس أبي قُرَّة († نحو830 م.)
هذا الميمر هو الحلْقة الأولى من ثُلاثيّة مَيامر دِفاعيّة مُترابطة لأبي قُرّة أُسقُف حَرّان، سبَقَ لنا نشر تحقيق الثّاني والثّالث منها على صفحات المشرق. ونقدِّم الآن طبعةً جديدة مُحَقَّقة للجزء الأوَّل، بالاعتماد على المخطوطات الأربعة الّتي حفظت لنا نسخة منه، فضلًا عن...
أناشيد السّيّدة”-أهمّيّة الهمنوغرافيا المريميّة البيزنطيّة
تحتلّ مريم والدة الإله مكانة رفيعة في الكنيسة البيزنطيّة، وتمدحها من خلال مجموعة الأناشيد والتّسابيح اللّيترجيّة في صلواتها، وهذا ما نسمّيه بالهمنوغرافيا. وهو ما سعى إليه الشّعراء الهمنوغرافيّون أو كتبَة الأناشيد في البحث في الكتاب المقدّس ليجدوا الرّموز الّتي تساعدهم...
خزائن الكتب في دمشق وضواحيها
مقالات من أرشيف مجلّة المشرق السّنة الخامسة، العدد 3، 1 شباط (1902)، ص. 97-106
الفلسفة الخالدة – الخطوط التّاريخيّة العريضة للرّوحانيّة الغربيّة في العصر القديم والوسيط والحديث المبكر
د. فيلهلم شميدت - بيغمانالفلسفة الخالدة - الخطوط التّاريخيّة العريضة للرّوحانيّة الغربيّةفي العصر القديم والوسيط والحديث المبكر ترجمة د.فرانك درويشط.1، 680 ص.، بيروت: دار المشرق، 2024ISBN: 978-2-7214-8192-4 يتناول هذا الكتاب المرجعيّ الضّخم، ٦٧٤ صفحة من القطع الكبير،...
Islam et altérité Analyses, réflexions et défis contemporains
Ali Mostfa, Roula Talhouk, Michel YounèsIslam et altérité Analyses, réflexions et défis contemporains ط.1، 292 ص. بيروت: دار المشرق، 2024ISBN: 978-2-7214-6037-0 للأديان دور كبير في عصرنا الحاضر على الرّغم من انتشار العلمانيّة، بخاصّة في الدّول الغربيّة، وابتعاد...
أحوال المسيحيّين في العالم
إشراف جان ميشيل دي فالكو، تيموثي رادكليف، أندريا ريكارديأحوال المسيحيّين في العالمط.1، 388 ص. بيروت: دار المشرق، 2023ISBN: 978-2-7214-7118-5 كتاب يقترب عدد صفحاته من الأربعمئة، وهو مستلٌّ من كتابٍ أضخم يحمل عنوانًا مثيرًا «الكتاب الأسود»، وعنوانًا فرعيًّا «أحوال...
متى صلّيتم فقولوا: أبانا الّذي في السّموات
أنسلم غرونمتى صلّيتم فقولوا: أبانا الّذي في السّموات نقله إلى العربيّة الأب باسم الرّاعيط.1، 116 ص. بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤ISBN: 978-2-7214-5659-5 هو الكتاب السّادس في اللّغة العربيّة الذي تنشره دار المشرق للأب البندكتيّ الألمانيّ أنسلم غرون، المُلقَّب بـ «معالج...
دروس من الهرطقات
الأب غي سركيس دروس من الهرطقات ط.1، 216 ص. بيروت: دار المشرق، 2024ISBN: 978-2-7214-5643-4 الهرطقات كلمة تثير حفيظة مَن يسمعها وتجعله يتّخذ موقف الدّفاع. ومن عادة الكتب أن تكرّس محتواها للرّدّ على الهرطقات وتبيان ضلالها. لكنّ الأب غي سركيس يسلك في كتابه هذا مسلكًا آخر،...
منتصف الحياة- الولادة الجديدة
الأب نادر ميشيل اليسوعيّ منتصف الحياة – الولادة الجديدة ط.1، 112 ص. بيروت: دار المشرق، 2023ISBN: 978-2-7214-5658-8 هل من «منتصف للحياة»؟ من يحدّد توقيته؟ يُشير الكاتب إلى غموض الحدث على الرّغم من إشارته إلى ذكر هذه العبارة عند الإيطاليّ «دانتي» في «الكوميديا...
رسالة إلى إخوتي الكهنة
الأخ إنزو بيانكيرسالة إلى إخوتي الكهنة نقله إلى العربيّة الأب سميح رعدط.1، ص. بيروت: دار المشرق، 2024ISBN: 978 -2-7214-5660-1 هو الكتاب الأوّل الصّادر في اللّغة العربيّة للّاهوتيّ الإيطاليّ الشّهير إنزو بيانكي، الّذي أسّس، في العام ١٩٦٥، جماعة بوز الرّهبانيّة...
حنين ابن إسحق (809- 873)- في الأعمار والآجال
الأب سمير خليل سمير اليسوعيّحُنين بن إسحاق (809-873) - في الأعمار والآجالط.2 معدّلة، 82 ص. بيروت: لبنان، دار المشرق، 2024ISBN: 978-2-7214-5655-7 «في الأعمار والآجال» عبارة عن مقالة تُعَدّ من أقدم الأعمال المسيحيّة العربيّة الّتي تمّ تأليفها في العصر العبّاسيّ، كتبها...