السنة ٩٧

الجزء الثّاني

السنة السَابعة والتسعون | الجزء الثّاني | تموز – كانون الأوّل ٢٠٢٣

أطلب نسختك الورقيّة

إشترِ نسختك الرقميّة

إفتتـاحيّــة العدد

اقرأ الافتتاحيّة كاملةً

منهاج لبنانيّ جديد للتّعليم العامّ

ليس سرًّا أنّ المركز التّربويّ للبحوث والإنماء في لبنان، بتوجيه من وزارة التّربية والتّعليم العالي، قرّر أن يعيد النّظر بالبرامج المدرسيّة اللّبنانيّة الّتي كانت قد صيغت في العام 1994، وبالتّالي، وكما ينبغي، أصدر المركز، وبعد دراسة مطوّلة واستفسارات مستفيضة «الإطار الوطنيّ اللّبنانيّ لمنهاج التّعليم العامّ ما قبل الجامعيّ» الجديد في الفصل الأخير من السّنة الفائتة، وثيقةً رسميّة معدّة للاعتماد من السّلطات الرّسميّة المخوّلة بذلك.

وإن اخترتُ الكتابة في الموضوع، فلأنّ التّربية المدرسيّة اللّبنانيّة ساهمت وتساهم في بناء الرّأسمال اللّبنانيّ المثقّف والمتعلّم الّذي أثبت جدارته عبر السّنين الطّوال – هذا من ناحية – ولأنّ هذا الرّأسمال - المؤسّس، على صعيدَي الرّسميّ والخاصّ، أصيب إصابة بليغة مع تعدّد الأزمات السّياسيّة والماليّة والاقتصاديّة، بحيث إنّ انهيار اللّيرة اللّبنانيّة أمام الدّولار الأميركيّ انعكس شبه انهيار لواقع المدرسة في لبنان ولحالة التّربية المدرسيّة المرافقة، وواضحٌ أنّ سنوات جائحة الكورونا وما تركته من آثار تدميريّة، ثمّ انفجار مرفأ بيروت زعزعت أسس المدرسة الّتي كانت تعاني منذ صدور برامج الـ1994، والّتي لم تطبّق كما هو مطلوب، وقد أسفر ذلك الأمر عن سقوط متواصل لبُنية المدرسة ورسالتها، وأبلغ دليل على ذلك تراجع لبنان المستمرّ في تصنيفات الـ TIMSS والـ PIRLS اللّذين يقيِّمان مستوى النّجاح والتّقدّم أو التّأخّر في موادّ العلوم والرّياضيّات وغيرها، بحيث وصلت مرتبة لبنان إلى المؤخّرة بعد أن كانت لسنوات طويلة بين دول المقدّمة.

والسّؤال الّذي يُطرح هو الآتي: ما العمل لكي تستعيد المدرسة في لبنان ألق رسالتها التّربويّة؟

بصورة سريعة نتوقّف عند المتطلّبات الآتية:

أوّلًا: اعتماد مفهوم الإنصاف، وهو مشتقّ من مفهوم العدالة بحيث يكون التّعليم متوفّرًا للجميع، أكان ذلك في الرّسميّ أم في الخاصّ، في مواجهة اللّامساواة في الفرص الدّراسيّة من باب الكمّ والنّوع.

ثانيًا: للمدرسة دور أساسيّ في الاندماج الاجتماعيّ، لا في الانصهار الاجتماعيّ الاستبداديّ، بحيث يكون هناك سياسة تجمع بين الاختلاط والتّقارب وتكافؤ الفرص في إطار من الحوكمة المدرسيّة الرّشيدة مع الاعتراف الصّريح بدور لوزارة التّربية الحاضنة للنّظام التّربويّ بألوانه كافّة.

فإصدار المنهاج ليس مجرّد ترتيب إداريّ ظاهريّ بل هو دعوة للجميع لكي يعتمدوه إطارًا مرجعيًّا وتربويًّا لكلّ التّلامذة اللّبنانيّين.

ثالثًا: إذا كانت مهمّة المدرسة هي الاندماج الاجتماعيّ، فالجودة في التّعليم والتّربية تصبح هي أيضًا مطلبًا أساسيًّا للجميع؛ للمدرسة الخاصّة والمدرسة الرّسميّة على حدٍّ سواء.

وهنا ينبغي على المسؤولين في الدّولة والمعلّمين في القطاع الرّسميّ أن يتصرّفوا كما لو أنّ المدرسة الرّسميّة هي لهم ومنهم، فيعطوا الأفضل للتّلميذ في هذا القطاع بحيث يصبح منافسًا جيّدًا للقطاع الخاصّ.

من هذا المنظور، يصبح منطقيًّا وضروريًّا أن يمرّ التّغيير على مستوى مفهوم التّربية، بحيث لا يكون هناك جزر مقفلة تتمثّل في بعض الخاصّ والقليل من الرّسميّ، وحالة شبه عامّة تكتفي بالقليل من التّعلّم والاكتساب.

رابعًا: إن أردنا أن تكون المدرسة، أكانت رسميّة أم خاصّة، تلك المؤسّسة القويّة القادرة بين مؤسّسات التّنشئة الاجتماعيّة بحيث تمثّل الخير العامّ والمصلحة العامّة ونظام القيم العليا المشتركة، يصبح المنهاج العامّ الأساس في شرعتها التّربويّة والأوّل لا اللّاحق. وعندما تتسلّل مناهج رديفة تمثّل السّياسات الحزبيّة والطّائفيّة داخل المدرسة فذلك يُعدّ معاكسًا للخير العامّ، ومخالفًا لروحيّة الإطار الوطنيّ وصدقيّته.

صحيح أنّ المادّة العاشرة من الدّستور تعطي المدرسة مجالًا لإدخال مفاهيم إضافيّة على المنهاج العامّ، إلّا أنّ ذلك لا ينبغي أن يعاكس المناهج الوطنيّة العامّة الّتي تفرضها السّياسة التّربويّة العامّة.

خامسًا وأخيرًا: تتبوّأ المدرسة دورها المرموق، وتحقّق رسالتها في تربية الفرد والمواطن، عندما يقوم المعلّم بدوره الرّياديّ، ليس في التّلقين أو إعطاء المعلومة وحسب، بل في تربية التّلامذة، كلّ التّلامذة، على الحسّ النّقديّ، على معرفة التّحليل والتّصرّف الرّشيد بالمعلومات، بحيث يساعد التّلميذ على بناء ذاتيّته وشخصيّتِه المميّزة القادرة على استرجاع المعلومات كما يجب، وكذلك في التّفكيك والتّوليف، وهذا يتطلّب التّدريب الأوّليّ والمستمرّ للأساتذة لينجحوا في مهمّتهم التّعليميّة. ونضيف إلى الحسّ النّقديّ ضرورة التّكيّف مع اللّغات الأجنبيّة، وأقلّه مع لغة أجنبيّة واحدة يستطيع التّلميذ بواسطتها أن ينفتح على الثّقافة العالميّة وعلى الغيريّة بمفهومها الواسع، بحيث يتطلّب ذلك تمرّسًا على القيم الأدبيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة بمختلف تلاوينها.

إنّها المدرسة للبنان الغد كما بالأمس! إنّه التّحدّي لاسترجاع دور لبنان التّربويّ في بناء الرّأسمال الثَّقافيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ.

الأب سليم دكّاش اليسوعيّ : رئيس تحرير مجلّة المشرق. رئيس جامعة القدّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتّحاد الدّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز دكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، ودكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السّوربون 1 (1988)، ويدرّس فلسفة الدّين والحوار بين الأديان والرّوحانيّة السّريانيّة في كلّيّة العلوم الدّينيّة في الجامعة اليسوعيّة.
[email protected]

إفتتـاحيّــة العدد

اقرأ الافتتاحيّة كاملةً

منهاج لبنانيّ جديد للتّعليم العامّ

ليس سرًّا أنّ المركز التّربويّ للبحوث والإنماء في لبنان، بتوجيه من وزارة التّربية والتّعليم العالي، قرّر أن يعيد النّظر بالبرامج المدرسيّة اللّبنانيّة الّتي كانت قد صيغت في العام 1994، وبالتّالي، وكما ينبغي، أصدر المركز، وبعد دراسة مطوّلة واستفسارات مستفيضة «الإطار الوطنيّ اللّبنانيّ لمنهاج التّعليم العامّ ما قبل الجامعيّ» الجديد في الفصل الأخير من السّنة الفائتة، وثيقةً رسميّة معدّة للاعتماد من السّلطات الرّسميّة المخوّلة بذلك.

وإن اخترتُ الكتابة في الموضوع، فلأنّ التّربية المدرسيّة اللّبنانيّة ساهمت وتساهم في بناء الرّأسمال اللّبنانيّ المثقّف والمتعلّم الّذي أثبت جدارته عبر السّنين الطّوال – هذا من ناحية – ولأنّ هذا الرّأسمال - المؤسّس، على صعيدَي الرّسميّ والخاصّ، أصيب إصابة بليغة مع تعدّد الأزمات السّياسيّة والماليّة والاقتصاديّة، بحيث إنّ انهيار اللّيرة اللّبنانيّة أمام الدّولار الأميركيّ انعكس شبه انهيار لواقع المدرسة في لبنان ولحالة التّربية المدرسيّة المرافقة، وواضحٌ أنّ سنوات جائحة الكورونا وما تركته من آثار تدميريّة، ثمّ انفجار مرفأ بيروت زعزعت أسس المدرسة الّتي كانت تعاني منذ صدور برامج الـ1994، والّتي لم تطبّق كما هو مطلوب، وقد أسفر ذلك الأمر عن سقوط متواصل لبُنية المدرسة ورسالتها، وأبلغ دليل على ذلك تراجع لبنان المستمرّ في تصنيفات الـ TIMSS والـ PIRLS اللّذين يقيِّمان مستوى النّجاح والتّقدّم أو التّأخّر في موادّ العلوم والرّياضيّات وغيرها، بحيث وصلت مرتبة لبنان إلى المؤخّرة بعد أن كانت لسنوات طويلة بين دول المقدّمة.

والسّؤال الّذي يُطرح هو الآتي: ما العمل لكي تستعيد المدرسة في لبنان ألق رسالتها التّربويّة؟

بصورة سريعة نتوقّف عند المتطلّبات الآتية:

أوّلًا: اعتماد مفهوم الإنصاف، وهو مشتقّ من مفهوم العدالة بحيث يكون التّعليم متوفّرًا للجميع، أكان ذلك في الرّسميّ أم في الخاصّ، في مواجهة اللّامساواة في الفرص الدّراسيّة من باب الكمّ والنّوع.

ثانيًا: للمدرسة دور أساسيّ في الاندماج الاجتماعيّ، لا في الانصهار الاجتماعيّ الاستبداديّ، بحيث يكون هناك سياسة تجمع بين الاختلاط والتّقارب وتكافؤ الفرص في إطار من الحوكمة المدرسيّة الرّشيدة مع الاعتراف الصّريح بدور لوزارة التّربية الحاضنة للنّظام التّربويّ بألوانه كافّة.

فإصدار المنهاج ليس مجرّد ترتيب إداريّ ظاهريّ بل هو دعوة للجميع لكي يعتمدوه إطارًا مرجعيًّا وتربويًّا لكلّ التّلامذة اللّبنانيّين.

ثالثًا: إذا كانت مهمّة المدرسة هي الاندماج الاجتماعيّ، فالجودة في التّعليم والتّربية تصبح هي أيضًا مطلبًا أساسيًّا للجميع؛ للمدرسة الخاصّة والمدرسة الرّسميّة على حدٍّ سواء.

وهنا ينبغي على المسؤولين في الدّولة والمعلّمين في القطاع الرّسميّ أن يتصرّفوا كما لو أنّ المدرسة الرّسميّة هي لهم ومنهم، فيعطوا الأفضل للتّلميذ في هذا القطاع بحيث يصبح منافسًا جيّدًا للقطاع الخاصّ.

من هذا المنظور، يصبح منطقيًّا وضروريًّا أن يمرّ التّغيير على مستوى مفهوم التّربية، بحيث لا يكون هناك جزر مقفلة تتمثّل في بعض الخاصّ والقليل من الرّسميّ، وحالة شبه عامّة تكتفي بالقليل من التّعلّم والاكتساب.

رابعًا: إن أردنا أن تكون المدرسة، أكانت رسميّة أم خاصّة، تلك المؤسّسة القويّة القادرة بين مؤسّسات التّنشئة الاجتماعيّة بحيث تمثّل الخير العامّ والمصلحة العامّة ونظام القيم العليا المشتركة، يصبح المنهاج العامّ الأساس في شرعتها التّربويّة والأوّل لا اللّاحق. وعندما تتسلّل مناهج رديفة تمثّل السّياسات الحزبيّة والطّائفيّة داخل المدرسة فذلك يُعدّ معاكسًا للخير العامّ، ومخالفًا لروحيّة الإطار الوطنيّ وصدقيّته.

صحيح أنّ المادّة العاشرة من الدّستور تعطي المدرسة مجالًا لإدخال مفاهيم إضافيّة على المنهاج العامّ، إلّا أنّ ذلك لا ينبغي أن يعاكس المناهج الوطنيّة العامّة الّتي تفرضها السّياسة التّربويّة العامّة.

خامسًا وأخيرًا: تتبوّأ المدرسة دورها المرموق، وتحقّق رسالتها في تربية الفرد والمواطن، عندما يقوم المعلّم بدوره الرّياديّ، ليس في التّلقين أو إعطاء المعلومة وحسب، بل في تربية التّلامذة، كلّ التّلامذة، على الحسّ النّقديّ، على معرفة التّحليل والتّصرّف الرّشيد بالمعلومات، بحيث يساعد التّلميذ على بناء ذاتيّته وشخصيّتِه المميّزة القادرة على استرجاع المعلومات كما يجب، وكذلك في التّفكيك والتّوليف، وهذا يتطلّب التّدريب الأوّليّ والمستمرّ للأساتذة لينجحوا في مهمّتهم التّعليميّة. ونضيف إلى الحسّ النّقديّ ضرورة التّكيّف مع اللّغات الأجنبيّة، وأقلّه مع لغة أجنبيّة واحدة يستطيع التّلميذ بواسطتها أن ينفتح على الثّقافة العالميّة وعلى الغيريّة بمفهومها الواسع، بحيث يتطلّب ذلك تمرّسًا على القيم الأدبيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة بمختلف تلاوينها.

إنّها المدرسة للبنان الغد كما بالأمس! إنّه التّحدّي لاسترجاع دور لبنان التّربويّ في بناء الرّأسمال الثَّقافيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ.

الأب سليم دكّاش اليسوعيّ : رئيس تحرير مجلّة المشرق. رئيس جامعة القدّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتّحاد الدّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز دكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، ودكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السّوربون 1 (1988)، ويدرّس فلسفة الدّين والحوار بين الأديان والرّوحانيّة السّريانيّة في كلّيّة العلوم الدّينيّة في الجامعة اليسوعيّة.
[email protected]

محتويات العدد

منهاج لبنانيّ جديد للتّعليم العامّ

بقلم الأب سليم دكّاش اليسوعيّ

العلم الرّوحيّ عند أنسلم غرين

بقلم الأب سميح رعد

العُقَد

بقلم الأب أنستاس الكرمليّ البغداديّ

i

مقالات هذا العدد

منهاج لبنانيّ جديد للتّعليم العامّ

ليس سرًّا أنّ المركز التّربويّ للبحوث والإنماء في لبنان، بتوجيه من وزارة التّربية والتّعليم العالي، قرّر أن يعيد النّظر بالبرامج المدرسيّة اللّبنانيّة الّتي كانت قد صيغت في العام 1994، وبالتّالي، وكما ينبغي، أصدر المركز، وبعد دراسة مطوّلة واستفسارات مستفيضة «الإطار الوطنيّ اللّبنانيّ لمنهاج التّعليم العامّ ما قبل الجامعيّ» الجديد في الفصل الأخير من السّنة الفائتة، وثيقةً رسميّة معدّة للاعتماد من السّلطات الرّسميّة المخوّلة بذلك.

وإن اخترتُ الكتابة في الموضوع، فلأنّ التّربية المدرسيّة اللّبنانيّة ساهمت وتساهم في بناء الرّأسمال اللّبنانيّ المثقّف والمتعلّم الّذي أثبت جدارته عبر السّنين الطّوال – هذا من ناحية – ولأنّ هذا الرّأسمال - المؤسّس، على صعيدَي الرّسميّ والخاصّ، أصيب إصابة بليغة مع تعدّد الأزمات السّياسيّة والماليّة والاقتصاديّة، بحيث إنّ انهيار اللّيرة اللّبنانيّة أمام الدّولار الأميركيّ انعكس شبه انهيار لواقع المدرسة في لبنان ولحالة التّربية المدرسيّة المرافقة، وواضحٌ أنّ سنوات جائحة الكورونا وما تركته من آثار تدميريّة، ثمّ انفجار مرفأ بيروت زعزعت أسس المدرسة الّتي كانت تعاني منذ صدور برامج الـ1994، والّتي لم تطبّق كما هو مطلوب، وقد أسفر ذلك الأمر عن سقوط متواصل لبُنية المدرسة ورسالتها، وأبلغ دليل على ذلك تراجع لبنان المستمرّ في تصنيفات الـ TIMSS والـ PIRLS اللّذين يقيِّمان مستوى النّجاح والتّقدّم أو التّأخّر في موادّ العلوم والرّياضيّات وغيرها، بحيث وصلت مرتبة لبنان إلى المؤخّرة بعد أن كانت لسنوات طويلة بين دول المقدّمة.

والسّؤال الّذي يُطرح هو الآتي: ما العمل لكي تستعيد المدرسة في لبنان ألق رسالتها التّربويّة؟

بصورة سريعة نتوقّف عند المتطلّبات الآتية:

أوّلًا: اعتماد مفهوم الإنصاف، وهو مشتقّ من مفهوم العدالة بحيث يكون التّعليم متوفّرًا للجميع، أكان ذلك في الرّسميّ أم في الخاصّ، في مواجهة اللّامساواة في الفرص الدّراسيّة من باب الكمّ والنّوع.

ثانيًا: للمدرسة دور أساسيّ في الاندماج الاجتماعيّ، لا في الانصهار الاجتماعيّ الاستبداديّ، بحيث يكون هناك سياسة تجمع بين الاختلاط والتّقارب وتكافؤ الفرص في إطار من الحوكمة المدرسيّة الرّشيدة مع الاعتراف الصّريح بدور لوزارة التّربية الحاضنة للنّظام التّربويّ بألوانه كافّة.

فإصدار المنهاج ليس مجرّد ترتيب إداريّ ظاهريّ بل هو دعوة للجميع لكي يعتمدوه إطارًا مرجعيًّا وتربويًّا لكلّ التّلامذة اللّبنانيّين.

ثالثًا: إذا كانت مهمّة المدرسة هي الاندماج الاجتماعيّ، فالجودة في التّعليم والتّربية تصبح هي أيضًا مطلبًا أساسيًّا للجميع؛ للمدرسة الخاصّة والمدرسة الرّسميّة على حدٍّ سواء.

وهنا ينبغي على المسؤولين في الدّولة والمعلّمين في القطاع الرّسميّ أن يتصرّفوا كما لو أنّ المدرسة الرّسميّة هي لهم ومنهم، فيعطوا الأفضل للتّلميذ في هذا القطاع بحيث يصبح منافسًا جيّدًا للقطاع الخاصّ.

من هذا المنظور، يصبح منطقيًّا وضروريًّا أن يمرّ التّغيير على مستوى مفهوم التّربية، بحيث لا يكون هناك جزر مقفلة تتمثّل في بعض الخاصّ والقليل من الرّسميّ، وحالة شبه عامّة تكتفي بالقليل من التّعلّم والاكتساب.

رابعًا: إن أردنا أن تكون المدرسة، أكانت رسميّة أم خاصّة، تلك المؤسّسة القويّة القادرة بين مؤسّسات التّنشئة الاجتماعيّة بحيث تمثّل الخير العامّ والمصلحة العامّة ونظام القيم العليا المشتركة، يصبح المنهاج العامّ الأساس في شرعتها التّربويّة والأوّل لا اللّاحق. وعندما تتسلّل مناهج رديفة تمثّل السّياسات الحزبيّة والطّائفيّة داخل المدرسة فذلك يُعدّ معاكسًا للخير العامّ، ومخالفًا لروحيّة الإطار الوطنيّ وصدقيّته.

صحيح أنّ المادّة العاشرة من الدّستور تعطي المدرسة مجالًا لإدخال مفاهيم إضافيّة على المنهاج العامّ، إلّا أنّ ذلك لا ينبغي أن يعاكس المناهج الوطنيّة العامّة الّتي تفرضها السّياسة التّربويّة العامّة.

خامسًا وأخيرًا: تتبوّأ المدرسة دورها المرموق، وتحقّق رسالتها في تربية الفرد والمواطن، عندما يقوم المعلّم بدوره الرّياديّ، ليس في التّلقين أو إعطاء المعلومة وحسب، بل في تربية التّلامذة، كلّ التّلامذة، على الحسّ النّقديّ، على معرفة التّحليل والتّصرّف الرّشيد بالمعلومات، بحيث يساعد التّلميذ على بناء ذاتيّته وشخصيّتِه المميّزة القادرة على استرجاع المعلومات كما يجب، وكذلك في التّفكيك والتّوليف، وهذا يتطلّب التّدريب الأوّليّ والمستمرّ للأساتذة لينجحوا في مهمّتهم التّعليميّة. ونضيف إلى الحسّ النّقديّ ضرورة التّكيّف مع اللّغات الأجنبيّة، وأقلّه مع لغة أجنبيّة واحدة يستطيع التّلميذ بواسطتها أن ينفتح على الثّقافة العالميّة وعلى الغيريّة بمفهومها الواسع، بحيث يتطلّب ذلك تمرّسًا على القيم الأدبيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة بمختلف تلاوينها.

إنّها المدرسة للبنان الغد كما بالأمس! إنّه التّحدّي لاسترجاع دور لبنان التّربويّ في بناء الرّأسمال الثَّقافيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ.

الأب سليم دكّاش اليسوعيّ : رئيس تحرير مجلّة المشرق. رئيس جامعة القدّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتّحاد الدّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز دكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، ودكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السّوربون 1 (1988)، ويدرّس فلسفة الدّين والحوار بين الأديان والرّوحانيّة السّريانيّة في كلّيّة العلوم الدّينيّة في الجامعة اليسوعيّة.
[email protected]

الخير العامّ في « الإرشاد الرّسوليّ: رجاءٌ جديد للبنان » – أسُسه وحدوده

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

انقضت خمسة وعشرون عامًا على إصدار الإرشاد الرّسوليّ «رجاء جديد للبنان»، وهو إرشاد يتناول موضوع الخير العامّ في لبنان، إضافة إلى مسائل كنسيّة ولاهوتيّة خاصّة بالكنيسة الكاثوليكيّة والمؤمنين الكاثوليك. لماذا لم يحظَ هذا التّعليم عن الخير العامّ بالاهتمام اللّازم بالرّغم من أنّه يكتسب أهمّيّة بالغة في بناء المجتمع والدّولة؟ بغية الإجابة عن هذا السّؤال، يتطرّق كاتب المقالة إلى مفهوم الخير العامّ في تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة الاجتماعيّ والسّياسيّ، ومن ثمّ يتوقّف على العناصر الّتي تؤلّف الخير العامّ، قبل أن يتوسّع في مضمون هذا الخير في وثيقة الإرشاد الرّسوليّ، مبيّنًا إشكاليّاته في الإطار اللّبنانيّ. ويخلص الكاتب إلى أنّ الطّريقة الّتي قُدِّم بها الخير العامّ في الإرشاد المذكور تبقى موازية للحالة الطّائفيّة الّتي تمثّل حاجزًا منيعًا في وجه تحقيق الخير العامّ والمبادئ الدّيموقراطيّة.

كلمات مفتاحيّة: الخير العامّ – الدّستور اللّبنانيّ – الطّائفيّة – العيش معًا – الكنيسة الكاثوليكيّة – لبنان – الميثاق الوطنيّ.

Le bien commun dans «l’Exhortation apostolique post-synodale: Une espérance nouvelle pour le Liban»: Ses fondements et ses limites

P. Salah Aboujaoudé, S.J.

Vingt-cinq ans se sont écoulés depuis la signature de l’Exhortation apostolique qui traitait de la question du bien commun au Liban, ainsi que des questions ecclésiastiques et théologiques. Pourquoi ce bien commun, qui revêt une importance inégalée dans la construction de la société et de l’Etat n’a-t-il pas été réalisé? L’auteur passe en revue la notion du bien commun dans l’enseignement social et politique de l’Eglise catholique, puis il aborde les éléments constitutifs de ce bien commun, avant d’examiner son continu dans l’Exhortation apostolique.

Au final, l’auteur conclut que la manière dont le bien commun a été présenté dans l’Exhortation apostolique ne perce pas le confessionnalisme qui demeure une barrière dure sur la voie de la réalisation de ce bien. L’Exhortation apostolique présent en fait le bien commun de façon parallèle au concept de la coexistence sur lequel le système libanais a été construit, et n’ouvre pas le passage à la réalisation des principes démocratiques.

Mots clés: Bien commun – Confessionnalisme – Constitution libanaise – Eglise catholique – Exhortation apostolique – Pacte national – Vivre en commun.

الأب صلاح أبوجوده اليسوعيّ  : نائب رئيس جامعة القدّيس يوسف، وعميد كلّيّة العلوم الدّينيّة، ومدير معهد الآداب الشّرقيّة في الجامعة نفسها. له عدد من المؤلّفات اللّاهوتيّة والسّياسيّة صادرة عن دار المشرق، منها «السّنون العجاف» 2018، و«مخاض الدّيمقراطيّة في لبنان والشّرق الأوسط» 2014، و«هويّة لبنان الوطنيّة، نشأتها وإشكاليّاتها الطّائفيّة» 2008.

أخلاقيّة المعلّم المهنيّة، المهارات والفعّاليّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

في ظل تغيّرات القرن الحادي والعشرين وتحدّياته، تُعتبر مهنيّة المعلّمين أولويّة في التّعليم. وللاستجابة للمعايير العالية الجودة وتحسين فعّاليّة التّعليم، يُعوّل كثيرًا على تطوير مهارات المعلّمين، ويهدف السّعي لتحقيق الأخلاقيّة إلى الحدّ من المشكلات المتعلّقة بالأعمال اليوميّة وحلّها. من هنا ضرورة الوصول إلى تحقيق أخلاقيّة المعلّمين المهنيّة بشكل واضح.

وفي إطار دراستنا، نقترح إصلاحًا دقيقًا لأخلاقيّة المعلّمين المهنيّة، بالاستناد إلى السّلوكيّات المرتبطة بالاحترام والاعتراف بالآخر والمسؤوليّة المهنيّة والمداولة الأخلاقيّة. ونشير أيضًا إلى معايير فعّاليّة التّعليم، كمناخ الصّفّ وتحفيز التّلاميذ وتعاون المعلّمين.

وبالاستناد إلى الدّراسة الميدانيّة، بحثنا في تأثير مهارات الأخلاقيّة المهنيّة للمعلّمين في فعّاليّة التّعليم، وأجرينا مقابلات مع مديري المؤسّسات التّعليميّة والمعلّمين والتّلاميذ في المدارس الرّسميّة في لبنان. وعقب دراستنا النوعيّة والكميّة، استخلصنا النّتائج الآتية: يؤدّي الاحترام إلى مناخ صالح للتّعلّم في الصّفّ، كما يُحسّن الاعترافُ بالآخر تحفيز التّلاميذ على التّعلّم، وتطوِّرُ المسؤوليّة المهنيّة العملَ التّعاونيّ بين المعلّمين وتعزّز المداولةُ الأخلاقيّة الاحتراف.

وأخيرًا، تدمج مهارةُ الأخلاقيّة المهنيّة المعلّمين في محور القرارات اليوم لبناء عالم الغد وتحسينه.

كلمات مفتاحيّة: الاحترام، المسؤوليّة، الاعتراف بالآخر، المداولة المهنيّة، فعّاليّة التّعليم.

L’éthique professionnelle de l’enseignant, compétences et efficacité

 Talar Oumoudian

Avec les changements et défis du 21ème siècle, la professionnalisation des enseignants est considérée une priorité en éducation. Pour répondre aux normes de haute qualité et améliorer l’efficacité de l’enseignement, le développement des compétences des enseignants s’avère primordial. De même, la quête d’éthique se fait afin de limiter et résoudre les problèmes liés à l’action quotidienne, d’où la nécessité de dégager explicitement l’éthique professionnelle des enseignants. V

Dans le cadre de notre étude, nous proposons une réforme précise des compétences de l’éthique professionnelle des enseignants. Elle est basée sur les comportements de respect, de reconnaissance d’autrui, de la responsabilité professionnelle et de la délibération éthique. Nous relevons, aussi, les critères de l’efficacité de l’enseignement tel que le climat de la classe, la motivation des élèves, la collaboration et la réflexivité des enseignants. V

Lors de l’étude sur le terrain, nous avons exploré l’impact des compétences éthiques professionnelles de l’enseignant sur l’efficacité de l’enseignement. Nous avons enquêté avec les chefs d’établissements scolaires, les enseignants et les élèves des lycées publics au Liban. Suite à notre étude qualitative et quantitative, nous avons dégagé les résultats suivants: Le respect entraine un climat favorable à l’apprentissage en classe, la reconnaissance d’autrui améliore la motivation de l’élève à apprendre, la responsabilité professionnelle développe le travail collaboratif entre enseignants et la délibération éthique développe le pofessionnalisme. V

Enfin, la préoccupation éthique place les enseignants au centre des décisions d’aujourd’hui pour construire et améliorer le monde de demain. V

Mots-clés: Le respect, la responsabilité, la reconnaissance d’autrui, la délibération éthique, l’efficacité de l’enseignement. V

تالار أموديان: طالبة دكتوراه في العلوم التّربويّة في جامعة القدّيس يوسف، حائزة دبلوم ماجستر في العلوم التّربويّة من الجامعة نفسها. مُدرِّسة مادة العلوم الطّبيعية في مدرسة جلّ الدّيب الرّسميّة. من أبحاثها المنشورة: «الأخلاقيّة المهنيّة للأساتذة»، و«إدماج التّكنولوجيا في تعليم العلوم الطّبيعيّة في الصّفوف الثّانويّة»، و«مرض السّكريّ عند الأطفال».

[email protected]

البطريرك المارونيّ جبرائيل من حَجولا: قراءة جديدة في المصادر

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

شهد لبنان إبّان حكم المماليك، تحديدًا مطلع القرن الرّابع عشر، أحداثًا مهمّة، ولكن أحيانًا لا تكون المعلومات في المصادر كافية لإعادة رسم اﻹطار الّذي حصلت ضمنه هذه الأحداث. تذكر المصادر المارونيّة أنّ البطريرك جبرائيل من حَجولا حرقه المماليك حيًّا في طرابلس في العام 1365 أو في العام 1367. ويعطي المؤرّخون تواريخَ وأسبابًا مختلفة لإقدام المماليك على تطبيق هذه العقوبة القاسية. ولكن من خلال قراءة نقديّة للنّصوص، والاعتماد على مصادر جديدة، عربيّة ولاتينيّة، يظهر أنّ التّاريخين 1365 و1367 لا يمكن الأخذ بهما، وأنّ حادثة إعدام البطريرك وقعت في العام 1299-1300

كلمات مفتاحيّة: البطريرك جبرائيل من حَجولا، موارنة، مماليك، قبارصة، فرنج، مغول، طرابلس، جبل لبنان، اضطهاد، المطران جبرائيل ابن القلاعي، البطريرك إسطفان الدّويهي.

Le patriarche maronite Gabriel de Hajoula: lecture nouvelle des sources

Dr. Pierre Moukarzel

Le Liban connut des événements importants au début du XIVe siècle durant le règne des Mamelouks. Mais parfois les informations fournies par les sources ne suffisent pas à retracer le cadre dans lequel les événements se sont déroulés. Les sources maronites mentionnent que le patriarche Gabriel de Hajoula fut brûlé vif par les Mamelouks à Tripoli en 1365 ou 1367. Les historiens ont donné des raisons différentes pour l’application de ce châtiment sévère. Cependant, à travers une lecture critique des textes, et s’appuyant sur de nouvelles sources arabes et latines, il apparaît que les dates 1365 et 1367 ne peuvent être prises en compte et nécessitent une remise en question, et que l’exécution du patriarche eut lieu en 1299-1300. V

Mots clés: le patriarche Gabriel de Hajoula, Maronites, Mamelouks, Chypriotes, Francs, Mongols, Tripoli, Mont Liban, persécution, l’évêque Ibn al-Qilâ’i, le patriarche Istifan al-Duwayhi. V

الدّكتور بيار مكرزل: حائز شهادة الدّكتوراه في التّاريخ الوسيط من جامعة بواتييه (فرنسا)، معهد الدّراسات العليا لحضارة القرون الوسطى، ومتخصّص بتاريخ المماليك (1250-1517) والعلاقات بين أوروبّا والشّرق في القرون الوسطى. أستاذ مادّة التّاريخ الوسيط في كلّيّة الآداب والعلوم اﻹنسانيّة (الفرع الثّاني) في الجامعة اللّبنانيّة. ومحاضر في جامعات لبنانيّة وأوروبيّة.

[email protected]

صور من أيّام المأمون والمعتصم مقارنة بين «رحلات» التّلمحريّ و«تاريخ» الطّبريّ

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تُعنى هذه الدّراسة النّقديّة بما ورد في رحلات البطريرك ديونيسيوس التّلمحريّ، من أحداث أيّام الخليفة المأمون وأخيه المعتصم، مقارنةً بما رواه الطّبريّ في تاريخ الأمم والملوك عن هذه الحقبة من تاريخ الخلافة العبّاسيّة.

ولد التّلمحريّ في الرّبع الأخير من القرن الثّاني الهجريّ/الثّامن الميلاديّ. وضع تاريخًا عامًّا بالسّريانيّة، للأسف لم يبقَ إلّا جزء منه، يتضمّن أخبار رحلاته إلى بغداد ومصر.

شكّلت رحلاته وجهة نظر مختلفة للكثير من الأحداث. وقد سلّط الضّوء على المأساة الإنسانيّة الّتي حلّت بعموريّة إبّان فتح المعتصم لها، في حين مجّده العرب واعتبروه إنجازًا تاريخيًّا.

والطّبريّ من مؤرّخي القرن الثّالث الهجريّ. دوّن كلّ ما جرى من أحداثٍ مهمّة، وبدا جليًّا حرصه على عدم البوح بكلّ ما يُسيء إلى المسلمين، فعمد إلى الصّمت أو عدم الكشف عن بعض الأخبار. واللّافت تأريخه كلّ الأحداث المهمّة الّتي تناولها البطريرك التّلمحريّ، ولكنّه لم يُعنَ بتدوين أخبار الأقلّيّات كالمسيحيّين الّذين كانوا تابعين لسلطة الخلافة العبّاسيّة.

ما يسترعي الانتباه في الصّورة التّاريخيّة الّتي قدّمها كلّ من التّلمحريّ  والطّبريّ التّوافق بينهما في مواضيع قليلة، ولكن كانت الاختلافات جليّةً بين المؤرّخَيْن، واتّضح تعاطف المؤرّخ  وانحيازه إلى بني جلدته مهما كان موضوعيًّا.

كلمات مفتاحيّة: التّاريخ السّريانيّ، رحلات التّلمحريّ، الخارجون على السّلطة العبّاسيّة، المأمون، المعتصم، الكتابة التّاريخيّة، عموريّة.

Vues d’ensemble de l’époque d’al-Ma’mun et d’al-Muՙtasim – Une comparaison entre les «Voyages» de Dionysius Al-Telmahri et «l’Histoire» d’Al-Tabari

Hala Nawwaf Hani

Cette étude critique braque la lumière sur les événements, mentionnés dans les «Voyages» du patriarche Dionysius Al-Telmahri, au temps du calife Al-Ma’mun et son frère Al-Mu‛tasim, par rapport à ce que l’historien Al-Tabari relate dans son ouvrage «Histoire des prophètes et des rois» concernant cette époque de l’histoire du califat abbasside. V

Al-Telmahri est né dans le dernier quart du deuxième siècle AH/ huitième siècle après JC. Il a écrit une histoire générale en syriaque, mais, hélas, il n’en reste qu’une partie. Elle comprend les récits de ses voyages à Bagdad et en Egypte. V

Ses voyages représentent un point de vue différent de nombreux événements. Et il met en lumière le désastre dont a été victime Ammouriyah lors de leur conquête par al-Mu‛tasim, alors que les Arabes le glorifiaient et le considéraient comme un acte d’héroïsme historique. V

Al-Tabari est l’un des historiens du troisième siècle de l’hégire. Il rapporte tous les grands faits ; il était clair qu’il tenait à ne pas révéler tout ce qui offense les musulmans, alors il a décidé de garder le silence ou de ne pas révéler certains récits. Il est à noter qu’il date tous les événements importants dont s’occupait le patriarche Al-Telmhari, mais il ne s’occupe pas d’écrire les nouvelles des minorités telles que les chrétiens qui étaient subordonnées à l’autorité du califat abbasside. V

Ce qui attire l’attention dans l’image historique présentée à la fois par Al-Telmahri et Al-Tabari est la compatibilité sur quelques sujets, mais les différences étaient claires entre les deux historiens; La sympathie et le parti pris de l’historien envers son peuple sont clairs, aussi objectif soit-il. V

Mots clés: Histoire syriaque, Voyages d’Al-Telmahri, Hors-la-loi du pouvoir abbasside, Al-Ma’mun, Al-Mu‛tasim, Écriture historique, Ammouriyah. V

هلا نوّاف هاني: طالبة دكتوراه في تاريخ العصور الوسطى – الجامعة اللّبنانيّة – المعهد العالي للدّكتوراه. عنوان الأطروحة «صورة الآخر في المصادر العربيّة إبّان حروب الفرنج في الشّرق  (٤٩٢-٦٩٠هـ/١٠٩٨-١٢٩١م)». أستاذة للّغة العربيّة في مدرسة الشّويفات الدّوليّة Sabis 

[email protected]

دراسة المستوى النّحويّ في مجموعة «لن» لأنسي الحاج

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

نتناول في هذا البحث دراسة الشّاعر أنسي الحاج[1]، الّذي يُعتبر وجهًا بارزًا أسهم في التّنظير للشّعر العربيّ المعاصر، من خلال مواقفه النّقديّة وآرائه التّجديديّة الّتي أسّس بها لماهيّة الشّعر. ونلمس ذلك في مجموعته الشّعريّة الأولى «لن» الّتي صدرت بطبعتها الأولى عن دار مجلّة شعر في العام 1960، وأثارت جدلًا واسعًا في العالم العربيّ، وشكّلت فاصلًا في تاريخ الشّعر الحرّ. فأُنسي الحاج، ومن خلال مقدّمة هذه المجموعة، ينظّر لقصيدة النّثر ويطرح تصوّراته الشّعريّة المغايرة لما هو سائد، حيث جاءت أفكاره تحمل الكثير من قيم الثّورة والتّمرّد على كلّ الثّوابت. من هنا يؤكّد ضرورة إيجاد لغة جديدة مناسبة تكون في مستوى طموحات عصره الّذي يعيش فيه.

ولمّا كانت دراسة المستويات اللّغويّة ودلالة المفردات ضمن حقول دراسة اللّغة، خصوصًا في الشّعر، إذ أصبح مجالًا مهمًّا في الدّراسات اللّغويّة الّتي تكشف عن جماليّات النّصّ الشّعريّ بتحليله وفكّ رموزه، فإنّ عمليّة تحليل هذه المستويات والبحث عن دلالات القصيدة تمثّل خير وسيلة للنّقّاد تعينهم على إيضاح قيمة النّصّ الشّعريّ.

كلمات مفتاحيّة: الجملة الاسميّة، الجملة الفعليّة، الحذف، قصيدة النّثر، اللّغة، النّحو.

“Lan” de Ounsi EL HAJJ: Étude grammaticale

Dr. Dorine Nasr

Nous traitons dans cette recherche le sujet du poète Ounsi El HAJJ, l’homme connu dans le domaine des recherches poétiques arabes modernes, à travers ses situations critiques et ses avis innovateurs qui ont établi la quiddité du poème. Nous constatons cela dans son premier recueil «Lan», publié pour la première fois en 1960, qui a évoqué un grand débat dans le monde arabe, et fut considéré comme ligne de démarcation dans l’histoire du poème arabe moderne. Dans la préface de ce recueil, Ounsi El HAJJ parle du poème en prose et pose ses conceptions poétiques différentes de ce qui est connu, contenant les valeurs de la révolte et de l’insoumission à toutes les idées fixes. Il affirme qu’il est nécessaire de trouver une nouvelle langue convenable, à la hauteur des ambitions de son siècle. v

Et comme l’étude des niveaux linguistiques et la signification du vocabulaire, surtout dans le poème qui est devenu un domaine très important dans les études linguistiques, révélant l’esthétique du texte poétique en l’étudiant et le déchiffrant, le fait d’analyser ces niveaux et la recherche des significations du poème forment un moyen efficace aux critiques littéraires afin de mettre au point la valeur du texte poétique. v

Mots clés: Phrase nominale, phrase verbale, l’élimination, le poème en prose, la langue, la grammaire. v

الدّكتورة دورين نصر : حائزة شهادة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من معهد الآداب الشّرقيّة-جامعة القدّيس يوسف، بعنوان: «الوطن في تحوّلاته عبر القصيدة مضمونًا وبناء عند الشّعراء الثّلاثة: الشّاعر القرويّ وخليل حاوي ومحمّد الماغوط». تدرّس في الجامعة اليسوعيّة مادّة تحليل النّصوص. وهي عضو في تحرير المعجم التّاريخيّ للّغة العربيّة في الشّارقة. لها العديد من الأبحاث المنشورة، ومنها: شربل داغر: قصيدتي، معهم، وبلساني (2020)، وإصدارات شعريّة، وقراءات نقديّة عدّة.

[email protected]

التّنمية السّياحيّة المستدامة في قرى حمّانا، فالوغا والشّبانيّة (قضاء بعبدا – محافظة جبل لبنان)

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يعتبر القطاع السّياحيّ أحد الرّكائز الأساسيّة للاقتصاد الرّيفيّ في ظلّ تراجع القطاعين الزّراعيّ والحيوانيّ اللّذين كانا يؤمّنان دخلًا لبعض الأسر الرّيفيّة. ولم يعد القطاع السّياحيّ يقتصر على زيارة الأماكن الأثريّة والمطاعم والمنتزهات فحسب بل برز نوع آخر من السّياحة في الآونة الأخيرة ألا وهو الدّعوة إلى خلق سياحة مستدامة، تستفيد منها الأجيال الحاليّة والمستقبليّة.

إنّ هذا البحث يهدف إلى دراسة واقع السّياحة في قرى (حمّانا، فالوغا والشّبانيّة)، وإبراز ما فيها من نقاط قوّة تكفي لتطوير السّياحة، بشرط العمل على تحديد نقاط الضّعف وتقليصها والتّغلّب عليها، ورسم خطّة يمكن العمل عليها مع السّلطات المحليّة والجهات المانحة، وهو ما سيشجّع الاستثمار في هذا المجال كخطوة على طريق التّنمية السّياحيّة المستدامة.

كلمات مفتاحيّة: التّنمية المستدامة، السّياحة المستدامة، سلطات محليّة، الأجيال الصّاعدة، البطالة.

Le développement touristique durable dans les villages Hammana, Falougha, Chbanieh
(Caza baabda, Mouhafazat Mont Liban)

Dr. Elie Chedid

Le secteur touristique est considéré comme l’un des piliers de l’économie rurale au cours du déclin du secteur de l’agriculture et de l’élevage qui procurait des revenus à certaines familles rurales. Le secteur du tourisme ne se limite plus à la visite de sites archéologiques, de restaurants et de parcs, mais d’autres types de tourisme ont émergé, notamment le tourisme durable pour que les nouvelles générations en profitent. v

Cette recherche vise à étudier la réalité du tourisme dans les villages de (Hammana, Falougha et Chebanieh), et à mettre en évidence leurs points forts qui suffisent pour le développement du tourisme à condition d’identifier, de réduire et de surmonter les points faibles, de même élaborer un plan et le mettre en œuvre en collaboration avec les autorités locales et les bailleurs de fonds. Cela encouragera l’investissement dans ce domaine comme étant une étape vers le développement du tourisme durable. v

Mots clés: développement durable, tourisme durable, autorités locales, nouvelle génération, chômage. v

الدّكتور إيلي شديد: حائز شهادة الدّكتوراه في الجغرافيا من الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ مادّة الجغرافيا في الجامعة اللُّبنانيّة -كلِّيَّة التَّربية – الفرع الثّاني. له مقالات علميَّة محكّمة : «السّياحة الدّوليّة بين الكورونا والعولمة»، و«دور الصّناعات الصّغيرة في الحدّ من نسبة البطالة في قرى المتن الأعلى»، و«التّنمية المستدامة في اتّحاد بلديّات عاليه».

 [email protected]

مَيمَرٌ يُحقِّقُ أنَّ للّهِ ٱبنًا هو عِدْلُه في الجَوهَر لم يَزَلْ لثاوذورُس أبي قُرَّة († نحو 830م)

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

هذا الميمر هو الجزء الثّالث من ثلاثيّة ميامر دِفاعيّة مُترابطة لأبي قرّة أسقف حَرّان، سبق لنا نشر الجزء الثّاني منها مُحَقَّقًا على صفحات مجلّة المشرق. وذلك بالاعتماد على المخطوط السّينائيّ العربيّ 581 (ق.م.)، ومخطوط دير المخلِّص 392 (1735م.)، الّذي  كان وحده أساس طبعة الأب قسطنطين الباشا المعروفة. وقد اعتمدنا على هذه المستندات ذاتها لإنجاز طبعة محَقَّقة لهذا النّصّ أيضًا، وهو الميمر السّابع في طبعة الباشا. تتميَّز طبعتُنا الجديدة عمّا سبقها بعدد كبير من التّصويبات والتّحسينات والإضافات والقراءات المختلفة. وقد أضفنا كعادتنا كلَّ العناصر الضّروريّة لتسهيل قراءة النّصّ من علامات تشكيل ووقف، وأبرزنا بنية النّصّ المَنطِقيّة والبَلاغيّة وتسلسُل أفكاره، بتقسيمه إلى أجزاء ومَقاطع لها عناوين أساسيّة وفرعيّة، وفقرات مرقّمة تَسهُل الإحالة إليها.

موضوع هذا الميمر هو تحقيق بنوَّة المسيح الأزليّة ﷲ. ويلجأ أبو قرَّة في معالجته إلى المُستَندَين التّقليديَّين عند علماء الكلام في الكتابات الدّفاعيَّة، وهما العقل والنّقل. فيقدِّم في القسم الأوَّل (العقليّ) بُرهانين: يعتمد الأوَّل على مفهوم «الرّئاسة» في اﷲ (المستوحى من سياسة أرسطو)، والثّاني على مفهوم «الولادة» في اﷲ، فيدافع عن تشابه هذه الصّفة المرفوضة مع سائر الصّفات الإلهيّة، الّتي تُنسب مكارمُها إلى اﷲ وتُنفى عنه مناقِصُها. أمّا في القسم الثّاني (النّقليّ) فيورد عددًا مُعتَبَرًا من الشّهادات الكتابيّة المُستمدّة من أنبياء العهد القديم، ويُفسِّرها على أنَّها إعلان مُسبَق للبنوّة الأزليّة. ويُلحقها بآيات التّوراة الّتي تتضمَّن كلام اﷲ بصيغة الجمْع، ويشرحها بحسب التّقليد المسيحيّ بمعنى ثالوثيّ.

كلمات مفتاحيّة: ثاوذورُس أبو قرّة، لاهوت عربيّ قديم، بُنوّة المسيح الأزَليّة، رئاسة اﷲ، الولادة والصّفات الإلهيّة، مكارم الصّفات ومناقصها، نبوّات الأنبياء، الجمع في التّوراة.

 

Théodore Abū Qurrah ( vers 830) Traité pour démontrer que Dieu a un Fils
consubstantiel et coéternel

Édition critique et introduction, par P. Pierre Masri

Ce traité d’Abū Qurrah (v. 755- v. 830) dont nous présentons l’édition critique, avait été publié pour la première fois en 1904 par P. C. Bacha, à la base d’un seul manuscrit relativement récent : le Saint-Sauveur 392 (1735). Aujourd’hui, un autre manuscrit beaucoup plus ancien: le Sinaï arabe 581 (12e s.) est devenu heureusement accessible. Ainsi notre présente édition est basée plutôt sur ce codex sinaïtique, tout en collationnant soit l’autre manuscrit susmentionné, retrouvé récemment, soit l’édition princeps de Bacha. v

Ce traité représente la troisième partie d’une trilogie apologétique concernant respectivement les trois grands mystères de la foi chrétienne : Rédemption, Incarnation et Trinité. Abū Qurrah cherche en premier lieu à démontrer, par des arguments rationnels et bibliques, que Dieu a un Fils éternel et consubstantiel à Lui. Son argumentation logique est centrée sur la notion aristotélicienne de «présidence» (riʼāsah, arkhè), qui ne serait possible en Dieu sans l’existence du Fils égal à Lui. Un deuxième argument exploite la notion commune des Attributs de Dieu, et la méthode analogique nécessaire pour les appliquer adéquatement à Dieu, afin d’insérer la filiation divine parmi ces attributs. La seconde partie de ce traité est constituée d’une série de «témoignages» bibliques, surtout de l’Ancient Testament, interprétés dans le sens de la théologie trinitaire traditionnelle. v

Mots clés: Théodore Abū Qurrah, apologétique arabe chrétienne, kalām, théologie trinitaire, Fils éternel, attributs de Dieu. v

الأب پيير مصري: خوري كنيسة الملاك ميخائيل للرّوم الكاثوليك بحلب، ومدير المكتبة الرّوحيّة فيها، أستاذ اللّاهوت المسيحيّ العربيّ في المعهد الباباويّ للدّراسات العربيّة والإسلاميّة (Pisai) بروما، ومحاضر (سابق) في قسم الفلسفة من كليّة الآداب بجامعة حلب.

[email protected]

العلم الرّوحيّ عند أنسلم غرون

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تتناول هذه المقالة العلم الرّوحيّ عند أنسلم غرون، والعلاقة بين الرّوحانيّة المسيحيّة وعلم النّفس. تُبرز المادّة الّتي يقدّمها غرين روحانيّة مسيحيّة جديدة متأصّلة بروحانيّة آباء الصّحراء والآباء الشّرقيّين وآباء القرون الوسطى الغربيّين. ويتمّ عرضها بطريقة فريدة تجمع بين الأدب المسيحيّ والعلوم الإنسانيّة المعاصرة واللّغويّة. وتناقش أيضًا موضوع إناطة دور المرشد الرّوحيّ بدور العالِم النّفسيّ. أمّا في المنهج، فتقوم المقالة بقراءةٍ أركيولوجيّة وبرسم صورة عميقة لأركان الفكر الغرونيّ الّذي يشكّل هيكليّة فكره المنسوج خطابًا جديدًا، مستساغًا للأذن المعاصرة في السّياقات الفكريّة الكاثوليكيّة الغربيّة، وارتباطه بالتّراث المسيحيّ.

كلمات مفتاحيّة: أنسلم غرون، الكنيسة الكاثوليكيّة، علم النّفس، الرّوحانيّة الكاثوليكيّة، الألسنيّة، شفاء النّفس، المرشد الرّوحيّ، عالِم النّفس، آباء الصّحراء، روحانيّة القرون الوسطى، ألمانيا، اللّاهوت الغربيّ.

La Spiritualité chez Anselm Grün

P. Samih Raad

Cet article traite de la spiritualité chez Anselm Grün et de la relation entre la spiritualité chrétienne et la psychologie. Le contenu présenté met en relief une nouvelle forme de spiritualité chrétienne enracinée dans celle des Pères du désert, des Pères orientaux et occidentaux, surtout médiévaux. Cette spiritualité est exposée de manière pertinente en cherchant à concilier la littérature chrétienne, les sciences humaines modernes et linguistiques. Cet article aborde également le rôle de l’accompagnateur spirituel ainsi que du psychologue. La méthodologie suivie est une sorte de lecture archéologique qui vise à dépeindre les éléments de la pensée de Grün dans leur structure interne et leur discours. Tout cela ayant pour but final de montrer comment Anselm Grün a réussi à parler à nos contemporains en jetant un pont fiable entre la modernité et la tradition chrétienne. v

Mots clés: Anselm Grün, Eglise Catholique, psychologie, spiritualité, spiritualité catholique, linguistique, guérison spirituelle, guérison de l’âme, accompagnateur spirituel, psychologue, psychothérapeute, neuropsychologie, Pères du désert, spiritualité du Moyen-âge, Allemagne, théologie catholique. v

الأب سميح رعد: حائز شهادة دكتوراه في الفلسفة من الجامعة اللّبنانيّة، وإجازة تعليميّة في العلوم العربيّة والإسلاميّة من المعهد البابويّ للدّراسات العربيّة والإسلاميّة في روما، وإجازة تعليميّة في اللّاهوت من معهد القدّيس بولس للفلسفة واللّاهوت. أستاذ الفلسفة والإسلاميّات في معهد القدّيس بولس حريصا في لبنان، وأستاذ الفلسفة والإسلاميّات والعقيدة المسيحيّة في معهد القدّيس نيقولاوس الكاثوليكيّ في مس (Metz) - فرنسا. له مجموعة من الكتب والأبحاث والتّرجمات صادرة عن دار المشرق، ومقالات محكّمة منشورة في مجلّات ومواقع مختلفة

[email protected]

السّيّدة مريم بين الكمال الإنسانيّ والاصطفاء الرّبّانيّ: أضرب التّأويل والتّجديد

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

المُتأمّل في كتاب الدّكتورة حُسن عبّود، السّيّدة مريم في القرآن الكريم من النّصّ إلى الخطاب يدخل في حيِّز الاستبصار الّذي لم يُغفِل القلوب النّابضة بالحِسّ الإنسانيّ والوعي الحياتيّ، بأسلوبٍ معرفيّ جديد في عمليّة القراءة فالفهم ثمّ التّأويل في الدّرس القرآنيّ؛ فحْواه دراسة بُنية السّورة ووحداتها ومآلات خطاباتها الشّعائريّة والسّرديّة والحِجَاجِيّة، بين سورتَي مريم وآل عمران.

إلّا أنّ إنعام النّظر في مرحلة السّرد الشّعائريّ ودلالة الخطاب الحِجاجيّ، يجعلنا نتبيّن جديد الأسلوب البيانيّ في التَّعرُّف على معانٍ مُتجدِّدةٍ لروح الكلمة، واصطفاء النَّفسِ بين طُهرِ الأنبياء في مقام الأمّ الرّمز لكلّ معاني الجمال الحضاريّ والإنسانيّ في عِمران الفضائل. وذلك، وفق بُنية النّصّ أدبيًّا، ومعناه لغويًّا وأسلوبيًّا، وسردِيَّتِه الملامح الدّينيّة والاجتماعيّة، وتنَاصّه في التّوافق والتّغاير بين النّصوص وجماليّات تلقِّيه تفسيرًا وتأويلًا.

كلّ هذا يقُودنا وفق الوحدات الأدبيّة المتجدِّدة بمنهجيّة الباحثة التّأويليّة، للتّمييز بين صاحب الخطاب الأصل وصاحبة الحكاية؛ فنفهم النّصّ بشعائريّته وسرديّته وصولًا إلى مقاصديّته. ولذا ولَّد لديّ مفهوم: «الكمال الإنسانيّ والاصطفاء الرّبّانيّ للسّيّدة مريم»، وفق تسعة مفاهيم سامية على مستوى الذّات الإسلاميّة، وغير الإسلاميّة، ثمّ الإنسانيّة بأبعادِها الحضاريّة، بناءً على الجمال المعرفيّ للنّصّ والخطاب الموجّه إلى العالمين.

كلمات مفتاحيّة: السّيّدة مريم، سورَتا مريم وآل عمران بين النّصّ والخطاب، الأنبياء، الاصطفاء، رمزيّة الأمّ، البِرّ، المساواة، الحبّ.

La Vierge Marie entre la perfection humaine et le choix divin: v
divers modes d’interprétation et de renouvellement

Dr. Mohammad Kheir Ali Faraj

Qui s’approfondit dans la lecture du livre de dr. Husn Abboud: al-sayyida Maryam fi-l-qur’an al-karim min al-nass ‘ila al-khitab, plonge dans le bain de l’observation qui ne négligea guère les coeurs battants de conscience humaine, avec un nouveau style de lecture puis de compréhension, et enfin d’interprétation coranique; on y trouve une étude structurale de la sourate dans ses différents aspects et les objectifs de ses discours cultuels, narratifs et argumentatifs, entre la sourate de Maryam et celle d’Al-Umran. v

Néanmoins, en considérant attentivement l’étape de la narration cultuelle et le sens du discours argumentatif, l’on découvre des significations nouvelles de la parole grâce au style interprétatif, et l’on comprend la raison du choix de la Vierge Marie, parmi les plus purs prophètes, devenue Mère symbole de tous les sens de la beauté culturelle et humaine et des vertus; l’on comprend tout ceci à travers la structure littéraire du texte, sa signification linguistique et stylistique, et sa narration des aspects religieux et sociaux, et l’intertextualité: correspondance et hétérogénéité entre les textes, et la capacité du texte à recevoir des interprétations. v

L’on distingue alors entre le maître principal du discours et celle qui raconte l’histoire, et l’on comprend le texte et ce qu’il présente comme cultes et narration pour arriver à ses fins. C’est ainsi que naquit en moi le principe de: la perfection humaine et le choix divin de la Vierge Marie, selon neuf principes suprêmes au niveau de l’esprit islamique, et non islamique, puis humain avec ses dimensions culturelles, selon la beauté cognitive du texte et le discours porté au monde. v

Mots clés: la Vierge Marie, sourate de Maryam et d’Al-Umran entre le texte et le discours, les prophètes, le choix, le symbole de la mère, la justice, l’égalité, l’amour. v

أصل هذا المقال مداخلة في ندوة الحركة الثّقافيّة أنطلياس (27 أكتوبر، 2022) عن كتاب الدّكتورة حُسن عبّود، السّيّدة مريم في القرآن الكريم: من النّصّ إلى الخطاب، ط2. (بيروت: دار السّاقي، 2022).

الدّكتور محمّد خير علي فرج : حائز دكتوراه في الدّراسات الإسلاميّة. وهو مدرّس في عدد من الجامعات من بينها جامعة القدّيس يوسف والجامعة اللّبنانيّة وجامعة بيروت الإسلاميّة. من مؤلّفاته: الخطاب الدّينيّ بين الموضوعيّة العلميّة والانحياز السّياسيّ، وتاريخ مصطلح السّنّة ودلالاته، وغيرها، بالإضافة إلى العديد من الدّراسات المحكّمة المنشورة.

[email protected]

الدَّولةُ الضَّائِعَة شروطُ التّحوُّل الدّيموقراطيّ في لبنان والعالم العربيّ

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب صلاح أبو جوده اليسوعيّ

الدَّولةُ الضَّائِعَة شروطُ التّحوُّل الدّيموقراطيّ في لبنان والعالم العربيّ

ط.1، 268ص. بيروت: دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-7116-1)

يذكّرنا كتاب الأب صلاح أبو جوده اليسوعيّ بالمسح الاجتماعيّ والاقتصاديّ الشّامل الّذي قام به الأب لويس – جوزيف لوبريه (Louis-Joseph Lebret) في ستّينيّات القرن الماضي، بتكليف من الرّئيس الرّاحل فؤاد شهاب، وقد كان أساسًا لسياسات التّنمية في ستّينيّات القرن الماضي. فكتاب الأب أبو جوده الّذي يحمل عنوان الدّولة الضّائعة: شروط التّحول الدّيموقراطيّ في لبنان والعالم العربيّ يتناول مفاهيم التّنمية الاقتصاديّة، وبناء الدّولة الحديثة، وإرساء حكم العدالة والقانون وحقوق الإنسان.

يتناول الأب أبو جوده في مقالاته المتنوّعة والغنيّة بالأفكار والطّروحات خبايا الواقع اللّبنانيّ السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدّستوريّة، مستعرضًا الأسباب التي دمّرت الكيان اللّبنانيّ، وجعلت لبنان دولة ضعيفة شبه فاشلة[1].

توقّف الكاتب مطوّلًا عند مشكلة الطّائفيّة في لبنان، والتي تسبّبت، برأيه، بضعف الدّولة اللّبنانيّة وضياعها بين مختلف الطّوائف والجماعات والمذاهب والملل والإيديولوجيات المتصارعة والصّراعات الدّوليّة والإقليميّة وحروب الآخرين على أرض لبنان.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ إرساء قواعد دولة العدالة والقانون يحتاج إلى عقد اجتماعيّ صلب (contrat social) بين الشّعب والسّلطة تُحدّد فيها واجبات كلّ طرف وحقوقه.

ويمكن القول إنّ العقد الاجتماعيّ والسّياسيّ في لبنان قائم على الميثاق الوطنيّ اللّبنانيّ الّذي حاول إرساء الشّراكة السّياسيّة بنِسب متفاوتة بين مختلف الأطراف اللّبنانيّة تحت راية اللّيبراليّة الاقتصاديّة الّتي نادى بها ميشال شيحا. ويقول أبو جوده في معرض حديثه عن شيحا : «لم تكن خطوته البراغماتيّة نهائيّة، بل مرحليّة، فهو رأى في التّرتيب الطّائفيّ، انطلاقًا من الثّنائيّ المارونيّ - السّنيّ، ثنائيّة لا بدّ منها، إذ اعتبر أنّه من الأفضل أن يعيش لبنان أعوج من ألّا يسير البتّة […] ولكنّه لم يقطع الأمل في أن ينصهر اللّبنانيّون مع الوقت بهويّتهم الوطنيّة الواحدة.[2]

هذا الكلام في دلالته الواضحة لا يمكن البناء عليه لقيامة الأوطان. صحيح أنّ الدّعوة للاستقلال أمرٌ لا مفرّ منه ولكنّ مشروع بناء الدّولة بعد انتزاعه غير مضمون، وقد أدّى الأمر غالبًا إلى الفشل الذّريع ليس في العالم العربيّ فحسب، ولكن في معظم بلدان العالم الثّالث والّتي حصلت على استقلالها في الفترة اللّاحقة على تأسيس منظّمة الأمم المتّحدة وفي مرحلة ستّينيّات القرن الماضي.

شهدت هذه الدّولة الحديثة العهد انهيارًا اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا شاملًا تجلّى في قوارب الموت الّتي يحاول راكبوها الوصول إلى شواطئ الدّول المتقدّمة في أوروبّا وأميركا.

وقد تحوّلت هذه الدّولة بسرعة البرق بعد نيلها استقلالها إلى نظام ديكتاتوريّ فاسد، يحكمه قتلة ومجرمون استفادوا من صراع القطبين: الاتّحاد السّوفياتيّ والولايات المتّحدة الأميركيّة للاستمرار في السّلطة.

يدلّ هذا الواقع على فشل الدّولة القوميّة (Nation state) الّتي نشأت في الغرب والّتي أرست قواعد الدّولة الحديثة.

لم تستطع دول العالم الثّالث بناء هويّة وطنيّة جامعة، بل على العكس شجّعت العصبيّات والقبليّة، وارتكبت غالبًا المجازر والتّصفيات ضدّ فئات واسعة من مواطنيها، فاعتبرها قسم كبير من هؤلاء عدوّة لهم، ودعوا إلى قتالها ومعارضتها بكلّ الوسائل المشروعة وغير المشروعة للدّفاع عن هويّتهم ووجودهم.

ينطبق هذا التّوصيف بدقّة على الواقع اللّبنانيّ الفئويّ الّذي يُضعف، برأي الكاتب، الشّعور بالانتماء الوطنيّ، وهنا أصل كلّ العلل، ويضيف الكاتب أنّ إحدى الدّلالات على ذلك الفساد المستشري في الدّولة.

وفي الحقيقة، تعاني الإدارات العامّة من فشل بنيويّ مرتبط بمفهوم الدّولة القوميّة، فالإدارة العامّة المعاصرة قامت على أسس البيروقراطيّة الّتي وضعها المفكّر الألمانيّ ماكس فيبر (Max Weber) وهي تنصّ على مبادئ التّسلسل الإداريّ الصّارم من الأعلى إلى الأسفل، والتّوصيف الوظيفيّ، وبخاصّة الحياد الوظيفيّ. وعلى عكس ذلك سادت المحسوبيّات، وانعدمت المساءلة والمحاسبة. فالإدارات العامّة أدّت دورًا تقسيميًّا وليس جامعًا من خلال حجبها خدماتها عن مجموعة كبيرة من المواطنين. ويتابع الكاتب تحليله، من هذا المنطق، بالقول إنّ الطّائفيّة تُضعف الشّعور بالانتماء الوطنيّ الجامع، كما يفضي استمرار الإقطاعيّة السّياسيّة «الّتي تنطبع بالنّزعة الفطريّة الشّائعة في المجتمعات التّقليديّة إلى إلغاء الآخر.»[3]

وبالمقابل، وإنْ سلّمنا جدلًا بأنّ الطّائفيّة هي أساس كلّ العلل، فهل الحلّ يكون بالعلمانيّة، وأيّة علمانيّة؟ الفرنسيّة أم الأميركيّة؟ فإذا اتّخذنا العلمانيّة الأوروبيّة أساسًا للحلّ، فقد أظهرت قصورها  عندما فشلت في استيعاب ملايين المهاجرين الجدد ذوي الأصول غير المسيحيّة. وقد وصل الأمر بالدّولة الفرنسيّة إلى إعلان تمسّكها بالجمهوريّة الفرنسيّة ورفضها كلّ طرح يعيد تكوين السّلطة على أساس الجماعات العرقيّة أو الفئويّة(Secteriorism) .

أمّا بخصوص الدّيموقراطيّة والإصلاح السّياسيّ في العالم العربيّ فلم تكن النّتائج أفضل من التّجربة اللّبنانيّة. استعرض الكاتب، بمقاربة نقديّة، مؤلّفات بعض المفكّرين العرب بشأن موضوع الدّيموقراطيّة، ولكنّ النّظرة إلى الواقع تؤكّد فشل كلّ محاولات الإصلاحيّين لتغيير الأنظمة ونشر الحداثة، لأنّ العوامل الاجتماعيّة والدّينيّة والسّياسيّة وقفت حاجزًا أمام التّغيير.

وقد تناول الكاتب موضوع الرّبيع العربيّ، مراهنًا على اندفاعة الشّباب وقوى التّغيير، ولكنّ الواقع السّياسيّ أظهر فشل كلّ محاولات الإصلاح لأنّها جاءت مدعومة من الخارج. فالنّظام العالميّ الجديد الذّي تزعّمته الولايات المتّحدة الأميركيّة بعد انهيار الاتّحاد السّوفياتيّ قام على معيارين: اللّيبراليّة الاقتصاديّة والدّيموقراطيّة.

نجح الغرب في إدخال الدّيموقراطيّة إلى وسط أميركا وجنوبها وجنوب الصّحراء الأفريقيّة وأوروبّا الشّرقيّة، ولكنّه فشل في الشّرق الأوسط، حيث نلاحظ عودة الأنظمة الدّيكتاتوريّة إلى السّلطة تحت شعار تفضيل الأمن على فوضى الدّيموقراطيّة المزعومة.

وقد تناول الكاتب بالنّقد نظريّة فرنسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) المتهوّرة بشأن سيطرة اللّيبراليّة علامةً لنهاية التّاريخ. والواقع، أنّ قوى الحداثة في العالم العربيّ لم تفلح في بناء أنظمة ديموقراطيّة بسبب ضعف الدّعم الشّعبيّ، وسيطرة الأنظمة، والعقليّة البطريركيّة القائمة على الولاء للحاكم مقابل بعض الخدمات الاجتماعيّة.

وقد أفضى فشل تجربة الدّيموقراطيّة في أفغانستان إلى تحوّل كبير في المقاربة الغربيّة موضوع الدّيمقراطيّة حيث أيقنت أنّه لا يمكن فرض الدّيموقراطيّة من الخارج بل يجب أن ينبع من القاعدة الشّعبيّة. وماذا عن الحلول، بخاصّة في الشّأن اللّبنانيّ؟ يقول الكاتب إنّه «ليس من مخرج سليم لهذا المأزق إلّا بإعادة النّظر في التّصميم التّأسيسيّ، بحيث لا تُنفى ثنائيّته التّاريخيّة ودورها في قيام لبنان المستقلّ. ولكن تُرسَم طرق لتجاوزها، ليس بمعنى أن تُخلق ديناميّة تشرّعها إلى مثالثة، هي أمر واقع، ومن ثمّ على مرابعة محتملة، وهكذا دواليك، بل بمعنى فكّ رباطها بالخلفيّة الدّينيّة الطّائفيّة، وبالتّالي تحرير الخطاب الدّيموقراطيّ تدريجيًّا من العامل الدّينيّ المصطبغ بالطّائفيّة، وهو عامل يجرّد الدّيموقراطيّة من مضمونها.»[4]

تناول الأب أبو جوده الموضوعات المتعلّقة بالدّيموقراطيّة وحقوق الإنسان ودولة القانون بمقاربة معمّقة تنمّ على ثقافة واسعة، جاهدًا في رسم خطّة طريق لدفع عجلة التّطوّر في لبنان وفي الشّرق الأوسط، لذلك فإنّ هذا الكتاب هو إضافة إيجابيّة وفعّالة في موضوع النّقاش الفكريّ بشأن السّبل الكفيلة بوضع الشّعوب على مسار التّقدّم والانفتاح والازدهار.

 [1]  هناك تمييز بين الدّولة المنهارة (collapsed state) حيث تنهار كلّ المؤسّسات العامّة والأمن وتسود فيها العصابات المسلّحة، والدّولة الضّعيفة (weak or fragile state) حيث تتواجد بعض مظاهر السّلطة العامّة وبعض الخدمات.

 [2]  الأب صلاح أبو جوده، الدّولة الضّائعة، ص، 26.

 [3]  أبو جوده، المصدر نفسه، 56.

 [4]  أبو جوده، الدّولة الضّائعة، 27-28.

الدّكتور جورج لبكي : رئيس مجلس إدارة المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز شهادة دكتوراه في القانون من السّوربون، وأخرى في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس XII. من مؤلّفاته باللّغة الفرنسيّة: أنثولوجيا. الأدب اللّبنانيّ باللّغة الفرنسيّة. ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.

[email protected]

إيزابل أو فشل النّبيّ. هل فقدت كنيسةُ لبنان روحَ النّبوّة؟

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب داني يونس

إيزابل أو فشل النّبيّ. هل فقدت كنيسةُ لبنان روحَ النّبوّة؟

ط.1، 40 ص. بيروت: دار المشرق، 2023

(ISBN: 978-2-7214-5645-8)

 هل من فرق بين الخطيئة والفساد، المشاركة والموافقة، الصّبر والانكسار، الهدوء والتّواطؤ، التّواضع واللّامبالاة، الفعل والإهمال، الذّريعة والدّافع، النّبوّة والعنف؟ هذه الأسئلة، أجاب عنها الأب داني يونس اليسوعيّ في كتيّبه الجديد.

من مواليد 1974، درس الفلسفة واللّاهوت في فرنسا وألمانيا، وحاز شهادة الدّكتوراه في العلوم الدّينيّة من جامعة القدّيس يوسف (بيروت). شغل منصب الرّئيس الإقليميّ لليسوعيّين على الشّرق الأدنى والمغرب العربيّ، وهو اليوم مدير دار المشرق العامّ. صدر له مؤلَّفان: اختر الحياة، مداخل إلى التّمييز الرّوحيّ (دار المشرق، 2020)، خلّيك بالبيت (2021). اشتهر بالرّياضات الرّوحيّة والتّنشئة، ومتسلّحًا بهذه الخبرة، وضع هذا الكتيّب.

إنّ كتيّبه الجديد نشيدٌ، اللّازمة فيه كلمتان ثقيلتان تتردّدان بين الفينة والأخرى: «قهقهت إيزابل» (ص.13، 16، 20). ثقيلتان، لأنّ الفعل فيهما «محاكاةٌ صوتيّة» (onomatopée)، هدفُه أن يُسمع القارئَ صوتَ التّهكّم والاستهزاء بالحقّ، ولأنّ فاعل الفعل مجهول الهويّة. من هي إيزابل تلك؟ هي «الرّوح الّذي يدعو النّاس إلى أنْ يأخذوا ما ليس لهم» (ص.17). هي الّتي وظّفت شاهدَي زور ليحكم الشّيوخ والشّعب على نابوت، الرّجل الأمين، بالإعدام بحسب الشّريعة، فيضع الملكُ اليد على أرضه. هي الّتي أقنعت داود أن يقتل زوج عشيقته ليستر فضيحته. هي الّتي طلبت رأسَ يوحنّا المعمدان على طبق للجم صوت الحقّ.

أمّا السّؤال الّذي ينبعث من هذه النّصوص فهو: «من المسؤول؟» لا يتملّق المؤلِّفُ القارئ: «كلّنا قتلنا نابوت» (ص.13)، أي المدبِّر والمتغافل والكاذب والمنفِّذ والصّامت، الّذين اعتادوا الظلم. لكنّ الأب يونس لا يستقبح تشابك الشّرّ وحسب، بل يوجّه نداء لمواجهته. في رأيه، المطلوب أوّلًا ليس أنْ يجهد المسيحيّون لإسعاف النّاس في مأكلهم واستشفائهم وتأمين حاجاتهم – وهي أعمال صالحة وصادقة من دون شكّ -، بل أنْ يحافظوا على النّبوّة فلا يصبحوا مِلحًا مسيخًا أو تينةً ماحلة. هذه ليست نبوّة إيليّا السّاخط الّذي استلّ السّيف ليذبح كهنة بعل، بل الّذي تعرّف إلى اﷲ بالنّسيم اللّطيف. تتمّ المحافظة عليها باستقامة الضّمير وتوطيده من خلال أمورٍ ثلاثة، أتوقّف عند واحدةٍ منها: «المأسسة الّتي تفترض الشّفافيّة والمساءلة». في المؤسّسات الكنسيّة، اعتاد المسؤولون القيام بأعمالهم انطلاقًا من نواياهم الصّادقة ومعاييرهم الشّخصيّة (ولكن ألا يقول المثل الفرنسيّ «إنّ جهنّم مرصوفة بالنّيّات الحسنة»!). المسؤول الحقيقيّ الخادم الحقّ لا يرى في الشّفافيّة والمساءلة تقييدًا لسلطته، بل صونًا لضميره وانسجامًا مع الجماعة. إذًا نحن بحاجة إلى أنبياء ينتمون إلى الكنيسة، تلك الّتي تستمع إلى الأنبياء فيها، ولذلك فإنّ ذروة الكتاب هي في هذه العبارة: «على النّبيّ ألّا يفقد قلبه، لأنّ الكنيسة أعظم منه، وعلى كنيسة اﷲ ألّا تفقد أنبياءها» (ص. 29).

هذا الكتيّب هو في الواقع دعوة نبويّة من كاهنٍ إلى كنيسته، بمسؤوليها ومتواضعيها، لتستعيد طابعها النّبويّ، ويؤكّد لنا أنّ المسألة «ليست في أنْ ننجح أو أنْ نخفق، بل في أنْ نحافظ على قلوبنا» (ص. 25). هو يزعجنا، لا بل يغضبنا، ليحثّنا على عدم الاستسلام، فلا نسمع ما قاله المسيح إلى مسيحيّي تياطيرة: «مأخذي عليك هو أنَّك تَدَعُ المَرأَةَ إِيزابَلَ وشَأنَها، وهي تَقولُ إِنَّها نَبِيَّة، فتُعَلِّمُ وتُضَلِّلُ عَبيدي» (رؤيا 2، 20).

 الأب غي سركيس : حائز درجة الدّكتوراه في اللّاهوت من الجامعة اليسوعيّة الغريغوريّة الحبريّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدّيس يوسف،والحكمة. وهو كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة. له مجموعة من المؤلّفات الدّينيّة والتّأمليّة والفكريّة في اللّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للّسلام… لمن؟ – أؤمن …وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ…) 

[email protected]

تعلّم التّمييز في مدرسة إغناطيوس دي لويولا

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

نيقولاس سينتوبين

تعلّم التّمييز في مدرسة إغناطيوس دي لويولا

نقله إلى العربيّة الأب سامي حلّاق اليسوعيّ
ط.1، 160 ص. بيروت، لبنان: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5635-9)

 

المنشورات الإغناطيّة تتحوّل.

هذا ما يلاحظه متابع منشورات دار المشرق في الرّوحانيّة الإغناطيّة. فبعد الكتب البحثيّة في هذه الرّوحانيّة الّتي يطغى عليها الطّابع الأكاديميّ، بدأت الرّهبنة اليسوعيّة في السّنوات الأخيرة تنشر عن روحانيّتها كتبًا مبسّطة تستطيع العامّة أن تقرأها من دون جهدٍ فكريّ. وكتاب تعلّم التّمييز واحد منها.

ما المقصود بـ التّمييز؟ يقول الكاتب:

«التّمييز قديم قدَم الإنسانيّة. إنّه ليس أمرًا استثنائيًّا. فهناك دومًا أناس يسترشدون بحدسهم حين يكون عليهم اتّخاذ قرار. فالفكرة الّتي تُشعِرُني بالرّاحة تُعتَبَرُ جديرة بالثّقة، وأميل إلى تنفيذها. والعكس بالعكس تجاه ما يُشعرني بالضّيق، أو القلق، أو الارتياب. وبالتّالي، كثيرون يميّزون بين الحركات العاطفيّة الإيجابيّة والسّلبيّة، ويجعلونها نقطة انطلاقٍ لاتّخاذ القرارات. كثيرون يعتمدون على ما تقوله قلوبهم حتّى وإن لم يعوا ذلك» (ص.13).

بتعبيرٍ آخر، أمام الاختيارات الّتي تعرضها الحياة علينا يوميًّا، لا مفرّ أمامنا من التّمييز من أجل اتّخاذ قرار. ففي كثيرٍ من الأحيان تكون الاختيارات بسيطة، ونتائج القرار الخاطئ فيها غير كارثيّة: شراء ثياب من هذا الشّكل أو ذاك، تناول هذا النّوع من الطّعام أو ذاك… ولكنّها في بعض الأحيان مصيريّة: اختيار الدّراسة في هذا الفرع أو ذاك، الزّواج بهذا الشّخص أو ذاك، الانتقال إلى عملٍ آخر أو البقاء… ما هي الوسيلة الّتي تساعدني على حسن الاختيار؟ وما هي الصّعوبات الدّاخليّة الّتي تعترضني في كلّ تفكيرٍ لاتّخاذ قرار، وكيف أذلّلها؟ هذا باختصار موضوع الكتاب.

فالتّمييز في هذا الكتاب لا يتناول التّمييز بين الخير والشرّ، بل بالأحرى التّمييز بين خيرَين لأعرف ما يناسبني منهما. فالتّمييز بين الخير والشرّ يصلح لجميع النّاس، وبالتّالي تكون العمليّة سهلة، بسبب وجود نماذج يُقتدى بها وتعاليم واضحة. أمّا التّمييز بين خيرَين فهو عمليّة صعبة لأنّ ما يصلح للآخر، وقد اختارَه، لا يصلح لي بالضّرورة. فكيف أختار ما يصلح لي مع غياب النّماذج القدوة والتّعاليم الواضحة؟

يعبّر الكاتب، نيقولاس سينتوبين، عن دوافعه لتأليف هذا الكتاب على النّحو الآتي: الرّوحانيّة الإغناطيّة هي روحانيّة أنسنيّة. هذا يعني أنّها تلائم جميع النّاس وتفيد مؤمني جميع الأديان، وحتّى غير المؤمنين. يقول الكاتب في هذا الشّأن:

«التّمييز ليس للمسيحيّين وحدهم، لأنّ روح اﷲ لا يسمح لنفسه بأن ينغلق في إيمانٍ واحدٍ أو كنيسة. فالمسيحيّون يؤمنون بأنّ روح اﷲ يريد أن يكون حاضرًا ونشطًا في كلّ صاحب إرادةٍ صالحة. وهذا ينطبق أيضًا على مَن ينتمون إلى دياناتٍ أو فلسفاتٍ مختلفة في الحياة… والقاعدة الّتي تنطبق على المسيحيّين، تسري على غير المسيحيّين. عليهم أن يسهروا على تنشئة قلوبهم وتغذيتها في إطار خصوصيّة تقاليدهم» (ص.144).

فصول الكتاب متفاوتة في الطّول، وتترجّح أعداد صفحاتها بين العشرة والعشرين، مقسّمة إلى عناوين فرعيّة كثيرة، كلّ عنوانٍ فرعيّ يتناول جزئيّة من مسار التّمييز، ويتبع عمومًا المنهج الآتي:

طرح الجزئيّة «قصّة واقعيّة» تعليق توضيحيّ.

مراحل التّمييز مشروحة في خمسة فصول. الفصلان السّادس والسّابع يتناولان الفخاخ الّتي قد تعترض الشّخص الّذي يميّز وعليه أن يتفاداها. وحيث إنّ أسلوب التّمييز الإغناطيّ صيغ في الإيمان المسيحيّ، ويخصّص الكاتب الفصل الثّامن ليبيّن كيف يتمّ هذا التّمييز لدى المسيحيّين، ويختم بالفصل التّاسع الّذي يتناول التّمييز الجماعيّ، حيث إنّ الفصول السّابقة تناولت التّمييز كعمليّة فرديّة.

الكتاب مفيد، فريد، ممتع، ونأمل أن يجني مَن يقرأه فائدة وغنًى.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

[email protected]

أبعاد المحبّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

لويس جوزيف لوبريه

أبعاد المحبّة

ط.1، 204ص. بيروت:دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-5641-0)

 

يقدّم إلينا الأب الدّومينكانيّ لوبريه في هذا الكتاب شذرات تفكيره اللّاهوتيّ وتأمّله العميق في سرّ المحبّة، تلك المحبّة اللّامحدودة الّتي وهبها الخالق لخليقته. ولا تأتي هذه التّأمّلات من دون ترسُّخ في واقع عالمنا، إذ عُرف عن الأب – الباحث اهتمامه بالشّؤون الاقتصاديّة فهو أسّس في لُجّة الحربّ العالميّة الثّانية المؤسّسة الاقتصاديّة والإنسانيّة الّتي هدفت إلى دراسة الحقائق الإنسانيّة والاجتماعيّة لوضع الاقتصاد في خدمة الإنسان، كما أسّس المعهد الدّوليّ للبحث والتّدريب والتّعليم والتّنمية الّتي تُجري دراسات للقضايا الاجتماعيّة في بلدان العالم الثّالث، وتقترح الحلول لها، وقد زار الأب لوبريه لبنان شخصيًّا في العام ١٩٦١ لوضع خطّة تنمية وطنيّة بدعوة من فؤاد شهاب الّذي كان يرأس البلاد يومها.

لا يحتوي هذا الكتاب أيّ مقدّمات، وكأنّ الكاتب يقول لنا: «المحبّة لا تعرف المقدّمات، فهي اللّحظة الحاليّة»، وهكذا هو سرّ المحبّة الّذي يتجسّد عملًا وقولًا. ينقلنا الكاتب في خمسة أقسام، وكأنّها خمس خطوات ترسم رقصة الحبّ بين اﷲ، والقريب، والإنسان. ففي الخطوة الأولى نتأمّل مصدر الحبّ الّذي هو اﷲ، وفي الثّانية ننفتح على الحبّ الّذي يشمل البشريّة كلّها، وفي الثّالثة نتفتّح في المحبّة بما تعرفه من ألم والّذي هو ضرورة النّموّ، وفي الرّابعة نواجه عوائق النّموّ في المحبّة، وفي الخامسة تتكامل الحياة في اﷲ والإنسان، ومعها تكتمل حلقة، أو رقصة الحبّ لنعود هكذا دواليك في رحلة الحياة والفرح والحبّ.

يعود الإصدار الأوّل لهذا الكتاب بالفرنسيّة إلى العام ١٩٥٨، لكنّ هذا الكتاب هو من الجواهر المعتّقة، نفهم بقراءتنا إيّاه أنّ الحبّ قديم قِدم الزّمن، وفهمه واختباره إنّما مسيرة البشريّة جمعاء. لذلك، نجد في تأمّلنا المقطوعات الخمسة والسّبعين الّتي تؤلّف هذا الكتاب، أنّنا أمام سيمفونيّة حياة تتناغم مع جميع المشاعر الّتي يحملها قلب البشر.

لقد أبدع لوبريه في التّنقّل بين إيمانه وحياته العمليّة بأبعادها الأكاديميّة والبحثيّة، فعرف كيف يعيش ملكوت اﷲ الّذي هو هنا والآن، وقد أبدع معه الخورأسقف حليم عبداﷲ بنقل هذه الدُّرر إلى لغة عربيّة جزلة وعذبة، فقدّم إلينا دار المشرق، كتابَ صلاة ننتظره في عالم يعمل في المجالات الإنسانيّة ويبحث عن زوّادة روحيّة تضفي على رسالته المعنى والتّعزية…

الأب طوني حمصي اليسوعيّ : حائز شهادة ماجستير في اللّاهوت الكتابيّ – كلّيّة اللّاهوت اليسوعيّة – باريس، ودبلوم جامعيّ في الصّحافة الرّقميّة، جامعة القدّيس يوسف – بيروت. مدير التّواصل الرّقميّ للرّهبانيّة اليسوعيّة= =في الشّرق الأدنى والمغرب العربيّ. يُشرف على النّسخة الرّقميّة للكتاب المقدّس باللّغة العربيّة في ترجمته الكاثوليكيّة، وله عديد من التّرجمات الصّادرة عن دار المشرق.

 [email protected]

مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الخوري بولس مطر

مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة

ط.1، 58 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-5640-3)

 

لأنّ «موضوع الصّوفيّة متشعّب وغير مرتبط بالدّيانتين المسيحيّة والإسلاميّة وحدهما فهناك العديد من الدّيانات الآسيويّة… وغيرها ترتكز على حياة التّقشّف والزّهد والإماتات، ولكنّها تختلف عن الصّوفيّة من حيث الجوهر…»، كما جاء في مقدّمة الكتاب، أراد المؤلّف، الخوري بولس مطر، أن يعرض النّظرة المسيحيّة للزّهد والتّقشّف المختلفة عن نظرة سائر الأديان باختلاف نظرتها إلى الجسد. فـ«الزّاهد ليس من يقوم بالإماتات من أجل تعذيب جسده بل حبًّا باﷲ.» إنّه «من يترك كلّ شيء لأنّه وجد الكنز الثّمين» ألا وهو ملكوت السّموات.

أوضح المؤلّف أنّ «التّصوّف ليس هدفًا بحدّ ذاته، بل هو وسيلة من أجل الاتّحاد باﷲ.» من هنا، يتطرّق المؤلّف إلى «الحياة النّسكيّة والتّصوّف في الحياة الرّهبانيّة»، حيث تُعاش ضمن جماعة. ثمّ يتناول «مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة» وهي ما عُنوِن بها الكتاب من باب تسمية الكلّ باسم الجزء.

الأساس يبدأ بالعلاقة الشّخصيّة بالمسيح عبر الأسرار، ثمّ يأتي التّأمّل الّذي يخدم نموّ المسيحيّة في محبّة اﷲ بواسطة ابنه الّذي جعل كلّ إنسان ابنًا ﷲ مع الابن، ويحيا معه، وبواسطته، حياة اﷲ. فطريق المسيحيّ إلى اﷲ هو المسيح. «التّصوّف، بالمفهوم المسيحيّ، لا يمكن إلّا أن يكون بواسطة المسيح».

استعرض الأب مطر المراحل الثّلاث للحياة الرّوحيّة: التّطهير، والاستنارة، والاتّحاد، وهي من أهمّ ركائز السّلوك المسيحيّ. وهناك الفضائل الإلهيّة كركائز للتّنشئة الصّوفيّة وهي الإيمان والرّجاء والمحبّة. «المسيحيّ المؤمن لا يعيش بُعد الزّهد في حياته بطريقة فرّيسيّة وظاهريّة… بل يمارسها على أساس المحبّة»، لذلك يورد الكاتب نماذج حياتيّة عاشت واختبرت حياة التّصوّف أمثال القدّيس إسحق السّريانيّ، ويوحنّا الدّلياتيّ، والقدّيسة تريزا الآفيليّة، والقدّيس إغناطيوس دي لويولا.

بعد أن عالج «موضوع التّصوّف المسيحيّ من النّاحية التاريخيّة» وعرض بدايةَ «الحياة النّسكيّة والصّوفيّة وأسبابها»، وتناول مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة، اختتم الخوري بولس مطر دراسته بالتّأكيد أنّ «هدف المسيحيّ المؤمن هو اتّباع المسيح الّذي هو «الطّريق والحقّ والحياة».

في زمن يرزح تحت وطأة المادّيّة، يأتي هذا الكتاب ليضخّ روحًا مسيحيّة تسلك طريق المسيح ومَن اقتدى به في حياته المتّحدة بالله الآب.

 

الدّكتورة بيتسا استيفانو : حائزة دكتوراه في العلوم الدِّينيَّة، وإجازة في الأدب العربيّ من جامعة القدِّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة في معهد الآداب الشَّرقيَّة في الجامعة، ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيَّة فيها. أستاذة محاضرة في جامعة «Domuni» – باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللُّغتين العربيَّة والفرنسيَّة.

[email protected]

الحكمة الخليقة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

أبو الحسن عليّ ابن يحيى الزّندويستيّ

الحكمة الخليقة

تحقيق بلال الأرفه لي وخالد محمّد عبده
ط.1، 90 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-8185-6)

يضع بلال الأرفه لي وخالد محمّد عبده كتابًا قيّمًا بين يدَي القارئ، وهو كتاب الحكمة الخليقة للفقيه الزّاهد الزّندويستيّ (ت. نحو 400/1010). ويتألّف هذا الكتاب من مجموعة من الأسئلة عن الحكمة في مسائل يفترض الكاتب أنّها تُطرح على أحد المسلمين فيجيب عنها مبيّنًا الحكمة الّتي يراها في كلٍّ منها.

يقدّم المحقّقان الكتاب في صفحات مفيدة، يبدآن فيها بالكلام على نوعَين عامَّين من الحكمة، أولاهما الميّالة إلى الفلسفة، وهي ذات صبغة منطقيّة نظريّة، وثانيتهما الميّالة إلى الموروث والشّعبيّ، وإليها ينتمي الكتاب قيد المراجعة. ثمّ بعد تبيان معنى الحكمة في العربيّة، والفرق بين ما يستند منها إلى النّقل والكتب المقدّسة من جهة، والعقل والتّأمّل والتّجربة الرّوحيّة من جهة أخرى، ينتقل المحقّقان إلى العنوان الأوّل في مقدمّتهما، وهو العلل في الشّريعة.

يفيد المحقّقان من إلمامهما بالتّصوّف الإسلاميّ، فيجمعان من كلام التّرمذيّ والغزاليّ وغيرهما من أعلام التّصوّف ما يضيئان به على أهمّيّة البحث عن علل الشّريعة، أي الحِكَم الكامنة وراء الأحكام الشّرعيّة، فيقول التّرمذيّ إنّ «معرفة علّة الأحكام هي باطن العلم، وهي العلم النّافع، وجوهر الأمور، والحجّة…»[1] ويشير الدّارسان في نهاية هذا الجزء إلى اتّساع الكلام في الحكمة، فهي، كسائر الأمور الخاضعة للتّأويلات المختلفة، «فهم مستمرّ أو محاولة لا نهائيّة لفهم متجدّد ومتطوّر، وهو بحث دؤوب عن الحقائق.»[2]

أمّا العنوان الثّاني في المقدّمة، أنبياء الحكمة، فيتكلّم فيه المحقّقان على لقمان وداوود والمسيح، وهم من الأنبياء الّذين ارتبطت أسماؤهم في القرآن بالحكمة الّتي أوتوها، ويتطرّقان إلى حكمة هؤلاء الأنبياء في السّياق القرآنيّ وخارجه، ولا سيّما في التّراث الصّوفيّ. ثمّ ينتقلان للكلام على أبرز الأعمال الّتي تناولت الحكمة في التّراث العربيّ والإسلاميّ ككتاب الحكمة الخالدة لأبي عليّ بن مسكويه، وغيره، ثمّ ما صُنّف في الحكمة من كلام النّبيّ محمّد وصحابته، وَمن جمعَ الأقوال في الحكمة أو صاغها من علماء المسلمين، فيؤطّران بذلك لكتاب الحكمة الخليقة ويضعانه في سياقه التّاريخيّ والعلميّ.

وقبل الشّروع في الكلام على الكتاب قيد المراجعة يتطرّق الدّارسان إلى روضة العلماء للزّندويستيّ فيعدّدان أبوابه المائة والسّبعة، ويقدّمان نماذج من الحِكَم المذكورة فيه، ثمّ ينتقلان إلى كتاب الحكمة الخليقة. ويبدأ كتابنا هذا بالسّؤال الأوّل مباشرة، فلا مقدّمة له، ولا خاتمة. وليست الأسئلة مبوَّبة ولا منظَّمة. أمّا هدف الكتاب، بحسب المحقّقَين، فـ «الإجابة عن أسئلة العوام ليسكّن قلقهم ويذكّرهم بعجائب الخلق وعلل الشّرائع، ففي كلّ أمر حكمة…»[3] ويبيّن الدّارسان أهميّةَ الكتاب الكامنة في كشف أجوبة الزّندويستيّ عن «نمط من طرائق التّفكير العربيّ والإسلاميّ الّتي ظلّت حاضرة إلى يومنا هذا.»[4] ونزيد على هذه الفائدة أخرى، وهي أهمّيّة الأسئلة المطروحة، فهي وإن لم تكن – كلّها – طُرحت على كاتبنا أو غيره، إلّا أنّها تعكس شيئًا من أفكار النّاس واهتماماتهم وتساؤلاتهم عن النّصوص الإسلاميّة والتّراث الإسلاميّ وغير ذلك ممّا يرتبط بهما.

ويبدو للقارئ أنّ استنباط معظم الحِكم مبنيّ على تأمّل الكاتب المسائلَ المطروحة، فإذا قرأنا سؤال السّائل: «ما الحكمة أنّ النّملة تجعل الشّعير والحنطة نصفين ثلاثة أثلاث؟» وجدنا أنّ أجابة الزّندويستيّ مبنيّة على التّأمّل وإعمال الفكر في هذا الفعل، فيقول: «إنّ الحنطة وغيرها من الحبوب إذا جعل نصفان لا ينبت والكزبرة إذا جُعلت نصفين تنبت وإذا جُعلت ثلاثة أثلاث لا تنبت فلذلك تفعل هكذا.»[5] ولا تخلو الأجوبة من الاعتماد على النّقل، مع التّأمّل وإعمال الفكر، كما يظهر في المسألة الآتية:

فإن قيل: لم خُصّ إبراهيم من دون سائر الأنبياء عليهم السّلام بذكر في الصّلوات من دون غيره؟ قيل لأنّ النّبيّ ﷺ ليلة المعراج مرّ على جميع الأنبياء والمرسلين… ولم يسلّم أحد منهم على أمّته سوى إبراهيم عليه السّلام… فجعل رسول اﷲ صلّى اﷲ عليه وسلّم صلاته مقرونة بصلاته حتّى تصلّي عليه أمّته إلى يوم القيامة.

وتُذكِّرنا حِكم الزّندويستيّ بلطائف الصّوفيّين وإشاراتهم في تفسير القرآن ورقائقهم بشكل عامّ، غير أنّ حِكمه متّصلة أيضًا بالفقه كما يظهر في الحكمة الآنف ذكرها، وهذه العلاقة المبكّرة بين الفقه والتّصوّف من أهمّ ما يقدّمه الكتاب للقارئ، كما أشار المحقّقان في مقدّمتهما.[6]

تحقيق الكتاب مُتقَن ويعتمد على مخطوطَين، الأوّل، وهو الأساس، مخطوط إسطنبول (أميريّ 2-1189)، ويُرمز إليه بـ «ت»، والثّاني مخطوط باريس (المكتبة الوطنيّة 824 ARABE)، ويُرمَز إليه بـ «ب». في الحواشي تعريف بالأعلام مفيد، غير أنّه لا تخريج للأحاديث النّبويّة وغيرها من الأحاديث المذكورة في المتن. وقد ألحق الأرفه لي وعبده التّحقيقَ بفهرسة مفيدة.

أبو الحسن الزّندويستيّ، الحكمة الخليقة، تحقيق بلال الأرفه لي وخالد محمّد عبده (بيروت: دار المشرق، 2023)، 10

  [2] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 12.

  [3] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 28.

 [4] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 28.

[5] الزّندويستيّ، المصدر نفسه،  56.

 [6] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 18.

الأستاذ هاني رمضان : طالب دكتوراه في جامعة هارفرد.

[email protected]

ربّني وعلّمني

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

سيباستيان غُونتر

ربّني وعلّمني،
دراسات في الخطاب التّربويّ والأخلاقيّ في الإسلام

ط.1، 480 ص. بيروت – لبنان : دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-8181-8)

أن يتوغّل مستشرق، إذا صحّ التّعبير، في الإرث الحضاريّ في هذا الشّرق، وأن يضيء أبعاد القول «أدَّبني ربّي فأحسن تأديبي»، أو في مرامي الآية القرآنيّة : ﴿فَتَعَٰلَى ٱللّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل ربِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا﴾ (طه 114)، فهذا يؤكِّد غنى هذا الإرث الدّينيّ الحضاريّ الّذي يحمل الكثير من الحضور المتنوّع على المستويات المختلفة ومنها التّربية والأخلاق.

يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة «نصوص ودروس، أبحاث إسلاميّة»، عن دار المشرق، في طبعة أولى، 2023، وقد أشار كاتب التّمهيد عبد الرّحمن السّالمي، من الجامعة الألمانيّة للتّكنولوجيا، سلطنة عمان، إلى أنّ هذا الكتاب «يصدر عن موضوع التّعليم الكلاسيكيّ في الحضارة الإسلاميّة، وهو مجموعة مقالات لأبحاث علميّة نشرت في مجلّة التّسامح/التّفاهم في خلال العقدين الماضيين، وتمّت إعادة صياغتها وترتيبها من جديد (…) وهي نقلة علميّة في تجسير الثّقافة الإسلاميّة في الأكاديميّات الغربيّة والعربيّة على السّواء» (ص8).

هذا، ورأى ماهر جرّار، من الجامعة الأميركيّة في بيروت، أنّ المؤلّف اشتغل «بمقاربته لمفهوم العلم في الإسلام كظاهرة حيّة، لها أبعاد مُحايثة تنهض على التّفاعل البيئيّ بين الأفراد (بين الطّالب والأستاذ، وبين الطلبة أنفسهم)، بين الفرد والنّصوص، وقد استطاع أن يضع تلك الظّاهرة في سياقها التّاريخيّ والمعرفيّ، بخاصّة على مستوى الدّوائر الاجتماعيّة الواسعة (المسجد والمدرسة وحلقات المذاكرة وغير ذلك) وشبكات المذاهب الفقهيّة والمؤسّسات الّتي ارتبطت بالسّلطة وأجهزتها، ويتمثّل الجانب الأهمّ من دراسات المؤلّف في أنّه حاول أن يقارب أكثر من مستوى في إطار بحوثه، فأوّلها التّعمّق في البحث بلحاظ كلتا البِنيَتين: الصّغرى الّتي تقوم على العلاقات الفرديّة للسّماع وتحمّل العلم، والكبرى الّتي تشمل الفضاء الثّقافيّ – المجتمعيّ الأوسع» (ص. 13).

يشكّل التّمهيد والتّقديم وكلمة المؤلّف خارطة ثقافيّة واضحة لا بدّ من مراجعتها بدقّة، لفهم مضمون الكتاب، الّذي راجع نصوصه العربيّة خالد الدّسوقي (جامعة الأزهر الشّريف)، بعد أن نقلها من اللّغتين الألمانيّة والإنجليزيّة، محمّد الشّيخ (جامعة الحسن الثّاني، دار البيضاء)، وفؤاد بن أحمد (جامعة القرويّين، دار الحديث الحسنيّة – الرّباط)، ورضوان ضاوي (جامعة محمّد الخامس، الرّباط). (ص. 24).

ومن المفيد الانتباه إلى أنّ المؤلّف اعتمد «المصادر العربيّة أو تلك الّتي كان لها أثر واضح في التّراث التّربويّ المكتوب والمتناقل باللّغة العربيّة. لذا، ومع التّأكيد أنّ كثيرًا من الأفكار والرّؤى الّتي نشأت في الفضاء الفكريّ والثّقافيّ للإسلام قد يكون لها صدى (أو أصل) في نصوص إسلاميّة مكتوبة بلغات أخرى، ولا سيّما باللّغة الفارسيّة في الفترة الكلاسيكيّة، وبالتّركيّة أو بلغات أخرى في مراحل لاحقة – فإنّ تركيزنا يبقى منحصرًا في المصادر المرجعيّة في الفكر الإسلاميّ، وهذا في الأصل هو مجال اختصاصي الأكاديميّ» (ص. 20). من هنا، برّر المؤلّف موقفه أنّه «لم يأتِ على ذكر نظريّات ومؤسّسات تربويّة وتعليميّة نشأت في أحضان الجماعات الإسلاميّة المختلفة، وخصوصًا تلك الّتي لا تزال غائبة عن اهتمامات كثير من الباحثين – من قبيل تقاليد التّربية والتّعليم عند الزيديّة، الّذين أسّسوا «معتزلات للتّعبّد والعلم» (…)، وأيضًا كأنظمة التّربية والتّعليم عند الإباضيّة (…) حيث برزت مثلًا جهود من عُرفوا باسم «نَقَلَة العلم» أو «حملة العلم»» (ص. 19). كما يبرّر المؤلّف سبب دراساته بأنّ «العلماء المسلمين انتهجوا طرقًا إبداعيّة مبتكرة في تطوير أساليب التّعليم والتّلقين بما يجعل «النّموذج التّربويّ» في الإسلام جديرًا بالتّوقّف عنده» (ص. 15).

لذا، درس المؤلّف «مباني خطاب التّربية والتّعليم في الفترة الإسلاميّة الكلاسيكيّة (المعرفة والتّراث العلميّ في الإسلام، المناهج والمؤسّسات، تلقّي المعرفة اليونانيّة القديمة، تصنيف العلوم وفروعها، النّهضة)، المدرسة كمؤسّسة للتّعليم العالي (دوافعها، مناهجها، تنظيمها، آدابها، توسّعها الجغرافيّ)، طرق التّعليم ومناهجه عند العلماء المسلمين (ابن سحنون، الجاحظ، ابن سينا، الغزالي)، التّربية الرّوحيّة عند جعفر بن منصور اليمن، والأبعاد الأخلاقيّة للمعرفة والعمل، آداب الدّنيا والدّين عند ابن قتيبة والماوردي، نقد الخطاب الدّينيّ في القرن الرّابع الهجريّ عند أبي سليمان الخطابيّ، التّربية الأخلاقيّة عند ابن مسكويه، حدود التّعلّم وآفاقه عند الغزالي وابن رشد، التّعلّم الذّاتيّ والتّطوّر الإنسانيّ عند ابن طفيل، آفاق التّربية الإسلاميّة عند مقاتل بن سليمان، الثّعلبيّ، الكسائيّ، الرّازيّ، أبو عبداﷲ القرطبيّ، ابن كثير الدّمشقيّ، السّيوطيّ، ابن تيميّة، القلقشنديّ، الخطيب التّبريزيّ، ابن خلدون، فخر الدّين الطّريحي.

خلاصة، يؤكّد المؤلّف «أنّ علم التّربية في الإسلام يعتمد على ثلاثة مكوّنات، أوّلها القرآن والسّنّة (…) إذ نجد آيات وأحاديث كثيرة تفصّل الكثير من قضايا التّربية والتّعليم، وتدعو لطلب العلم (…) والمكوّن الثّاني لعلم التّربية في الإسلام هو التّراث اليونانّي، وهو ما تلقّاه العلماء المسلمون منه، ثمّ أعادوا صياغته ليكون متوافقًا مع أسس الدّين الإسلاميّ، ويمكن اعتبار المكوّن الثّالث هو ما أضافه هؤلاء العلماء المسلمون من نتاج أفكارهم» (ص. 313)، كما يشير إلى مواقف الغزاليّ في «فضل العلم والتّعليم والتّعلّم» و«آداب المعلّم والمتعلّم» في كتابه إحياء علوم الدّين، مشيرًا إلى «أنّ الدّراسات التّربويّة الغربيّة المعاصرة تميل إلى إغفال النّظريّات والفلسفات الّتي لم تنبثق من حضارة الغرب وثقافته، ولذلك فإنّها تركّز عادة على أسس التّاريخ التّربويّ اليونانيّة والرّومانيّة واليهوديّة والمسيحيّة، بينما لا تولي تراث الحضارات الأخرى التّربويّ اهتمامًا كافيًا».

لذلك، يدعو المؤلّف «الغرب إلى دراسة نقديّة منصفة ومنظّمة لقيم الإسلام ومفاهيمه، بخاصّة ما يتعلّق منها بالنّظريّات والفلسفات الّتي وضعها العلماء المسلمون القدماء» (ص. 365)، كابن سحنون في كتابه آداب المعلّمين، وكتاب المعلّم للجاحظ، والفارابي في كتابَيه إحصاء العلوم ورسالة البرهان، كذلك ما ذكره ابن سينا بشأن تربية الأطفال في كتابه القانون في الطبّ، والغزالي في إحياء علوم الدّين، وغيرهم ممّن اطّلع المؤلّف على آثارهم ليترك، للتّراث البشريّ، كما يقول: «كنز الأفكار والرّؤى عن التّربية والتّعليم والتعلّم، الّتي كتبها علماء الإسلام منذ صدر الإسلام وحتّى العصر الذّهبيّ للحضارة الإسلاميّة في الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة». (ص. 358).

الدّكتور جان عبد اﷲ توما : حائز دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدّيس يوسف، واللّبنانيّة، وسيّدة اللويزة، يشغل منصب رئيس قسم اللّغة العربيّة في جامعة الجنان. له أكثر من سبعة عشر إصدارًا يتراوح بين كتب أدبيّة، وشعريّة، ورواية، ودراسات تربويّة، وتحقيق مخطوطات.

[email protected]

i

مقالات هذا العدد

الخير العامّ في « الإرشاد الرّسوليّ: رجاءٌ جديد للبنان » – أسُسه وحدوده

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

انقضت خمسة وعشرون عامًا على إصدار الإرشاد الرّسوليّ «رجاء جديد للبنان»، وهو إرشاد يتناول موضوع الخير العامّ في لبنان، إضافة إلى مسائل كنسيّة ولاهوتيّة خاصّة بالكنيسة الكاثوليكيّة والمؤمنين الكاثوليك. لماذا لم يحظَ هذا التّعليم عن الخير العامّ بالاهتمام اللّازم بالرّغم من أنّه يكتسب أهمّيّة بالغة في بناء المجتمع والدّولة؟ بغية الإجابة عن هذا السّؤال، يتطرّق كاتب المقالة إلى مفهوم الخير العامّ في تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة الاجتماعيّ والسّياسيّ، ومن ثمّ يتوقّف على العناصر الّتي تؤلّف الخير العامّ، قبل أن يتوسّع في مضمون هذا الخير في وثيقة الإرشاد الرّسوليّ، مبيّنًا إشكاليّاته في الإطار اللّبنانيّ. ويخلص الكاتب إلى أنّ الطّريقة الّتي قُدِّم بها الخير العامّ في الإرشاد المذكور تبقى موازية للحالة الطّائفيّة الّتي تمثّل حاجزًا منيعًا في وجه تحقيق الخير العامّ والمبادئ الدّيموقراطيّة.

كلمات مفتاحيّة: الخير العامّ – الدّستور اللّبنانيّ – الطّائفيّة – العيش معًا – الكنيسة الكاثوليكيّة – لبنان – الميثاق الوطنيّ.

Le bien commun dans «l’Exhortation apostolique post-synodale: Une espérance nouvelle pour le Liban»: Ses fondements et ses limites

P. Salah Aboujaoudé, S.J.

Vingt-cinq ans se sont écoulés depuis la signature de l’Exhortation apostolique qui traitait de la question du bien commun au Liban, ainsi que des questions ecclésiastiques et théologiques. Pourquoi ce bien commun, qui revêt une importance inégalée dans la construction de la société et de l’Etat n’a-t-il pas été réalisé? L’auteur passe en revue la notion du bien commun dans l’enseignement social et politique de l’Eglise catholique, puis il aborde les éléments constitutifs de ce bien commun, avant d’examiner son continu dans l’Exhortation apostolique.

Au final, l’auteur conclut que la manière dont le bien commun a été présenté dans l’Exhortation apostolique ne perce pas le confessionnalisme qui demeure une barrière dure sur la voie de la réalisation de ce bien. L’Exhortation apostolique présent en fait le bien commun de façon parallèle au concept de la coexistence sur lequel le système libanais a été construit, et n’ouvre pas le passage à la réalisation des principes démocratiques.

Mots clés: Bien commun – Confessionnalisme – Constitution libanaise – Eglise catholique – Exhortation apostolique – Pacte national – Vivre en commun.

الأب صلاح أبوجوده اليسوعيّ  : نائب رئيس جامعة القدّيس يوسف، وعميد كلّيّة العلوم الدّينيّة، ومدير معهد الآداب الشّرقيّة في الجامعة نفسها. له عدد من المؤلّفات اللّاهوتيّة والسّياسيّة صادرة عن دار المشرق، منها «السّنون العجاف» 2018، و«مخاض الدّيمقراطيّة في لبنان والشّرق الأوسط» 2014، و«هويّة لبنان الوطنيّة، نشأتها وإشكاليّاتها الطّائفيّة» 2008.

أخلاقيّة المعلّم المهنيّة، المهارات والفعّاليّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

في ظل تغيّرات القرن الحادي والعشرين وتحدّياته، تُعتبر مهنيّة المعلّمين أولويّة في التّعليم. وللاستجابة للمعايير العالية الجودة وتحسين فعّاليّة التّعليم، يُعوّل كثيرًا على تطوير مهارات المعلّمين، ويهدف السّعي لتحقيق الأخلاقيّة إلى الحدّ من المشكلات المتعلّقة بالأعمال اليوميّة وحلّها. من هنا ضرورة الوصول إلى تحقيق أخلاقيّة المعلّمين المهنيّة بشكل واضح.

وفي إطار دراستنا، نقترح إصلاحًا دقيقًا لأخلاقيّة المعلّمين المهنيّة، بالاستناد إلى السّلوكيّات المرتبطة بالاحترام والاعتراف بالآخر والمسؤوليّة المهنيّة والمداولة الأخلاقيّة. ونشير أيضًا إلى معايير فعّاليّة التّعليم، كمناخ الصّفّ وتحفيز التّلاميذ وتعاون المعلّمين.

وبالاستناد إلى الدّراسة الميدانيّة، بحثنا في تأثير مهارات الأخلاقيّة المهنيّة للمعلّمين في فعّاليّة التّعليم، وأجرينا مقابلات مع مديري المؤسّسات التّعليميّة والمعلّمين والتّلاميذ في المدارس الرّسميّة في لبنان. وعقب دراستنا النوعيّة والكميّة، استخلصنا النّتائج الآتية: يؤدّي الاحترام إلى مناخ صالح للتّعلّم في الصّفّ، كما يُحسّن الاعترافُ بالآخر تحفيز التّلاميذ على التّعلّم، وتطوِّرُ المسؤوليّة المهنيّة العملَ التّعاونيّ بين المعلّمين وتعزّز المداولةُ الأخلاقيّة الاحتراف.

وأخيرًا، تدمج مهارةُ الأخلاقيّة المهنيّة المعلّمين في محور القرارات اليوم لبناء عالم الغد وتحسينه.

كلمات مفتاحيّة: الاحترام، المسؤوليّة، الاعتراف بالآخر، المداولة المهنيّة، فعّاليّة التّعليم.

L’éthique professionnelle de l’enseignant, compétences et efficacité

 Talar Oumoudian

Avec les changements et défis du 21ème siècle, la professionnalisation des enseignants est considérée une priorité en éducation. Pour répondre aux normes de haute qualité et améliorer l’efficacité de l’enseignement, le développement des compétences des enseignants s’avère primordial. De même, la quête d’éthique se fait afin de limiter et résoudre les problèmes liés à l’action quotidienne, d’où la nécessité de dégager explicitement l’éthique professionnelle des enseignants. V

Dans le cadre de notre étude, nous proposons une réforme précise des compétences de l’éthique professionnelle des enseignants. Elle est basée sur les comportements de respect, de reconnaissance d’autrui, de la responsabilité professionnelle et de la délibération éthique. Nous relevons, aussi, les critères de l’efficacité de l’enseignement tel que le climat de la classe, la motivation des élèves, la collaboration et la réflexivité des enseignants. V

Lors de l’étude sur le terrain, nous avons exploré l’impact des compétences éthiques professionnelles de l’enseignant sur l’efficacité de l’enseignement. Nous avons enquêté avec les chefs d’établissements scolaires, les enseignants et les élèves des lycées publics au Liban. Suite à notre étude qualitative et quantitative, nous avons dégagé les résultats suivants: Le respect entraine un climat favorable à l’apprentissage en classe, la reconnaissance d’autrui améliore la motivation de l’élève à apprendre, la responsabilité professionnelle développe le travail collaboratif entre enseignants et la délibération éthique développe le pofessionnalisme. V

Enfin, la préoccupation éthique place les enseignants au centre des décisions d’aujourd’hui pour construire et améliorer le monde de demain. V

Mots-clés: Le respect, la responsabilité, la reconnaissance d’autrui, la délibération éthique, l’efficacité de l’enseignement. V

تالار أموديان: طالبة دكتوراه في العلوم التّربويّة في جامعة القدّيس يوسف، حائزة دبلوم ماجستر في العلوم التّربويّة من الجامعة نفسها. مُدرِّسة مادة العلوم الطّبيعية في مدرسة جلّ الدّيب الرّسميّة. من أبحاثها المنشورة: «الأخلاقيّة المهنيّة للأساتذة»، و«إدماج التّكنولوجيا في تعليم العلوم الطّبيعيّة في الصّفوف الثّانويّة»، و«مرض السّكريّ عند الأطفال».

[email protected]

البطريرك المارونيّ جبرائيل من حَجولا: قراءة جديدة في المصادر

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

شهد لبنان إبّان حكم المماليك، تحديدًا مطلع القرن الرّابع عشر، أحداثًا مهمّة، ولكن أحيانًا لا تكون المعلومات في المصادر كافية لإعادة رسم اﻹطار الّذي حصلت ضمنه هذه الأحداث. تذكر المصادر المارونيّة أنّ البطريرك جبرائيل من حَجولا حرقه المماليك حيًّا في طرابلس في العام 1365 أو في العام 1367. ويعطي المؤرّخون تواريخَ وأسبابًا مختلفة لإقدام المماليك على تطبيق هذه العقوبة القاسية. ولكن من خلال قراءة نقديّة للنّصوص، والاعتماد على مصادر جديدة، عربيّة ولاتينيّة، يظهر أنّ التّاريخين 1365 و1367 لا يمكن الأخذ بهما، وأنّ حادثة إعدام البطريرك وقعت في العام 1299-1300

كلمات مفتاحيّة: البطريرك جبرائيل من حَجولا، موارنة، مماليك، قبارصة، فرنج، مغول، طرابلس، جبل لبنان، اضطهاد، المطران جبرائيل ابن القلاعي، البطريرك إسطفان الدّويهي.

Le patriarche maronite Gabriel de Hajoula: lecture nouvelle des sources

Dr. Pierre Moukarzel

Le Liban connut des événements importants au début du XIVe siècle durant le règne des Mamelouks. Mais parfois les informations fournies par les sources ne suffisent pas à retracer le cadre dans lequel les événements se sont déroulés. Les sources maronites mentionnent que le patriarche Gabriel de Hajoula fut brûlé vif par les Mamelouks à Tripoli en 1365 ou 1367. Les historiens ont donné des raisons différentes pour l’application de ce châtiment sévère. Cependant, à travers une lecture critique des textes, et s’appuyant sur de nouvelles sources arabes et latines, il apparaît que les dates 1365 et 1367 ne peuvent être prises en compte et nécessitent une remise en question, et que l’exécution du patriarche eut lieu en 1299-1300. V

Mots clés: le patriarche Gabriel de Hajoula, Maronites, Mamelouks, Chypriotes, Francs, Mongols, Tripoli, Mont Liban, persécution, l’évêque Ibn al-Qilâ’i, le patriarche Istifan al-Duwayhi. V

الدّكتور بيار مكرزل: حائز شهادة الدّكتوراه في التّاريخ الوسيط من جامعة بواتييه (فرنسا)، معهد الدّراسات العليا لحضارة القرون الوسطى، ومتخصّص بتاريخ المماليك (1250-1517) والعلاقات بين أوروبّا والشّرق في القرون الوسطى. أستاذ مادّة التّاريخ الوسيط في كلّيّة الآداب والعلوم اﻹنسانيّة (الفرع الثّاني) في الجامعة اللّبنانيّة. ومحاضر في جامعات لبنانيّة وأوروبيّة.

[email protected]

صور من أيّام المأمون والمعتصم مقارنة بين «رحلات» التّلمحريّ و«تاريخ» الطّبريّ

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تُعنى هذه الدّراسة النّقديّة بما ورد في رحلات البطريرك ديونيسيوس التّلمحريّ، من أحداث أيّام الخليفة المأمون وأخيه المعتصم، مقارنةً بما رواه الطّبريّ في تاريخ الأمم والملوك عن هذه الحقبة من تاريخ الخلافة العبّاسيّة.

ولد التّلمحريّ في الرّبع الأخير من القرن الثّاني الهجريّ/الثّامن الميلاديّ. وضع تاريخًا عامًّا بالسّريانيّة، للأسف لم يبقَ إلّا جزء منه، يتضمّن أخبار رحلاته إلى بغداد ومصر.

شكّلت رحلاته وجهة نظر مختلفة للكثير من الأحداث. وقد سلّط الضّوء على المأساة الإنسانيّة الّتي حلّت بعموريّة إبّان فتح المعتصم لها، في حين مجّده العرب واعتبروه إنجازًا تاريخيًّا.

والطّبريّ من مؤرّخي القرن الثّالث الهجريّ. دوّن كلّ ما جرى من أحداثٍ مهمّة، وبدا جليًّا حرصه على عدم البوح بكلّ ما يُسيء إلى المسلمين، فعمد إلى الصّمت أو عدم الكشف عن بعض الأخبار. واللّافت تأريخه كلّ الأحداث المهمّة الّتي تناولها البطريرك التّلمحريّ، ولكنّه لم يُعنَ بتدوين أخبار الأقلّيّات كالمسيحيّين الّذين كانوا تابعين لسلطة الخلافة العبّاسيّة.

ما يسترعي الانتباه في الصّورة التّاريخيّة الّتي قدّمها كلّ من التّلمحريّ  والطّبريّ التّوافق بينهما في مواضيع قليلة، ولكن كانت الاختلافات جليّةً بين المؤرّخَيْن، واتّضح تعاطف المؤرّخ  وانحيازه إلى بني جلدته مهما كان موضوعيًّا.

كلمات مفتاحيّة: التّاريخ السّريانيّ، رحلات التّلمحريّ، الخارجون على السّلطة العبّاسيّة، المأمون، المعتصم، الكتابة التّاريخيّة، عموريّة.

Vues d’ensemble de l’époque d’al-Ma’mun et d’al-Muՙtasim – Une comparaison entre les «Voyages» de Dionysius Al-Telmahri et «l’Histoire» d’Al-Tabari

Hala Nawwaf Hani

Cette étude critique braque la lumière sur les événements, mentionnés dans les «Voyages» du patriarche Dionysius Al-Telmahri, au temps du calife Al-Ma’mun et son frère Al-Mu‛tasim, par rapport à ce que l’historien Al-Tabari relate dans son ouvrage «Histoire des prophètes et des rois» concernant cette époque de l’histoire du califat abbasside. V

Al-Telmahri est né dans le dernier quart du deuxième siècle AH/ huitième siècle après JC. Il a écrit une histoire générale en syriaque, mais, hélas, il n’en reste qu’une partie. Elle comprend les récits de ses voyages à Bagdad et en Egypte. V

Ses voyages représentent un point de vue différent de nombreux événements. Et il met en lumière le désastre dont a été victime Ammouriyah lors de leur conquête par al-Mu‛tasim, alors que les Arabes le glorifiaient et le considéraient comme un acte d’héroïsme historique. V

Al-Tabari est l’un des historiens du troisième siècle de l’hégire. Il rapporte tous les grands faits ; il était clair qu’il tenait à ne pas révéler tout ce qui offense les musulmans, alors il a décidé de garder le silence ou de ne pas révéler certains récits. Il est à noter qu’il date tous les événements importants dont s’occupait le patriarche Al-Telmhari, mais il ne s’occupe pas d’écrire les nouvelles des minorités telles que les chrétiens qui étaient subordonnées à l’autorité du califat abbasside. V

Ce qui attire l’attention dans l’image historique présentée à la fois par Al-Telmahri et Al-Tabari est la compatibilité sur quelques sujets, mais les différences étaient claires entre les deux historiens; La sympathie et le parti pris de l’historien envers son peuple sont clairs, aussi objectif soit-il. V

Mots clés: Histoire syriaque, Voyages d’Al-Telmahri, Hors-la-loi du pouvoir abbasside, Al-Ma’mun, Al-Mu‛tasim, Écriture historique, Ammouriyah. V

هلا نوّاف هاني: طالبة دكتوراه في تاريخ العصور الوسطى – الجامعة اللّبنانيّة – المعهد العالي للدّكتوراه. عنوان الأطروحة «صورة الآخر في المصادر العربيّة إبّان حروب الفرنج في الشّرق  (٤٩٢-٦٩٠هـ/١٠٩٨-١٢٩١م)». أستاذة للّغة العربيّة في مدرسة الشّويفات الدّوليّة Sabis 

[email protected]

دراسة المستوى النّحويّ في مجموعة «لن» لأنسي الحاج

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

نتناول في هذا البحث دراسة الشّاعر أنسي الحاج[1]، الّذي يُعتبر وجهًا بارزًا أسهم في التّنظير للشّعر العربيّ المعاصر، من خلال مواقفه النّقديّة وآرائه التّجديديّة الّتي أسّس بها لماهيّة الشّعر. ونلمس ذلك في مجموعته الشّعريّة الأولى «لن» الّتي صدرت بطبعتها الأولى عن دار مجلّة شعر في العام 1960، وأثارت جدلًا واسعًا في العالم العربيّ، وشكّلت فاصلًا في تاريخ الشّعر الحرّ. فأُنسي الحاج، ومن خلال مقدّمة هذه المجموعة، ينظّر لقصيدة النّثر ويطرح تصوّراته الشّعريّة المغايرة لما هو سائد، حيث جاءت أفكاره تحمل الكثير من قيم الثّورة والتّمرّد على كلّ الثّوابت. من هنا يؤكّد ضرورة إيجاد لغة جديدة مناسبة تكون في مستوى طموحات عصره الّذي يعيش فيه.

ولمّا كانت دراسة المستويات اللّغويّة ودلالة المفردات ضمن حقول دراسة اللّغة، خصوصًا في الشّعر، إذ أصبح مجالًا مهمًّا في الدّراسات اللّغويّة الّتي تكشف عن جماليّات النّصّ الشّعريّ بتحليله وفكّ رموزه، فإنّ عمليّة تحليل هذه المستويات والبحث عن دلالات القصيدة تمثّل خير وسيلة للنّقّاد تعينهم على إيضاح قيمة النّصّ الشّعريّ.

كلمات مفتاحيّة: الجملة الاسميّة، الجملة الفعليّة، الحذف، قصيدة النّثر، اللّغة، النّحو.

“Lan” de Ounsi EL HAJJ: Étude grammaticale

Dr. Dorine Nasr

Nous traitons dans cette recherche le sujet du poète Ounsi El HAJJ, l’homme connu dans le domaine des recherches poétiques arabes modernes, à travers ses situations critiques et ses avis innovateurs qui ont établi la quiddité du poème. Nous constatons cela dans son premier recueil «Lan», publié pour la première fois en 1960, qui a évoqué un grand débat dans le monde arabe, et fut considéré comme ligne de démarcation dans l’histoire du poème arabe moderne. Dans la préface de ce recueil, Ounsi El HAJJ parle du poème en prose et pose ses conceptions poétiques différentes de ce qui est connu, contenant les valeurs de la révolte et de l’insoumission à toutes les idées fixes. Il affirme qu’il est nécessaire de trouver une nouvelle langue convenable, à la hauteur des ambitions de son siècle. v

Et comme l’étude des niveaux linguistiques et la signification du vocabulaire, surtout dans le poème qui est devenu un domaine très important dans les études linguistiques, révélant l’esthétique du texte poétique en l’étudiant et le déchiffrant, le fait d’analyser ces niveaux et la recherche des significations du poème forment un moyen efficace aux critiques littéraires afin de mettre au point la valeur du texte poétique. v

Mots clés: Phrase nominale, phrase verbale, l’élimination, le poème en prose, la langue, la grammaire. v

الدّكتورة دورين نصر : حائزة شهادة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من معهد الآداب الشّرقيّة-جامعة القدّيس يوسف، بعنوان: «الوطن في تحوّلاته عبر القصيدة مضمونًا وبناء عند الشّعراء الثّلاثة: الشّاعر القرويّ وخليل حاوي ومحمّد الماغوط». تدرّس في الجامعة اليسوعيّة مادّة تحليل النّصوص. وهي عضو في تحرير المعجم التّاريخيّ للّغة العربيّة في الشّارقة. لها العديد من الأبحاث المنشورة، ومنها: شربل داغر: قصيدتي، معهم، وبلساني (2020)، وإصدارات شعريّة، وقراءات نقديّة عدّة.

[email protected]

التّنمية السّياحيّة المستدامة في قرى حمّانا، فالوغا والشّبانيّة (قضاء بعبدا – محافظة جبل لبنان)

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يعتبر القطاع السّياحيّ أحد الرّكائز الأساسيّة للاقتصاد الرّيفيّ في ظلّ تراجع القطاعين الزّراعيّ والحيوانيّ اللّذين كانا يؤمّنان دخلًا لبعض الأسر الرّيفيّة. ولم يعد القطاع السّياحيّ يقتصر على زيارة الأماكن الأثريّة والمطاعم والمنتزهات فحسب بل برز نوع آخر من السّياحة في الآونة الأخيرة ألا وهو الدّعوة إلى خلق سياحة مستدامة، تستفيد منها الأجيال الحاليّة والمستقبليّة.

إنّ هذا البحث يهدف إلى دراسة واقع السّياحة في قرى (حمّانا، فالوغا والشّبانيّة)، وإبراز ما فيها من نقاط قوّة تكفي لتطوير السّياحة، بشرط العمل على تحديد نقاط الضّعف وتقليصها والتّغلّب عليها، ورسم خطّة يمكن العمل عليها مع السّلطات المحليّة والجهات المانحة، وهو ما سيشجّع الاستثمار في هذا المجال كخطوة على طريق التّنمية السّياحيّة المستدامة.

كلمات مفتاحيّة: التّنمية المستدامة، السّياحة المستدامة، سلطات محليّة، الأجيال الصّاعدة، البطالة.

Le développement touristique durable dans les villages Hammana, Falougha, Chbanieh
(Caza baabda, Mouhafazat Mont Liban)

Dr. Elie Chedid

Le secteur touristique est considéré comme l’un des piliers de l’économie rurale au cours du déclin du secteur de l’agriculture et de l’élevage qui procurait des revenus à certaines familles rurales. Le secteur du tourisme ne se limite plus à la visite de sites archéologiques, de restaurants et de parcs, mais d’autres types de tourisme ont émergé, notamment le tourisme durable pour que les nouvelles générations en profitent. v

Cette recherche vise à étudier la réalité du tourisme dans les villages de (Hammana, Falougha et Chebanieh), et à mettre en évidence leurs points forts qui suffisent pour le développement du tourisme à condition d’identifier, de réduire et de surmonter les points faibles, de même élaborer un plan et le mettre en œuvre en collaboration avec les autorités locales et les bailleurs de fonds. Cela encouragera l’investissement dans ce domaine comme étant une étape vers le développement du tourisme durable. v

Mots clés: développement durable, tourisme durable, autorités locales, nouvelle génération, chômage. v

الدّكتور إيلي شديد: حائز شهادة الدّكتوراه في الجغرافيا من الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ مادّة الجغرافيا في الجامعة اللُّبنانيّة -كلِّيَّة التَّربية – الفرع الثّاني. له مقالات علميَّة محكّمة : «السّياحة الدّوليّة بين الكورونا والعولمة»، و«دور الصّناعات الصّغيرة في الحدّ من نسبة البطالة في قرى المتن الأعلى»، و«التّنمية المستدامة في اتّحاد بلديّات عاليه».

 [email protected]

مَيمَرٌ يُحقِّقُ أنَّ للّهِ ٱبنًا هو عِدْلُه في الجَوهَر لم يَزَلْ لثاوذورُس أبي قُرَّة († نحو 830م)

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

هذا الميمر هو الجزء الثّالث من ثلاثيّة ميامر دِفاعيّة مُترابطة لأبي قرّة أسقف حَرّان، سبق لنا نشر الجزء الثّاني منها مُحَقَّقًا على صفحات مجلّة المشرق. وذلك بالاعتماد على المخطوط السّينائيّ العربيّ 581 (ق.م.)، ومخطوط دير المخلِّص 392 (1735م.)، الّذي  كان وحده أساس طبعة الأب قسطنطين الباشا المعروفة. وقد اعتمدنا على هذه المستندات ذاتها لإنجاز طبعة محَقَّقة لهذا النّصّ أيضًا، وهو الميمر السّابع في طبعة الباشا. تتميَّز طبعتُنا الجديدة عمّا سبقها بعدد كبير من التّصويبات والتّحسينات والإضافات والقراءات المختلفة. وقد أضفنا كعادتنا كلَّ العناصر الضّروريّة لتسهيل قراءة النّصّ من علامات تشكيل ووقف، وأبرزنا بنية النّصّ المَنطِقيّة والبَلاغيّة وتسلسُل أفكاره، بتقسيمه إلى أجزاء ومَقاطع لها عناوين أساسيّة وفرعيّة، وفقرات مرقّمة تَسهُل الإحالة إليها.

موضوع هذا الميمر هو تحقيق بنوَّة المسيح الأزليّة ﷲ. ويلجأ أبو قرَّة في معالجته إلى المُستَندَين التّقليديَّين عند علماء الكلام في الكتابات الدّفاعيَّة، وهما العقل والنّقل. فيقدِّم في القسم الأوَّل (العقليّ) بُرهانين: يعتمد الأوَّل على مفهوم «الرّئاسة» في اﷲ (المستوحى من سياسة أرسطو)، والثّاني على مفهوم «الولادة» في اﷲ، فيدافع عن تشابه هذه الصّفة المرفوضة مع سائر الصّفات الإلهيّة، الّتي تُنسب مكارمُها إلى اﷲ وتُنفى عنه مناقِصُها. أمّا في القسم الثّاني (النّقليّ) فيورد عددًا مُعتَبَرًا من الشّهادات الكتابيّة المُستمدّة من أنبياء العهد القديم، ويُفسِّرها على أنَّها إعلان مُسبَق للبنوّة الأزليّة. ويُلحقها بآيات التّوراة الّتي تتضمَّن كلام اﷲ بصيغة الجمْع، ويشرحها بحسب التّقليد المسيحيّ بمعنى ثالوثيّ.

كلمات مفتاحيّة: ثاوذورُس أبو قرّة، لاهوت عربيّ قديم، بُنوّة المسيح الأزَليّة، رئاسة اﷲ، الولادة والصّفات الإلهيّة، مكارم الصّفات ومناقصها، نبوّات الأنبياء، الجمع في التّوراة.

 

Théodore Abū Qurrah ( vers 830) Traité pour démontrer que Dieu a un Fils
consubstantiel et coéternel

Édition critique et introduction, par P. Pierre Masri

Ce traité d’Abū Qurrah (v. 755- v. 830) dont nous présentons l’édition critique, avait été publié pour la première fois en 1904 par P. C. Bacha, à la base d’un seul manuscrit relativement récent : le Saint-Sauveur 392 (1735). Aujourd’hui, un autre manuscrit beaucoup plus ancien: le Sinaï arabe 581 (12e s.) est devenu heureusement accessible. Ainsi notre présente édition est basée plutôt sur ce codex sinaïtique, tout en collationnant soit l’autre manuscrit susmentionné, retrouvé récemment, soit l’édition princeps de Bacha. v

Ce traité représente la troisième partie d’une trilogie apologétique concernant respectivement les trois grands mystères de la foi chrétienne : Rédemption, Incarnation et Trinité. Abū Qurrah cherche en premier lieu à démontrer, par des arguments rationnels et bibliques, que Dieu a un Fils éternel et consubstantiel à Lui. Son argumentation logique est centrée sur la notion aristotélicienne de «présidence» (riʼāsah, arkhè), qui ne serait possible en Dieu sans l’existence du Fils égal à Lui. Un deuxième argument exploite la notion commune des Attributs de Dieu, et la méthode analogique nécessaire pour les appliquer adéquatement à Dieu, afin d’insérer la filiation divine parmi ces attributs. La seconde partie de ce traité est constituée d’une série de «témoignages» bibliques, surtout de l’Ancient Testament, interprétés dans le sens de la théologie trinitaire traditionnelle. v

Mots clés: Théodore Abū Qurrah, apologétique arabe chrétienne, kalām, théologie trinitaire, Fils éternel, attributs de Dieu. v

الأب پيير مصري: خوري كنيسة الملاك ميخائيل للرّوم الكاثوليك بحلب، ومدير المكتبة الرّوحيّة فيها، أستاذ اللّاهوت المسيحيّ العربيّ في المعهد الباباويّ للدّراسات العربيّة والإسلاميّة (Pisai) بروما، ومحاضر (سابق) في قسم الفلسفة من كليّة الآداب بجامعة حلب.

[email protected]

العلم الرّوحيّ عند أنسلم غرون

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تتناول هذه المقالة العلم الرّوحيّ عند أنسلم غرون، والعلاقة بين الرّوحانيّة المسيحيّة وعلم النّفس. تُبرز المادّة الّتي يقدّمها غرين روحانيّة مسيحيّة جديدة متأصّلة بروحانيّة آباء الصّحراء والآباء الشّرقيّين وآباء القرون الوسطى الغربيّين. ويتمّ عرضها بطريقة فريدة تجمع بين الأدب المسيحيّ والعلوم الإنسانيّة المعاصرة واللّغويّة. وتناقش أيضًا موضوع إناطة دور المرشد الرّوحيّ بدور العالِم النّفسيّ. أمّا في المنهج، فتقوم المقالة بقراءةٍ أركيولوجيّة وبرسم صورة عميقة لأركان الفكر الغرونيّ الّذي يشكّل هيكليّة فكره المنسوج خطابًا جديدًا، مستساغًا للأذن المعاصرة في السّياقات الفكريّة الكاثوليكيّة الغربيّة، وارتباطه بالتّراث المسيحيّ.

كلمات مفتاحيّة: أنسلم غرون، الكنيسة الكاثوليكيّة، علم النّفس، الرّوحانيّة الكاثوليكيّة، الألسنيّة، شفاء النّفس، المرشد الرّوحيّ، عالِم النّفس، آباء الصّحراء، روحانيّة القرون الوسطى، ألمانيا، اللّاهوت الغربيّ.

La Spiritualité chez Anselm Grün

P. Samih Raad

Cet article traite de la spiritualité chez Anselm Grün et de la relation entre la spiritualité chrétienne et la psychologie. Le contenu présenté met en relief une nouvelle forme de spiritualité chrétienne enracinée dans celle des Pères du désert, des Pères orientaux et occidentaux, surtout médiévaux. Cette spiritualité est exposée de manière pertinente en cherchant à concilier la littérature chrétienne, les sciences humaines modernes et linguistiques. Cet article aborde également le rôle de l’accompagnateur spirituel ainsi que du psychologue. La méthodologie suivie est une sorte de lecture archéologique qui vise à dépeindre les éléments de la pensée de Grün dans leur structure interne et leur discours. Tout cela ayant pour but final de montrer comment Anselm Grün a réussi à parler à nos contemporains en jetant un pont fiable entre la modernité et la tradition chrétienne. v

Mots clés: Anselm Grün, Eglise Catholique, psychologie, spiritualité, spiritualité catholique, linguistique, guérison spirituelle, guérison de l’âme, accompagnateur spirituel, psychologue, psychothérapeute, neuropsychologie, Pères du désert, spiritualité du Moyen-âge, Allemagne, théologie catholique. v

الأب سميح رعد: حائز شهادة دكتوراه في الفلسفة من الجامعة اللّبنانيّة، وإجازة تعليميّة في العلوم العربيّة والإسلاميّة من المعهد البابويّ للدّراسات العربيّة والإسلاميّة في روما، وإجازة تعليميّة في اللّاهوت من معهد القدّيس بولس للفلسفة واللّاهوت. أستاذ الفلسفة والإسلاميّات في معهد القدّيس بولس حريصا في لبنان، وأستاذ الفلسفة والإسلاميّات والعقيدة المسيحيّة في معهد القدّيس نيقولاوس الكاثوليكيّ في مس (Metz) - فرنسا. له مجموعة من الكتب والأبحاث والتّرجمات صادرة عن دار المشرق، ومقالات محكّمة منشورة في مجلّات ومواقع مختلفة

[email protected]

السّيّدة مريم بين الكمال الإنسانيّ والاصطفاء الرّبّانيّ: أضرب التّأويل والتّجديد

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

المُتأمّل في كتاب الدّكتورة حُسن عبّود، السّيّدة مريم في القرآن الكريم من النّصّ إلى الخطاب يدخل في حيِّز الاستبصار الّذي لم يُغفِل القلوب النّابضة بالحِسّ الإنسانيّ والوعي الحياتيّ، بأسلوبٍ معرفيّ جديد في عمليّة القراءة فالفهم ثمّ التّأويل في الدّرس القرآنيّ؛ فحْواه دراسة بُنية السّورة ووحداتها ومآلات خطاباتها الشّعائريّة والسّرديّة والحِجَاجِيّة، بين سورتَي مريم وآل عمران.

إلّا أنّ إنعام النّظر في مرحلة السّرد الشّعائريّ ودلالة الخطاب الحِجاجيّ، يجعلنا نتبيّن جديد الأسلوب البيانيّ في التَّعرُّف على معانٍ مُتجدِّدةٍ لروح الكلمة، واصطفاء النَّفسِ بين طُهرِ الأنبياء في مقام الأمّ الرّمز لكلّ معاني الجمال الحضاريّ والإنسانيّ في عِمران الفضائل. وذلك، وفق بُنية النّصّ أدبيًّا، ومعناه لغويًّا وأسلوبيًّا، وسردِيَّتِه الملامح الدّينيّة والاجتماعيّة، وتنَاصّه في التّوافق والتّغاير بين النّصوص وجماليّات تلقِّيه تفسيرًا وتأويلًا.

كلّ هذا يقُودنا وفق الوحدات الأدبيّة المتجدِّدة بمنهجيّة الباحثة التّأويليّة، للتّمييز بين صاحب الخطاب الأصل وصاحبة الحكاية؛ فنفهم النّصّ بشعائريّته وسرديّته وصولًا إلى مقاصديّته. ولذا ولَّد لديّ مفهوم: «الكمال الإنسانيّ والاصطفاء الرّبّانيّ للسّيّدة مريم»، وفق تسعة مفاهيم سامية على مستوى الذّات الإسلاميّة، وغير الإسلاميّة، ثمّ الإنسانيّة بأبعادِها الحضاريّة، بناءً على الجمال المعرفيّ للنّصّ والخطاب الموجّه إلى العالمين.

كلمات مفتاحيّة: السّيّدة مريم، سورَتا مريم وآل عمران بين النّصّ والخطاب، الأنبياء، الاصطفاء، رمزيّة الأمّ، البِرّ، المساواة، الحبّ.

La Vierge Marie entre la perfection humaine et le choix divin: v
divers modes d’interprétation et de renouvellement

Dr. Mohammad Kheir Ali Faraj

Qui s’approfondit dans la lecture du livre de dr. Husn Abboud: al-sayyida Maryam fi-l-qur’an al-karim min al-nass ‘ila al-khitab, plonge dans le bain de l’observation qui ne négligea guère les coeurs battants de conscience humaine, avec un nouveau style de lecture puis de compréhension, et enfin d’interprétation coranique; on y trouve une étude structurale de la sourate dans ses différents aspects et les objectifs de ses discours cultuels, narratifs et argumentatifs, entre la sourate de Maryam et celle d’Al-Umran. v

Néanmoins, en considérant attentivement l’étape de la narration cultuelle et le sens du discours argumentatif, l’on découvre des significations nouvelles de la parole grâce au style interprétatif, et l’on comprend la raison du choix de la Vierge Marie, parmi les plus purs prophètes, devenue Mère symbole de tous les sens de la beauté culturelle et humaine et des vertus; l’on comprend tout ceci à travers la structure littéraire du texte, sa signification linguistique et stylistique, et sa narration des aspects religieux et sociaux, et l’intertextualité: correspondance et hétérogénéité entre les textes, et la capacité du texte à recevoir des interprétations. v

L’on distingue alors entre le maître principal du discours et celle qui raconte l’histoire, et l’on comprend le texte et ce qu’il présente comme cultes et narration pour arriver à ses fins. C’est ainsi que naquit en moi le principe de: la perfection humaine et le choix divin de la Vierge Marie, selon neuf principes suprêmes au niveau de l’esprit islamique, et non islamique, puis humain avec ses dimensions culturelles, selon la beauté cognitive du texte et le discours porté au monde. v

Mots clés: la Vierge Marie, sourate de Maryam et d’Al-Umran entre le texte et le discours, les prophètes, le choix, le symbole de la mère, la justice, l’égalité, l’amour. v

أصل هذا المقال مداخلة في ندوة الحركة الثّقافيّة أنطلياس (27 أكتوبر، 2022) عن كتاب الدّكتورة حُسن عبّود، السّيّدة مريم في القرآن الكريم: من النّصّ إلى الخطاب، ط2. (بيروت: دار السّاقي، 2022).

الدّكتور محمّد خير علي فرج : حائز دكتوراه في الدّراسات الإسلاميّة. وهو مدرّس في عدد من الجامعات من بينها جامعة القدّيس يوسف والجامعة اللّبنانيّة وجامعة بيروت الإسلاميّة. من مؤلّفاته: الخطاب الدّينيّ بين الموضوعيّة العلميّة والانحياز السّياسيّ، وتاريخ مصطلح السّنّة ودلالاته، وغيرها، بالإضافة إلى العديد من الدّراسات المحكّمة المنشورة.

[email protected]

الدَّولةُ الضَّائِعَة شروطُ التّحوُّل الدّيموقراطيّ في لبنان والعالم العربيّ

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب صلاح أبو جوده اليسوعيّ

الدَّولةُ الضَّائِعَة شروطُ التّحوُّل الدّيموقراطيّ في لبنان والعالم العربيّ

ط.1، 268ص. بيروت: دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-7116-1)

يذكّرنا كتاب الأب صلاح أبو جوده اليسوعيّ بالمسح الاجتماعيّ والاقتصاديّ الشّامل الّذي قام به الأب لويس – جوزيف لوبريه (Louis-Joseph Lebret) في ستّينيّات القرن الماضي، بتكليف من الرّئيس الرّاحل فؤاد شهاب، وقد كان أساسًا لسياسات التّنمية في ستّينيّات القرن الماضي. فكتاب الأب أبو جوده الّذي يحمل عنوان الدّولة الضّائعة: شروط التّحول الدّيموقراطيّ في لبنان والعالم العربيّ يتناول مفاهيم التّنمية الاقتصاديّة، وبناء الدّولة الحديثة، وإرساء حكم العدالة والقانون وحقوق الإنسان.

يتناول الأب أبو جوده في مقالاته المتنوّعة والغنيّة بالأفكار والطّروحات خبايا الواقع اللّبنانيّ السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدّستوريّة، مستعرضًا الأسباب التي دمّرت الكيان اللّبنانيّ، وجعلت لبنان دولة ضعيفة شبه فاشلة[1].

توقّف الكاتب مطوّلًا عند مشكلة الطّائفيّة في لبنان، والتي تسبّبت، برأيه، بضعف الدّولة اللّبنانيّة وضياعها بين مختلف الطّوائف والجماعات والمذاهب والملل والإيديولوجيات المتصارعة والصّراعات الدّوليّة والإقليميّة وحروب الآخرين على أرض لبنان.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ إرساء قواعد دولة العدالة والقانون يحتاج إلى عقد اجتماعيّ صلب (contrat social) بين الشّعب والسّلطة تُحدّد فيها واجبات كلّ طرف وحقوقه.

ويمكن القول إنّ العقد الاجتماعيّ والسّياسيّ في لبنان قائم على الميثاق الوطنيّ اللّبنانيّ الّذي حاول إرساء الشّراكة السّياسيّة بنِسب متفاوتة بين مختلف الأطراف اللّبنانيّة تحت راية اللّيبراليّة الاقتصاديّة الّتي نادى بها ميشال شيحا. ويقول أبو جوده في معرض حديثه عن شيحا : «لم تكن خطوته البراغماتيّة نهائيّة، بل مرحليّة، فهو رأى في التّرتيب الطّائفيّ، انطلاقًا من الثّنائيّ المارونيّ - السّنيّ، ثنائيّة لا بدّ منها، إذ اعتبر أنّه من الأفضل أن يعيش لبنان أعوج من ألّا يسير البتّة […] ولكنّه لم يقطع الأمل في أن ينصهر اللّبنانيّون مع الوقت بهويّتهم الوطنيّة الواحدة.[2]

هذا الكلام في دلالته الواضحة لا يمكن البناء عليه لقيامة الأوطان. صحيح أنّ الدّعوة للاستقلال أمرٌ لا مفرّ منه ولكنّ مشروع بناء الدّولة بعد انتزاعه غير مضمون، وقد أدّى الأمر غالبًا إلى الفشل الذّريع ليس في العالم العربيّ فحسب، ولكن في معظم بلدان العالم الثّالث والّتي حصلت على استقلالها في الفترة اللّاحقة على تأسيس منظّمة الأمم المتّحدة وفي مرحلة ستّينيّات القرن الماضي.

شهدت هذه الدّولة الحديثة العهد انهيارًا اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا شاملًا تجلّى في قوارب الموت الّتي يحاول راكبوها الوصول إلى شواطئ الدّول المتقدّمة في أوروبّا وأميركا.

وقد تحوّلت هذه الدّولة بسرعة البرق بعد نيلها استقلالها إلى نظام ديكتاتوريّ فاسد، يحكمه قتلة ومجرمون استفادوا من صراع القطبين: الاتّحاد السّوفياتيّ والولايات المتّحدة الأميركيّة للاستمرار في السّلطة.

يدلّ هذا الواقع على فشل الدّولة القوميّة (Nation state) الّتي نشأت في الغرب والّتي أرست قواعد الدّولة الحديثة.

لم تستطع دول العالم الثّالث بناء هويّة وطنيّة جامعة، بل على العكس شجّعت العصبيّات والقبليّة، وارتكبت غالبًا المجازر والتّصفيات ضدّ فئات واسعة من مواطنيها، فاعتبرها قسم كبير من هؤلاء عدوّة لهم، ودعوا إلى قتالها ومعارضتها بكلّ الوسائل المشروعة وغير المشروعة للدّفاع عن هويّتهم ووجودهم.

ينطبق هذا التّوصيف بدقّة على الواقع اللّبنانيّ الفئويّ الّذي يُضعف، برأي الكاتب، الشّعور بالانتماء الوطنيّ، وهنا أصل كلّ العلل، ويضيف الكاتب أنّ إحدى الدّلالات على ذلك الفساد المستشري في الدّولة.

وفي الحقيقة، تعاني الإدارات العامّة من فشل بنيويّ مرتبط بمفهوم الدّولة القوميّة، فالإدارة العامّة المعاصرة قامت على أسس البيروقراطيّة الّتي وضعها المفكّر الألمانيّ ماكس فيبر (Max Weber) وهي تنصّ على مبادئ التّسلسل الإداريّ الصّارم من الأعلى إلى الأسفل، والتّوصيف الوظيفيّ، وبخاصّة الحياد الوظيفيّ. وعلى عكس ذلك سادت المحسوبيّات، وانعدمت المساءلة والمحاسبة. فالإدارات العامّة أدّت دورًا تقسيميًّا وليس جامعًا من خلال حجبها خدماتها عن مجموعة كبيرة من المواطنين. ويتابع الكاتب تحليله، من هذا المنطق، بالقول إنّ الطّائفيّة تُضعف الشّعور بالانتماء الوطنيّ الجامع، كما يفضي استمرار الإقطاعيّة السّياسيّة «الّتي تنطبع بالنّزعة الفطريّة الشّائعة في المجتمعات التّقليديّة إلى إلغاء الآخر.»[3]

وبالمقابل، وإنْ سلّمنا جدلًا بأنّ الطّائفيّة هي أساس كلّ العلل، فهل الحلّ يكون بالعلمانيّة، وأيّة علمانيّة؟ الفرنسيّة أم الأميركيّة؟ فإذا اتّخذنا العلمانيّة الأوروبيّة أساسًا للحلّ، فقد أظهرت قصورها  عندما فشلت في استيعاب ملايين المهاجرين الجدد ذوي الأصول غير المسيحيّة. وقد وصل الأمر بالدّولة الفرنسيّة إلى إعلان تمسّكها بالجمهوريّة الفرنسيّة ورفضها كلّ طرح يعيد تكوين السّلطة على أساس الجماعات العرقيّة أو الفئويّة(Secteriorism) .

أمّا بخصوص الدّيموقراطيّة والإصلاح السّياسيّ في العالم العربيّ فلم تكن النّتائج أفضل من التّجربة اللّبنانيّة. استعرض الكاتب، بمقاربة نقديّة، مؤلّفات بعض المفكّرين العرب بشأن موضوع الدّيموقراطيّة، ولكنّ النّظرة إلى الواقع تؤكّد فشل كلّ محاولات الإصلاحيّين لتغيير الأنظمة ونشر الحداثة، لأنّ العوامل الاجتماعيّة والدّينيّة والسّياسيّة وقفت حاجزًا أمام التّغيير.

وقد تناول الكاتب موضوع الرّبيع العربيّ، مراهنًا على اندفاعة الشّباب وقوى التّغيير، ولكنّ الواقع السّياسيّ أظهر فشل كلّ محاولات الإصلاح لأنّها جاءت مدعومة من الخارج. فالنّظام العالميّ الجديد الذّي تزعّمته الولايات المتّحدة الأميركيّة بعد انهيار الاتّحاد السّوفياتيّ قام على معيارين: اللّيبراليّة الاقتصاديّة والدّيموقراطيّة.

نجح الغرب في إدخال الدّيموقراطيّة إلى وسط أميركا وجنوبها وجنوب الصّحراء الأفريقيّة وأوروبّا الشّرقيّة، ولكنّه فشل في الشّرق الأوسط، حيث نلاحظ عودة الأنظمة الدّيكتاتوريّة إلى السّلطة تحت شعار تفضيل الأمن على فوضى الدّيموقراطيّة المزعومة.

وقد تناول الكاتب بالنّقد نظريّة فرنسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) المتهوّرة بشأن سيطرة اللّيبراليّة علامةً لنهاية التّاريخ. والواقع، أنّ قوى الحداثة في العالم العربيّ لم تفلح في بناء أنظمة ديموقراطيّة بسبب ضعف الدّعم الشّعبيّ، وسيطرة الأنظمة، والعقليّة البطريركيّة القائمة على الولاء للحاكم مقابل بعض الخدمات الاجتماعيّة.

وقد أفضى فشل تجربة الدّيموقراطيّة في أفغانستان إلى تحوّل كبير في المقاربة الغربيّة موضوع الدّيمقراطيّة حيث أيقنت أنّه لا يمكن فرض الدّيموقراطيّة من الخارج بل يجب أن ينبع من القاعدة الشّعبيّة. وماذا عن الحلول، بخاصّة في الشّأن اللّبنانيّ؟ يقول الكاتب إنّه «ليس من مخرج سليم لهذا المأزق إلّا بإعادة النّظر في التّصميم التّأسيسيّ، بحيث لا تُنفى ثنائيّته التّاريخيّة ودورها في قيام لبنان المستقلّ. ولكن تُرسَم طرق لتجاوزها، ليس بمعنى أن تُخلق ديناميّة تشرّعها إلى مثالثة، هي أمر واقع، ومن ثمّ على مرابعة محتملة، وهكذا دواليك، بل بمعنى فكّ رباطها بالخلفيّة الدّينيّة الطّائفيّة، وبالتّالي تحرير الخطاب الدّيموقراطيّ تدريجيًّا من العامل الدّينيّ المصطبغ بالطّائفيّة، وهو عامل يجرّد الدّيموقراطيّة من مضمونها.»[4]

تناول الأب أبو جوده الموضوعات المتعلّقة بالدّيموقراطيّة وحقوق الإنسان ودولة القانون بمقاربة معمّقة تنمّ على ثقافة واسعة، جاهدًا في رسم خطّة طريق لدفع عجلة التّطوّر في لبنان وفي الشّرق الأوسط، لذلك فإنّ هذا الكتاب هو إضافة إيجابيّة وفعّالة في موضوع النّقاش الفكريّ بشأن السّبل الكفيلة بوضع الشّعوب على مسار التّقدّم والانفتاح والازدهار.

 [1]  هناك تمييز بين الدّولة المنهارة (collapsed state) حيث تنهار كلّ المؤسّسات العامّة والأمن وتسود فيها العصابات المسلّحة، والدّولة الضّعيفة (weak or fragile state) حيث تتواجد بعض مظاهر السّلطة العامّة وبعض الخدمات.

 [2]  الأب صلاح أبو جوده، الدّولة الضّائعة، ص، 26.

 [3]  أبو جوده، المصدر نفسه، 56.

 [4]  أبو جوده، الدّولة الضّائعة، 27-28.

الدّكتور جورج لبكي : رئيس مجلس إدارة المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز شهادة دكتوراه في القانون من السّوربون، وأخرى في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس XII. من مؤلّفاته باللّغة الفرنسيّة: أنثولوجيا. الأدب اللّبنانيّ باللّغة الفرنسيّة. ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.

[email protected]

إيزابل أو فشل النّبيّ. هل فقدت كنيسةُ لبنان روحَ النّبوّة؟

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب داني يونس

إيزابل أو فشل النّبيّ. هل فقدت كنيسةُ لبنان روحَ النّبوّة؟

ط.1، 40 ص. بيروت: دار المشرق، 2023

(ISBN: 978-2-7214-5645-8)

 هل من فرق بين الخطيئة والفساد، المشاركة والموافقة، الصّبر والانكسار، الهدوء والتّواطؤ، التّواضع واللّامبالاة، الفعل والإهمال، الذّريعة والدّافع، النّبوّة والعنف؟ هذه الأسئلة، أجاب عنها الأب داني يونس اليسوعيّ في كتيّبه الجديد.

من مواليد 1974، درس الفلسفة واللّاهوت في فرنسا وألمانيا، وحاز شهادة الدّكتوراه في العلوم الدّينيّة من جامعة القدّيس يوسف (بيروت). شغل منصب الرّئيس الإقليميّ لليسوعيّين على الشّرق الأدنى والمغرب العربيّ، وهو اليوم مدير دار المشرق العامّ. صدر له مؤلَّفان: اختر الحياة، مداخل إلى التّمييز الرّوحيّ (دار المشرق، 2020)، خلّيك بالبيت (2021). اشتهر بالرّياضات الرّوحيّة والتّنشئة، ومتسلّحًا بهذه الخبرة، وضع هذا الكتيّب.

إنّ كتيّبه الجديد نشيدٌ، اللّازمة فيه كلمتان ثقيلتان تتردّدان بين الفينة والأخرى: «قهقهت إيزابل» (ص.13، 16، 20). ثقيلتان، لأنّ الفعل فيهما «محاكاةٌ صوتيّة» (onomatopée)، هدفُه أن يُسمع القارئَ صوتَ التّهكّم والاستهزاء بالحقّ، ولأنّ فاعل الفعل مجهول الهويّة. من هي إيزابل تلك؟ هي «الرّوح الّذي يدعو النّاس إلى أنْ يأخذوا ما ليس لهم» (ص.17). هي الّتي وظّفت شاهدَي زور ليحكم الشّيوخ والشّعب على نابوت، الرّجل الأمين، بالإعدام بحسب الشّريعة، فيضع الملكُ اليد على أرضه. هي الّتي أقنعت داود أن يقتل زوج عشيقته ليستر فضيحته. هي الّتي طلبت رأسَ يوحنّا المعمدان على طبق للجم صوت الحقّ.

أمّا السّؤال الّذي ينبعث من هذه النّصوص فهو: «من المسؤول؟» لا يتملّق المؤلِّفُ القارئ: «كلّنا قتلنا نابوت» (ص.13)، أي المدبِّر والمتغافل والكاذب والمنفِّذ والصّامت، الّذين اعتادوا الظلم. لكنّ الأب يونس لا يستقبح تشابك الشّرّ وحسب، بل يوجّه نداء لمواجهته. في رأيه، المطلوب أوّلًا ليس أنْ يجهد المسيحيّون لإسعاف النّاس في مأكلهم واستشفائهم وتأمين حاجاتهم – وهي أعمال صالحة وصادقة من دون شكّ -، بل أنْ يحافظوا على النّبوّة فلا يصبحوا مِلحًا مسيخًا أو تينةً ماحلة. هذه ليست نبوّة إيليّا السّاخط الّذي استلّ السّيف ليذبح كهنة بعل، بل الّذي تعرّف إلى اﷲ بالنّسيم اللّطيف. تتمّ المحافظة عليها باستقامة الضّمير وتوطيده من خلال أمورٍ ثلاثة، أتوقّف عند واحدةٍ منها: «المأسسة الّتي تفترض الشّفافيّة والمساءلة». في المؤسّسات الكنسيّة، اعتاد المسؤولون القيام بأعمالهم انطلاقًا من نواياهم الصّادقة ومعاييرهم الشّخصيّة (ولكن ألا يقول المثل الفرنسيّ «إنّ جهنّم مرصوفة بالنّيّات الحسنة»!). المسؤول الحقيقيّ الخادم الحقّ لا يرى في الشّفافيّة والمساءلة تقييدًا لسلطته، بل صونًا لضميره وانسجامًا مع الجماعة. إذًا نحن بحاجة إلى أنبياء ينتمون إلى الكنيسة، تلك الّتي تستمع إلى الأنبياء فيها، ولذلك فإنّ ذروة الكتاب هي في هذه العبارة: «على النّبيّ ألّا يفقد قلبه، لأنّ الكنيسة أعظم منه، وعلى كنيسة اﷲ ألّا تفقد أنبياءها» (ص. 29).

هذا الكتيّب هو في الواقع دعوة نبويّة من كاهنٍ إلى كنيسته، بمسؤوليها ومتواضعيها، لتستعيد طابعها النّبويّ، ويؤكّد لنا أنّ المسألة «ليست في أنْ ننجح أو أنْ نخفق، بل في أنْ نحافظ على قلوبنا» (ص. 25). هو يزعجنا، لا بل يغضبنا، ليحثّنا على عدم الاستسلام، فلا نسمع ما قاله المسيح إلى مسيحيّي تياطيرة: «مأخذي عليك هو أنَّك تَدَعُ المَرأَةَ إِيزابَلَ وشَأنَها، وهي تَقولُ إِنَّها نَبِيَّة، فتُعَلِّمُ وتُضَلِّلُ عَبيدي» (رؤيا 2، 20).

 الأب غي سركيس : حائز درجة الدّكتوراه في اللّاهوت من الجامعة اليسوعيّة الغريغوريّة الحبريّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدّيس يوسف،والحكمة. وهو كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة. له مجموعة من المؤلّفات الدّينيّة والتّأمليّة والفكريّة في اللّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للّسلام… لمن؟ – أؤمن …وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ…) 

[email protected]

تعلّم التّمييز في مدرسة إغناطيوس دي لويولا

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

نيقولاس سينتوبين

تعلّم التّمييز في مدرسة إغناطيوس دي لويولا

نقله إلى العربيّة الأب سامي حلّاق اليسوعيّ
ط.1، 160 ص. بيروت، لبنان: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5635-9)

 

المنشورات الإغناطيّة تتحوّل.

هذا ما يلاحظه متابع منشورات دار المشرق في الرّوحانيّة الإغناطيّة. فبعد الكتب البحثيّة في هذه الرّوحانيّة الّتي يطغى عليها الطّابع الأكاديميّ، بدأت الرّهبنة اليسوعيّة في السّنوات الأخيرة تنشر عن روحانيّتها كتبًا مبسّطة تستطيع العامّة أن تقرأها من دون جهدٍ فكريّ. وكتاب تعلّم التّمييز واحد منها.

ما المقصود بـ التّمييز؟ يقول الكاتب:

«التّمييز قديم قدَم الإنسانيّة. إنّه ليس أمرًا استثنائيًّا. فهناك دومًا أناس يسترشدون بحدسهم حين يكون عليهم اتّخاذ قرار. فالفكرة الّتي تُشعِرُني بالرّاحة تُعتَبَرُ جديرة بالثّقة، وأميل إلى تنفيذها. والعكس بالعكس تجاه ما يُشعرني بالضّيق، أو القلق، أو الارتياب. وبالتّالي، كثيرون يميّزون بين الحركات العاطفيّة الإيجابيّة والسّلبيّة، ويجعلونها نقطة انطلاقٍ لاتّخاذ القرارات. كثيرون يعتمدون على ما تقوله قلوبهم حتّى وإن لم يعوا ذلك» (ص.13).

بتعبيرٍ آخر، أمام الاختيارات الّتي تعرضها الحياة علينا يوميًّا، لا مفرّ أمامنا من التّمييز من أجل اتّخاذ قرار. ففي كثيرٍ من الأحيان تكون الاختيارات بسيطة، ونتائج القرار الخاطئ فيها غير كارثيّة: شراء ثياب من هذا الشّكل أو ذاك، تناول هذا النّوع من الطّعام أو ذاك… ولكنّها في بعض الأحيان مصيريّة: اختيار الدّراسة في هذا الفرع أو ذاك، الزّواج بهذا الشّخص أو ذاك، الانتقال إلى عملٍ آخر أو البقاء… ما هي الوسيلة الّتي تساعدني على حسن الاختيار؟ وما هي الصّعوبات الدّاخليّة الّتي تعترضني في كلّ تفكيرٍ لاتّخاذ قرار، وكيف أذلّلها؟ هذا باختصار موضوع الكتاب.

فالتّمييز في هذا الكتاب لا يتناول التّمييز بين الخير والشرّ، بل بالأحرى التّمييز بين خيرَين لأعرف ما يناسبني منهما. فالتّمييز بين الخير والشرّ يصلح لجميع النّاس، وبالتّالي تكون العمليّة سهلة، بسبب وجود نماذج يُقتدى بها وتعاليم واضحة. أمّا التّمييز بين خيرَين فهو عمليّة صعبة لأنّ ما يصلح للآخر، وقد اختارَه، لا يصلح لي بالضّرورة. فكيف أختار ما يصلح لي مع غياب النّماذج القدوة والتّعاليم الواضحة؟

يعبّر الكاتب، نيقولاس سينتوبين، عن دوافعه لتأليف هذا الكتاب على النّحو الآتي: الرّوحانيّة الإغناطيّة هي روحانيّة أنسنيّة. هذا يعني أنّها تلائم جميع النّاس وتفيد مؤمني جميع الأديان، وحتّى غير المؤمنين. يقول الكاتب في هذا الشّأن:

«التّمييز ليس للمسيحيّين وحدهم، لأنّ روح اﷲ لا يسمح لنفسه بأن ينغلق في إيمانٍ واحدٍ أو كنيسة. فالمسيحيّون يؤمنون بأنّ روح اﷲ يريد أن يكون حاضرًا ونشطًا في كلّ صاحب إرادةٍ صالحة. وهذا ينطبق أيضًا على مَن ينتمون إلى دياناتٍ أو فلسفاتٍ مختلفة في الحياة… والقاعدة الّتي تنطبق على المسيحيّين، تسري على غير المسيحيّين. عليهم أن يسهروا على تنشئة قلوبهم وتغذيتها في إطار خصوصيّة تقاليدهم» (ص.144).

فصول الكتاب متفاوتة في الطّول، وتترجّح أعداد صفحاتها بين العشرة والعشرين، مقسّمة إلى عناوين فرعيّة كثيرة، كلّ عنوانٍ فرعيّ يتناول جزئيّة من مسار التّمييز، ويتبع عمومًا المنهج الآتي:

طرح الجزئيّة «قصّة واقعيّة» تعليق توضيحيّ.

مراحل التّمييز مشروحة في خمسة فصول. الفصلان السّادس والسّابع يتناولان الفخاخ الّتي قد تعترض الشّخص الّذي يميّز وعليه أن يتفاداها. وحيث إنّ أسلوب التّمييز الإغناطيّ صيغ في الإيمان المسيحيّ، ويخصّص الكاتب الفصل الثّامن ليبيّن كيف يتمّ هذا التّمييز لدى المسيحيّين، ويختم بالفصل التّاسع الّذي يتناول التّمييز الجماعيّ، حيث إنّ الفصول السّابقة تناولت التّمييز كعمليّة فرديّة.

الكتاب مفيد، فريد، ممتع، ونأمل أن يجني مَن يقرأه فائدة وغنًى.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

[email protected]

أبعاد المحبّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

لويس جوزيف لوبريه

أبعاد المحبّة

ط.1، 204ص. بيروت:دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-5641-0)

 

يقدّم إلينا الأب الدّومينكانيّ لوبريه في هذا الكتاب شذرات تفكيره اللّاهوتيّ وتأمّله العميق في سرّ المحبّة، تلك المحبّة اللّامحدودة الّتي وهبها الخالق لخليقته. ولا تأتي هذه التّأمّلات من دون ترسُّخ في واقع عالمنا، إذ عُرف عن الأب – الباحث اهتمامه بالشّؤون الاقتصاديّة فهو أسّس في لُجّة الحربّ العالميّة الثّانية المؤسّسة الاقتصاديّة والإنسانيّة الّتي هدفت إلى دراسة الحقائق الإنسانيّة والاجتماعيّة لوضع الاقتصاد في خدمة الإنسان، كما أسّس المعهد الدّوليّ للبحث والتّدريب والتّعليم والتّنمية الّتي تُجري دراسات للقضايا الاجتماعيّة في بلدان العالم الثّالث، وتقترح الحلول لها، وقد زار الأب لوبريه لبنان شخصيًّا في العام ١٩٦١ لوضع خطّة تنمية وطنيّة بدعوة من فؤاد شهاب الّذي كان يرأس البلاد يومها.

لا يحتوي هذا الكتاب أيّ مقدّمات، وكأنّ الكاتب يقول لنا: «المحبّة لا تعرف المقدّمات، فهي اللّحظة الحاليّة»، وهكذا هو سرّ المحبّة الّذي يتجسّد عملًا وقولًا. ينقلنا الكاتب في خمسة أقسام، وكأنّها خمس خطوات ترسم رقصة الحبّ بين اﷲ، والقريب، والإنسان. ففي الخطوة الأولى نتأمّل مصدر الحبّ الّذي هو اﷲ، وفي الثّانية ننفتح على الحبّ الّذي يشمل البشريّة كلّها، وفي الثّالثة نتفتّح في المحبّة بما تعرفه من ألم والّذي هو ضرورة النّموّ، وفي الرّابعة نواجه عوائق النّموّ في المحبّة، وفي الخامسة تتكامل الحياة في اﷲ والإنسان، ومعها تكتمل حلقة، أو رقصة الحبّ لنعود هكذا دواليك في رحلة الحياة والفرح والحبّ.

يعود الإصدار الأوّل لهذا الكتاب بالفرنسيّة إلى العام ١٩٥٨، لكنّ هذا الكتاب هو من الجواهر المعتّقة، نفهم بقراءتنا إيّاه أنّ الحبّ قديم قِدم الزّمن، وفهمه واختباره إنّما مسيرة البشريّة جمعاء. لذلك، نجد في تأمّلنا المقطوعات الخمسة والسّبعين الّتي تؤلّف هذا الكتاب، أنّنا أمام سيمفونيّة حياة تتناغم مع جميع المشاعر الّتي يحملها قلب البشر.

لقد أبدع لوبريه في التّنقّل بين إيمانه وحياته العمليّة بأبعادها الأكاديميّة والبحثيّة، فعرف كيف يعيش ملكوت اﷲ الّذي هو هنا والآن، وقد أبدع معه الخورأسقف حليم عبداﷲ بنقل هذه الدُّرر إلى لغة عربيّة جزلة وعذبة، فقدّم إلينا دار المشرق، كتابَ صلاة ننتظره في عالم يعمل في المجالات الإنسانيّة ويبحث عن زوّادة روحيّة تضفي على رسالته المعنى والتّعزية…

الأب طوني حمصي اليسوعيّ : حائز شهادة ماجستير في اللّاهوت الكتابيّ – كلّيّة اللّاهوت اليسوعيّة – باريس، ودبلوم جامعيّ في الصّحافة الرّقميّة، جامعة القدّيس يوسف – بيروت. مدير التّواصل الرّقميّ للرّهبانيّة اليسوعيّة= =في الشّرق الأدنى والمغرب العربيّ. يُشرف على النّسخة الرّقميّة للكتاب المقدّس باللّغة العربيّة في ترجمته الكاثوليكيّة، وله عديد من التّرجمات الصّادرة عن دار المشرق.

 [email protected]

مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الخوري بولس مطر

مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة

ط.1، 58 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-5640-3)

 

لأنّ «موضوع الصّوفيّة متشعّب وغير مرتبط بالدّيانتين المسيحيّة والإسلاميّة وحدهما فهناك العديد من الدّيانات الآسيويّة… وغيرها ترتكز على حياة التّقشّف والزّهد والإماتات، ولكنّها تختلف عن الصّوفيّة من حيث الجوهر…»، كما جاء في مقدّمة الكتاب، أراد المؤلّف، الخوري بولس مطر، أن يعرض النّظرة المسيحيّة للزّهد والتّقشّف المختلفة عن نظرة سائر الأديان باختلاف نظرتها إلى الجسد. فـ«الزّاهد ليس من يقوم بالإماتات من أجل تعذيب جسده بل حبًّا باﷲ.» إنّه «من يترك كلّ شيء لأنّه وجد الكنز الثّمين» ألا وهو ملكوت السّموات.

أوضح المؤلّف أنّ «التّصوّف ليس هدفًا بحدّ ذاته، بل هو وسيلة من أجل الاتّحاد باﷲ.» من هنا، يتطرّق المؤلّف إلى «الحياة النّسكيّة والتّصوّف في الحياة الرّهبانيّة»، حيث تُعاش ضمن جماعة. ثمّ يتناول «مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة» وهي ما عُنوِن بها الكتاب من باب تسمية الكلّ باسم الجزء.

الأساس يبدأ بالعلاقة الشّخصيّة بالمسيح عبر الأسرار، ثمّ يأتي التّأمّل الّذي يخدم نموّ المسيحيّة في محبّة اﷲ بواسطة ابنه الّذي جعل كلّ إنسان ابنًا ﷲ مع الابن، ويحيا معه، وبواسطته، حياة اﷲ. فطريق المسيحيّ إلى اﷲ هو المسيح. «التّصوّف، بالمفهوم المسيحيّ، لا يمكن إلّا أن يكون بواسطة المسيح».

استعرض الأب مطر المراحل الثّلاث للحياة الرّوحيّة: التّطهير، والاستنارة، والاتّحاد، وهي من أهمّ ركائز السّلوك المسيحيّ. وهناك الفضائل الإلهيّة كركائز للتّنشئة الصّوفيّة وهي الإيمان والرّجاء والمحبّة. «المسيحيّ المؤمن لا يعيش بُعد الزّهد في حياته بطريقة فرّيسيّة وظاهريّة… بل يمارسها على أساس المحبّة»، لذلك يورد الكاتب نماذج حياتيّة عاشت واختبرت حياة التّصوّف أمثال القدّيس إسحق السّريانيّ، ويوحنّا الدّلياتيّ، والقدّيسة تريزا الآفيليّة، والقدّيس إغناطيوس دي لويولا.

بعد أن عالج «موضوع التّصوّف المسيحيّ من النّاحية التاريخيّة» وعرض بدايةَ «الحياة النّسكيّة والصّوفيّة وأسبابها»، وتناول مرتكزات التّربية في التّنشئة الصّوفيّة المسيحيّة، اختتم الخوري بولس مطر دراسته بالتّأكيد أنّ «هدف المسيحيّ المؤمن هو اتّباع المسيح الّذي هو «الطّريق والحقّ والحياة».

في زمن يرزح تحت وطأة المادّيّة، يأتي هذا الكتاب ليضخّ روحًا مسيحيّة تسلك طريق المسيح ومَن اقتدى به في حياته المتّحدة بالله الآب.

 

الدّكتورة بيتسا استيفانو : حائزة دكتوراه في العلوم الدِّينيَّة، وإجازة في الأدب العربيّ من جامعة القدِّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة في معهد الآداب الشَّرقيَّة في الجامعة، ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيَّة فيها. أستاذة محاضرة في جامعة «Domuni» – باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللُّغتين العربيَّة والفرنسيَّة.

[email protected]

الحكمة الخليقة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

أبو الحسن عليّ ابن يحيى الزّندويستيّ

الحكمة الخليقة

تحقيق بلال الأرفه لي وخالد محمّد عبده
ط.1، 90 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-8185-6)

يضع بلال الأرفه لي وخالد محمّد عبده كتابًا قيّمًا بين يدَي القارئ، وهو كتاب الحكمة الخليقة للفقيه الزّاهد الزّندويستيّ (ت. نحو 400/1010). ويتألّف هذا الكتاب من مجموعة من الأسئلة عن الحكمة في مسائل يفترض الكاتب أنّها تُطرح على أحد المسلمين فيجيب عنها مبيّنًا الحكمة الّتي يراها في كلٍّ منها.

يقدّم المحقّقان الكتاب في صفحات مفيدة، يبدآن فيها بالكلام على نوعَين عامَّين من الحكمة، أولاهما الميّالة إلى الفلسفة، وهي ذات صبغة منطقيّة نظريّة، وثانيتهما الميّالة إلى الموروث والشّعبيّ، وإليها ينتمي الكتاب قيد المراجعة. ثمّ بعد تبيان معنى الحكمة في العربيّة، والفرق بين ما يستند منها إلى النّقل والكتب المقدّسة من جهة، والعقل والتّأمّل والتّجربة الرّوحيّة من جهة أخرى، ينتقل المحقّقان إلى العنوان الأوّل في مقدمّتهما، وهو العلل في الشّريعة.

يفيد المحقّقان من إلمامهما بالتّصوّف الإسلاميّ، فيجمعان من كلام التّرمذيّ والغزاليّ وغيرهما من أعلام التّصوّف ما يضيئان به على أهمّيّة البحث عن علل الشّريعة، أي الحِكَم الكامنة وراء الأحكام الشّرعيّة، فيقول التّرمذيّ إنّ «معرفة علّة الأحكام هي باطن العلم، وهي العلم النّافع، وجوهر الأمور، والحجّة…»[1] ويشير الدّارسان في نهاية هذا الجزء إلى اتّساع الكلام في الحكمة، فهي، كسائر الأمور الخاضعة للتّأويلات المختلفة، «فهم مستمرّ أو محاولة لا نهائيّة لفهم متجدّد ومتطوّر، وهو بحث دؤوب عن الحقائق.»[2]

أمّا العنوان الثّاني في المقدّمة، أنبياء الحكمة، فيتكلّم فيه المحقّقان على لقمان وداوود والمسيح، وهم من الأنبياء الّذين ارتبطت أسماؤهم في القرآن بالحكمة الّتي أوتوها، ويتطرّقان إلى حكمة هؤلاء الأنبياء في السّياق القرآنيّ وخارجه، ولا سيّما في التّراث الصّوفيّ. ثمّ ينتقلان للكلام على أبرز الأعمال الّتي تناولت الحكمة في التّراث العربيّ والإسلاميّ ككتاب الحكمة الخالدة لأبي عليّ بن مسكويه، وغيره، ثمّ ما صُنّف في الحكمة من كلام النّبيّ محمّد وصحابته، وَمن جمعَ الأقوال في الحكمة أو صاغها من علماء المسلمين، فيؤطّران بذلك لكتاب الحكمة الخليقة ويضعانه في سياقه التّاريخيّ والعلميّ.

وقبل الشّروع في الكلام على الكتاب قيد المراجعة يتطرّق الدّارسان إلى روضة العلماء للزّندويستيّ فيعدّدان أبوابه المائة والسّبعة، ويقدّمان نماذج من الحِكَم المذكورة فيه، ثمّ ينتقلان إلى كتاب الحكمة الخليقة. ويبدأ كتابنا هذا بالسّؤال الأوّل مباشرة، فلا مقدّمة له، ولا خاتمة. وليست الأسئلة مبوَّبة ولا منظَّمة. أمّا هدف الكتاب، بحسب المحقّقَين، فـ «الإجابة عن أسئلة العوام ليسكّن قلقهم ويذكّرهم بعجائب الخلق وعلل الشّرائع، ففي كلّ أمر حكمة…»[3] ويبيّن الدّارسان أهميّةَ الكتاب الكامنة في كشف أجوبة الزّندويستيّ عن «نمط من طرائق التّفكير العربيّ والإسلاميّ الّتي ظلّت حاضرة إلى يومنا هذا.»[4] ونزيد على هذه الفائدة أخرى، وهي أهمّيّة الأسئلة المطروحة، فهي وإن لم تكن – كلّها – طُرحت على كاتبنا أو غيره، إلّا أنّها تعكس شيئًا من أفكار النّاس واهتماماتهم وتساؤلاتهم عن النّصوص الإسلاميّة والتّراث الإسلاميّ وغير ذلك ممّا يرتبط بهما.

ويبدو للقارئ أنّ استنباط معظم الحِكم مبنيّ على تأمّل الكاتب المسائلَ المطروحة، فإذا قرأنا سؤال السّائل: «ما الحكمة أنّ النّملة تجعل الشّعير والحنطة نصفين ثلاثة أثلاث؟» وجدنا أنّ أجابة الزّندويستيّ مبنيّة على التّأمّل وإعمال الفكر في هذا الفعل، فيقول: «إنّ الحنطة وغيرها من الحبوب إذا جعل نصفان لا ينبت والكزبرة إذا جُعلت نصفين تنبت وإذا جُعلت ثلاثة أثلاث لا تنبت فلذلك تفعل هكذا.»[5] ولا تخلو الأجوبة من الاعتماد على النّقل، مع التّأمّل وإعمال الفكر، كما يظهر في المسألة الآتية:

فإن قيل: لم خُصّ إبراهيم من دون سائر الأنبياء عليهم السّلام بذكر في الصّلوات من دون غيره؟ قيل لأنّ النّبيّ ﷺ ليلة المعراج مرّ على جميع الأنبياء والمرسلين… ولم يسلّم أحد منهم على أمّته سوى إبراهيم عليه السّلام… فجعل رسول اﷲ صلّى اﷲ عليه وسلّم صلاته مقرونة بصلاته حتّى تصلّي عليه أمّته إلى يوم القيامة.

وتُذكِّرنا حِكم الزّندويستيّ بلطائف الصّوفيّين وإشاراتهم في تفسير القرآن ورقائقهم بشكل عامّ، غير أنّ حِكمه متّصلة أيضًا بالفقه كما يظهر في الحكمة الآنف ذكرها، وهذه العلاقة المبكّرة بين الفقه والتّصوّف من أهمّ ما يقدّمه الكتاب للقارئ، كما أشار المحقّقان في مقدّمتهما.[6]

تحقيق الكتاب مُتقَن ويعتمد على مخطوطَين، الأوّل، وهو الأساس، مخطوط إسطنبول (أميريّ 2-1189)، ويُرمز إليه بـ «ت»، والثّاني مخطوط باريس (المكتبة الوطنيّة 824 ARABE)، ويُرمَز إليه بـ «ب». في الحواشي تعريف بالأعلام مفيد، غير أنّه لا تخريج للأحاديث النّبويّة وغيرها من الأحاديث المذكورة في المتن. وقد ألحق الأرفه لي وعبده التّحقيقَ بفهرسة مفيدة.

أبو الحسن الزّندويستيّ، الحكمة الخليقة، تحقيق بلال الأرفه لي وخالد محمّد عبده (بيروت: دار المشرق، 2023)، 10

  [2] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 12.

  [3] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 28.

 [4] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 28.

[5] الزّندويستيّ، المصدر نفسه،  56.

 [6] الزّندويستيّ، المصدر نفسه، 18.

الأستاذ هاني رمضان : طالب دكتوراه في جامعة هارفرد.

[email protected]

ربّني وعلّمني

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

سيباستيان غُونتر

ربّني وعلّمني،
دراسات في الخطاب التّربويّ والأخلاقيّ في الإسلام

ط.1، 480 ص. بيروت – لبنان : دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-8181-8)

أن يتوغّل مستشرق، إذا صحّ التّعبير، في الإرث الحضاريّ في هذا الشّرق، وأن يضيء أبعاد القول «أدَّبني ربّي فأحسن تأديبي»، أو في مرامي الآية القرآنيّة : ﴿فَتَعَٰلَى ٱللّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل ربِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا﴾ (طه 114)، فهذا يؤكِّد غنى هذا الإرث الدّينيّ الحضاريّ الّذي يحمل الكثير من الحضور المتنوّع على المستويات المختلفة ومنها التّربية والأخلاق.

يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة «نصوص ودروس، أبحاث إسلاميّة»، عن دار المشرق، في طبعة أولى، 2023، وقد أشار كاتب التّمهيد عبد الرّحمن السّالمي، من الجامعة الألمانيّة للتّكنولوجيا، سلطنة عمان، إلى أنّ هذا الكتاب «يصدر عن موضوع التّعليم الكلاسيكيّ في الحضارة الإسلاميّة، وهو مجموعة مقالات لأبحاث علميّة نشرت في مجلّة التّسامح/التّفاهم في خلال العقدين الماضيين، وتمّت إعادة صياغتها وترتيبها من جديد (…) وهي نقلة علميّة في تجسير الثّقافة الإسلاميّة في الأكاديميّات الغربيّة والعربيّة على السّواء» (ص8).

هذا، ورأى ماهر جرّار، من الجامعة الأميركيّة في بيروت، أنّ المؤلّف اشتغل «بمقاربته لمفهوم العلم في الإسلام كظاهرة حيّة، لها أبعاد مُحايثة تنهض على التّفاعل البيئيّ بين الأفراد (بين الطّالب والأستاذ، وبين الطلبة أنفسهم)، بين الفرد والنّصوص، وقد استطاع أن يضع تلك الظّاهرة في سياقها التّاريخيّ والمعرفيّ، بخاصّة على مستوى الدّوائر الاجتماعيّة الواسعة (المسجد والمدرسة وحلقات المذاكرة وغير ذلك) وشبكات المذاهب الفقهيّة والمؤسّسات الّتي ارتبطت بالسّلطة وأجهزتها، ويتمثّل الجانب الأهمّ من دراسات المؤلّف في أنّه حاول أن يقارب أكثر من مستوى في إطار بحوثه، فأوّلها التّعمّق في البحث بلحاظ كلتا البِنيَتين: الصّغرى الّتي تقوم على العلاقات الفرديّة للسّماع وتحمّل العلم، والكبرى الّتي تشمل الفضاء الثّقافيّ – المجتمعيّ الأوسع» (ص. 13).

يشكّل التّمهيد والتّقديم وكلمة المؤلّف خارطة ثقافيّة واضحة لا بدّ من مراجعتها بدقّة، لفهم مضمون الكتاب، الّذي راجع نصوصه العربيّة خالد الدّسوقي (جامعة الأزهر الشّريف)، بعد أن نقلها من اللّغتين الألمانيّة والإنجليزيّة، محمّد الشّيخ (جامعة الحسن الثّاني، دار البيضاء)، وفؤاد بن أحمد (جامعة القرويّين، دار الحديث الحسنيّة – الرّباط)، ورضوان ضاوي (جامعة محمّد الخامس، الرّباط). (ص. 24).

ومن المفيد الانتباه إلى أنّ المؤلّف اعتمد «المصادر العربيّة أو تلك الّتي كان لها أثر واضح في التّراث التّربويّ المكتوب والمتناقل باللّغة العربيّة. لذا، ومع التّأكيد أنّ كثيرًا من الأفكار والرّؤى الّتي نشأت في الفضاء الفكريّ والثّقافيّ للإسلام قد يكون لها صدى (أو أصل) في نصوص إسلاميّة مكتوبة بلغات أخرى، ولا سيّما باللّغة الفارسيّة في الفترة الكلاسيكيّة، وبالتّركيّة أو بلغات أخرى في مراحل لاحقة – فإنّ تركيزنا يبقى منحصرًا في المصادر المرجعيّة في الفكر الإسلاميّ، وهذا في الأصل هو مجال اختصاصي الأكاديميّ» (ص. 20). من هنا، برّر المؤلّف موقفه أنّه «لم يأتِ على ذكر نظريّات ومؤسّسات تربويّة وتعليميّة نشأت في أحضان الجماعات الإسلاميّة المختلفة، وخصوصًا تلك الّتي لا تزال غائبة عن اهتمامات كثير من الباحثين – من قبيل تقاليد التّربية والتّعليم عند الزيديّة، الّذين أسّسوا «معتزلات للتّعبّد والعلم» (…)، وأيضًا كأنظمة التّربية والتّعليم عند الإباضيّة (…) حيث برزت مثلًا جهود من عُرفوا باسم «نَقَلَة العلم» أو «حملة العلم»» (ص. 19). كما يبرّر المؤلّف سبب دراساته بأنّ «العلماء المسلمين انتهجوا طرقًا إبداعيّة مبتكرة في تطوير أساليب التّعليم والتّلقين بما يجعل «النّموذج التّربويّ» في الإسلام جديرًا بالتّوقّف عنده» (ص. 15).

لذا، درس المؤلّف «مباني خطاب التّربية والتّعليم في الفترة الإسلاميّة الكلاسيكيّة (المعرفة والتّراث العلميّ في الإسلام، المناهج والمؤسّسات، تلقّي المعرفة اليونانيّة القديمة، تصنيف العلوم وفروعها، النّهضة)، المدرسة كمؤسّسة للتّعليم العالي (دوافعها، مناهجها، تنظيمها، آدابها، توسّعها الجغرافيّ)، طرق التّعليم ومناهجه عند العلماء المسلمين (ابن سحنون، الجاحظ، ابن سينا، الغزالي)، التّربية الرّوحيّة عند جعفر بن منصور اليمن، والأبعاد الأخلاقيّة للمعرفة والعمل، آداب الدّنيا والدّين عند ابن قتيبة والماوردي، نقد الخطاب الدّينيّ في القرن الرّابع الهجريّ عند أبي سليمان الخطابيّ، التّربية الأخلاقيّة عند ابن مسكويه، حدود التّعلّم وآفاقه عند الغزالي وابن رشد، التّعلّم الذّاتيّ والتّطوّر الإنسانيّ عند ابن طفيل، آفاق التّربية الإسلاميّة عند مقاتل بن سليمان، الثّعلبيّ، الكسائيّ، الرّازيّ، أبو عبداﷲ القرطبيّ، ابن كثير الدّمشقيّ، السّيوطيّ، ابن تيميّة، القلقشنديّ، الخطيب التّبريزيّ، ابن خلدون، فخر الدّين الطّريحي.

خلاصة، يؤكّد المؤلّف «أنّ علم التّربية في الإسلام يعتمد على ثلاثة مكوّنات، أوّلها القرآن والسّنّة (…) إذ نجد آيات وأحاديث كثيرة تفصّل الكثير من قضايا التّربية والتّعليم، وتدعو لطلب العلم (…) والمكوّن الثّاني لعلم التّربية في الإسلام هو التّراث اليونانّي، وهو ما تلقّاه العلماء المسلمون منه، ثمّ أعادوا صياغته ليكون متوافقًا مع أسس الدّين الإسلاميّ، ويمكن اعتبار المكوّن الثّالث هو ما أضافه هؤلاء العلماء المسلمون من نتاج أفكارهم» (ص. 313)، كما يشير إلى مواقف الغزاليّ في «فضل العلم والتّعليم والتّعلّم» و«آداب المعلّم والمتعلّم» في كتابه إحياء علوم الدّين، مشيرًا إلى «أنّ الدّراسات التّربويّة الغربيّة المعاصرة تميل إلى إغفال النّظريّات والفلسفات الّتي لم تنبثق من حضارة الغرب وثقافته، ولذلك فإنّها تركّز عادة على أسس التّاريخ التّربويّ اليونانيّة والرّومانيّة واليهوديّة والمسيحيّة، بينما لا تولي تراث الحضارات الأخرى التّربويّ اهتمامًا كافيًا».

لذلك، يدعو المؤلّف «الغرب إلى دراسة نقديّة منصفة ومنظّمة لقيم الإسلام ومفاهيمه، بخاصّة ما يتعلّق منها بالنّظريّات والفلسفات الّتي وضعها العلماء المسلمون القدماء» (ص. 365)، كابن سحنون في كتابه آداب المعلّمين، وكتاب المعلّم للجاحظ، والفارابي في كتابَيه إحصاء العلوم ورسالة البرهان، كذلك ما ذكره ابن سينا بشأن تربية الأطفال في كتابه القانون في الطبّ، والغزالي في إحياء علوم الدّين، وغيرهم ممّن اطّلع المؤلّف على آثارهم ليترك، للتّراث البشريّ، كما يقول: «كنز الأفكار والرّؤى عن التّربية والتّعليم والتعلّم، الّتي كتبها علماء الإسلام منذ صدر الإسلام وحتّى العصر الذّهبيّ للحضارة الإسلاميّة في الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة». (ص. 358).

الدّكتور جان عبد اﷲ توما : حائز دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدّيس يوسف، واللّبنانيّة، وسيّدة اللويزة، يشغل منصب رئيس قسم اللّغة العربيّة في جامعة الجنان. له أكثر من سبعة عشر إصدارًا يتراوح بين كتب أدبيّة، وشعريّة، ورواية، ودراسات تربويّة، وتحقيق مخطوطات.

[email protected]

Share This