السنة ٩٤
الجزء الأوّل
السنة الرابعة والتسعون | الجزء الأوّل | كانون الثاني – حزيران ٢٠٢٠

أطلب نسختك الورقيّة

إشترِ نسختك الرقميّة

إفتتـاحيّــة العدد

اقرأ الافتتاحيّة كاملةً

«سليقيَّةٌ» وتُدْرَس

جاء في المعجم العربيّ: «سُلِق السليقةَ وعليها: طُبعَ عليها. السليقة ج سلائق: الطبيعة. السليقيَّة: نسبة إلى السليقة. يُقال: «فلان يتكلّم بالسليقيّة» أيْ عن طبعه لا عن تعلُّم؛ و«اضطرب كلام العرب وغلبت السليقيّة» أي إنّهم استرسلوا في لغتهم وأخذوا يتكلّمون على السليقة من غير تعمُّد إعراب ولا تجنّب لَحْن». وجاء أيضًا: «فَطَرَ فَطْرًا الأمرَ: اخترعه وابتدأَه وأنشأه. الفِطْرة ج فِطَر: الابتداع والاختراع؛ الصفة التي يتّصف بها كلّ موجود في أوّل زمان خلْقَتِهِ؛ صفة الإنسان الطبيعيّة…».
أنشدت العربُ الشعر بالسليقيَّة وحفظته الأجيال العربيّة أبًا عن جدّ، ومن ثمّ في مراحل لاحقة قعَّد علماء اللغة النّظم ودرسوه، فكان علم العَروض ببحوره وأوزانه وقياساته وجوازاته على يد الخليل بن أحمد (ت نحو 786م) من أهل البصرة. استمرّ الشعراءُ العرب في النظم على عمود الشعر العربيّ التقليديّ حتّى منتصف القرن العشرين، حين بدأ النهضويّون يُطلقون ثورتهم على القصيدة التقليديّة وزنًا وقافيةً، فتمكّنوا من تفكيك عموديّة الشعر، وكان ذلك بتسميات متعدِّدة مختلفة: كالشعر المنثور، والنثر الشعريّ، والشعر الحرّ، والشعر الحديث، والشعر المُرسَل وغيرها. ولئن تغيّر شكلُ الشعر ووزنه وموسيقاه الداخليّة، إلّا أنّه ظلّ يصدر عن سليقيَّة شعريّة، فُطِرَ عليها الشعراء وما فُطِرَ عليها غيرُهم.
ما تجرَّأت هيئةٌ أو مدرسة أو معهدٌ أو جامعة في التاريخ العربيّ على تدريس الشعر بهدف خلق شعراء مبدعين؛ وما تجرَّأ دارسٌ أو هاوٍ أو مثقّف على التدرّب بالشعر وفنونه وقواعده وأنواعه بغية التمكّن منه، أو رغبةً في أن يصبح المتعلّم شاعرًا موهوبًا مُجلِّيًا وطليعيًّا. الشعر موهبةٌ تقوم على الفِطْرة التي تولد مع الإنسان، فإنْ وُلِدتْ وُلِد وإنْ لا فلا. وما ظاهرة الشعراءِ والزجّالين والقوّالين والندّابين المنتشرة في قرى لبنان ومدنه، وفي سائر أقطار العالم العربيّ حواضره والبوادي، ومنهم المثقّفون والمتعلِّمون واللغويّون وشبه المتعلّمين والأمّيّون، إلّا دليلٌ ساطع وبرهان واضح على قيام الشعر في رؤوس الشعراء ومخيّلاتهم منذ الولادة.
يحيا الشعرُ ويتطوّر ويدوم في حياة ثلاثةٍ: شاعر ينظمه ويغنّيه أو يؤدّيه، أو يكتبه فينشره؛ ومستمع ذوّاقة يُشنِّف الشعرُ أُذنَه أو قارئ لبيب مُرْهف يستسيغ القصيدة ويطرَب لها؛ وناقد دارس متخصِّص يدرس الشعريّة، يُحلِّلها، يفكِّكُها، يشرّحها، يقارنها بمثيلاتها، ويوصِّف، ويستخلصُ، ويستنتج… قد تجتمعُ الوظيفة الأولى والثانية في امرئٍ واحدٍ وكثيرًا ما تجتمعان؛ لكنَّ الوظيفة الأولى والثالثة نادرًا ما اجتمعتا في شخصٍ واحدٍ ولن تجتمعا. لقد خلق الخالقُ الأكوانَ والأرض وما عليها في برهة واحدة وما شرح عمله؛ وما زلنا نحن البشر منذ بدايات الخَلْق علماءَ ومفكِّرين وفلاسفة ولاهوتيّين وأناسًا عاديّين نفسِّرُ ونشرحُ ونحاولُ ونفترض ونأوِّل، ودائمًا عن الخَلْق وأسراره عاجزون.
ثمّة في هذا العدد من المشرق ملفّ خاصّ عن الشعريّة يتضمّن مقالتَيْن، أعدّهما أستاذان جامعيّان متخصّصان بأسلوبيّات النحو وعلم الدلالة، وبالأسلوبيّة والكتابة الشعريّة: الأولى بعنوان: «وجهات الشعريّة: محاولات في قراءتها من زوايا مختلفة»، وقد اقتضب معدّها د. غابي الفغالي في قسمها النظريّ تقديمًا وتحديدًا علميًّا أكاديميًّا، ليتوسَّع في قسمها التطبيقيّ بأوجهه التسعة المتنوِّعة عصورًا شعريَّةً، وأعلامَ شعراء، وأنواعًا شعريّة بين العموديّ التقليديّ القديم والعصريّ الحديث، وفنونًا شعريَّة وكتابيّة بين الوصف الحسّيّ، والشعر المغنّى، والنثر الفنّيّ، والزجل اللبنانيّ المعروف، والشعر الحديث العامّيّ. والثانية بعنوان: «الشعريّة المزدوجة: شعريّة الكتابة وشعريّة القراءة (ديوان طائر الفينيق أنموذجًا)»، وقد توسّعت مُعدّة المقالة د. ندى مرعشلي في القسم النظريّ فأسهبت في التعريفات والتحديدات استنادًا إلى أدباءَ وشعراءَ غربيّين وعربٍ، وميّزت بين شعريّة الكتابة وشعريّة القراءة عند كلّ هؤلاء الدارسين والنقّاد، واقتصر أنموذج دراستها على ديوانٍ واحد اقتطعت منه بعض قصائد.
تجتمعُ في المقالتَيْن الإفادةُ والمتعةُ معًا باقتران النظريّ بالتطبيقيّ، شأننا في ذلك شأن كلّ الدراسات العلميّة الأكاديميّة المنهجيّة. ويُشكِّلُ عنوانا المقالتَيْن مدخلًا لأصحاب الاختصاص، وذائقة النقّاد، ودارسي الشعر والشعريّة، وليس للشعراء الموهوبين المبدعين، إذ حَسْبُهم التحليقُ والخَلْقُ والإبداع.

إفتتـاحيّــة العدد

اقرأ الافتتاحيّة كاملةً

«سليقيَّةٌ» وتُدْرَس

جاء في المعجم العربيّ: «سُلِق السليقةَ وعليها: طُبعَ عليها. السليقة ج سلائق: الطبيعة. السليقيَّة: نسبة إلى السليقة. يُقال: «فلان يتكلّم بالسليقيّة» أيْ عن طبعه لا عن تعلُّم؛ و«اضطرب كلام العرب وغلبت السليقيّة» أي إنّهم استرسلوا في لغتهم وأخذوا يتكلّمون على السليقة من غير تعمُّد إعراب ولا تجنّب لَحْن». وجاء أيضًا: «فَطَرَ فَطْرًا الأمرَ: اخترعه وابتدأَه وأنشأه. الفِطْرة ج فِطَر: الابتداع والاختراع؛ الصفة التي يتّصف بها كلّ موجود في أوّل زمان خلْقَتِهِ؛ صفة الإنسان الطبيعيّة…».
أنشدت العربُ الشعر بالسليقيَّة وحفظته الأجيال العربيّة أبًا عن جدّ، ومن ثمّ في مراحل لاحقة قعَّد علماء اللغة النّظم ودرسوه، فكان علم العَروض ببحوره وأوزانه وقياساته وجوازاته على يد الخليل بن أحمد (ت نحو 786م) من أهل البصرة. استمرّ الشعراءُ العرب في النظم على عمود الشعر العربيّ التقليديّ حتّى منتصف القرن العشرين، حين بدأ النهضويّون يُطلقون ثورتهم على القصيدة التقليديّة وزنًا وقافيةً، فتمكّنوا من تفكيك عموديّة الشعر، وكان ذلك بتسميات متعدِّدة مختلفة: كالشعر المنثور، والنثر الشعريّ، والشعر الحرّ، والشعر الحديث، والشعر المُرسَل وغيرها. ولئن تغيّر شكلُ الشعر ووزنه وموسيقاه الداخليّة، إلّا أنّه ظلّ يصدر عن سليقيَّة شعريّة، فُطِرَ عليها الشعراء وما فُطِرَ عليها غيرُهم.
ما تجرَّأت هيئةٌ أو مدرسة أو معهدٌ أو جامعة في التاريخ العربيّ على تدريس الشعر بهدف خلق شعراء مبدعين؛ وما تجرَّأ دارسٌ أو هاوٍ أو مثقّف على التدرّب بالشعر وفنونه وقواعده وأنواعه بغية التمكّن منه، أو رغبةً في أن يصبح المتعلّم شاعرًا موهوبًا مُجلِّيًا وطليعيًّا. الشعر موهبةٌ تقوم على الفِطْرة التي تولد مع الإنسان، فإنْ وُلِدتْ وُلِد وإنْ لا فلا. وما ظاهرة الشعراءِ والزجّالين والقوّالين والندّابين المنتشرة في قرى لبنان ومدنه، وفي سائر أقطار العالم العربيّ حواضره والبوادي، ومنهم المثقّفون والمتعلِّمون واللغويّون وشبه المتعلّمين والأمّيّون، إلّا دليلٌ ساطع وبرهان واضح على قيام الشعر في رؤوس الشعراء ومخيّلاتهم منذ الولادة.
يحيا الشعرُ ويتطوّر ويدوم في حياة ثلاثةٍ: شاعر ينظمه ويغنّيه أو يؤدّيه، أو يكتبه فينشره؛ ومستمع ذوّاقة يُشنِّف الشعرُ أُذنَه أو قارئ لبيب مُرْهف يستسيغ القصيدة ويطرَب لها؛ وناقد دارس متخصِّص يدرس الشعريّة، يُحلِّلها، يفكِّكُها، يشرّحها، يقارنها بمثيلاتها، ويوصِّف، ويستخلصُ، ويستنتج… قد تجتمعُ الوظيفة الأولى والثانية في امرئٍ واحدٍ وكثيرًا ما تجتمعان؛ لكنَّ الوظيفة الأولى والثالثة نادرًا ما اجتمعتا في شخصٍ واحدٍ ولن تجتمعا. لقد خلق الخالقُ الأكوانَ والأرض وما عليها في برهة واحدة وما شرح عمله؛ وما زلنا نحن البشر منذ بدايات الخَلْق علماءَ ومفكِّرين وفلاسفة ولاهوتيّين وأناسًا عاديّين نفسِّرُ ونشرحُ ونحاولُ ونفترض ونأوِّل، ودائمًا عن الخَلْق وأسراره عاجزون.
ثمّة في هذا العدد من المشرق ملفّ خاصّ عن الشعريّة يتضمّن مقالتَيْن، أعدّهما أستاذان جامعيّان متخصّصان بأسلوبيّات النحو وعلم الدلالة، وبالأسلوبيّة والكتابة الشعريّة: الأولى بعنوان: «وجهات الشعريّة: محاولات في قراءتها من زوايا مختلفة»، وقد اقتضب معدّها د. غابي الفغالي في قسمها النظريّ تقديمًا وتحديدًا علميًّا أكاديميًّا، ليتوسَّع في قسمها التطبيقيّ بأوجهه التسعة المتنوِّعة عصورًا شعريَّةً، وأعلامَ شعراء، وأنواعًا شعريّة بين العموديّ التقليديّ القديم والعصريّ الحديث، وفنونًا شعريَّة وكتابيّة بين الوصف الحسّيّ، والشعر المغنّى، والنثر الفنّيّ، والزجل اللبنانيّ المعروف، والشعر الحديث العامّيّ. والثانية بعنوان: «الشعريّة المزدوجة: شعريّة الكتابة وشعريّة القراءة (ديوان طائر الفينيق أنموذجًا)»، وقد توسّعت مُعدّة المقالة د. ندى مرعشلي في القسم النظريّ فأسهبت في التعريفات والتحديدات استنادًا إلى أدباءَ وشعراءَ غربيّين وعربٍ، وميّزت بين شعريّة الكتابة وشعريّة القراءة عند كلّ هؤلاء الدارسين والنقّاد، واقتصر أنموذج دراستها على ديوانٍ واحد اقتطعت منه بعض قصائد.
تجتمعُ في المقالتَيْن الإفادةُ والمتعةُ معًا باقتران النظريّ بالتطبيقيّ، شأننا في ذلك شأن كلّ الدراسات العلميّة الأكاديميّة المنهجيّة. ويُشكِّلُ عنوانا المقالتَيْن مدخلًا لأصحاب الاختصاص، وذائقة النقّاد، ودارسي الشعر والشعريّة، وليس للشعراء الموهوبين المبدعين، إذ حَسْبُهم التحليقُ والخَلْقُ والإبداع.

محتويات العدد

i

مقالات هذا العدد

وجهات الشعريّة: محاولات في قراءَتها من زوايا مختلفة

يعالجُ كاتبُ هذا المقال موضوعَ الشعريّة من جانبَين: الجانب النظريّ، من خلال دراسةٍ واضحة ومفصّلة، والجانب التطبيقيّ، من خلال مقاطعَ شعريّة تطبّقُ النظريّات المذكورة. لهذا، يباشر عمله بالتعريف عن مفهوم الشعريّة، ذاكرًا تأثيراتها البارزة في الأدب كما في حياة الناس. ثمّ يذكرُ مقتطفات شعريّة تُظهرُ الشعريّةَ وجمالها، منغمسةً في الوصف وفي تداخل الأفكار والألوان اللغويّة، بحسب عبقريّة شعراء زماننا، على غرار سعيد عقل ومخايل مسعود. إلّا أنّ مفهومَ الشعريّة يبقى موضوعًا يتطلّبُ المزيدَ من الدراسات والأبحاث على حدّ قول الكاتب؛ إنّه مجالٌ يفتح أبوابه لكلّ راغبٍ في اكتشاف جواهره الفريدة.

الشّعريّة المزدوجة – شعريّة الكتابة وشعريّة القراءة (ديوان طائر الفينيق أنموذجًا)

يستقبل القارئ النّموذجيّ مجموعة المعنى، أو جماليّة التلقّي حين يكون النّص فاعلًا والقارئ منفعلًا في آنٍ واحد. هي عمليّة ذات وجهين أحدهما الأثر الذي ينتجه العمل الأدبيّ في القارئ، والآخر كيفيّة استقبال القارئ لهذا العمل؛ فإمّا أن يجعلَ من نفسه مجرّد مستهلك للنّص، أو ناقد، فيتخطّى فكرة المعنى من خلال إنتاج تفسير جديد يفوق عمل النّصّ الأصليّ. إنّ هذا العمل يجمع في طيّاته “شعريّة مزدوجة”، بعد أن يتخطّى القارئ دهشة القراءة، ويبدأ ببناء عالم مدهش يحاول البقاء فيه من خلال استبطانه وتأويله.

الآمالُ الديموقراطيّةُ وحقوقُ الإنسانِ في العالمِ العربيّ

يطرح انبعاثُ الآمال الديموقراطيّة في العالم العربيّ، نتيجةً للحركات الشعبيّة القويّة الجارية في كلٍّ من السودان والجزائر، سؤالاً عن علاقة الديموقراطيّة بحقوق الإنسان التي لوقعها الأثر الأشدّ في تحديد مصير كلّ عمليّة ديموقراطيّة. إذ لا يمكن الكلام على ديموقراطيّة فعليّة وصحيحة من دون الكلام على حقوق الإنسان. غير أنّ التعبير عن هذه الحقوق كما ترد في شرعة حقوق الإنسان، غائب عن الخطاب السياسيّ في البلدَيْن المذكورَين سابقًا، كما كان غائبًا عن مطالب “الربيع العربيّ”.
يُبيِّن كاتب المقال ضرورة ربط الآمال الديموقراطيّة بالمطالب النابعة من شرعة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتّحدة، ربطًا جليًّا لا لبسَ فيه. ذلك أنّ نجاح كلّ مسعى ديموقراطيّ وإخفاقه يتوقّفان على حضور هذا الربط أو غيابه.

قصّة الصيد العجيب في إنجيل يوحنّا (21:11): 153 سمكةً مرّة أخرى

لقد أَولى مُفسِّرو الإنجيل الرابع (إنجيل يوحنّا) موضوعَ عدد الأسماك في يو 21: 11 أهميّة قصوى. وإن بدا معنى المشهد اللاهوتيّ واضحًا كفاية – تلميح إلى الخلاص الذي أتى به المسيح – فإنّ الاستفهام بشأن العدد 153 قد جرّبَ مخيّلةَ العلماء منذ أوغسطينس. أمّا غايةُ هذه النقطة فهي إضافة عدّة حجج إلى اقتراح ج. إمِرتون J. Emerton في العام 1958، اقتراح يشيرُ هذا العددُ بحسبه إلى حزقيّال 47: 1- 12. فيصبح من الأسهل بكثير إقامة الصلة بين الفقرتَين، ويتجلّى اتّساقُ هذه الإشارة اللاهوتيّ تجلّيًا أقوى ضمن الإطار العامّ اليوحنّاويّ اللاهوتيّ.
نقلته إلى العربيّة د. بتسا إستيفانو

الوجدان المارونيّ وتحدّيات الميثاق الوطنيّ اللبنانيّ في نظر المطران أنطوان- حميد موراني

يَعتبر المطران حميد موراني أنّ الإيمان هو المِحور الأساسيّ في الوجدان التاريخيّ المارونيّ. وقد طَبَعت الأمانة لهذا الإيمان، الوجدان والهويّة بحيث صارت قرارًا وسلوكًا وحياة. إلاّ أنّ ذلك لم يجعل الوجدان ينغلق على ذاته في عزلة حفاظًا على الإيمان، بل سار به تاريخيًا نحو الرّسالة. فالوجدان المارونيّ هو وجدان رساليّ، وهذا ما سمح له بالانفتاح على الآخر المُختلف الّذي هو المُسلم. وبالتالي ربط مصيره به في أرض محدّدة هي لبنان.
هذا البُعد الآخر في الذّات، رآه المطران موراني على أنّه ليس بعدًا خارجيًّا مُضافًا، بل جدليّة تحرّك الهويّة المارونيّة في العمق، وهي جدليّة الذات -الآخر. وبذلك أصبح الوجدان التاريخيّ المارونيّ أمام حاضر جديد مُتمثّل بالميثاق الوطنيّ، أي العلاقة بالآخر. فحياة الروح، كما يقول هيغيل، تبدأ حينما نخرج إلى حاضر العلاقة بالآخرين.
فالموارنة أصحاب رسالة في لبنان والشّرق. والوجدان المارونيّ قابل للانفتاح والتفاعل والإبداع. فلا بدّ من الدّخول في عمق الوجدان لابتداع مفاهيم جديدة تَحكم المستقبل. وللقيام بهذه المهمّة، لا بدّ من إجراء “عمليّة وجدانيّة” و”تمازج آفاق” بين المسلمين والمسيحيِّين.

السُّنّة في لبنان: نِهائيّة الكيان ومُتغيِّرات السياسة

يتكوّن المجتمع اللُّبناني من ثماني عشرة طائفةً دينيّةً، وهي مُمَثَّلة في النِّظام السياسي اللُّبناني، وذلك حفاظًا على جميع مكوِّنات المجتمع اللُّبناني التعدُّدي الطَّائفيّ، وإفساحاً في المجال أمام الطوائف جميعاً لأن تشارك في الحياة الوطنيَّة وفي القرارات المصيريّة وفي إِدارة شؤون الوطن.
إِنَّ التَّطور التَّاريخيّ للُبنان ككيانٍ سياسيٍّ وكمُجتمعٍ مُركّب، يُظهر لنا أَنَّه منذُ نشأته كانت هناك إشكاليّةٌ أساسيَّةٌ حول مبدأ وجود هذا الكيان؛ فقد كانت أغلبيّة المُسلمين وبخاصَّة السُّنَّة منهم، مُعارضةً لقيامه، فيما المسيحيُّون، وتحديداً الموارنة، تمسَّكوا به. فالبطريرك الحويّك كان في طليعة المُطالبين والسَّاعين إِلى استقلال لبنان الكبير وإلى إنشاء الدّولة العام 1920.
وبالرُّغم من إِعلان دولة لبنان الكبير العام 1920، ومن ثَمَّ إِعلان الجمهوريّة اللُّبنانيّة العام 1926، فقد حرصت الغالبيّة من الطَّائفة السُنيّة، على إِعلان رفضها لهذا الكيان مُنفصلاً عن سوريا. إلى أَن جاءت التَّسويّة العام 1943، بين الرَّئيسَين بشارة الخوري ورياض الصُّلح، مُتضمّنةً اعتراف المُسلمين عامَّةً، والسُنَّة خصوصاً، بهذا الكيان الجديد.
وبما أَنَّ أغلبيّة المُسلمين – ومن بينهم السُّنَّة – شعروا بأَنَّهم لم يحصلوا على المُشاركة المُتوازنة في السلطة طيلة عهد الاستقلال، لذلك عادوا للتَّهديد بالانضمام إِلى سوريا، ولم يتردَّدوا العام 1958 في المطالبة بالالتحاق بالجمهوريَّة العربيّة المُتَّحدة (مصر وسوريا).
وجاء اتّفاق الطَّائف العام 1989 ليشكّل تسويةً إضافيّةً في سلسلة التَّسويات التي عبَّرت عن اللَّااستقرار بين مكوِّنات المجتمع اللُّبناني، فقد أَدَّى هذا الاتّفاق إِلى توافق المُسلمين مع المسيحيّين على نهائيَّة لبنان. غير أَنَّ هذا التوافق هو غير مُستمرّ؛ ففي كلّ مرحلةٍ نشهد نزاعاتٍ بين المسيحيّين والمُسلمين من جهةٍ وبين المذاهب في كلّ طائفةٍ من جهةٍ أُخرى، على تقاسم السُّلطة وعلى هوِّيَة لبنان.

من هنا، فإِنَّ أَيَّ دراسةٍ لتاريخ لبنان لا يمكنها تجاهل مواقف الطَّوائف، وفي هذا السِّياق تكمن أَهميّة دراسة الموقف السُّنّي بما يعني التَّحوُّل من السَّلبيّة المُطلقة في رفض الكيان إِلى القبول النِّهائي به؛ ما يدفع بالتَّالي إِلى دراسة السِّياقات التَّاريخيّة التي دفعت السُّنَّة في هذا الاتِّجاه.

السياق القَلِق ونزاع المعجم والتركيب (دراسة في لسانيّات النصّ)

يهدف هذا البحث إلى الإجابة عن سياق لغويّ جديد وسمناه بالسياق القلق، ويبيّن قدرة كلّ من التركيب والمجمع وتنازعهما في خلق هذا السياق. وقد أجابت الدراسة عن الإشكاليّة الآتية: هل تستطيع النظريّة السياقيّة العربيّة “كلّ زيادة في المبنى- زيادة في المعنى”، حسم المعنى أم قد يحتاج إلى محاصرة ودقّة لإدراك قصديّته؟ هل استطاعت نظريّات السياق الحديثة… أن تثبّت المعنى تبعاً لها، ولا يعود (قَلِقاً)؟ أم شعّبته بين قاصدٍ واحدٍ ومتلقٍّ متنوّع؟ ما هو دور كلّ من المعجم والتركيب ونزاعهما في تأدية سياق دالّ حادّ للمعنى؛ أم تدفع هذه العلاقة إلى قلق في دلالة الألفاظ والمفردات والمعاني؟ كيف يمكننا أن نعالج هذا القلق السياقيّ بآليّات لغويّة نصّيّة بغية الوصول إلى مقاربة المعنى وتقييده بقصديّة مُثلى؟ لماذا لا نفيد من نزاع المعجم والتركيب في تحديد سياق جديد؛ ندعوه (السياق القلق) يضعنا أمام احتماليّة صوابيّة المعنى أو حسمه كنتيجة صراع منطقيّ بين المبنى والمعنى؟
وقد عالجناها بمراعاة المعادل الأصوليّ العربيّ ولسانيّات النصّ الحديثة، وقدّمنا بعض الأمثلة التطبيقيّة اللازمة.

الانتفاضة العسكريّة في متصرّفيَّة جبل لبنان -1913-

يلقي هذا المقال الضوء على التحرّك العسكريّ الذي حدث لأوّل مرّة في تاريخ لبنان الحديث العام 1913، ويعالج أسبابه وتفاصيل ماجرياته من شمال لبنان حتّى بعبدا مقرّ الحكومة المتصرفيَّة والمجلس الإداريّ (النيابيّ).
يبحث الكاتب في خبايا هذا الحدث وتفاعله بالاستناد الى الأرشيف الفرنسيّ ومحفوظات بلديَّة جونيه ومجموعة من صحف زمن المتصرفيَّة التي تُعدّ من أهم مصادر هذه الحقبة التاريخيّة.

التحصيل الدراسيّ والعوامل المؤثِّرة فيه

يُعتبر التحصيل الدراسيّ المدخل الرئيس الّذي يمكّن المعلّم تعرّف مشكلات نجاح بعض التلاميذ أو إخفاقهم في اكتساب المعلومات. ويمكن تقسيم التحصيل الدراسيّ إلى نوعين رئيسيّين وفقًا لمعيارَين هما درجة التحصيل ومجاله. لتظهرَ بالتالي مجموعة من العوامل المؤثّرة في التحصيل الدراسيّ تتوزّع ما بين عواملَ متعلّقةٍ بالتلميذ، وأخرى متعلّقةٍ بالبيئة المحيطة به. وتبرز أهميّة إحاطة المعلمّ بجميع هذه العوامل في سبيل تحقيق الأهداف التربويّة المنشود والنهوض بالعملية التعليميّة نحو الأفضل.

الفرنسيسكان في فلسطين إبّان القرن السابع عشر

كانت مدينةُ أورشليم، في القرن السابع عشر، مسرحَ خلافٍ كبير بين الجماعات المسيحيّة: الروم الأورثوذكس، واللاتين، والأرمن، والأقباط، والأثيوبيّين. وطوال هذه الفترة، عرف الفرنسيسكان ضيقًا اقتصاديًّا، وواجهوا الصعوبات بسبب ظلم الحكّام المحلّيّين، كما بسبب وضع الكنائس الواقعة في الأماكن المقدّسة بفلسطين، وقد دُمِّر عددٌ منها.
يعالجُ هذا المقالُ ظروفَ الفرنسيسكان في فلسطين بالقرن السابع عشر، ويذكر العوامل التي ساعدتهم على تخطّي الصعوبات والمتاعِب.

القدّيس سْتانِسْلاس كُوْسْتكا أوّل طوباويّ من الرهبانيّة اليسوعيّة (1)

تذكرُ لنا كاتبة هذا المقال الذي سيردُ في هذا العدد من مجلّة المشرق الكلامَ الذي قيلَ في القدّيس ستانِسلاس كوستكا بِغاية إكرامه. وبدايةً، تقدّمُ المعلومات الوافرة عن ولادته في بولونيا، وتتحدّثُ عن تأثير والديه فيما يخصّ تكوينَه الدينيّ، وتوجّهه وأخاه إلى المدرسة التي كانت الرهبانيّة اليسوعيّة قد أسّستها في فيينّا. هناك، شعرَ بالرغبة في الالتحاق بهذه الرهبانيّة. وبعد فترة من الوقت، أصيب بمرَضٍ قويّ فلجأ إلى القدّيسة بربارة التي سرعان ما استجابت له. وأمّا الحدَث الذي يمكن اعتباره أهمَّ ما حصل له في حياته فكان ظهور السيّدة العذراء مُعلنةً له أنّ يسوع يريده أن يكون فردًا من أفراد الرهبانيّة التي لطالما رغب في الانتماء إليها. فها هي الكاتبة تروي لنا كلَّ تلك الأحداث بدقّةٍ لافتة، وقد استندت إلى مراجعَ موثوق بها أعانتها في إجراء هذه الدراسة الشيّقة.

عجائب رجل الله الحردينيّ والشهادات. مخطوط غير مرقَّم في مكتبة الكسليك

جمع الأب أنطونيوس شبلي معلومات عن سيرة وعجائب قدّيسي الرهبانيّة اللبنانية المارونية: شربل مخلوف، ونعمة الله الحرديني، ودانيال الحدثيّ والأخت رفقا. لكنّه نشر فقط سيرة القدِّيسة رفقا العام 1948، والقدِّيس شربل العام 1950، وأدرج القدِّيس نعمةالله في ملف دعوى تطويبه العام 1926. والآن حقّقنا مخطوطه عن القدِّيس نعمةالله، آملين أن نكون هكذا قد حقّقنا أمنية المؤلّف.
عالج المخطوط ثلاثة موضوعات:
1- القسم الاكبر: عالج معجزات القدِّيس نعمةالله التي حصلت بشفاعته بحسب شهادة أصحابها، أو بحسب رواية شهود عرفوا المريض قبل شفائه وبعده، وعددها 19.
2- القسم الثاني: شهادات من معاصريه الذين رووا ما رأت أعينهم وما سمعت آذانهم، وعددهم 12.
3- القسم الثالث: سبع رسائل بخطّ يده.

الزواج، أهدافُه وخصائصه بحسب قوانين كنيسة المشرق

تسمى المرحلة الثانية من الزواج بالمشاركة “ܫܘܬܦܘܬܐ”, الزواج ” ܙܘܘܓܐ” وكذلك الزفاف “ܚܠܘܠܐ”. تبدأ هذه المرحلة بعد اكمال مرحلة الخطبة بفترة معينة يحددها الخطيبين او اهلهما؛ وفيها يتم زف العروس إلى منزل العريس بالتتويج والاحتفال, والتي بها تكتمل مراسيم الزواج وتبدأ الحياة الزوجية, ويمتلك بها الزوجين حق المعاشرة الزوجية, والاتحاد الجنسي, كما انهما يكتسبان حق الميراث المتبادل بينهما.
بالنسبة لتعريف الزواج في قوانين كنيسة المشرق, فلا نرى سوى تعريف وحيد قدمه عبديشوع الصوباوي (+1318) في مجموعته القانونية ” نظام الأحكام الكنسية “(تم تكريس هذه المجموعة ومجموعته الثانية: مجموعة مختصرة للقوانين السنهادوسية, رسمياً في مجمع مار طيماثيوس الثاني (1318) ولا زالتا ساريتا المفعول في كنيسة المشرق الاشورية وكنيسة الشرقية القديمة حتى الان), حيث يقول فيها: ” الزواج الشرعي هو اتفاق أو انسجام والفة بين رجل وامرأة, بالشهادة وبالصلاة الكهنوتية, وشركة ومعاشرة طبيعية, الذي يأتي بمساعدة او مساندة متبادلة لبعضهم البعض في هذه الحياة الزمنية, للتماسك الضروري, ولإنجاب الأطفال الذين يكونوا لهم خلفاً”.
من هذا التعريف يمكننا أن نستنتج اولاً, التأكيد الواضح على الموافقة الحرة والالتزام المتبادل بين الرجل والمرأة كشرط اساسي لعقد الزواج, ثم الوفاء بتنفيذه بالاحتفال بالزفاف واقامة حياة مشتركة, الذي نظمت بطبيعتها لصالح الزوجين وفي خدمة الأسرة وإنجاب الأطفال وتربيتهم.
أهداف الزواج
يعتبر مار عبديشوع الصوباوي (1318+) المؤلف الوحيد بين جميع المؤلفين القانونيين والمجامع في كنيسة المشرق, الذي حدد أهـداف الـزواج بصـورة منهجية وواضحة وصريحة وذلك في مجموعته القانونية ” نظام الأحكام الكنسية” في قانون خاص تحت عنوان ” هدف الزواج الشرعي “.
ويفصّل الكاتب أهداف الزواج وخصائصه بحسب مار عبديشوع الصوباوي (1318+) في هذا المقال.

جان-لوك ماريون: من الميتافيزيقا إلى الفينومينولوجيا

تشكّل فلسفة جان-لوك ماريون مُنعَطَفًا مُهمًّا في مجال الفلسفة، إذ تقيل الميتافيزيقا التي تماهت بها الفلسفة إبّان عصور، وذلك انطلاقًا من الفينومينولوجيا. ينطلق جان-لوك ماريون من فينومينولوجيا هوسرل وهايدغر مبيِّنًا أنّهما، وبالرغم من أهميّة ما أتوا به في هذا المجال، لم يتمكّنا من بلوغ العطاء الجذريّ؛ أي اعتبار أنّ كلّ ظاهرة تُعطى أوّلًا، فقد بقيت فلسفتهما أسيرة الموضوع والموجود هنا Dasein. يعطي جان-لوك ماريون الأوّليّة للعطاء في الظاهرانيّة، ويختزل كلّ شيء به لأنّ كلّ ما يظهر هو مُعطَى أوّلًا. فتتجلّى ظواهِر مُشبَعَة بالعطاء والحَدس تُعطي ذاتها وتكشف ذاتها للأنا التي لا تعود أساس الظواهر، ولا حتّى أساس ذاتها، بل هي “أنا” تستقبل الظواهر وتختبرها من الداخل وتتأثّر بها. يغيّر جان-لوك ماريون إذًا مفهوم الذاتيّة الكلاسيكيّ كذات مفكِّرَة أو حتّى كذات تجريبيّة. في هذا الإطار يتحدّث عن الحبّ ويحدّده كعطاء لا ينتظر شيئًا بالمقابل، كفِعلٍ وليس كمجرّد عاطفة، ومن دون أن يميّز بين إروس وأغابي، ليُصبِح الحبّ معه أحاديّ المعنى. والظاهرة الإروسيّة التي يصفها هي حالة من حالات العطاء ولكنّها حالة مميّزة، يعيشها كلّ إنسان في كلّ زمان وفي كلّ مكان، خارِجًا عن مبادئ الميتافيزيقا والمنطق الضيّق. من هنا، يفتح جان-لوك ماريون على عقلانيّة تفوق العقلانيّة في مفهومها السائد، عقلانيّة تفوق منطقنا ومبادئه المحدودة، وذلك لأنّها ليست عقلانيّة قصديّة تتوجّه نحو الظواهر، بل هي عقلانيّة تتلقّى فيض الحدس والعطاء في الظواهر عينها ومنها.

i

مقالات هذا العدد

وجهات الشعريّة: محاولات في قراءَتها من زوايا مختلفة

يعالجُ كاتبُ هذا المقال موضوعَ الشعريّة من جانبَين: الجانب النظريّ، من خلال دراسةٍ واضحة ومفصّلة، والجانب التطبيقيّ، من خلال مقاطعَ شعريّة تطبّقُ النظريّات المذكورة. لهذا، يباشر عمله بالتعريف عن مفهوم الشعريّة، ذاكرًا تأثيراتها البارزة في الأدب كما في حياة الناس. ثمّ يذكرُ مقتطفات شعريّة تُظهرُ الشعريّةَ وجمالها، منغمسةً في الوصف وفي تداخل الأفكار والألوان اللغويّة، بحسب عبقريّة شعراء زماننا، على غرار سعيد عقل ومخايل مسعود. إلّا أنّ مفهومَ الشعريّة يبقى موضوعًا يتطلّبُ المزيدَ من الدراسات والأبحاث على حدّ قول الكاتب؛ إنّه مجالٌ يفتح أبوابه لكلّ راغبٍ في اكتشاف جواهره الفريدة.

الشّعريّة المزدوجة – شعريّة الكتابة وشعريّة القراءة (ديوان طائر الفينيق أنموذجًا)

يستقبل القارئ النّموذجيّ مجموعة المعنى، أو جماليّة التلقّي حين يكون النّص فاعلًا والقارئ منفعلًا في آنٍ واحد. هي عمليّة ذات وجهين أحدهما الأثر الذي ينتجه العمل الأدبيّ في القارئ، والآخر كيفيّة استقبال القارئ لهذا العمل؛ فإمّا أن يجعلَ من نفسه مجرّد مستهلك للنّص، أو ناقد، فيتخطّى فكرة المعنى من خلال إنتاج تفسير جديد يفوق عمل النّصّ الأصليّ. إنّ هذا العمل يجمع في طيّاته “شعريّة مزدوجة”، بعد أن يتخطّى القارئ دهشة القراءة، ويبدأ ببناء عالم مدهش يحاول البقاء فيه من خلال استبطانه وتأويله.

الآمالُ الديموقراطيّةُ وحقوقُ الإنسانِ في العالمِ العربيّ

يطرح انبعاثُ الآمال الديموقراطيّة في العالم العربيّ، نتيجةً للحركات الشعبيّة القويّة الجارية في كلٍّ من السودان والجزائر، سؤالاً عن علاقة الديموقراطيّة بحقوق الإنسان التي لوقعها الأثر الأشدّ في تحديد مصير كلّ عمليّة ديموقراطيّة. إذ لا يمكن الكلام على ديموقراطيّة فعليّة وصحيحة من دون الكلام على حقوق الإنسان. غير أنّ التعبير عن هذه الحقوق كما ترد في شرعة حقوق الإنسان، غائب عن الخطاب السياسيّ في البلدَيْن المذكورَين سابقًا، كما كان غائبًا عن مطالب “الربيع العربيّ”.
يُبيِّن كاتب المقال ضرورة ربط الآمال الديموقراطيّة بالمطالب النابعة من شرعة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتّحدة، ربطًا جليًّا لا لبسَ فيه. ذلك أنّ نجاح كلّ مسعى ديموقراطيّ وإخفاقه يتوقّفان على حضور هذا الربط أو غيابه.

قصّة الصيد العجيب في إنجيل يوحنّا (21:11): 153 سمكةً مرّة أخرى

لقد أَولى مُفسِّرو الإنجيل الرابع (إنجيل يوحنّا) موضوعَ عدد الأسماك في يو 21: 11 أهميّة قصوى. وإن بدا معنى المشهد اللاهوتيّ واضحًا كفاية – تلميح إلى الخلاص الذي أتى به المسيح – فإنّ الاستفهام بشأن العدد 153 قد جرّبَ مخيّلةَ العلماء منذ أوغسطينس. أمّا غايةُ هذه النقطة فهي إضافة عدّة حجج إلى اقتراح ج. إمِرتون J. Emerton في العام 1958، اقتراح يشيرُ هذا العددُ بحسبه إلى حزقيّال 47: 1- 12. فيصبح من الأسهل بكثير إقامة الصلة بين الفقرتَين، ويتجلّى اتّساقُ هذه الإشارة اللاهوتيّ تجلّيًا أقوى ضمن الإطار العامّ اليوحنّاويّ اللاهوتيّ.
نقلته إلى العربيّة د. بتسا إستيفانو

الوجدان المارونيّ وتحدّيات الميثاق الوطنيّ اللبنانيّ في نظر المطران أنطوان- حميد موراني

يَعتبر المطران حميد موراني أنّ الإيمان هو المِحور الأساسيّ في الوجدان التاريخيّ المارونيّ. وقد طَبَعت الأمانة لهذا الإيمان، الوجدان والهويّة بحيث صارت قرارًا وسلوكًا وحياة. إلاّ أنّ ذلك لم يجعل الوجدان ينغلق على ذاته في عزلة حفاظًا على الإيمان، بل سار به تاريخيًا نحو الرّسالة. فالوجدان المارونيّ هو وجدان رساليّ، وهذا ما سمح له بالانفتاح على الآخر المُختلف الّذي هو المُسلم. وبالتالي ربط مصيره به في أرض محدّدة هي لبنان.
هذا البُعد الآخر في الذّات، رآه المطران موراني على أنّه ليس بعدًا خارجيًّا مُضافًا، بل جدليّة تحرّك الهويّة المارونيّة في العمق، وهي جدليّة الذات -الآخر. وبذلك أصبح الوجدان التاريخيّ المارونيّ أمام حاضر جديد مُتمثّل بالميثاق الوطنيّ، أي العلاقة بالآخر. فحياة الروح، كما يقول هيغيل، تبدأ حينما نخرج إلى حاضر العلاقة بالآخرين.
فالموارنة أصحاب رسالة في لبنان والشّرق. والوجدان المارونيّ قابل للانفتاح والتفاعل والإبداع. فلا بدّ من الدّخول في عمق الوجدان لابتداع مفاهيم جديدة تَحكم المستقبل. وللقيام بهذه المهمّة، لا بدّ من إجراء “عمليّة وجدانيّة” و”تمازج آفاق” بين المسلمين والمسيحيِّين.

السُّنّة في لبنان: نِهائيّة الكيان ومُتغيِّرات السياسة

يتكوّن المجتمع اللُّبناني من ثماني عشرة طائفةً دينيّةً، وهي مُمَثَّلة في النِّظام السياسي اللُّبناني، وذلك حفاظًا على جميع مكوِّنات المجتمع اللُّبناني التعدُّدي الطَّائفيّ، وإفساحاً في المجال أمام الطوائف جميعاً لأن تشارك في الحياة الوطنيَّة وفي القرارات المصيريّة وفي إِدارة شؤون الوطن.
إِنَّ التَّطور التَّاريخيّ للُبنان ككيانٍ سياسيٍّ وكمُجتمعٍ مُركّب، يُظهر لنا أَنَّه منذُ نشأته كانت هناك إشكاليّةٌ أساسيَّةٌ حول مبدأ وجود هذا الكيان؛ فقد كانت أغلبيّة المُسلمين وبخاصَّة السُّنَّة منهم، مُعارضةً لقيامه، فيما المسيحيُّون، وتحديداً الموارنة، تمسَّكوا به. فالبطريرك الحويّك كان في طليعة المُطالبين والسَّاعين إِلى استقلال لبنان الكبير وإلى إنشاء الدّولة العام 1920.
وبالرُّغم من إِعلان دولة لبنان الكبير العام 1920، ومن ثَمَّ إِعلان الجمهوريّة اللُّبنانيّة العام 1926، فقد حرصت الغالبيّة من الطَّائفة السُنيّة، على إِعلان رفضها لهذا الكيان مُنفصلاً عن سوريا. إلى أَن جاءت التَّسويّة العام 1943، بين الرَّئيسَين بشارة الخوري ورياض الصُّلح، مُتضمّنةً اعتراف المُسلمين عامَّةً، والسُنَّة خصوصاً، بهذا الكيان الجديد.
وبما أَنَّ أغلبيّة المُسلمين – ومن بينهم السُّنَّة – شعروا بأَنَّهم لم يحصلوا على المُشاركة المُتوازنة في السلطة طيلة عهد الاستقلال، لذلك عادوا للتَّهديد بالانضمام إِلى سوريا، ولم يتردَّدوا العام 1958 في المطالبة بالالتحاق بالجمهوريَّة العربيّة المُتَّحدة (مصر وسوريا).
وجاء اتّفاق الطَّائف العام 1989 ليشكّل تسويةً إضافيّةً في سلسلة التَّسويات التي عبَّرت عن اللَّااستقرار بين مكوِّنات المجتمع اللُّبناني، فقد أَدَّى هذا الاتّفاق إِلى توافق المُسلمين مع المسيحيّين على نهائيَّة لبنان. غير أَنَّ هذا التوافق هو غير مُستمرّ؛ ففي كلّ مرحلةٍ نشهد نزاعاتٍ بين المسيحيّين والمُسلمين من جهةٍ وبين المذاهب في كلّ طائفةٍ من جهةٍ أُخرى، على تقاسم السُّلطة وعلى هوِّيَة لبنان.

من هنا، فإِنَّ أَيَّ دراسةٍ لتاريخ لبنان لا يمكنها تجاهل مواقف الطَّوائف، وفي هذا السِّياق تكمن أَهميّة دراسة الموقف السُّنّي بما يعني التَّحوُّل من السَّلبيّة المُطلقة في رفض الكيان إِلى القبول النِّهائي به؛ ما يدفع بالتَّالي إِلى دراسة السِّياقات التَّاريخيّة التي دفعت السُّنَّة في هذا الاتِّجاه.

السياق القَلِق ونزاع المعجم والتركيب (دراسة في لسانيّات النصّ)

يهدف هذا البحث إلى الإجابة عن سياق لغويّ جديد وسمناه بالسياق القلق، ويبيّن قدرة كلّ من التركيب والمجمع وتنازعهما في خلق هذا السياق. وقد أجابت الدراسة عن الإشكاليّة الآتية: هل تستطيع النظريّة السياقيّة العربيّة “كلّ زيادة في المبنى- زيادة في المعنى”، حسم المعنى أم قد يحتاج إلى محاصرة ودقّة لإدراك قصديّته؟ هل استطاعت نظريّات السياق الحديثة… أن تثبّت المعنى تبعاً لها، ولا يعود (قَلِقاً)؟ أم شعّبته بين قاصدٍ واحدٍ ومتلقٍّ متنوّع؟ ما هو دور كلّ من المعجم والتركيب ونزاعهما في تأدية سياق دالّ حادّ للمعنى؛ أم تدفع هذه العلاقة إلى قلق في دلالة الألفاظ والمفردات والمعاني؟ كيف يمكننا أن نعالج هذا القلق السياقيّ بآليّات لغويّة نصّيّة بغية الوصول إلى مقاربة المعنى وتقييده بقصديّة مُثلى؟ لماذا لا نفيد من نزاع المعجم والتركيب في تحديد سياق جديد؛ ندعوه (السياق القلق) يضعنا أمام احتماليّة صوابيّة المعنى أو حسمه كنتيجة صراع منطقيّ بين المبنى والمعنى؟
وقد عالجناها بمراعاة المعادل الأصوليّ العربيّ ولسانيّات النصّ الحديثة، وقدّمنا بعض الأمثلة التطبيقيّة اللازمة.

الانتفاضة العسكريّة في متصرّفيَّة جبل لبنان -1913-

يلقي هذا المقال الضوء على التحرّك العسكريّ الذي حدث لأوّل مرّة في تاريخ لبنان الحديث العام 1913، ويعالج أسبابه وتفاصيل ماجرياته من شمال لبنان حتّى بعبدا مقرّ الحكومة المتصرفيَّة والمجلس الإداريّ (النيابيّ).
يبحث الكاتب في خبايا هذا الحدث وتفاعله بالاستناد الى الأرشيف الفرنسيّ ومحفوظات بلديَّة جونيه ومجموعة من صحف زمن المتصرفيَّة التي تُعدّ من أهم مصادر هذه الحقبة التاريخيّة.

التحصيل الدراسيّ والعوامل المؤثِّرة فيه

يُعتبر التحصيل الدراسيّ المدخل الرئيس الّذي يمكّن المعلّم تعرّف مشكلات نجاح بعض التلاميذ أو إخفاقهم في اكتساب المعلومات. ويمكن تقسيم التحصيل الدراسيّ إلى نوعين رئيسيّين وفقًا لمعيارَين هما درجة التحصيل ومجاله. لتظهرَ بالتالي مجموعة من العوامل المؤثّرة في التحصيل الدراسيّ تتوزّع ما بين عواملَ متعلّقةٍ بالتلميذ، وأخرى متعلّقةٍ بالبيئة المحيطة به. وتبرز أهميّة إحاطة المعلمّ بجميع هذه العوامل في سبيل تحقيق الأهداف التربويّة المنشود والنهوض بالعملية التعليميّة نحو الأفضل.

الفرنسيسكان في فلسطين إبّان القرن السابع عشر

كانت مدينةُ أورشليم، في القرن السابع عشر، مسرحَ خلافٍ كبير بين الجماعات المسيحيّة: الروم الأورثوذكس، واللاتين، والأرمن، والأقباط، والأثيوبيّين. وطوال هذه الفترة، عرف الفرنسيسكان ضيقًا اقتصاديًّا، وواجهوا الصعوبات بسبب ظلم الحكّام المحلّيّين، كما بسبب وضع الكنائس الواقعة في الأماكن المقدّسة بفلسطين، وقد دُمِّر عددٌ منها.
يعالجُ هذا المقالُ ظروفَ الفرنسيسكان في فلسطين بالقرن السابع عشر، ويذكر العوامل التي ساعدتهم على تخطّي الصعوبات والمتاعِب.

القدّيس سْتانِسْلاس كُوْسْتكا أوّل طوباويّ من الرهبانيّة اليسوعيّة (1)

تذكرُ لنا كاتبة هذا المقال الذي سيردُ في هذا العدد من مجلّة المشرق الكلامَ الذي قيلَ في القدّيس ستانِسلاس كوستكا بِغاية إكرامه. وبدايةً، تقدّمُ المعلومات الوافرة عن ولادته في بولونيا، وتتحدّثُ عن تأثير والديه فيما يخصّ تكوينَه الدينيّ، وتوجّهه وأخاه إلى المدرسة التي كانت الرهبانيّة اليسوعيّة قد أسّستها في فيينّا. هناك، شعرَ بالرغبة في الالتحاق بهذه الرهبانيّة. وبعد فترة من الوقت، أصيب بمرَضٍ قويّ فلجأ إلى القدّيسة بربارة التي سرعان ما استجابت له. وأمّا الحدَث الذي يمكن اعتباره أهمَّ ما حصل له في حياته فكان ظهور السيّدة العذراء مُعلنةً له أنّ يسوع يريده أن يكون فردًا من أفراد الرهبانيّة التي لطالما رغب في الانتماء إليها. فها هي الكاتبة تروي لنا كلَّ تلك الأحداث بدقّةٍ لافتة، وقد استندت إلى مراجعَ موثوق بها أعانتها في إجراء هذه الدراسة الشيّقة.

عجائب رجل الله الحردينيّ والشهادات. مخطوط غير مرقَّم في مكتبة الكسليك

جمع الأب أنطونيوس شبلي معلومات عن سيرة وعجائب قدّيسي الرهبانيّة اللبنانية المارونية: شربل مخلوف، ونعمة الله الحرديني، ودانيال الحدثيّ والأخت رفقا. لكنّه نشر فقط سيرة القدِّيسة رفقا العام 1948، والقدِّيس شربل العام 1950، وأدرج القدِّيس نعمةالله في ملف دعوى تطويبه العام 1926. والآن حقّقنا مخطوطه عن القدِّيس نعمةالله، آملين أن نكون هكذا قد حقّقنا أمنية المؤلّف.
عالج المخطوط ثلاثة موضوعات:
1- القسم الاكبر: عالج معجزات القدِّيس نعمةالله التي حصلت بشفاعته بحسب شهادة أصحابها، أو بحسب رواية شهود عرفوا المريض قبل شفائه وبعده، وعددها 19.
2- القسم الثاني: شهادات من معاصريه الذين رووا ما رأت أعينهم وما سمعت آذانهم، وعددهم 12.
3- القسم الثالث: سبع رسائل بخطّ يده.

الزواج، أهدافُه وخصائصه بحسب قوانين كنيسة المشرق

تسمى المرحلة الثانية من الزواج بالمشاركة “ܫܘܬܦܘܬܐ”, الزواج ” ܙܘܘܓܐ” وكذلك الزفاف “ܚܠܘܠܐ”. تبدأ هذه المرحلة بعد اكمال مرحلة الخطبة بفترة معينة يحددها الخطيبين او اهلهما؛ وفيها يتم زف العروس إلى منزل العريس بالتتويج والاحتفال, والتي بها تكتمل مراسيم الزواج وتبدأ الحياة الزوجية, ويمتلك بها الزوجين حق المعاشرة الزوجية, والاتحاد الجنسي, كما انهما يكتسبان حق الميراث المتبادل بينهما.
بالنسبة لتعريف الزواج في قوانين كنيسة المشرق, فلا نرى سوى تعريف وحيد قدمه عبديشوع الصوباوي (+1318) في مجموعته القانونية ” نظام الأحكام الكنسية “(تم تكريس هذه المجموعة ومجموعته الثانية: مجموعة مختصرة للقوانين السنهادوسية, رسمياً في مجمع مار طيماثيوس الثاني (1318) ولا زالتا ساريتا المفعول في كنيسة المشرق الاشورية وكنيسة الشرقية القديمة حتى الان), حيث يقول فيها: ” الزواج الشرعي هو اتفاق أو انسجام والفة بين رجل وامرأة, بالشهادة وبالصلاة الكهنوتية, وشركة ومعاشرة طبيعية, الذي يأتي بمساعدة او مساندة متبادلة لبعضهم البعض في هذه الحياة الزمنية, للتماسك الضروري, ولإنجاب الأطفال الذين يكونوا لهم خلفاً”.
من هذا التعريف يمكننا أن نستنتج اولاً, التأكيد الواضح على الموافقة الحرة والالتزام المتبادل بين الرجل والمرأة كشرط اساسي لعقد الزواج, ثم الوفاء بتنفيذه بالاحتفال بالزفاف واقامة حياة مشتركة, الذي نظمت بطبيعتها لصالح الزوجين وفي خدمة الأسرة وإنجاب الأطفال وتربيتهم.
أهداف الزواج
يعتبر مار عبديشوع الصوباوي (1318+) المؤلف الوحيد بين جميع المؤلفين القانونيين والمجامع في كنيسة المشرق, الذي حدد أهـداف الـزواج بصـورة منهجية وواضحة وصريحة وذلك في مجموعته القانونية ” نظام الأحكام الكنسية” في قانون خاص تحت عنوان ” هدف الزواج الشرعي “.
ويفصّل الكاتب أهداف الزواج وخصائصه بحسب مار عبديشوع الصوباوي (1318+) في هذا المقال.

جان-لوك ماريون: من الميتافيزيقا إلى الفينومينولوجيا

تشكّل فلسفة جان-لوك ماريون مُنعَطَفًا مُهمًّا في مجال الفلسفة، إذ تقيل الميتافيزيقا التي تماهت بها الفلسفة إبّان عصور، وذلك انطلاقًا من الفينومينولوجيا. ينطلق جان-لوك ماريون من فينومينولوجيا هوسرل وهايدغر مبيِّنًا أنّهما، وبالرغم من أهميّة ما أتوا به في هذا المجال، لم يتمكّنا من بلوغ العطاء الجذريّ؛ أي اعتبار أنّ كلّ ظاهرة تُعطى أوّلًا، فقد بقيت فلسفتهما أسيرة الموضوع والموجود هنا Dasein. يعطي جان-لوك ماريون الأوّليّة للعطاء في الظاهرانيّة، ويختزل كلّ شيء به لأنّ كلّ ما يظهر هو مُعطَى أوّلًا. فتتجلّى ظواهِر مُشبَعَة بالعطاء والحَدس تُعطي ذاتها وتكشف ذاتها للأنا التي لا تعود أساس الظواهر، ولا حتّى أساس ذاتها، بل هي “أنا” تستقبل الظواهر وتختبرها من الداخل وتتأثّر بها. يغيّر جان-لوك ماريون إذًا مفهوم الذاتيّة الكلاسيكيّ كذات مفكِّرَة أو حتّى كذات تجريبيّة. في هذا الإطار يتحدّث عن الحبّ ويحدّده كعطاء لا ينتظر شيئًا بالمقابل، كفِعلٍ وليس كمجرّد عاطفة، ومن دون أن يميّز بين إروس وأغابي، ليُصبِح الحبّ معه أحاديّ المعنى. والظاهرة الإروسيّة التي يصفها هي حالة من حالات العطاء ولكنّها حالة مميّزة، يعيشها كلّ إنسان في كلّ زمان وفي كلّ مكان، خارِجًا عن مبادئ الميتافيزيقا والمنطق الضيّق. من هنا، يفتح جان-لوك ماريون على عقلانيّة تفوق العقلانيّة في مفهومها السائد، عقلانيّة تفوق منطقنا ومبادئه المحدودة، وذلك لأنّها ليست عقلانيّة قصديّة تتوجّه نحو الظواهر، بل هي عقلانيّة تتلقّى فيض الحدس والعطاء في الظواهر عينها ومنها.

Share This