السّنة السّادسة والتّسعون | الجزء الثّاني | تمّوز- كانون الأوّل ٢٠٢٢
اِشتر نسختك الرقميّة
افتتـاحيّــة العدد
اقرأ الافتتاحيّة كاملةً
الهجرة والنّزوح واللّجوء: كيف نتغلّب على المأساة؟
تفيدنا دراسة الدّكتور بطرس لبكي في «هجرة اللّبنانيّين بعد 1990» الّتي تستهلّ هذا العدد من «المشرق» في أنّ ما يقارب المليونين والنّصف من اللّبنانيّين غادروا بلادهم حتّى نهاية السّنة 2021. من الأسباب الرّئيسة لذلك التّخبّط المستمرّ في النّموّ الاقتصاديّ، ذلك أنّ البلاد تعيش أزمات سياسيّة متلاحقة تمنعها من التّنفّس بصورة طبيعيّة. فإذا كان السّبب هو البحث عن عمل منتج ومردود ماليّ ملائم، فإنّ آثار تلك الهجرة تبدو سلبيّة وعلى أكثر من مستوى: فالمجتمع اللّبنانيّ تسوده الإناث، بما أنّ ما يقارب الثّلثين من المهاجرين هم من الذّكور، وكذلك فإنّ البلاد تخسر نصف متعلّميها من الجامعيّين الموصوفين بالأدمغة المبدعة، بالإضافة إلى سُلّم الأعمار الّذي يُظهر مجتمعًا متقدّمًا في العمر. يبقى أنّ الهجرة الدّائمة والمرحليّة تتقاسمان الصّورة في حين أنّ مردود المهاجرين الماليّ صوب بلادهم الأمّ ليس من أهداف الدّراسة، مع العلم أنّ مدخول المهاجرين اللّبنانيّين المالي هو جوهريّ قياسًا إلى حاجات المجتمع اللّبنانيّ.
هذه الصّورة المختصرة الّتي تطلع بها الدّراسة بشأن الهجرة الإراديّة في الانتقال من بلد المصدر إلى بلدان أخرى في مختلف أصقاع الأرض ترشدنا إلى حالة أشدّ مأساويّة هي الهجرة غير الشّرعيّة في قوارب الموت، وخلسة عبر الحدود، ممّا يتسبّب في غالب الأحيان بوقوع العديد، لا بل المئات، من الضّحايا، ولنا في القارب الذي غرِقَ بمن فيه في مياه شماليّ لبنان منذ بضعة أشهر نموذج للمأساة الّتي تعيشها طبقات اجتماعيّة فقيرة معوزة، لا أمل لها سوى في الذّهاب في مغامرات غير محسوبة النّتائج. وإنْ نجحت المغامرة، فإنّ الابتعاد عن الجذور والعادات والتّقاليد إنّما يؤسّس ليس لمجرّد هجرة من الهجرات بل لغُربة قاسية عن الوطن، ولنا في ذلك مثال، السوريّون الّذين غادروا إلى دول أخرى لاجئين تسكنهم مرارة الانفصال والإحباط، حتّى ولو وجدوا في أوطانهم الجديدة حكومات يهمّها اندماج اللّاجئين في مجتمعاتهم الجديدة وإلّا أصبحوا خطرًا على ذواتهم وعلى تلك المجتمعات المضيفة.
يقول أحدهم : إن أردت أن تفهم طعم اللّجوء من بعد الهجرة، عليك أن تعيش ولو لأيّام مع اللّاجئ والمهاجر والنّازح في خيمة أو في مكان إقامته، حتّى ولو أصبح وجودهُ شرعيًّا ومشروعًا. إذّ ذاك تفهم الألم الّذي يعصر ذلك اللّاجئ بفعل الحرب أو بفعل سياسة الأرض المحروقة والبيوت المهدّمة أو بفعل سياسة إحلال سكّانٍ جدد مكان السّكّان الأصليّين.
وإذا كان أصحاب الهجرة الشّرعيّة العاديّة بحاجة إلى مَن يساعدهم من الأهل والأصدقاء في التّكيّف مع الواقع الجديد، فإنّ أصحاب الهجرة الشّرعيّة، إن وصلوا إلى أرض الميعاد الجديدة، بحاجة إلى الاهتمام على أكثر من صعيد، من الإقامة البِدائيّة إلى المأكل والمشرب، وتحضيرًا إلى الدّعم النّفسيّ والتّعليم لأبنائهم وبناتهم. وهذه العمليّة لن تكون على مرحلة قصيرة بل إنّ التّجربة تقول بأنّ المساعدة في هذه الحالات هي لأكثر من سنة وربّما تمتدّ لسنوات.
وبمختصر القول، أكان الأمر يتعلّق بالهجرة الشّرعيّة أو غير الشّرعيّة، وكذلك بالنّزوح الكثيف، كما رأينا منذ زمن قصير، وما يتبعه من عمليّة لجوء مقدِّمةً للاغتراب والعيش في ما يشبه المنفى، فإنّ ما يجدر العمل عليه بصورة جدّيّة على مستوى السّياسات الشّاملة والخاصّة ببعض المناطق، هو معالجة أوضاع تلك الأوطان البائسة وإحلال السّلام مكان العنف، والتّنمية والإنماء المُستدام مكان التّخلّف ونهب الثّروات.
قال البابا فرنسيس كلمته في هذه الأوضاع بأنّ كرامة الإنسان هي القيمة الفضلى الّتي ينبغي الدّفاع عنها في كلّ حال وحين، وبأن لا سلام من دون توجيه السّياسة نحو أهدافها السّامية في خدمة الوطن والمواطن.
الأب سليم دكّاش اليسوعيّ : رئيس تحرير مجلّة المشرق. رئيس جامعة القدّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتّحاد الدّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز دكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، ودكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السّوربون 1 (1988)، ويدرّس فلسفة الدّين والحوار بين الأديان والرّوحانيّة السّريانيّة في كلّيّة العلوم الدّينيّة في الجامعة اليسوعيّة.
[email protected]
افتتـاحيّــة العدد
اقرأ الافتتاحيّة كاملةً
الهجرة والنّزوح واللّجوء: كيف نتغلّب على المأساة؟
تفيدنا دراسة الدّكتور بطرس لبكي في «هجرة اللّبنانيّين بعد 1990» الّتي تستهلّ هذا العدد من «المشرق» في أنّ ما يقارب المليونين والنّصف من اللّبنانيّين غادروا بلادهم حتّى نهاية السّنة 2021. من الأسباب الرّئيسة لذلك التّخبّط المستمرّ في النّموّ الاقتصاديّ، ذلك أنّ البلاد تعيش أزمات سياسيّة متلاحقة تمنعها من التّنفّس بصورة طبيعيّة. فإذا كان السّبب هو البحث عن عمل منتج ومردود ماليّ ملائم، فإنّ آثار تلك الهجرة تبدو سلبيّة وعلى أكثر من مستوى: فالمجتمع اللّبنانيّ تسوده الإناث، بما أنّ ما يقارب الثّلثين من المهاجرين هم من الذّكور، وكذلك فإنّ البلاد تخسر نصف متعلّميها من الجامعيّين الموصوفين بالأدمغة المبدعة، بالإضافة إلى سُلّم الأعمار الّذي يُظهر مجتمعًا متقدّمًا في العمر. يبقى أنّ الهجرة الدّائمة والمرحليّة تتقاسمان الصّورة في حين أنّ مردود المهاجرين الماليّ صوب بلادهم الأمّ ليس من أهداف الدّراسة، مع العلم أنّ مدخول المهاجرين اللّبنانيّين المالي هو جوهريّ قياسًا إلى حاجات المجتمع اللّبنانيّ.
هذه الصّورة المختصرة الّتي تطلع بها الدّراسة بشأن الهجرة الإراديّة في الانتقال من بلد المصدر إلى بلدان أخرى في مختلف أصقاع الأرض ترشدنا إلى حالة أشدّ مأساويّة هي الهجرة غير الشّرعيّة في قوارب الموت، وخلسة عبر الحدود، ممّا يتسبّب في غالب الأحيان بوقوع العديد، لا بل المئات، من الضّحايا، ولنا في القارب الذي غرِقَ بمن فيه في مياه شماليّ لبنان منذ بضعة أشهر نموذج للمأساة الّتي تعيشها طبقات اجتماعيّة فقيرة معوزة، لا أمل لها سوى في الذّهاب في مغامرات غير محسوبة النّتائج. وإنْ نجحت المغامرة، فإنّ الابتعاد عن الجذور والعادات والتّقاليد إنّما يؤسّس ليس لمجرّد هجرة من الهجرات بل لغُربة قاسية عن الوطن، ولنا في ذلك مثال، السوريّون الّذين غادروا إلى دول أخرى لاجئين تسكنهم مرارة الانفصال والإحباط، حتّى ولو وجدوا في أوطانهم الجديدة حكومات يهمّها اندماج اللّاجئين في مجتمعاتهم الجديدة وإلّا أصبحوا خطرًا على ذواتهم وعلى تلك المجتمعات المضيفة.
يقول أحدهم : إن أردت أن تفهم طعم اللّجوء من بعد الهجرة، عليك أن تعيش ولو لأيّام مع اللّاجئ والمهاجر والنّازح في خيمة أو في مكان إقامته، حتّى ولو أصبح وجودهُ شرعيًّا ومشروعًا. إذّ ذاك تفهم الألم الّذي يعصر ذلك اللّاجئ بفعل الحرب أو بفعل سياسة الأرض المحروقة والبيوت المهدّمة أو بفعل سياسة إحلال سكّانٍ جدد مكان السّكّان الأصليّين.
وإذا كان أصحاب الهجرة الشّرعيّة العاديّة بحاجة إلى مَن يساعدهم من الأهل والأصدقاء في التّكيّف مع الواقع الجديد، فإنّ أصحاب الهجرة الشّرعيّة، إن وصلوا إلى أرض الميعاد الجديدة، بحاجة إلى الاهتمام على أكثر من صعيد، من الإقامة البِدائيّة إلى المأكل والمشرب، وتحضيرًا إلى الدّعم النّفسيّ والتّعليم لأبنائهم وبناتهم. وهذه العمليّة لن تكون على مرحلة قصيرة بل إنّ التّجربة تقول بأنّ المساعدة في هذه الحالات هي لأكثر من سنة وربّما تمتدّ لسنوات.
وبمختصر القول، أكان الأمر يتعلّق بالهجرة الشّرعيّة أو غير الشّرعيّة، وكذلك بالنّزوح الكثيف، كما رأينا منذ زمن قصير، وما يتبعه من عمليّة لجوء مقدِّمةً للاغتراب والعيش في ما يشبه المنفى، فإنّ ما يجدر العمل عليه بصورة جدّيّة على مستوى السّياسات الشّاملة والخاصّة ببعض المناطق، هو معالجة أوضاع تلك الأوطان البائسة وإحلال السّلام مكان العنف، والتّنمية والإنماء المُستدام مكان التّخلّف ونهب الثّروات.
قال البابا فرنسيس كلمته في هذه الأوضاع بأنّ كرامة الإنسان هي القيمة الفضلى الّتي ينبغي الدّفاع عنها في كلّ حال وحين، وبأن لا سلام من دون توجيه السّياسة نحو أهدافها السّامية في خدمة الوطن والمواطن.
الأب سليم دكّاش اليسوعيّ : رئيس تحرير مجلّة المشرق. رئيس جامعة القدّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتّحاد الدّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز دكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، ودكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السّوربون 1 (1988)، ويدرّس فلسفة الدّين والحوار بين الأديان والرّوحانيّة السّريانيّة في كلّيّة العلوم الدّينيّة في الجامعة اليسوعيّة.
[email protected]
محتويات العدد
الهجرة والنّزوح واللّجوء: كيف نتغلّب على المأساة؟
هجرة اللّبنانيّين بعد 1990 من الأقلمة إلى العولمة
بقلم الدّكتور بطرس لبكي
الحرب العالميّة الثّانية وانعكاساتها على سكّان منطقة مرجعيون (الجزء الثاني)
بقلم الدّكتورة جوليات الرّاسي
تجلّيات التّفاعل الثّقافيّ في الأدب المهجريّ (إيليّا أبو ماضي أنموذجًا)
بقلم الدّكتور عماد غنّوم
أسماءُ الأصوات ومُشْتَقَّاتُها في اللَّهْجَة اللُّبنانيَّة دراسةٌ معجميَّةٌ
بقلم إباء الدِّين بو مَرعي
ابن جنّي في الاشتقاق الكبير بين الوهم والتّعسّف
بقلم مروى يخني
مقالات هذا العدد
هجرة اللّبنانيّين بعد 1990 من الأقلمة إلى العولمة
أعادت الهجرة اللّبنانيّة انطلاقتها في منتصف تسعينيّات القرن الماضي بعد ركود أصابها في نهاية الحرب، بخاصّة مع بداية التّباطؤ الاقتصاديّ العائد إلى السّياسات الماليّة والنقديّة والتّجاريّة المعروفة منذ التّسعينيّات. وتراجعت الهجرة في مطلع العام 2000 بسبب الوضع في الخليج والعراق. وكان من نتائج هذه الحرب : تأنيث المجتمع اللّبنانيّ، وتراجع النّموّ الدّيمغرافيّ وخسائر بالرّأسمال البشريّ بسبب الإنفاق على تكوين الأشخاص وتربيتهم في لبنان، لتستفيد منهم دول مقصد المهاجرين، بخاصّة المهاجرين الجامعيّين الّذين شكّلوا منذ مطلع القرن العشرين حوالى نصف العدد الإجماليّ للمهاجرين، فيكون لبنان استثمر في تكوين رأسمال بشريّ لدول المقصد.
وقد تطوّر تركيب المهاجرين الطّائفيّ فانقلب من هجرة أكثريّتها مسيحيّة إلى هجرة أكثريّتها إسلاميّة بسبب عوامل عديدة، نوضحها في نصّ المقالة.
وقد تنوّعت بلدان المقصد في مطلع القرن الواحد والعشرين، فانخفضت الهجرة إلى دول الخليج ، وهي مؤقّتة، وزادت الهجرة إلى الدّول الصّناعيّة مثل كندا وأوستراليا وأوروبّا والولايات المتّحدة، في سبيل البحث عن عمل أساسًا، ثمّ لجمع شمل الأسرة، كما هربًا من الوضع المأساويّ في لبنان.
كلمات مفتاحيّة: هجرة – لبنان – سياسة اقتصاديّة – بلاد المقصد - الخسارة في الرّأسمال البشريّ – شيخوخة المجتمع – تأنيث المجتمع - التّنوّع الطّائفيّ للهجرة – هجرة نهائيّة باتّجاه الدّول الصّناعيّة الغربيّة.
L’émigration des Libanais après 1990
De la régionalisation à la mondialisation
Dr. Boutros Labaki
Cette émigration, après un ralentissement en début d’après-guerre, reprend dans la première décade des années 1990, du fait du ralentissement économique dû aux politiques financières, monétaires et commerciales suivies par les nouveaux gouvernants. Cette émigration a été ralentie vers la fin des années 1990, du fait de la situation dans le Golfe et en Irak, puis à nouveau en 2005 avec les retraits syriens, et reprit après de plus belle. Les conséquences de cette émigration furent la féminisation de la société et son vieillissement, le ralentissement de la croissance démographique, et les pertes en capital humain, dues au fait que l’investissement pour la formation de l’émigré que consentent: sa famille, l’Etat et la société, a des effets bénéfiques dans les sociétés d’accueil et non au Liban qui aurait financé cet investissement. Notons surtout, aussi, qu’au 21ème siècle, près de la moitié des émigrés étaient des universitaires.
Mots clés: émigration – Liban – politique économique – pays d’accueil – pertes en capital humain – viellissement de la société – féminisation de la société – diversité confessionnelle de l’émigration – émigration définitive vers les pays industriels occidentaux.
الدّكتور بطرس لبكي: دكتوراه في التّاريخ الاقتصاديّ من جامعة السوربون – باريس. أستاذ ورئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعيّة – الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ ومدير أبحاث في جامعة القدّيس يوسف، وأستاذ في الجامعة الأميركيّة – بيروت، وفي جامعة ليون الثانية، ويعمل في المركز الوطنيّ الفرنسيّ للأبحاث العلميّة في باريس ورين، كما في جامعة أكسفورد والمعهد الألمانيّ للأبحاث التربويّة الدوليّة في فرانكفورت. له العديد من الأبحاث في المجالين الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وآخرها كتابُه «هجرة اللّبنانيّين (1850-2018) مسارات عولمة مبكّرة».
الحرب العالميّة الثّانية وانعكاساتها على سكّان منطقة مرجعيون (الجزء الثاني)
كان لموقع منطقة مرجعيون الاستراتيجيّ أهميّته الخاصّة في مرحلة الحرب العالميّة الثّانية، إذ إنّها قريبة من الحدود الفلسطينيّة كما السّوريّة، ممّا أثر على مسار المعارك ونتائجها آنذاك. وقبيل اندلاع الأعمال الحربيّة في منطقة مرجعيون بين الفيشيّين والحلفاء، عاشت تلك المنطقة ضائقة اقتصاديّة واجتماعيّة كبيرة، بسبب الحصار البحريّ المفروض من الحلفاء.
دارت معارك عنيفة، واستمرّت من 8 حزيران حتّى 10 تمّوز 1941. وقد شبّهت بأخطر المعارك الّتي وقعت في أوروبّا وشمالي أفريقية. وكانت نتائجها المباشرة سقوط الفيشيّين، وحلول الحلفاء مكانهم في سلطة الانتداب في منطقتنا، ومتابعة التّقدّم حتّى جزّين، والوصول تاليًا إلى العاصمة بيروت.
لقد دفع سكّان منطقة مرجعيون أثمانًا باهظة نتيجة تلك المعارك، من قتلِ وجرح العشرات، وتهديم البيوت، ونهب الممتلكات والثّروات، وتهجير السّكّان، واحتراق المحاصيل الزّراعيّة، فكان أن خيّم أيضًا خطر المجاعة.
كلمات مفتاحيّة: الحرب العالميّة الثّانية، جديدة مرجعيون، القلم الصّريح، الحلفاء، ڤيشي، كاترو، دانتز، حاصبيّا، سلطة الانتداب، حنّا حردان.
La Seconde Guerre mondiale et ses répercussions
sur les habitants de la Région de Marjeyoun (2)
Dr. Juliette Al-Rassi
L’emplacement stratégique de la Région de Marjeyoun était d’une importance particulière pendant la Seconde Guerre mondiale, étant proche des frontières palestinienne et syrienne. Par conséquent, cela a affecté le cours et les résultats des batailles qui ont eu lieu à cette époque dans cette région. Cependant, avant le déclenchement des hostilités entre les Vichystes et les Alliés, la région a connu une grande crise économique et sociale, en raison du blocus naval imposé par les Alliés, qui empêchait l’arrivée de fournitures nécessaires à toute la société libanaise.
En effet, de violents combats ont eu lieu dans la région, dans lesquels divers types d’armes connues à l’époque ont été utilisés, et ont duré du 8 juin au 10 juillet 1941. Ces combats ont été comparés aux combats les plus dangereux et violents qui ont eu lieu en Europe et en Afrique du Nord. Leurs résultats directs furent la chute des Vichystes, leur remplacement par les Alliés à la tête du Mandat dans notre pays, et la poursuite de l’avancée (des Alliés) vers la région de Jezzine, et après cela, l’arrivée à la capitale, Beyrouth.
Ces combats avaient eu des répercussions dont les habitants de la région de Marjeyoun en payèrent un lourd tribut, puisque plus de soixante citoyens furent tués et des dizaines blessés, ainsi que des maisons démolies. De plus, des récoltes agricoles ont été brûlées et détruites, des denrées alimentaires ont été perdues et la population a été exposée à la menace de la famine.
Mots clés: La Deuxième Guerre Mondiale, Jdaydet Marjeyoun, Al-Kalam al-Sarih, Les Vichystes, Les Alliés, Albord, Catroux, Dentz, Hasbayya, Al-Khiyam, Le Mandat, Hanna Hardan.
الدّكتورة جوليات الرّاسي : أستاذة في الجامعة اللّبنانيّة – كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة. خرّيجة جامعة السّوربون (باريس الرّابعة)، متخصّصة في التّاريخ العربيّ الوسيط وتحقيق المخطوطات. من مؤلّفاتها ثلاثة كتب منشورة، وعشرات الأبحاث باللّغات العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة.
تجلّيات التّفاعل الثّقافيّ في الأدب المهجريّ (إيليّا أبو ماضي أنموذجًا)
يعاين هذا البحث العلاقات الثّقافيّة الّتي حكمت الأدب المهجريّ، ويحدّد عوامل التّأثّر والتّأثير الثّقافيّ في نصوصه، وذلك من خلال دراسة قصائد الشّاعر إيليّا أبي ماضي أنموذجًا، حيث يُبيّن أهمّ الأفكار الّتي تضمّنتها هذه القصائد، ويحدّد الإطار الثّقافيّ والمعرفيّ الّذي اقتبس منه الشّاعر هذه الأفكار. ويركّز البحث على البيئتين المشرقيّة المسيحيّة – الإسلاميّة لثقافة الشّاعر فضلًا عن عوامل البيئة المهجريّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، ذات الثّقافة الغربيّة، الّتي قضى فيها الأديب أبو ماضي معظم سِني حياته.
كلمات مفتاحيّة: الأدب المهجريّ – الثّقافة – التّأثّر والتّأثير – المثاقفة – التّلاقح الثّقافيّ – الشّرق – الغرب – المسيحيّة – الإسلام – القرآن – الإنجيل - القيم الإنسانيّة.
Les manifestations de l’interaction Culturelle dans la littérature de l’immigration
(Eliya Abou Madi en exemple)
Dr. Imad Ghannoum
Cet article traite le sujet des relations culturelles propres à la littérature de l’immigration, et précise les facteurs d’influence culturelle mutuelle dans les textes en question, et ce à travers l’étude des poèmes du poète Eliya Abou Madi en exemple, pour montrer les idées principales que contiennent ces poèmes, et préciser le cadre culturel duquel Abou Madi tira ces idées. L’article met l’accent sur les deux environnements oriental chrétien et musulman propres au milieu culturel du poète, ainsi que sur les facteurs de l’environnement aux Etats-Unis d’Amérique, aux traits occidentaux; c’est là où Eliya Abou Madi passa la majorité de ses jours.
Mots clés: littérature de l’immigration – culture – influence mutuelle – acculturation – métissage culturel – l’Orient – l’Occident – christianisme – Islam – le Coran – la Bible – les valeurs humaines.
الدّكتور عماد غنّوم: دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها (الألسنيّة)، جامعة الرّوح القدس – الكسليك – 2013. محاضر في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة – الجامعة اللّبنانيّة. له أبحاث علميّة منشورة في كتب ودوريّات لبنانيّة وعربيّة، منها: «دور الصّورة في إنتاج الخطاب – الرّبيع العربيّ أنموذجًا – دراسة لغوية سيميائية»، و«تطوّر النّظريّة اللّغويّة من سوسير إلى جاكبسون»…
الالتزام في أدب جان توما، قراءة في كتابَي «يوميّات مدينة» و«وجوه بَحريّة»
يتناول هذا البحث الموجز الالتزامَ في أدب جان توما، متّخذًا من كتابَيه يوميّات مدينة ووجوه بَحريّة عيّنة للدّراسة. وإذ نحاول في هذه المقالة الإسهام بتعريف مفهوم الالتزام بشقّيه الاجتماعيّ والثّقافيّ فإنّنا لا ننوي التّطرّق إلى معتقدات سياسيّة معيّنة أو عقائديّة، وهو ما لم نلحظه عند الكاتب أساسًا. بل إنّ الهدف هو استجلاء ملامح الالتزام في أدب الكاتب، والمتناغم مع خلفيّته الثّقافيّة، وشخصيّته الملتزمة اجتماعيًّا وبيئيًّا مع محاولة تقصّي مدى توافق الالتزام الفكريّ والاجتماعيّ في أدبه مع الجماليّة المبثوثة بين السّطور.
لقد بحثت دراسات سابقة في صورة البحر في أدب جان توما، وتطرّق بعضها الآخر إلى شخصيّات «اليوميّات» وتماهيها مع المعالم والأمكنة، أو إلى التّوثيق الّذي استخدمه الكاتب مستعينًا، أحيانًا، بالتّخييل. أمّا ناحية الانتماء بمعناها الالتزاميّ الحرّ فلم تتناوله دراسة سابقة في أدب جان توما.
كلمات مفتاحيّة:
وجوه بحريّة: الميناء – الثّغر البحريّ – المرفأ – سقالة – بيوت عتيقة – زواريب – كنيسة – مسجد.
يوميّات مدينة: حارات اللّعب – الرّيح – القرميد – طيور السّنونو – مصابيح الشّوارع – البساتين.
La littérature engagée de Jean Touma ; étude de ses ouvrages
«يوميّات مدينة» et «وجوه بَحريّة»
Imane Raydan
Cet article traite la littérature engagée de Jean Touma, avec pour exemple ses deux ouvrages «يوميّات مدينة» et «وجوه بحريّة». Il est vrai qu’à travers cette recherche nous essayons de définir le concept de l’engagement social et culturel, mais nous ne voulons pas pour autant mentioner des croyances politiques ou dogmatiques, et c’est justement ce que nous avons remarqué chez l’auteur même. Notre but est plutôt d’élucider les traits de cet engagement, dans la littérature de Jean Touma, qui est en accord avec le bagage culturel de l’auteur ainsi qu’avec sa personnalité engagée au niveau social et environnemental, tout en essayant aussi d’examiner le degré de concordance entre l’engagement intellectuel et social et l’esthétique qui embellit ses textes. Certaines études antérieures ont traité l’image de la mer dans la littérature de Jean Touma, et d’autres les personnages des mémoires quotidiennes «يوميّات» et leur adaptation aux différents lieux. Quant au sujet de l’appartenance dans le sens de l’engagement libre dans la littérature de Touma, il n’a pas été traité auparavant.
Mots clés
وجوه بحريّة: port – ville maritime – charpente – maisons anciennes – ruelles – église – mosquée.
يوميّات مدينة: quartiers de récréation – vent – briques – hirondelles – lanternes des ruelles – jardins.
إيمان ريدان : سكرتيرة تحرير مجلّة المشرق الثّقافيّة. طالبة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها في معهد الآداب الشّرقيّة – جامعة القدّيس يوسف – الشّمال.
أسماءُ الأصوات ومُشْتَقَّاتُها في اللَّهْجَة اللُّبنانيَّة دراسةٌ معجميَّةٌ
تُوجِّه هذه الدِّراسة عنايتها إلى ظاهرةٍ من ظواهر اللُّغة العربيَّة هي أسماء الأصوات الَّتي تُعَرَّف بأنَّها كلُّ لفظٍ صُوِّت به لغير العاقل، أو ما يُعَدُّ غير عاقلٍ من البشر كالأطفال، وكلُّ لفظٍ أُخِذ من الأصوات الصَّادرة عن الإنسان أو الحيوان أو الطَّبيعة؛ (ومثل هذه الألفاظ: «هَلا» لحثِّ الفرس على السَّير، و«أُفْ» حكاية صوت المتضجِّر). وقد جَعَلَت هذه الدِّراسةُ اللَّهجةَ اللُّبنانيَّةَ حقلًا لعملها اقتفت فيه آثار هذه الألفاظ، وآثار الأسماء والأفعال الَّتي اشتقَّها منها أهل هذه اللَّهجة، وجَمَعَتها مرتَّبةً ترتيبًا ألفبائيًّا، ومعها شرحها، وتفسيرها، وأمثلةٌ مَسَّت الحاجة إليها.
كلمات مفتاحيَّة: أسماء الأصوات - حكاية الصَّوت - اللَّهجة اللُّبنانيَّة - الأسماء - الأفعال.
Les sons et leurs dérivés dans le dialecte libanais.
Étude lexicale
Ibaa al-Din Bou Marii
Cette étude traite l’un des aspects de la langue arabe, les sons: mots utilisés pour les animaux, pour les êtres considérés irrationnels comme les bébés, ainsi que les sons qui émanent des humains (interjections), des animaux ou de la nature (onomatopées). Le dialecte libanais est alors ici un champ de travail d’où cette recherche tire les traits de ces mots, ainsi que les traits des noms et verbes dérivés de ces mots-mêmes par les personnes utilisant le dialecte en question, et les classe par ordre alphabétique avec leurs significations et des exemples les représentant.
Mots clés: sons – interjections – dialecte libanais – noms – verbes.
إباء الدِّين بو مَرعي : طالب دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها في معهد الآداب الشَّرقيَّة في جامعة القدِّيس يوسف.
ابن جنّي في الاشتقاق الكبير بين الوهم والتّعسّف
لاحظ ابن جنّي رابطًا معنويًّا بين مشتقّات الجذر الثّلاثيّ الواحد ومشتقّات تقاليبه السّتّة، فجاء بنظريّة لم يقل بها أحد قبله. ولم يوافقه عليها أحد بعده، ذلك أنّ فيها من التّعسّف والتّكلّف، ولم يطبّق هذه النّظريّة على أكثر من خمسة جذور وتقاليبها، ولو طبّقها على غير هذه الجذور، لربّما كان يتراجع عنها.
وكان ابن فارس، معاصر ابن جنّي، قال بالمقياس، أو بالدّلالة المحوريّة، أو بالمعنى المشترك وعليه، كان ابن فارس أكثر اعتدالًا، وأهدى سبيلًا، وأكثر موضوعيّة، وأدقّ تطبيقًا من ابن جنّي: ولذلك نرى أنّ نظريّة ابن جنّي لم يقل بها أيّ لغويّ بعده، بل قوبلت بالنّقد واتّهامها بالخطأ والتّعسّف والتّسرُّع في وضعها: أمّا نظريّة ابن فارس، فقد أعجبت بعض اللّغويّين، فتبنّوها في معاجمهم كما فعل الحسن بن محمّد بن المعروف بالصّفاني أو الصّاغاني (650هـ/1272م)، حيث نقل في معجمه «العباب الزّاخر» معظم الدّلالات المحوريّة الّتي قال بها ابن فارس من دون أن يُضيف إليها شيئًا. كذلك حرصَ مؤلِّفو «المعجم الكبير» على النّصّ في بداءة كلّ مادّة لغويّة على الدّلالة أو الدّلالات المحوريّة الّتي قال بها ابن فارس، مضيفين إليها بعض الدّلالات لعدد من الجذور، ومُضيفين بعض التّعديلات لجذور أخرى.
كلمات مفتاحيّة: الاشتقاق – الاشتقاق الكبير – ابن جنّي – التّعسّف.
Eben Jenni et la grande dérivation
entre l’illusion et l’arbitraire
Marwa Yakhni
Eben Jenni a noté un lien significatif entre les dérivés du radical et ceux de ses six variantes, et a énoncé une nouvelle théorie que personne n’a affirmée (ou adoptée) par la suite du fait qu’elle y renferme de l’arbitraire, de l’affectation et de l’endurance dans la mauvaise et grande interprétation, et il n’a pas appliqué cette théorie sur plus de cinq radicaux et leurs variantes, et s’il l’a appliquée sur d’autres radicaux, il l’aurait peut-être abandonnée.
Eben Farès, contemporain d’Eben Jenni, a opté pour le concept de l’échelle, ou signes axiaux. Eben Farès était plus modéré, plus clair, plus objectif et plus précis qu’Eben Jenni. Pour cela, nous voyons que la théorie d’Eben Jenni n’a été prononcée par aucun linguiste par la suite, mais elle a été critiquée et jugée fausse, arbitraire et hâtée dans son placement: tandis que la théorie d’Eben Farès a plu à quelques linguistes qui l’ont adoptée dans leurs dictionnaires comme a fait Al-Hassan Ben Mohammad connu sous le nom d’al-Safani ou al-Saghani, qui a transmis dans son dictionnaire (Al oubab al-zakher) la majorité des signes axiaux dont a parlé Eben Farès sans rien y ajouter. De même, les auteurs du «Grand dictionnaire» se sont assurés de la signification et des connotations essentielles du texte prononcées par Eben Farès au début de chaque matière où ils ont ajouté quelques significations à un grand nombre de radicaux et quelques modifications d’autres radicaux.
Mots clés: dérivation – la grande dérivation linguistique – Eben Jenni – arbitraire.
مروى يخني : طالبة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها في معهد الآداب الشّرقيّة، جامعة القدّيس يوسف
مَيمَرٌ يُحقِّق أنَّه لا يُنكَر للإله التَّجسُّد والحُلول لثاوذورُس أبي قُرَّة († نحو 830م)
نقدِّم في هذا المقال النّصّ المحقَّق لميمر ثاوذورُس أبي قرَّة (755؟ - 830؟) عن التّجسُّد والحُلُول. وهو العاشر من مجموعة الميامر الّتي كان الأب قسطنطين الباشا المخلّصيّ قد نشرها في العام 1904، مُعتمدًا على مخطوطة واحدة من خزانة دير المخلّص تمَّ نسخها في العام 1735. وقد قام بملء الفراغات الّتي وجدها في صفحاته الثّلاث الأولى بما ظنَّه ملائمًا للمعنى، بعد أن تعذَّر عليه العثور على نسخة أُخرى.
وبعدما صار متاحًا للباحثين مؤخّرًا مراجعة المخطوطة السّينائيّة العربيّة 581 (ق 12 م)، الّتي تتضمّن نسخةً أقدم وأكثر أمانةً للأصل عن تسعة من الميامر الّتي تحويها مخطوطة دير المخلِّص 392، فقد أضحى الآن ممكنًا ترميم هذا الميمر واستعادة نصِّه الكامل. ولذلك اعتمدنا في تحقيق النّصّ المخطوطة السّينائيّة أساسًا، وأثبتنا في الحواشي كالمعتاد فروقات مخطوطة دير المخلِّص والإضافات والتّعديلات الّتي أدخلها الأب الباشا في طبعته. كما أدخلنا كلّ العناصر الضّروريّة لحسن قراءة النّصّ من علامات تشكيل ووقف، وأبرزنا بنية النّصّ المنطقيّة والبلاغيّة وتسلسل أفكاره، بتقسيمه إلى أجزاء ومقاطع لها عناوين أساسيّة وفرعيّة، وفقرات مرقّمة تسهل الإحالة إليها.
هذا الميمر هو الجزء الثّاني من ثلاثيّة ميامر مترابطة، تتناول أخصّ مواضيع الإيمان المسيحيّ، أعني الفداء والتّجسُّد والثّالوث. ويلجأ أبو قرَّة في معالجتها إلى المستندَين التقليديَّين عند علماء الكلام في الكتابات الدّفاعيَّة وهما العقل والنّقل. فيورد عددًا كبيرًا من الشّهادات الكتابيّة الّتي تؤيّد حججه، كما يبرع في ابتكار التّشبيهات، وإقامة المقارنة بين المعتقدات، والارتكاز على المسلّمات المشتركة لتوليد الإقناع والرّدّ على الاعتراضات.
كلمات مفتاحيّة: ثاوذورس أبو قرّة، مخطوطات عربيّة مسيحيّة، لاهوت عربيّ قديم، علم الكلام، تجسُّد، حُلول، عرش الله، محلّة اللّاهوت، أُنوسة المسيح.
Opuscule de Théodore Abu Qurrah (mort vers 830 ap j.c.):
L’incarnation ne peut être déniée à Dieu.
Texte établi et présenté par le père Pierre Masri
Ce traité d’Abū Qurrah (v. 755 – v. 830) dont nous publions l’édition critique, avait été publié pour la première fois en 1904 par P. C. Bacha. C’est le dernier de ces dix opuscules arabes édités d’après un seul manuscrit, copié en 1735, de la bibliothèque du couvent de Saint-Sauveur (Liban). Les premières pages manuscrites du texte se trouvaient pleines d’espaces vides, et le P. Bacha n’ayant pu trouver une autre copie, avait «rempli» comme il pouvait les places des paroles manquantes.
Maintenant, un autre manuscrit beaucoup plus ancien: le Sinaï arabe 581 (12e s.) est devenu heureusement accessible. Ce qui rend possible finalement de compléter et de corriger le texte «imaginaire» de Bacha. Ainsi notre présente édition est basée plutôt sur le codex sinaïtique, tout en collationnant soit le manuscrit Saint-Sauveur 392, retrouvé récemment, soit l’édition princeps de Bacha.
Dans l’introduction, après un bref aperçu historique, nous avons donné une première description du manuscrit sinaïtique, une comparaison du contenu des deux manuscrits utilisés et un provisoire stemma codicum en récapitulant les données disponibles. Enfin, nous avons proposé un schéma logique et rhétorique du texte édité, ce qui nous a permis d’en ajouter des titres et sous-titres.
Ce traité représente la seconde partie d’une trilogie apologétique concernant respectivement les trois grands mystères de la foi chrétienne: Rédemption, Incarnation et Trinité. Abū Qurrah cherche à prouver, par des arguments bibliques et rationnels, la possibilité de l’Incarnation du Fils Eternel. Son développement est centré sur la métaphore du Trône de Dieu, utilisée aussi dans les écritures sacrées des juifs et des musulmans, en tant que préfiguration du corps charnel du Christ, qui est devenu Lieu par excellence de la Présence de Dieu parmi les humains.
Mots clés: Théodore Abū Qurrah, manuscrits arabes chrétiens, théologie arabe médiévale, kalām, Incarnation du Fils, Trône de Dieu, Corps du Christ.
الأب پيير مصري : خوري كنيسة الملاك ميخائيل للرّوم الكاثوليك بحلب ومدير المكتبة الرّوحيّة فيها. أستاذ محاضر في قسم الفلسفة بجامعة حلب، وفي المعهد الباباويّ للدّراسات العربيّة والإسلاميّة (PISAI) بروما، باحث في حقل الترّاث العربيّ المسيحيّ.
خطبة في دخول والدة الإله إلى الهيكل ليوحنّا عبد المسيح الأنطاكيّ من كتاب معين الحياة. المركب السّائر في ميناء النّجاة (الجزء الثاني)
عاش يوحنّا عبد المسيح في القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر. في وقت غير معروف، صار راهبًا في أحد أديار أنطاكية. ثمّ، ما لبث أن دُعي لجثلقة ساس ورومجيريس قرابة عام 1000 م.، في زمان دوقيّة نيكيفورس أورانوس على أنطاكية. اعتذر يوحنّا عن هذه المهمّة، وعاد ليعيش في دير السيّدة والدة الإله «أرشايا» بالقرب من أنطاكية. هناك عمِل على كتابِه معين الحياة. المركب السّائر في ميناء النّجاة، وهو مجموع سِير قدّيسين وعظات للمناسبات الكنسيّة. أدرج يوحنّا في كتابه هذا خطبةً ألّفها مُسجّعةً لعيد دخول السّيّدة إلى الهيكل. ننشر هنا نصّها مع دراسة لفحواها ومصادرها.
كلمات مفتاحيّة: يوحنّا عبد المسيح الأنطاكيّ، الأدب المسيحيّ العربيّ، دخول السّيّدة إلى الهيكل، أندراوس الكريتيّ، تيبولوجيا.
Discours sur la Présentation de la Vierge au Temple de Yūḥannā ʿAbd al-Masīḥ al-Anṭākī
Dr. Habib Ibrahim
Yūḥannā ʿAbd al-Masīḥ vécut au 10e et début du 11e siècle. À une date inconnue, il devint moine dans l’un des monastères d’Antioche. Puis, il fut élu catholicos de Sas (ou Šāš) et Romagyris. Vers l’an mille, sous le doux d’Antioche Nicéphore Ouranus, Yūḥannā démissionna et revint vivre dans le Monastère de la Mère de Dieu «Archaïa» près d’Antioche. Il y travailla sur son œuvre magistrale «Source de vie. Navire qui avance dans le port du salut», un recueil de vies de saints et d’homélies pour les fêtes ecclésiastiques. Nous retrouvons dans ce recueil un Discours sur la Présentation de la Vierge au Temple que Yūḥannā même composa en prose rimée. Nous le publions avec une étude du contenu et des sources.
Mots clés: Yūḥannā ʿAbd al-Masīḥ al-Anṭākī, Littérature arabe chrétienne, Présentation de la Vierge au Temple, André de Crête, typologie.
الدّكتور حبيب إبراهيم : باحث في مركز التراث العربيّ المسيحيّ، جامعة القدّيس يوسف – بيروت.
القدّيس ألفونس رُودْرِيكس شفيع الإخوة في الرّهبانيّة اليسوعيّة (الجزء الثاني)
استهلّت المؤلّفة هذا الجزء من مقالتها المُشار إليها بالتّحدّث عن أربع فضائل ضمّخت حياة ألفونس رودريكس أسمى تضميخ. وبعد أن أبرزت أهميّة ذي الفضائل النّاصعة المناويل والأهداف، أظهرت كيف سافر القدّيس المذكور في ربوعها النّظيفة أتقى سفر، رافعًا راياتها الورعة أشرف رفع، تاركًا شذاها النّزيه ينبعث من كيانه أطيب انبعاث. ثمّ تحدّثت عن إجلاله الكريم الرّهبانيّة اليسوعيّة. وبما أنّه كان يُكبر إكبارًا عظيمًا مؤسّس هذه الرّهبانيّة، أي القدّيس إغناطيوس دي لويولا Ignace de Loyola ، فقد أوردت لمحة عن حياة هذا الرّاهب المؤسّس، وأردفتها بإظهار معالم الإكبار المومأ إليه. وجريًا على عادتها، استندت المؤلّفة في حياكة كلّ الأمور المتقدّم إيرادها، إلى طائفة كبيرة من المراجع.
كلمات مفتاحيّة: ألفونس، السّماوات، الصّليب، الدّير، اليسوعيّة، الإماتات.
Saint Alphonse Rodriguez
Intercesseur des frères à la compagnie de Jésus (2)
Dr. Mona Karam
L’auteure débute cette partie de son article en parlant de quatre vertus qui ont orné la vie de Saint Alphonse. Puis, après avoir mentionné l’importance de ces vertus aux fins pures, elle montre comment Saint Alphonse les vécut et les honora tout au long de sa vie. Puis elle nous parle de son respect de la Compagnie de Jésus, et, puisqu’il en vénérait le fondateur, Saint Ignace de Loyola, l’auteure nous fait part de la vie de Saint Ignace-même, et, comme à son habitude, elle se basa sur différents ouvrages qui ont fait des lignes de son article de véritables témoins.
Mots clés: Alphonse – cieux – croix – monastère – jésuite – privations et sacrifices.
الدّكتورة منى كرم : باحثة متخصّصة بالآداب العربيّة. لها مقالات عديدة أدبيّة وتاريخيّة ودينيّة.
مقالات من أرشيف مجلّة المشرق: في أهمّيَّة جمع خواصّ الكلام الدّارج
دولة لبنان الكبير 1920-2021. إشكاليّات التّعايش المأزوم والحياد والمصير
الدّكتور عبد الرّؤوف سنّو
دولة لبنان الكبير 1920-2021.
إشكاليّات التّعايش والحياد والمصير.
480 ص. ط.1. بيروت: دار المشرق، 2021
(ISBN: 978-2-7214-7112-3)
في الذّكرى المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، وفي خضمّ الأوضاع المأساويّة الّتي يعيشها اللّبنانيّون، يستعرض الدّكتور عبد الرّؤوف سنّو أبرز المراحل الّتي مرّ بها لبنان، متوقّفًا عند ثلاث إشكاليّات: التّعايش والحياد والمصير.
لم يعتمد الباحث تسلسل الأحداث الزّمنيّ في توزيع فصول الكتاب، لأنّ هدفه الأساس ليس تأريخ الأحداث، بل طرح المواضيع والإشكاليّات من مختلف وجوهها، ودراستها بمنهجيّة تحليليّة تساعد في استخلاص العبر، ورسم معالم مستقبل أفضل، وهي تتوزّع على ثمانية فصول وملاحق.
في الفصل الأوّل، مقاربة تقويميّة وبيانيّة للمئويّة الأولى مع أبرز التّحدّيات الّتي واجهها اللّبنانيّون: النّظام الطّائفيّ، وموقع لبنان الجيوسياسيّ الذي جعله قبلة التّجاذبات الإقليميّة والدّوليّة، ما انعكس سلبًا على سيادة الدّولة. ويتصدّر الفصلَ رسم بيانيّ يؤشّر إلى تذبذب استقرار لبنان، وتأثّر سيادته به.
الفصل الثّاني، يطرح إشكاليّة التّعايش المأزوم، من الميثاق الوطنيّ إلى سقوط حكومة الرّئيس سعد الحريري في العام 2011، مرورًا باتّفاق الطّائف، والإحباطات المسيحيّة، واغتيال الرّئيس رفيق الحريري.
ويستعرض الفصل الثّالث التّداعيات الدّاخليّة للنّظام الطّائفيّ، والّتي سمحت للخارج بالتّدخّل في شؤون لبنان.
فيما تشكّل «الانتفاضة اللّبنانيّة» في 17 تشرين الأوّل 2019 موضوع الفصل الرّابع، مع عرض دوافعها ومظاهرها، متطرّقًا إلى تصعيد المطالب والمواجهات القاسية بين الثوّار وبعض أزلام النّافذين المعارضين لها.
ويتمحور الفصل الخامس على حياد لبنان وصعوبة تحقيقه، بسبب النّظام الطّائفيّ، وانقسامات الدّاخل الّتي تسمح لفريق بخرْق الحياد، والاستنجاد بالخارج لتحقيق مصالحه والاستقواء على «الآخر». وتبلغ ذروة المعالجة في الفصل بدعوة البطريرك الرّاعي إلى حياد لبنان، وعرض أزمته على مؤتمر دوليّ.
أمّا الفصل السّادس فيتناول الأزمة الاقتصاديّة الخانقة الّتي يكابد اللّبنانيّون قساوة تداعياتها، نتيجة فساد الطّبقة السّياسيّة، ونهبها ماليّة الدّولة وأموال المودِعين، مع عرقلة التّحقيق العدليّ في انفجار مرفأ بيروت، وفي محاسبة المنظومة الحاكمة ومَن سبَقها من المسؤولين (التّحقيق الجنائيّ).
يتطرّق الفصل السّابع إلى الفدراليّة وأخواتها: «ديمقراطيّة الأكثريّة» (الإسلاميّة) و«المثالثة»، ويدعو إلى إقامة الدّولة المدنيّة الّتي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات.
ويركّز الفصل الثّامن على خطورة المرحلة الرّاهنة وتحدّياتها، حيث تتلاشى مقوّمات الصّمود، وتتصاعد احتمالات التّفكّك، بسبب استمرار هيمنة أرباب الميليشيات على الحكم، وانفراد «حزب الله» بحمل السّلاح، ونظام المحاصصة بين الزّعامات الطّائفيّة. ويشير إلى تآكل الطّوائف من الدّاخل نتيجة الصّراعات بين زعمائها على المناصب والنّفوذ. في المقابل، تمكّنت «الثّنائيّة الشّيعيّة» الممثّلة بـ «حزب الله» و«حركة أمل» من الإمساك بالطّائفة الشّيعيّة، باستخدام سياسة «العصا والجزرة». كما تمكّن هذا الحزب من خرق الطّوائف اللّبنانيّة باتّفاقات وتفاهمات وتسويات، ما جعل الطّوائف الأخرى عاجزة عن التّصدّي لمشاريعه فرادى، أو مجتمعة على أُسس وطنيّة.
تتميّز طروحات الدّكتور عبد الرّؤوف سنّو بالمواقف الوطنيّة الجريئة الّتي يتخطّى فيها الولاءاتِ الطّائفيّة وحساسيّاتها، رافضًا الاستزلام السّياسيّ أو الاصطفاف التّبعيّ للزّعامات. وهو يعبّر عن رأيه من دون مواربة، وبالخطّ العريض الجليّ اللّون، لا الرّماديّ الباهت الحائر بين الأسود والأبيض.
ويظهر واضحًا في الكتاب قلق الكاتب من أخطار التّحدّيات الّتي يواجهها اللّبنانيّون، وهاجسُه العميق مستقبل لبنان والعيش الكريم الحرّ فيه، معيّبًا على المسؤولين اللّبنانيّين عدم تطويرهم صيغة الميثاق الوطنيّ. وهو يعتبر أنّ الصّراعات الطّائفيّة لم تكن وحدها المسؤولة عن الأزمات المصيريّة، ويشير إلى دور إسرائيل والنّزاعات العربيّة - العربيّة، والعربيّة - الإيرانيّة على أرضه، مع المدّ النّاصريّ وسياسة الأحلاف في عهد الرّئيس شمعون في الخمسينيّات، ودعم المسلمين واليسار اللّبنانيّ المقاومة الفلسطينيّة في السّتّينيّات للإمساك بالسّلطة في لبنان على حساب السّيادة الوطنيّة.
عن اختلاف اللّبنانيّين في النّظرة إلى الهويّة الوطنيّة، يشير المؤلّف إلى أنّ الخلاف في الماضي كان بين الهويّة اللّبنانيّة والعروبة المتأسلمة، بعد أنْ كرّس «اتّفاق الطّائف» عروبة لبنان. ومع انعكاسات الصّراعات الإقليميّة على الدّاخل، أضحى الخلاف بين الهويّة العربيّة والهويّة الإسلاميّة الّتي تنادي بها «داعش» السّنّية وولاية الفقيه الشّيعيّة. مع العلم أنّ الهويّة المدنيّة الّتي ينادي بها الكاتب ليست من جوهر غيبيّ ثابت، بل هي معطى تاريخيّ متحوّل وفقًا لمفاهيم اجتماعيّة وثقافيّة وأنثروبولوجيّة وجغرافيّة، وهي متلازمة مع حركة التّاريخ وتطوّر الحضارة البشريّة. وهذا ما يعكس موضوعيّة المؤلّف ونهجه العلميّ الجريء.
الكتاب غنيّ بوفرة المصادر والمراجع المعتمدة وتنوّعها. ويتميّز بمنهجيّة تحليليّة وأمانة وموضوعيّة بعيدًا عن الأفكار المسبقة والإسقاطات الإيديولوجيّة. وينتهي كلّ فصل فيه باستنتاجات يركّز فيها الكاتب على استخلاص العبر وضرورة استشراف الحلول، وإلّا سيبقى لبنان مفتوحًا على المجهول.
د. جوزيف أبو نهرا: مؤرّخ، وعميد سابق لكليّة التّربية في الجامعة اللّبنانيّة. حائز دكتوراه دولة في التّاريخ من جامعة ستراسبورغ. شارك في العديد من المؤتمرات الدّوليّة في لبنان والخارج، وله أبحاث وكتب باللّغتين العربيّة والفرنسيّة. [email protected]m
Liban : Contes du pays du jasmin
Georges T. Labaki
Liban: Contes du pays du jasmin
324 p. Liban: Imprimerie Byblos, 2019
(ISBN: 978-2-7214-1208-9)
«لبنان حنايا من بلاد الياسمين»، وضعه بالفرنسيّة البروفسور جورج لبكي. كتابٌ ينسحب على ستٍّ وثلاثين قصّة مستوحاة من الحياة في القرية اللّبنانيّة، جبلًا وساحلًا، كاشفًا حنايا روحانيّة تسكن المواطن اللّبنانيّ الّذي عاش على مرّ التّاريخ فترات ازدهار وفترات صعبة معًا، علّمته الحذر والمثابرة، ولكن أعطته في الوقت نفسه روح الصّلابة والضّيافة والفكاهة.
يحتوي الكتاب أنواعًا عدّة من القصص؛ منها ما يدور على البطولات والقِيم والتّقاليد والعادات، وأخرى مشحونة بوصف دقيق للشّخصيّات، فترانا نجد في حنايا الجبل الأبطالَ وأصحاب الرّوح الفكاهيّة، من دون إغفال المساومين والمتلاعبين بمشاعر النّاس.
إلى جانب القصص المأخوذة من واقع الحياة، قصص يحفل بعضها بخيال متوقّد وتشويق suspense ممّا جعل الوقائع، الّتي سردها الكاتب، متتابعة، متصاعدة وصولًا إلى الخاتمة.
أمّا لغة الكتاب فهي سلسة وجزلة معًا، يسهل فهمها، والاستمتاع بألفاظها وعباراتها وصورها السّخيّة، ممّا يتيح لها جواز مرور سهل إلى المثقّف، كما الطّالب في المدرسة أو الجامعة.
لقد أراد د. لبكي من خلال كتابه إحياءَ ذاكرة بلاد الياسمين والأرز، تلك الذّاكرة الّتي تختزن في طيّاتها الأساطير والحكايات والبطولات، وكذلك الأحزان والآلام والمعاناة.
وللياسمين حكاية طويلة مع أهل لبنان، فقد كان يزِّين ويُعطِّر بأريجه مداخل المنازل «والسّطيحات» الّتي كانت تستضيف الأهالي في ليالي الصّيف الحالمة تحت ضوء النّجوم والقمر، متسامرين، مستذكرين البطولات وأخبار أحبّة غابوا إذ تشردّوا في ديار الله الواسعة، بعد أن ضاقت فسحة العيش والأمل في مسقط رأسهم.
تحمل القصّة الأولى من الكتاب عنوان «أبو يوسف وحبّ الأرض». فيها سرد بطريقة مشوّقة، حيث تتصاعد الحركة في النّص رويدًا رويدًا. أبو يوسف، الجبليّ العتيق صاحب العضلات القويّة، والعامل في الأرض الّتي ورثها عن أجداده من دون كلل أو ملل، بحيث أنّه كان يَعطِفُ عليها عطفه على من يُحبّ. كان أبو يوسف صديقَ الخيوط الأولى لشمس الصّباح ، يغدو باكرًا ليستدرك الوقت قبل أن يفوته، فأراضيه واسعة تمتدّ من أعلى الجبل إلى أسفلِه، ولتثبيت الصّورة في الذّهن، تخيّلوا أنّ الثلج يُغطّي القمم، فيما ترتع الشّمس في أسفلها في عمق الوادي، حيث الأشجار والزّهور محميّة من الزّمهرير. ولكن سرعان ما لحقت الحياة الصّاخبة بالقرية، فشُقّت فيها الطّرقات وبيعت الأراضي من دون رحمة أو شفقة، وسويّت بالأرض. وامتدّت هذه الظّاهرة (الحضاريّة) بحيث وصلت إلى منزل أبو يوسف، كيف لا، وقد وقف أولادُه، بدعم من زوجته، ضدّ خاطره: لماذا الحفاظ على الأرض، فقد تغيّرت الأيّام، وأصبح المجتمع استهلاكيًّا، تحكمه ماديّة المدينة. لأوّل مرّة استسلم أبو يوسف، وبعد معاناة طويلة، بيعت الأرض، ولمّا لم يُطق فراقها لحقها بعد أسبوع واحد فقط، مفضّلًا الموت على الحياة من دون مَن أحبّ وخدم وربَّى.
تتوالى القصص المنسابة من بلاد الياسمين. تقع الحرب فجأة، جالبة ويلاتها وقسوتها، فتدمّر بيئة متجانسة، وتقضي على الطّبيعة، وما فيها من بشر وحجر. وتبدأ معاناة جديدة فيضطرّ أصحاب الأرض إلى تركها والهرب، في اللّيالي المظلمة والباردة، إلى حيث لا يدرون.
تُهجَر القرى من أهلها وقاطنيها من دون أمل بالعودة القريبة، ولكنّ إرادة الحياة والقدر وديناميّة التّاريخ ينتصرون مجدّدًا، فيعود الأهالي إلى أرضهم حيث الأمان والحياة، والبناء من جديد بإرادة وأمل، متشبّهين بسيزيف sysiphe صاحب الأسطورة الّذي ينزل إلى أسفل الجبل ليحمل صخرته ويصعد بها إلى القمّة، وعندما تصل الصّخرة إلى أعلى نقطة تتدحرج ثانية إلى الوادي، فينزل سيزيف من جديد ويحملها إلى فوق.
نعم، إنّ معاناة أهل بلاد الياسمين مكتوبة على جبينهم، ومتوارثة في جيناتهم وجينات وطنهم الّذي كان على الدّوام هدفًا للطّامعين والغزاة.
تكرّ مسبحة القصص، فإذا بمشهد يُصوّر سائق شاحنة، متوثّبِ الذّاكرة، يحفظ الآلاف من أبيات الزّجل، يلقيها على سامعيه بفرح وغبطة وإباء. فالزّجل في بلاد الياسمين يحاكي زمن البطولات والصّولات والجولات و«العنتريّات الشّعريّة»، والسّهر في ضوء النجوم، والحياة المنطلقة، والحبّ العُذريّ، والكرم والضّيافة… فلكلّ مناسبة عنده، قصيدة: الزّواج، الولادة، الوفاة، الانتقال إلى العيش تحت قناطر، حجارتُها معقودة من مقالع بلاده.
وفي مكان آخر، حكايةُ ولد فقير دفعته ظروف العيش الشّاقّة، واضطهاد الأغنياء له إلى الهجرة على درب طويل، كان يُدرك بدقّة خفاياه وتعرّجاته وصعوباته.
فإذا بهذا الشّاب يصبح على موعد مع الثّروة، ويعود ناقمًا غازيًا إلى بلاده، فيشتري كلّ أملاك الإمارة القديمة المتجذّرة في التّاريخ، ويطرح أسيادها خارجًا.
وعلى صفحات أخرى، نرى بعض المهاجرات، وقد وجدن وسيلة ذكيّة لجني ثروة كبيرة من خلال بيع «لقش» أشجار الصنوبر، بعد أن أقنعوا أهل البلاد بأنّها ذخائر وصلت من البلاد المقدّسة في الشّرق.
إذًا، كتاب لبنان، من حنايا بلاد الياسمين يتناول موضوع الانتماء والأصالة والحنين إلى الماضي الجميل لبلاد الياسمين في زمنٍ تداعت فيه هذه القيم، وتنكّر معظم سكان بلاد الياسمين لروحانيّة هذا الانتماء وهذه الأرض، مفضّلين الحياة في المدن، والهجرة والعيش في مجتمع استهلاكيّ. إنّ هذا الأمر لخطير جدًّا. فالتّنكّر للقيم les valeurs والأسس التي قامت عليها الأوطان يشكّل بداية الانحطاط la décadence الّتي تقضي على الأوطان والشّعوب.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الكتاب يندرج في إطار الأدب اللّبنانيّ النّاطق بالفرنسيّة الّذي يظهر مرونة وثباتًا في الإنتاج والعطاء. والأهمّ من ذلك، أنّ اللّغة الفرنسيّة جسّدت وتجسّد من خلال أسلوبها البديع الرّوحانيّة الّتي تسود بلاد الياسمين.
يقول الرّئيس غالب غانم في مقدّمة الكتاب: «إنّ كتاب لبنان من حنايا بلاد الياسمين هو أكبر من قصص. إنّه إعلان حبٍّ للأرض… إنّه أكثر من لُغة … بل إنّه اللّغة … إنّه، كما يقول رولان بارت Roland Barthes قيمة Valeur. وأنا أدعو القارئ الباحث عن الكنز Trésor في مجموعة القصص هذه، أن يستكشف الكنوز المخفيّة فيها، والّتي تفوق الظّاهرة منها».
في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للأديان
ميشال يونس
في سبيل لاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان
295 ص. بيروت: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5619-9)
يتألّف الكتاب من ثلاثة أقسامٍ رئيسة:
– أبواب الدّخول إلى لاهوت الأديان، ويتضمّن مفهوم الخلاص، والعهد، والوحي؛
– مقاربات التّناسبيّة ومصادرها، ويتضمّن مقاربات تصوّريّة، وموارد كتابيّة تناسبيّة، والأبعاد اللّاهوتيّة للتناسبيّة؛
– التّناسبيّة وتنوّع الأديان، ويعالج مسألة تنوّع الأديان.
وينتهي الكتاب بقائمة مصطلحات من وضع المعرِّب، الأب جورج باليكي البولسيّ، يبيّن فيها التّرجمة الّتي استعملها للمصطلحات الأجنبيّة.
يبدأ الفصل الأوّل بطرح قضيّة محوريّة في جدليّة موقف اللّاهوت المسيحيّ من الأديان. إنّها قضيّة شخص المسيح في مسألة الخلاص بحسب اللّاهوت المسيحيّ. فهذه القضيّة تثير تساؤلًا حين يصبح عدم إقصاء المسيح عن التّفكير اللّاهوتيّ في شأن الأديان مطلقيّةً، «ويتحوّل طابع اللّاهوت المركِّز على المسيح إلى واحديّة المسيح» (ص. 29). وتزداد القضيّة تعقيدًا حين تدخل الكنيسة على الخطّ مع شعارها: «لا خلاص خارج الكنيسة». فيفنّد الكاتب الحجج، ويقدّم مفهومًا شموليًّا بدل المفهوم الحصريّ لبعض العبارات كوساطة المسيح الخلاصيّة، والكنيسة، ويعرض بطريقةٍ واضحة وسلسة مختلف الآراء اللّاهوتيّة في هذه القضيّة، ويقول بأمانةٍ ما لها وما عليها.
ومن محوريّة شخص المسيح، ينتقل الكاتب إلى مفهوم العهد. فيشير إلى مختلف عهود العهد القديم، ومنها ما أبرِمَ قبل حصريّة العهد مع شعبٍ معيّن، وأهمّها عهد الله مع نوح. كما يشير إلى ظاهرة نقض العهد (أو توسيعه) بإحلال عهدٍ جديدٍ مكانه، ويتبنّى نظرة القدّيسَين إيريناوس وإقليمنضوس الإسكندريّ إلى هذا العهد الجديد، فهما يلحّان على شموليّته. ويختم بحثه في أخذ العهود في الأديان الأخرى بعين الاعتبار، وكيف يستطيع اللّاهوت ضمّها إلى العهد الجديد مع المسيح من دون أن يجعلها عهودًا تنال خلاصها من خارج ديانتها، بل من داخلها.
في مسألة الوحي، يتبنّى الكاتب مفهوم الوحي على أنّه كشف الله عن ذاته، أكثر منه مجموعة من العقائد والسّلوكيّات الأخلاقيّة. وحيث إنّ هذا الكشف، في المسيحيّة، لم يتمّ بكلامٍ بل بشخصٍ، ما هي نظرة المسيحيّة إلى الوحي في الدّيانات الأخرى؟ يذكر الكاتب إرنست ترولتش الّذي أدخل النّسبيّة إلى الوحي المسيحيّ، وردّ كارل بارت عليه، ليجد في فكرة بذار الكلمة، أو ركائز الانتظار، الآبائيّة منفذًا لحلّ هذه القضيّة. وبعد ذلك، يعرض الكاتب مختلف آراء اللّاهوتيّين الأقرب إلينا في هذا الموضوع.
إنّ مبدأ التّناسبيّة حجر أساس في اللّاهوت المسيحيّ للأديان. ولأهمّيّته، خصّص له الكاتب بابًا كاملًا، فانطلق من الرّياضيّات إلى الفلسفة، ومنها إلى اللّاهوت. وفي مضمار اللّاهوت، عرّج على مبدأ المماثلة الشّائع في كثيرٍ من كتابات القدماء، وخصّص لكتاب دليل الضّالّين لابن ميمون حيّزًا لا بأس به، لينهي مع يسوع واستعماله الأمثال في إعلان الحقيقة.
لاهوتيًّا، يعالج الكاتب موضوع التّناسبيّة من منظور جدليّة العلاقة بين الحرّيّة والمسؤوليّة في الحياة داخل المجتمع، وفي العلاقة بالآخر، ويرى أنّ لهذه العلاقة ثلاثة أشكالٍ في خصوبتها تفضي إلى انفتاحٍ على المطلق. هذا من جانب الإنسان. أمّا من جانب الله، فالتّناسبيّة تظهر في التّدرّج المرتبط بقدرة الإنسان على الاستيعاب. وعلى الرّغم من هذا التّدرّج، فإنّ الفيض ليس غائبًا. تدرّج وفيض يسيران جنبًا إلى جنبٍ في طريقٍ يزداد الفيض فيه على حساب التّدرّج.
بعد تثبيت هذه المفاهيم، يبدأ القسم الثّالث بالسّؤال الجوهريّ: هل الأديان صادرة من الله أم من الإنسان؟ فهناك موقفان: واحد يضمّها إلى الله وآخر يبعدها عنه. ولمعالجة الموضوع، لا بدّ من التّساؤل: ما هي الدّيانة؟ هنا، يعرض الكاتب باقتضابٍ تاريخيّة تعريف هذه الكلمة، ومواقف بعض اللّاهوتيّين، ليفضي إلى مبدأٍ وهو عمل الرّوح القدس في الخليقة كمرجعيّة ومعيار للحكم على ديانة أو بعض العناصر في ديانة هل هي من الله أم هي تدخّل بشريّ. وفي هذا المجال، يعلن صراحةً: «النّسبويّة عقيدةٌ هدّامة، لا لأنّها تجاور مظاهر الواقع المختلفة وحسب، بل بالأكثر وبشكلٍ أساسيّ لأنّها تجعل من المستحيل البحث عن الحقيقة واعتلانها» (ص. 207).
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التّناسبيّة التي أيّدها الكاتب هي غير النّسبيّة التي رفضها. فعلى أساس هذه التّناسبيّة سيبني في الصّفحات الأخيرة ما سمّاه: «في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للتّنوّع» (ص. 211)، فيستعين بكلّ ما هيّأ له ليرسم خطوطًا واضحة للاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان.
الكتاب سهل القراءة والفهم، غنيّ بالمعلومات، جديد في رؤيته، إذ تفادى الكاتب حصر التّفكير في ما هو شائع بالمنشورات العربيّة، أي علاقة المسيحيّة بالدّيانة الإسلاميّة، وجعل الدّراسة مفتوحةً وصالحة لدراسة موقف المسيحيّة، لاهوتيًّا، من أيّ ديانةٍ كانت.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.
سائحة
الأب جول بطرس وميراي الشّمالي
سائحة
120 بيروت : دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5624-3)
يحفل الأدب بقصص وشهادات الأشخاص الّذين تابوا إلى ربّهم وعادوا إلى الإيمان الصّحيح بعد فترة ضياع مرّوا بها نتيجة جنوحهم نحو إحدى الآفات الثّلاث الّتي تُهلك النّفس؛ وهي المال والسّلطة والجنس. بيدَ أنّ ما يجمع هؤلاء التّائبين هو الفرح بعد المعاناة، والمصالحة مع الذّات بعد العودة إلى الحقيقة والحياة الصّالحة نتيجة لاكتشاف محبّة الله لهم. وقد تولّدت عن هذه التّوبة شهادات حياة بعضها متواضع لأشخاص من عامّة النّاس، وبعضها الآخر لأناس وضعوا على الورق عصارة تجربتهم الرّوحيّة العميقة والمميّزة فأغدقوا في الحِكم والعِبر ما يثلج القلب ويثبّت الإيمان ويقوّي العزائم على التّقوى وعمل البرّ. نذكر من هؤلاء القدّيسة إديث ستاين Edith Stein أستاذة الفلسفة، وهي ألمانيّة من أصول يهوديّة. وقد تجلّى تحوّلها من اليهوديّة إلى المسيحيّة بكتابتها مؤلّفات روحيّة هامّة أصبحت منارة للباحثين عن الله وقد جمعت فيها بين العقل والإيمان. وغدت مؤلّفاتها مرجعًا للمفكّرين بعد أن وجدت، كما تقول، الحرّيّة خلف قضبان الدّير الّذي تحصّنت فيه بعد أن طهّر الله نفسها كما تُطَهِّر النّار الذّهب. وقد عاشت في حنايا العلاقة المباشرة بين النّفس وخالقها، فوضعت على الورق بعض ما فاض من هذه الهمسات والتّمتمات والحقائق والحياة الأبديّة الموعودة.
تندرج رواية الأب جول بطرس والسّيّدة ميراي الشّمالي والّتي تحمل عنوان السّائحة في منحى شهادات الحياة الّتي تسردُ قصّة العلاقة الرّوحيّة الّتي تجمع الله بالإنسان. وهي تخبرنا تحديدًا عن قصّة توبة سيّدة هام بجسدها عشّاق كثيرون. وقد التقت هذه السّائحة بعد معاناة كثيرة مع يسوع المسيح الّذي خلّص نفسها من الهلاك، وعفى عن أخطائها، وضمّها إلى صَدره من دون أيّ انتقاد أو لوم مباشر أو مبطّن. فرحت السّائحة، وراحت تمجّد يسوع وتمدح صنيعه.
إنّ موضوع القصّة كلاسيكيّ ومألوف، يذكّرنا بقصّة مريم المجدليّة الّتي يقول عنها الإنجيل إنّ يسوع أخرج منها سبعة شياطين.
تتدفّق الرّواية السّرديّة مطوّلًا أمام هذه الواقعة لأنّ مسامحة الذّنوب والخطايا هي في صلب الإيمان المسيحيّ بشكل خاصّ حيث لا قصاص بعد التّوبة في هذا العالم وفي الآخرة، فمحبّة الله في المسيحيّة لا حدود لها حتى لأكبر الخطأة شرط أن يتوب ويقلع عن ارتكاب الشّرّ.
وهنا لا بدّ في هذا السّياق من استحضار كلام البابا فرنسيس عن التّوبة والآخرة والّذي ينقذ النّاس من النّار والعذاب: «أنا لا أفكّر بالدّينونة العامّة «كجردة حساب»: انظر لقد فعلت هذا وهذا… «أنا أتخيّل أنّني عندما أقترب من ذلك الجمال في نهاية الحياة، سأقترب بخجل مطأطأ الرّأس وناظرًا إلى الأسفل. عندما أحسّ بأنّه يغمرني، عندما أرفع رأسي وأراه، لن أجرؤ على النّظر إليه من دون هذه الغمرة! لا أعلم، هكذا أظنّ أنّ الدّينونة ستكون، ربّما هذه تخيّلات، ولكنّني أعتقد أنّ الدّينونة ستكون هكذا».
لقد اختبرت السّائحة كلام الأب فرنسيس الّذي يشدّد على محبّة الله اللّامحدودة لأولاده البشر. من هنا أهمّيّة الأبويّة في المسيحيّة، وصعوبة فهمها من الكثيرين.
انطلقت السّائحة في رحلة طويلة على خطى المسيح والرّسل، وعلى رأسهم بولس الرّسول: ظاهرُ هذه الرّحلة مادّيّ، أمّا باطنها فروحيّ. وحيث تمثّل هذه الرّحلة الّتي تقوم بها السّائحة انطلاقًا من صور الفينيقيّة، الّتي زار ضواحيها المسيح، مسيرةَ نشر الإيمان بعد التّوبة، وحجًّا إلى ينابيع الخلاص. والرّحلة في الأديان تمثّل مسيرة الإنسان وصعوده رويدًا رويدًا مع تقدّمه في العمر نحو الله. وغالبًا ما تعترض هذه الرّحلة صعوبات الوجود فيقف الإنسان عاجزًا أمام الجبال الشّاهقة والوديان السّحيقة، فتمتدّ يد الله لترافقه في الطّريق، وتوصله إلى برّ الأمان. وما عنوان الكتاب إلّا تجسيد لهذه المسيرة علمًا أنّ بطلة الرواية ليست بسائحة عاديّة تبحث عن تمضية عطلة، إنّما هي مبشّرة حملت المسيح على طرقات البشريّة جمعاء انطلاقًا من فينيقيا وصولًا إلى روما الّتي أصبحت عاصمة الكثلكة. فالمسيرة مع الله تنتهي مع الحياة البشريّة لتنطلق نحو مسيرة سماويّة أبديّة.
انطلقت السّائحة في رحلة غنيّة بالرّموز الرّوحيّة والتّاريخيّة والإيمانيّة على خُطى الرّسل، وقد توقّفت في المدن نفسها الّتي توقّفوا فيها. وتسرد الرواية أعمال هؤلاء ومحبّة المسيح بطريقة بسيطة من خلال حوارات مع أشخاص التقت بهم السّائحة كصيّادي السّمك مثلًا، وهنا الاقتباس من آيات الإنجيل واضح وجليّ. لقد حاولت السّائحة التّبشير بالمسيح بطريقة مبسّطة، ومن خلال حوارات نابعة من القلب تمثّلت بإعلان البشارة بصورة آنيّة وسهلة.
إنّ هذه الطّريقة في الكرازة تعتمد على العاطفة وليس على التّحليل والتّفسيرات اللّاهوتيّة المعقّدة، وقد لا تكون قادرة على استقطاب إيمان الكثيرين، ولكن سرعان ما تتبدّل الرّواية فتأتي بتعاليم إيمانيّة في غاية الأهمّيّة والعمق الرّوحيّ. «أجمل ما فيها أنّها ثمرة الصّمت الّذي يسمح للرّوح بالتّجلّي والتّعليم والكرازة. أجمل وأعمق، وأصدق كلام هو الكلام الّذي لا يُنطق، المجبول بصمت الحبّ، فيه يسرح الإنسان ويستريح».
لا شكّ في أنّ هذه الرّحلة في الجغرافيا الّتي تقوم بها السّائحة إنّما تمثّل رحلة الإيمان الّتي يقطعها الإنسان أيّام شبابه. وهو غالبًا ما يضيّع البوصلة حينها، ومن ثمّ يظهر من يُرشده إلى الطّريق القويم فيتوب ويصبح مؤمنًا صالحًا. هنا يصبح الأسلوب فلسفيًّا قاسيًا وحاسمًا وشبه مأساويّ. ففي لحظة يمكن أن يتغيّر مصير الإنسان، لأنّ بين الحياة والموت شعرة، وكذلك بين الحبّ والحقد، وبين الغنى والفقر، وبين الصحة والمرض.
«كم من لحظة انتظرناها عمرًا،
كم من لحظة تُقنا إلى وصولها،
كم من لحظة غيّرت مجرى قصصنا،
كم من لحظة حولّت مسار حياتنا،
كم من لحظة رسخت في أذهاننا،
كم من لحظة بعد أن تمّت سميّناها لحظة،
في لحظة يولد الإنسان،
في لحظة يموت،
في لحظة يولد الحبّ،
في لحظة تحدث تقلّبات وانقلابات،
في لحظة يتغيّر التّاريخ،
في لحظة ننضج،
في لحظة ننكسر» (ص. 96)
تكثر في الرّواية الإشارة إلى الرّموز التاريخيّة والدّينيّة والرّوحيّة، ممّا يدلّ على معرفة المؤلّفين بالإنجيل. مع تسجيل أنّ الرّواية خلت من الحبكة في هذا السّرد القصصيّ لأنّ يسوع هو محور الكتاب وكذلك البشارة والإيمان. وكان لافتًا تزامن صدور الرّواية باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، علمًا بأنّ أسلوب النصّ باللّغة العربيّة كان بشكلٍ خاصّ متينًا ومنسّقًا.
وفي النّهاية ، فإنّ أبرز ما جاء في الرّواية هو التّعاليم الرّوحيّة والإنجيليّة واللّاهوتيّة والمواعظ. لذلك فإنّ الكتاب سيجد طريقه إلى الباحثين عن الإيمان بصورة عفويّة ومبسّطة ومن القلب إلى القلب.
الدّكتور جورج لبكي: رئيس مجلس إدارة المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز دكتوراه في القانون من السّوربون، ودكتوراه في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس (XII الثّانية عشرة). من مؤلّفاته باللّغة الفرنسيّة: أنثولوجيا. الأدب اللّبنانيّ باللّغة الفرنسيّة. ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.
شفاء القلب، اللّعنة الّتي تصير بركة.
الأب نادر ميشيل اليسوعيّ
شفاء القلب، اللّعنة الّتي تصير بركة
136 ص. بيروت: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5620-5)
اللّعنة الّتي تصير بركة : عنوان يحمل في طيّاته تساؤلات وجوديّة ضمنيّة من بينها : كيف للعنة أن تصير بركة؟ «شفاء القلب مسيرةٌ من اللّعنة إلى البركة، وهذا هو عمل الله المتجدّد فينا كلّ يوم». بهذه الجملة يُعرَّف الكتاب على الغلاف كدعوة إلى بدء العلاج من أجل الشِّفاء. من هنا، يشدّد المؤلِّف، الأب نادر ميشيل اليسوعيّ، على أنّ «مفتاح شفاء القلب الحقيقيّ هو في الإيمان بالقيامة، ذاك الّذي يمنحنا أن نصدّق مغفرة الله في حياتنا، وهو من يهبنا الشّجاعة لأنّ نغفر للآخرين كما غفر لنا».
تُستَهَلّ المقدّمة بالآية من سفر التّثنية : «فحوّل لك الرّبّ إلهك اللّعنة بركة، لأنّ الرّبّ إلهك قد أحبّك» (تث 23: 6). هذه هي خبرة الإنسان مع الله، إنّه بركة لأنّه محبّة. فالبركة أصل حياتنا، ومشيئة الله الأكيدة والثّابتة هي أن يفيض على الإنسان الحياة والنّعمة.»
يتألّف الكتاب من ثلاثة فصول: الفصل الأوّل يتناول البركة في واقعنا اليوميّ، والبركة في الكتاب المقدّس منذ البدء، مرورًا بإبراهيم ويعقوب وعيسو ويوسف ومريم. ويتطرّق الفصل الأوّل إلى اللّعنة وكيفيّة تفاعل النّاس والشّعور باللّعنة، والغضب والنّقمة والكراهية، والانغلاق في الألم، وإنكاره، وإسقاط اللّعنة على الآخرين. ثمّ يتناول هذا الفصل اللّعنة في الكتاب المقدّس بالإضافة إلى أسئلة للتّفكير الشّخصيّ والمشاركة الجماعيّة. ويختتم المؤلّف الفصل الأوّل بنصوص كتابيّة للتّأمّل والصّلاة.
الفصل الثّاني يحمل عنوان «يسوع الإنسان البركة»، ويتطرّق إلى حياة يسوع الّتي تُعتَبَر بركة للنّاس، وفيها يتناول المؤلّف التّطويبات كطريق للبركة، وتضامن البشر في مواجهة اللّعنة، ويسوع نبع البركة المتدفّقة، وردّ يسوع على اللّعنة حين قال : «اغفر لهم…» فصارت اللّعنة بركة لأنّ المغفرة هي البركة الحقيقيّة. وكما في الفصل الأوّل، يختتم المؤلّف الفصل الثّاني بطرح أسئلة للتّفكير الشّخصيّ والمشاركة الجماعيّة، تليها نصوص كتابيّة للتّأمّل والصّلاة.
في الفصل الثّالث من الكتاب، يدعونا المؤلّف إلى سلوك طريقنا مع تلميذَي عمّاوس لنعبر من اللّعنة إلى البركة، مشدّدًا على انتقال نور البركة من قلب إلى قلب، والإيمان بالقيامة ومغفرة الخطايا. ففي القلب ينبوع البركة ومنه يتدفّق. أسئلة التّفكير الشّخصيّ والنّصوص الكتابيّة للتّأمّل والصّلاة تختتم أيضًا الفصل الثّالث.
الخلوة الرّوحيّة تدعو القارئ في النّهاية إلى أخذ وقت للصّلاة مع تلميذَي عمّاوس (لو 24: 36-50) ليتذكّر مسيرته في أثناء قراءة الكتاب. إنّها خبرة شخصيّة انطلقت من الأسئلة الّتي حملها في البداية أو الّتي ظهرت على السّطح، والكلمات الشّخصيّة الّتي دوّنها والنّقاط الّتي لمسته في الكتاب.
في هذا الكتاب، دعوة ضمنيّة إلى عيش الزّمن الفصحيّ، زمن العبور من اللّعنة إلى البركة، من الموت إلى الحياة.
الدّكتورة بتسا استيفانو: حائزة دكتوراه في العلوم الدّينيّة، وإجازة في الأدب العربيّ من جامعة القدّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة في معهد الآداب الشّرقيّة في الجامعة، ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيّة فيها. أستاذة محاضرة في جامعة «Domuni» – باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللّغتين العربيّة والفرنسيّة.
حبّ متفانٍ لأرضٍ مهمَلة، سيرة الأب نقولا كلويترز اليسوعيّ في لبنان
كارول داغر
حبّ متفانٍ لأرضٍ مهمَلة،
سيرة الأب نقولا كلويترز اليسوعيّ في لبنان
262ص. بيروت : دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5622-9)
كان يوم 14 كانون الثّاني/يناير 2022 موعدًا مهمًّا لإطلاق هذا الكتاب. ففي هذا الموعد افتتحت الكنيسة قضيّة تطويب الأب نقولا كلويترز اليسوعيّ الّذي اختُطِفَ وقُتِلَ في أثناء الحرب اللّبنانيّة.
صدر هذا الكتاب أوّلًا بالفرنسيّة في العام 2013. وحين تمّت ترجمته، شعرت الكاتبة أنّه يتوجّب عليها التّدخّل. فهي لبنانيّة ومتمكّنة من اللّغة العربيّة، ولا يحسن أن تفوح من النصّ رائحةٌ أجنبيّة لأجنبيٍّ كدّ ليتعلّم لغة الضاد ويتكلّمها، وعاش في ظهرانينا، وسُفِكَ دمه على أراضينا. لذلك يلاحظ خبير الأسلوب أنّ النصّ لا يوحي بأنّه ترجمة إلّا حين ينقل كلام ما قاله الأجانب (بالأجنبيّة طبعًا) عن الأب كلويترز. ولعلّ أوضح مثال على هذا هو تسمية بطل القصّة Nicolas بالطّريقة الّتي ناداه بها أهل البقاع: «أبونا نقولا»، وليس «نيقولا».
تبعت الكاتبة، في سردها، التّسلسل الزّمنيّ لحياة الأب نقولا. فبعد مدخلٍ موجزٍ، هو إلى الشّعريّة أقرب، يصف تاريخ منطقة البقاع الّتي خدم فيها هذا الكاهن اليسوعيّ وجغرافيّتها ومجتمعاتها، يبدأ الفصل الأوّل يسرد قصص طفولة نقولا، ويحدّد معالم شخصيّته الّتي تتحدّى الظّروف المعاكسة. كان تحدّيه الأوّل هو عدم قدرته على تحمّل الدّروس الفكريّة النّظريّة، سمة التّعليم التّقليديّ في المدارس. فهو ميّال أكثر إلى ما هو عمليّ. والتّحدّي الثّاني، شغفه في فنّ الرّسم وهو يعاني عمى الألوان. والتّحدّي الثّالث هو رغبته بدخول رهبنةٍ كالرّهبنة اليسوعيّة وما تتطلّبه من دروس، وحبّه للفنّ: كيف يوفّق بين هاتَين الرّغبتين؟
وتتالى فصول الكتاب، وكأنّها ترسم لوحةً فيها الموضوع الرّئيس، وفيها التّفاصيل الفرعيّة الّتي تساهم في اكتمال الصّورة وإبرازها، وكأنّنا أمام شجرةٍ تنطلق فروعها في جميع الاتّجاهات من دون أن تنفصل عن الجذع: وضع الإرساليّات الهولنديّة حين دخل نقولا الابتداء، حال التّكوين في الشّرق حين عزم على القدوم إليه ليعمل فيه، الأوضاع الاجتماعيّة والسّياسيّة بلبنان في أيّامه…
تبدأ المغامرة البقاعيّة في يومٍ من أيّام تشرين الأوّل/أكتوبر. كان بعض وجهاء القرية مجتمعين للتّداول في حال قريتهم المزري. «لقد قرّر سكّان برقا أن يتدبّروا مصيرهم بأنفسهم؛ ولهذه الغاية أرادوا أن يتّفقوا على الأولويّات. يا لها من مهمّة عويصة، فكلّ شيء أولويّ: الماء، والكهرباء، والطّرقات، وشبكة المواصلات، والمدرسة، والعمل… وليس لديهم أدنى ضمانة لمستقبلهم ومستقبل أولادهم. كيف يُخرجون الحاضر من الورطة الّتي يتخبّط فيها؟» (ص. 67).
«تأخّر بدء الاجتماع بسبب تأخّر أحدهم: فريد. حين وصل أبلغني: «هناك رجل يلبس زيًّا أسود ينتظر في الخارج». خرجت ودعوت الغريب كي ينضمَّ إلينا، دون أن أعرفه أو أعرف ما يريده. جلس بيننا وعرَّفنا بنفسه. كان يتكلّم العربيّة بلهجة ثقيلة، قال: «أنا كاهن يسوعيّ هولنديّ وجئت لأخدم قريتكم؛ فهل تقبلوني؟» … في هذه السّهرة الخريفيّة، في الثّامنة إلّا خمس دقائق مساءً. هكذا وصل إلينا مَن سندعوه في ما بعد «أبونا نقولا»» (ص. 68).
خلافًا لما هو متوقَّع من سيرة كاهنٍ، فإنّ الكتاب يلحّ على عمله الاجتماعيّ الّذي ساهم في المصالحة بين العائلات الكبيرة المتخاصمة في القرية، ورفع مستوى حياة النّاس الاقتصاديّ، من دون أن يغفل عن الإشارة، من حينٍ إلى آخر، إلى نشاطه الدّينيّ كالتّعليم الدّينيّ، وإرشاد الأخويّات والرّاهبات في المنطقة، وإحياء اللّيترجيّات بطريقةٍ تساعد النّاس على الصّلاة.
تفسح الكاتبة مجالًا واسعًا لفكرة الاستشهاد من خلال الاستفاضة في ذكر اغتيال مساعد الأب نقولا، غصيبة كيروز، وأثرها في نفسه، وكيف أنّه شعر بأنّ هذا الاغتيال صورة مسبقة للمصير الّذي ينتظره: الخطف والاغتيال في المنطقة نفسها، وعلى الطّريق نفسه.
الخطف والاغتيال مذكوران باقتضاب في نهاية الفصل الثّالث عشر، والفصل الرّابع عشر مخصَّص لوصف قلق الرّهبنة والأهالي بسبب غيابه، ثمّ إيجاد الجثّة مرميّةً في هوّة.
وتلي هذا الفصل أربعة فصولٍ هي بمثابة حركة قيامة تنطلق من الموت، ونشيد تسبيحٍ ترفعه حياةٌ لم تعرف سوى العطاء.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.
كتّاب هذا العدد
مقالات هذا العدد
هجرة اللّبنانيّين بعد 1990 من الأقلمة إلى العولمة
أعادت الهجرة اللّبنانيّة انطلاقتها في منتصف تسعينيّات القرن الماضي بعد ركود أصابها في نهاية الحرب، بخاصّة مع بداية التّباطؤ الاقتصاديّ العائد إلى السّياسات الماليّة والنقديّة والتّجاريّة المعروفة منذ التّسعينيّات. وتراجعت الهجرة في مطلع العام 2000 بسبب الوضع في الخليج والعراق. وكان من نتائج هذه الحرب : تأنيث المجتمع اللّبنانيّ، وتراجع النّموّ الدّيمغرافيّ وخسائر بالرّأسمال البشريّ بسبب الإنفاق على تكوين الأشخاص وتربيتهم في لبنان، لتستفيد منهم دول مقصد المهاجرين، بخاصّة المهاجرين الجامعيّين الّذين شكّلوا منذ مطلع القرن العشرين حوالى نصف العدد الإجماليّ للمهاجرين، فيكون لبنان استثمر في تكوين رأسمال بشريّ لدول المقصد.
وقد تطوّر تركيب المهاجرين الطّائفيّ فانقلب من هجرة أكثريّتها مسيحيّة إلى هجرة أكثريّتها إسلاميّة بسبب عوامل عديدة، نوضحها في نصّ المقالة.
وقد تنوّعت بلدان المقصد في مطلع القرن الواحد والعشرين، فانخفضت الهجرة إلى دول الخليج ، وهي مؤقّتة، وزادت الهجرة إلى الدّول الصّناعيّة مثل كندا وأوستراليا وأوروبّا والولايات المتّحدة، في سبيل البحث عن عمل أساسًا، ثمّ لجمع شمل الأسرة، كما هربًا من الوضع المأساويّ في لبنان.
كلمات مفتاحيّة: هجرة – لبنان – سياسة اقتصاديّة – بلاد المقصد - الخسارة في الرّأسمال البشريّ – شيخوخة المجتمع – تأنيث المجتمع - التّنوّع الطّائفيّ للهجرة – هجرة نهائيّة باتّجاه الدّول الصّناعيّة الغربيّة.
L’émigration des Libanais après 1990
De la régionalisation à la mondialisation
Dr. Boutros Labaki
Cette émigration, après un ralentissement en début d’après-guerre, reprend dans la première décade des années 1990, du fait du ralentissement économique dû aux politiques financières, monétaires et commerciales suivies par les nouveaux gouvernants. Cette émigration a été ralentie vers la fin des années 1990, du fait de la situation dans le Golfe et en Irak, puis à nouveau en 2005 avec les retraits syriens, et reprit après de plus belle. Les conséquences de cette émigration furent la féminisation de la société et son vieillissement, le ralentissement de la croissance démographique, et les pertes en capital humain, dues au fait que l’investissement pour la formation de l’émigré que consentent: sa famille, l’Etat et la société, a des effets bénéfiques dans les sociétés d’accueil et non au Liban qui aurait financé cet investissement. Notons surtout, aussi, qu’au 21ème siècle, près de la moitié des émigrés étaient des universitaires.
Mots clés: émigration – Liban – politique économique – pays d’accueil – pertes en capital humain – viellissement de la société – féminisation de la société – diversité confessionnelle de l’émigration – émigration définitive vers les pays industriels occidentaux.
الدّكتور بطرس لبكي: دكتوراه في التّاريخ الاقتصاديّ من جامعة السوربون – باريس. أستاذ ورئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعيّة – الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ ومدير أبحاث في جامعة القدّيس يوسف، وأستاذ في الجامعة الأميركيّة – بيروت، وفي جامعة ليون الثانية، ويعمل في المركز الوطنيّ الفرنسيّ للأبحاث العلميّة في باريس ورين، كما في جامعة أكسفورد والمعهد الألمانيّ للأبحاث التربويّة الدوليّة في فرانكفورت. له العديد من الأبحاث في المجالين الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وآخرها كتابُه «هجرة اللّبنانيّين (1850-2018) مسارات عولمة مبكّرة».
الحرب العالميّة الثّانية وانعكاساتها على سكّان منطقة مرجعيون (الجزء الثاني)
كان لموقع منطقة مرجعيون الاستراتيجيّ أهميّته الخاصّة في مرحلة الحرب العالميّة الثّانية، إذ إنّها قريبة من الحدود الفلسطينيّة كما السّوريّة، ممّا أثر على مسار المعارك ونتائجها آنذاك. وقبيل اندلاع الأعمال الحربيّة في منطقة مرجعيون بين الفيشيّين والحلفاء، عاشت تلك المنطقة ضائقة اقتصاديّة واجتماعيّة كبيرة، بسبب الحصار البحريّ المفروض من الحلفاء.
دارت معارك عنيفة، واستمرّت من 8 حزيران حتّى 10 تمّوز 1941. وقد شبّهت بأخطر المعارك الّتي وقعت في أوروبّا وشمالي أفريقية. وكانت نتائجها المباشرة سقوط الفيشيّين، وحلول الحلفاء مكانهم في سلطة الانتداب في منطقتنا، ومتابعة التّقدّم حتّى جزّين، والوصول تاليًا إلى العاصمة بيروت.
لقد دفع سكّان منطقة مرجعيون أثمانًا باهظة نتيجة تلك المعارك، من قتلِ وجرح العشرات، وتهديم البيوت، ونهب الممتلكات والثّروات، وتهجير السّكّان، واحتراق المحاصيل الزّراعيّة، فكان أن خيّم أيضًا خطر المجاعة.
كلمات مفتاحيّة: الحرب العالميّة الثّانية، جديدة مرجعيون، القلم الصّريح، الحلفاء، ڤيشي، كاترو، دانتز، حاصبيّا، سلطة الانتداب، حنّا حردان.
La Seconde Guerre mondiale et ses répercussions
sur les habitants de la Région de Marjeyoun (2)
Dr. Juliette Al-Rassi
L’emplacement stratégique de la Région de Marjeyoun était d’une importance particulière pendant la Seconde Guerre mondiale, étant proche des frontières palestinienne et syrienne. Par conséquent, cela a affecté le cours et les résultats des batailles qui ont eu lieu à cette époque dans cette région. Cependant, avant le déclenchement des hostilités entre les Vichystes et les Alliés, la région a connu une grande crise économique et sociale, en raison du blocus naval imposé par les Alliés, qui empêchait l’arrivée de fournitures nécessaires à toute la société libanaise.
En effet, de violents combats ont eu lieu dans la région, dans lesquels divers types d’armes connues à l’époque ont été utilisés, et ont duré du 8 juin au 10 juillet 1941. Ces combats ont été comparés aux combats les plus dangereux et violents qui ont eu lieu en Europe et en Afrique du Nord. Leurs résultats directs furent la chute des Vichystes, leur remplacement par les Alliés à la tête du Mandat dans notre pays, et la poursuite de l’avancée (des Alliés) vers la région de Jezzine, et après cela, l’arrivée à la capitale, Beyrouth.
Ces combats avaient eu des répercussions dont les habitants de la région de Marjeyoun en payèrent un lourd tribut, puisque plus de soixante citoyens furent tués et des dizaines blessés, ainsi que des maisons démolies. De plus, des récoltes agricoles ont été brûlées et détruites, des denrées alimentaires ont été perdues et la population a été exposée à la menace de la famine.
Mots clés: La Deuxième Guerre Mondiale, Jdaydet Marjeyoun, Al-Kalam al-Sarih, Les Vichystes, Les Alliés, Albord, Catroux, Dentz, Hasbayya, Al-Khiyam, Le Mandat, Hanna Hardan.
الدّكتورة جوليات الرّاسي : أستاذة في الجامعة اللّبنانيّة – كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة. خرّيجة جامعة السّوربون (باريس الرّابعة)، متخصّصة في التّاريخ العربيّ الوسيط وتحقيق المخطوطات. من مؤلّفاتها ثلاثة كتب منشورة، وعشرات الأبحاث باللّغات العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة.
تجلّيات التّفاعل الثّقافيّ في الأدب المهجريّ (إيليّا أبو ماضي أنموذجًا)
يعاين هذا البحث العلاقات الثّقافيّة الّتي حكمت الأدب المهجريّ، ويحدّد عوامل التّأثّر والتّأثير الثّقافيّ في نصوصه، وذلك من خلال دراسة قصائد الشّاعر إيليّا أبي ماضي أنموذجًا، حيث يُبيّن أهمّ الأفكار الّتي تضمّنتها هذه القصائد، ويحدّد الإطار الثّقافيّ والمعرفيّ الّذي اقتبس منه الشّاعر هذه الأفكار. ويركّز البحث على البيئتين المشرقيّة المسيحيّة – الإسلاميّة لثقافة الشّاعر فضلًا عن عوامل البيئة المهجريّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، ذات الثّقافة الغربيّة، الّتي قضى فيها الأديب أبو ماضي معظم سِني حياته.
كلمات مفتاحيّة: الأدب المهجريّ – الثّقافة – التّأثّر والتّأثير – المثاقفة – التّلاقح الثّقافيّ – الشّرق – الغرب – المسيحيّة – الإسلام – القرآن – الإنجيل - القيم الإنسانيّة.
Les manifestations de l’interaction Culturelle dans la littérature de l’immigration
(Eliya Abou Madi en exemple)
Dr. Imad Ghannoum
Cet article traite le sujet des relations culturelles propres à la littérature de l’immigration, et précise les facteurs d’influence culturelle mutuelle dans les textes en question, et ce à travers l’étude des poèmes du poète Eliya Abou Madi en exemple, pour montrer les idées principales que contiennent ces poèmes, et préciser le cadre culturel duquel Abou Madi tira ces idées. L’article met l’accent sur les deux environnements oriental chrétien et musulman propres au milieu culturel du poète, ainsi que sur les facteurs de l’environnement aux Etats-Unis d’Amérique, aux traits occidentaux; c’est là où Eliya Abou Madi passa la majorité de ses jours.
Mots clés: littérature de l’immigration – culture – influence mutuelle – acculturation – métissage culturel – l’Orient – l’Occident – christianisme – Islam – le Coran – la Bible – les valeurs humaines.
الدّكتور عماد غنّوم: دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها (الألسنيّة)، جامعة الرّوح القدس – الكسليك – 2013. محاضر في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة – الجامعة اللّبنانيّة. له أبحاث علميّة منشورة في كتب ودوريّات لبنانيّة وعربيّة، منها: «دور الصّورة في إنتاج الخطاب – الرّبيع العربيّ أنموذجًا – دراسة لغوية سيميائية»، و«تطوّر النّظريّة اللّغويّة من سوسير إلى جاكبسون»…
الالتزام في أدب جان توما، قراءة في كتابَي «يوميّات مدينة» و«وجوه بَحريّة»
يتناول هذا البحث الموجز الالتزامَ في أدب جان توما، متّخذًا من كتابَيه يوميّات مدينة ووجوه بَحريّة عيّنة للدّراسة. وإذ نحاول في هذه المقالة الإسهام بتعريف مفهوم الالتزام بشقّيه الاجتماعيّ والثّقافيّ فإنّنا لا ننوي التّطرّق إلى معتقدات سياسيّة معيّنة أو عقائديّة، وهو ما لم نلحظه عند الكاتب أساسًا. بل إنّ الهدف هو استجلاء ملامح الالتزام في أدب الكاتب، والمتناغم مع خلفيّته الثّقافيّة، وشخصيّته الملتزمة اجتماعيًّا وبيئيًّا مع محاولة تقصّي مدى توافق الالتزام الفكريّ والاجتماعيّ في أدبه مع الجماليّة المبثوثة بين السّطور.
لقد بحثت دراسات سابقة في صورة البحر في أدب جان توما، وتطرّق بعضها الآخر إلى شخصيّات «اليوميّات» وتماهيها مع المعالم والأمكنة، أو إلى التّوثيق الّذي استخدمه الكاتب مستعينًا، أحيانًا، بالتّخييل. أمّا ناحية الانتماء بمعناها الالتزاميّ الحرّ فلم تتناوله دراسة سابقة في أدب جان توما.
كلمات مفتاحيّة:
وجوه بحريّة: الميناء – الثّغر البحريّ – المرفأ – سقالة – بيوت عتيقة – زواريب – كنيسة – مسجد.
يوميّات مدينة: حارات اللّعب – الرّيح – القرميد – طيور السّنونو – مصابيح الشّوارع – البساتين.
La littérature engagée de Jean Touma ; étude de ses ouvrages
«يوميّات مدينة» et «وجوه بَحريّة»
Imane Raydan
Cet article traite la littérature engagée de Jean Touma, avec pour exemple ses deux ouvrages «يوميّات مدينة» et «وجوه بحريّة». Il est vrai qu’à travers cette recherche nous essayons de définir le concept de l’engagement social et culturel, mais nous ne voulons pas pour autant mentioner des croyances politiques ou dogmatiques, et c’est justement ce que nous avons remarqué chez l’auteur même. Notre but est plutôt d’élucider les traits de cet engagement, dans la littérature de Jean Touma, qui est en accord avec le bagage culturel de l’auteur ainsi qu’avec sa personnalité engagée au niveau social et environnemental, tout en essayant aussi d’examiner le degré de concordance entre l’engagement intellectuel et social et l’esthétique qui embellit ses textes. Certaines études antérieures ont traité l’image de la mer dans la littérature de Jean Touma, et d’autres les personnages des mémoires quotidiennes «يوميّات» et leur adaptation aux différents lieux. Quant au sujet de l’appartenance dans le sens de l’engagement libre dans la littérature de Touma, il n’a pas été traité auparavant.
Mots clés
وجوه بحريّة: port – ville maritime – charpente – maisons anciennes – ruelles – église – mosquée.
يوميّات مدينة: quartiers de récréation – vent – briques – hirondelles – lanternes des ruelles – jardins.
إيمان ريدان : سكرتيرة تحرير مجلّة المشرق الثّقافيّة. طالبة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها في معهد الآداب الشّرقيّة – جامعة القدّيس يوسف – الشّمال.
أسماءُ الأصوات ومُشْتَقَّاتُها في اللَّهْجَة اللُّبنانيَّة دراسةٌ معجميَّةٌ
تُوجِّه هذه الدِّراسة عنايتها إلى ظاهرةٍ من ظواهر اللُّغة العربيَّة هي أسماء الأصوات الَّتي تُعَرَّف بأنَّها كلُّ لفظٍ صُوِّت به لغير العاقل، أو ما يُعَدُّ غير عاقلٍ من البشر كالأطفال، وكلُّ لفظٍ أُخِذ من الأصوات الصَّادرة عن الإنسان أو الحيوان أو الطَّبيعة؛ (ومثل هذه الألفاظ: «هَلا» لحثِّ الفرس على السَّير، و«أُفْ» حكاية صوت المتضجِّر). وقد جَعَلَت هذه الدِّراسةُ اللَّهجةَ اللُّبنانيَّةَ حقلًا لعملها اقتفت فيه آثار هذه الألفاظ، وآثار الأسماء والأفعال الَّتي اشتقَّها منها أهل هذه اللَّهجة، وجَمَعَتها مرتَّبةً ترتيبًا ألفبائيًّا، ومعها شرحها، وتفسيرها، وأمثلةٌ مَسَّت الحاجة إليها.
كلمات مفتاحيَّة: أسماء الأصوات - حكاية الصَّوت - اللَّهجة اللُّبنانيَّة - الأسماء - الأفعال.
Les sons et leurs dérivés dans le dialecte libanais.
Étude lexicale
Ibaa al-Din Bou Marii
Cette étude traite l’un des aspects de la langue arabe, les sons: mots utilisés pour les animaux, pour les êtres considérés irrationnels comme les bébés, ainsi que les sons qui émanent des humains (interjections), des animaux ou de la nature (onomatopées). Le dialecte libanais est alors ici un champ de travail d’où cette recherche tire les traits de ces mots, ainsi que les traits des noms et verbes dérivés de ces mots-mêmes par les personnes utilisant le dialecte en question, et les classe par ordre alphabétique avec leurs significations et des exemples les représentant.
Mots clés: sons – interjections – dialecte libanais – noms – verbes.
إباء الدِّين بو مَرعي : طالب دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها في معهد الآداب الشَّرقيَّة في جامعة القدِّيس يوسف.
ابن جنّي في الاشتقاق الكبير بين الوهم والتّعسّف
لاحظ ابن جنّي رابطًا معنويًّا بين مشتقّات الجذر الثّلاثيّ الواحد ومشتقّات تقاليبه السّتّة، فجاء بنظريّة لم يقل بها أحد قبله. ولم يوافقه عليها أحد بعده، ذلك أنّ فيها من التّعسّف والتّكلّف، ولم يطبّق هذه النّظريّة على أكثر من خمسة جذور وتقاليبها، ولو طبّقها على غير هذه الجذور، لربّما كان يتراجع عنها.
وكان ابن فارس، معاصر ابن جنّي، قال بالمقياس، أو بالدّلالة المحوريّة، أو بالمعنى المشترك وعليه، كان ابن فارس أكثر اعتدالًا، وأهدى سبيلًا، وأكثر موضوعيّة، وأدقّ تطبيقًا من ابن جنّي: ولذلك نرى أنّ نظريّة ابن جنّي لم يقل بها أيّ لغويّ بعده، بل قوبلت بالنّقد واتّهامها بالخطأ والتّعسّف والتّسرُّع في وضعها: أمّا نظريّة ابن فارس، فقد أعجبت بعض اللّغويّين، فتبنّوها في معاجمهم كما فعل الحسن بن محمّد بن المعروف بالصّفاني أو الصّاغاني (650هـ/1272م)، حيث نقل في معجمه «العباب الزّاخر» معظم الدّلالات المحوريّة الّتي قال بها ابن فارس من دون أن يُضيف إليها شيئًا. كذلك حرصَ مؤلِّفو «المعجم الكبير» على النّصّ في بداءة كلّ مادّة لغويّة على الدّلالة أو الدّلالات المحوريّة الّتي قال بها ابن فارس، مضيفين إليها بعض الدّلالات لعدد من الجذور، ومُضيفين بعض التّعديلات لجذور أخرى.
كلمات مفتاحيّة: الاشتقاق – الاشتقاق الكبير – ابن جنّي – التّعسّف.
Eben Jenni et la grande dérivation
entre l’illusion et l’arbitraire
Marwa Yakhni
Eben Jenni a noté un lien significatif entre les dérivés du radical et ceux de ses six variantes, et a énoncé une nouvelle théorie que personne n’a affirmée (ou adoptée) par la suite du fait qu’elle y renferme de l’arbitraire, de l’affectation et de l’endurance dans la mauvaise et grande interprétation, et il n’a pas appliqué cette théorie sur plus de cinq radicaux et leurs variantes, et s’il l’a appliquée sur d’autres radicaux, il l’aurait peut-être abandonnée.
Eben Farès, contemporain d’Eben Jenni, a opté pour le concept de l’échelle, ou signes axiaux. Eben Farès était plus modéré, plus clair, plus objectif et plus précis qu’Eben Jenni. Pour cela, nous voyons que la théorie d’Eben Jenni n’a été prononcée par aucun linguiste par la suite, mais elle a été critiquée et jugée fausse, arbitraire et hâtée dans son placement: tandis que la théorie d’Eben Farès a plu à quelques linguistes qui l’ont adoptée dans leurs dictionnaires comme a fait Al-Hassan Ben Mohammad connu sous le nom d’al-Safani ou al-Saghani, qui a transmis dans son dictionnaire (Al oubab al-zakher) la majorité des signes axiaux dont a parlé Eben Farès sans rien y ajouter. De même, les auteurs du «Grand dictionnaire» se sont assurés de la signification et des connotations essentielles du texte prononcées par Eben Farès au début de chaque matière où ils ont ajouté quelques significations à un grand nombre de radicaux et quelques modifications d’autres radicaux.
Mots clés: dérivation – la grande dérivation linguistique – Eben Jenni – arbitraire.
مروى يخني : طالبة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها في معهد الآداب الشّرقيّة، جامعة القدّيس يوسف
مَيمَرٌ يُحقِّق أنَّه لا يُنكَر للإله التَّجسُّد والحُلول لثاوذورُس أبي قُرَّة († نحو 830م)
نقدِّم في هذا المقال النّصّ المحقَّق لميمر ثاوذورُس أبي قرَّة (755؟ - 830؟) عن التّجسُّد والحُلُول. وهو العاشر من مجموعة الميامر الّتي كان الأب قسطنطين الباشا المخلّصيّ قد نشرها في العام 1904، مُعتمدًا على مخطوطة واحدة من خزانة دير المخلّص تمَّ نسخها في العام 1735. وقد قام بملء الفراغات الّتي وجدها في صفحاته الثّلاث الأولى بما ظنَّه ملائمًا للمعنى، بعد أن تعذَّر عليه العثور على نسخة أُخرى.
وبعدما صار متاحًا للباحثين مؤخّرًا مراجعة المخطوطة السّينائيّة العربيّة 581 (ق 12 م)، الّتي تتضمّن نسخةً أقدم وأكثر أمانةً للأصل عن تسعة من الميامر الّتي تحويها مخطوطة دير المخلِّص 392، فقد أضحى الآن ممكنًا ترميم هذا الميمر واستعادة نصِّه الكامل. ولذلك اعتمدنا في تحقيق النّصّ المخطوطة السّينائيّة أساسًا، وأثبتنا في الحواشي كالمعتاد فروقات مخطوطة دير المخلِّص والإضافات والتّعديلات الّتي أدخلها الأب الباشا في طبعته. كما أدخلنا كلّ العناصر الضّروريّة لحسن قراءة النّصّ من علامات تشكيل ووقف، وأبرزنا بنية النّصّ المنطقيّة والبلاغيّة وتسلسل أفكاره، بتقسيمه إلى أجزاء ومقاطع لها عناوين أساسيّة وفرعيّة، وفقرات مرقّمة تسهل الإحالة إليها.
هذا الميمر هو الجزء الثّاني من ثلاثيّة ميامر مترابطة، تتناول أخصّ مواضيع الإيمان المسيحيّ، أعني الفداء والتّجسُّد والثّالوث. ويلجأ أبو قرَّة في معالجتها إلى المستندَين التقليديَّين عند علماء الكلام في الكتابات الدّفاعيَّة وهما العقل والنّقل. فيورد عددًا كبيرًا من الشّهادات الكتابيّة الّتي تؤيّد حججه، كما يبرع في ابتكار التّشبيهات، وإقامة المقارنة بين المعتقدات، والارتكاز على المسلّمات المشتركة لتوليد الإقناع والرّدّ على الاعتراضات.
كلمات مفتاحيّة: ثاوذورس أبو قرّة، مخطوطات عربيّة مسيحيّة، لاهوت عربيّ قديم، علم الكلام، تجسُّد، حُلول، عرش الله، محلّة اللّاهوت، أُنوسة المسيح.
Opuscule de Théodore Abu Qurrah (mort vers 830 ap j.c.):
L’incarnation ne peut être déniée à Dieu.
Texte établi et présenté par le père Pierre Masri
Ce traité d’Abū Qurrah (v. 755 – v. 830) dont nous publions l’édition critique, avait été publié pour la première fois en 1904 par P. C. Bacha. C’est le dernier de ces dix opuscules arabes édités d’après un seul manuscrit, copié en 1735, de la bibliothèque du couvent de Saint-Sauveur (Liban). Les premières pages manuscrites du texte se trouvaient pleines d’espaces vides, et le P. Bacha n’ayant pu trouver une autre copie, avait «rempli» comme il pouvait les places des paroles manquantes.
Maintenant, un autre manuscrit beaucoup plus ancien: le Sinaï arabe 581 (12e s.) est devenu heureusement accessible. Ce qui rend possible finalement de compléter et de corriger le texte «imaginaire» de Bacha. Ainsi notre présente édition est basée plutôt sur le codex sinaïtique, tout en collationnant soit le manuscrit Saint-Sauveur 392, retrouvé récemment, soit l’édition princeps de Bacha.
Dans l’introduction, après un bref aperçu historique, nous avons donné une première description du manuscrit sinaïtique, une comparaison du contenu des deux manuscrits utilisés et un provisoire stemma codicum en récapitulant les données disponibles. Enfin, nous avons proposé un schéma logique et rhétorique du texte édité, ce qui nous a permis d’en ajouter des titres et sous-titres.
Ce traité représente la seconde partie d’une trilogie apologétique concernant respectivement les trois grands mystères de la foi chrétienne: Rédemption, Incarnation et Trinité. Abū Qurrah cherche à prouver, par des arguments bibliques et rationnels, la possibilité de l’Incarnation du Fils Eternel. Son développement est centré sur la métaphore du Trône de Dieu, utilisée aussi dans les écritures sacrées des juifs et des musulmans, en tant que préfiguration du corps charnel du Christ, qui est devenu Lieu par excellence de la Présence de Dieu parmi les humains.
Mots clés: Théodore Abū Qurrah, manuscrits arabes chrétiens, théologie arabe médiévale, kalām, Incarnation du Fils, Trône de Dieu, Corps du Christ.
الأب پيير مصري : خوري كنيسة الملاك ميخائيل للرّوم الكاثوليك بحلب ومدير المكتبة الرّوحيّة فيها. أستاذ محاضر في قسم الفلسفة بجامعة حلب، وفي المعهد الباباويّ للدّراسات العربيّة والإسلاميّة (PISAI) بروما، باحث في حقل الترّاث العربيّ المسيحيّ.
خطبة في دخول والدة الإله إلى الهيكل ليوحنّا عبد المسيح الأنطاكيّ من كتاب معين الحياة. المركب السّائر في ميناء النّجاة (الجزء الثاني)
عاش يوحنّا عبد المسيح في القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر. في وقت غير معروف، صار راهبًا في أحد أديار أنطاكية. ثمّ، ما لبث أن دُعي لجثلقة ساس ورومجيريس قرابة عام 1000 م.، في زمان دوقيّة نيكيفورس أورانوس على أنطاكية. اعتذر يوحنّا عن هذه المهمّة، وعاد ليعيش في دير السيّدة والدة الإله «أرشايا» بالقرب من أنطاكية. هناك عمِل على كتابِه معين الحياة. المركب السّائر في ميناء النّجاة، وهو مجموع سِير قدّيسين وعظات للمناسبات الكنسيّة. أدرج يوحنّا في كتابه هذا خطبةً ألّفها مُسجّعةً لعيد دخول السّيّدة إلى الهيكل. ننشر هنا نصّها مع دراسة لفحواها ومصادرها.
كلمات مفتاحيّة: يوحنّا عبد المسيح الأنطاكيّ، الأدب المسيحيّ العربيّ، دخول السّيّدة إلى الهيكل، أندراوس الكريتيّ، تيبولوجيا.
Discours sur la Présentation de la Vierge au Temple de Yūḥannā ʿAbd al-Masīḥ al-Anṭākī
Dr. Habib Ibrahim
Yūḥannā ʿAbd al-Masīḥ vécut au 10e et début du 11e siècle. À une date inconnue, il devint moine dans l’un des monastères d’Antioche. Puis, il fut élu catholicos de Sas (ou Šāš) et Romagyris. Vers l’an mille, sous le doux d’Antioche Nicéphore Ouranus, Yūḥannā démissionna et revint vivre dans le Monastère de la Mère de Dieu «Archaïa» près d’Antioche. Il y travailla sur son œuvre magistrale «Source de vie. Navire qui avance dans le port du salut», un recueil de vies de saints et d’homélies pour les fêtes ecclésiastiques. Nous retrouvons dans ce recueil un Discours sur la Présentation de la Vierge au Temple que Yūḥannā même composa en prose rimée. Nous le publions avec une étude du contenu et des sources.
Mots clés: Yūḥannā ʿAbd al-Masīḥ al-Anṭākī, Littérature arabe chrétienne, Présentation de la Vierge au Temple, André de Crête, typologie.
الدّكتور حبيب إبراهيم : باحث في مركز التراث العربيّ المسيحيّ، جامعة القدّيس يوسف – بيروت.
القدّيس ألفونس رُودْرِيكس شفيع الإخوة في الرّهبانيّة اليسوعيّة (الجزء الثاني)
استهلّت المؤلّفة هذا الجزء من مقالتها المُشار إليها بالتّحدّث عن أربع فضائل ضمّخت حياة ألفونس رودريكس أسمى تضميخ. وبعد أن أبرزت أهميّة ذي الفضائل النّاصعة المناويل والأهداف، أظهرت كيف سافر القدّيس المذكور في ربوعها النّظيفة أتقى سفر، رافعًا راياتها الورعة أشرف رفع، تاركًا شذاها النّزيه ينبعث من كيانه أطيب انبعاث. ثمّ تحدّثت عن إجلاله الكريم الرّهبانيّة اليسوعيّة. وبما أنّه كان يُكبر إكبارًا عظيمًا مؤسّس هذه الرّهبانيّة، أي القدّيس إغناطيوس دي لويولا Ignace de Loyola ، فقد أوردت لمحة عن حياة هذا الرّاهب المؤسّس، وأردفتها بإظهار معالم الإكبار المومأ إليه. وجريًا على عادتها، استندت المؤلّفة في حياكة كلّ الأمور المتقدّم إيرادها، إلى طائفة كبيرة من المراجع.
كلمات مفتاحيّة: ألفونس، السّماوات، الصّليب، الدّير، اليسوعيّة، الإماتات.
Saint Alphonse Rodriguez
Intercesseur des frères à la compagnie de Jésus (2)
Dr. Mona Karam
L’auteure débute cette partie de son article en parlant de quatre vertus qui ont orné la vie de Saint Alphonse. Puis, après avoir mentionné l’importance de ces vertus aux fins pures, elle montre comment Saint Alphonse les vécut et les honora tout au long de sa vie. Puis elle nous parle de son respect de la Compagnie de Jésus, et, puisqu’il en vénérait le fondateur, Saint Ignace de Loyola, l’auteure nous fait part de la vie de Saint Ignace-même, et, comme à son habitude, elle se basa sur différents ouvrages qui ont fait des lignes de son article de véritables témoins.
Mots clés: Alphonse – cieux – croix – monastère – jésuite – privations et sacrifices.
الدّكتورة منى كرم : باحثة متخصّصة بالآداب العربيّة. لها مقالات عديدة أدبيّة وتاريخيّة ودينيّة.
مقالات من أرشيف مجلّة المشرق: في أهمّيَّة جمع خواصّ الكلام الدّارج
دولة لبنان الكبير 1920-2021. إشكاليّات التّعايش المأزوم والحياد والمصير
الدّكتور عبد الرّؤوف سنّو
دولة لبنان الكبير 1920-2021.
إشكاليّات التّعايش والحياد والمصير.
480 ص. ط.1. بيروت: دار المشرق، 2021
(ISBN: 978-2-7214-7112-3)
في الذّكرى المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، وفي خضمّ الأوضاع المأساويّة الّتي يعيشها اللّبنانيّون، يستعرض الدّكتور عبد الرّؤوف سنّو أبرز المراحل الّتي مرّ بها لبنان، متوقّفًا عند ثلاث إشكاليّات: التّعايش والحياد والمصير.
لم يعتمد الباحث تسلسل الأحداث الزّمنيّ في توزيع فصول الكتاب، لأنّ هدفه الأساس ليس تأريخ الأحداث، بل طرح المواضيع والإشكاليّات من مختلف وجوهها، ودراستها بمنهجيّة تحليليّة تساعد في استخلاص العبر، ورسم معالم مستقبل أفضل، وهي تتوزّع على ثمانية فصول وملاحق.
في الفصل الأوّل، مقاربة تقويميّة وبيانيّة للمئويّة الأولى مع أبرز التّحدّيات الّتي واجهها اللّبنانيّون: النّظام الطّائفيّ، وموقع لبنان الجيوسياسيّ الذي جعله قبلة التّجاذبات الإقليميّة والدّوليّة، ما انعكس سلبًا على سيادة الدّولة. ويتصدّر الفصلَ رسم بيانيّ يؤشّر إلى تذبذب استقرار لبنان، وتأثّر سيادته به.
الفصل الثّاني، يطرح إشكاليّة التّعايش المأزوم، من الميثاق الوطنيّ إلى سقوط حكومة الرّئيس سعد الحريري في العام 2011، مرورًا باتّفاق الطّائف، والإحباطات المسيحيّة، واغتيال الرّئيس رفيق الحريري.
ويستعرض الفصل الثّالث التّداعيات الدّاخليّة للنّظام الطّائفيّ، والّتي سمحت للخارج بالتّدخّل في شؤون لبنان.
فيما تشكّل «الانتفاضة اللّبنانيّة» في 17 تشرين الأوّل 2019 موضوع الفصل الرّابع، مع عرض دوافعها ومظاهرها، متطرّقًا إلى تصعيد المطالب والمواجهات القاسية بين الثوّار وبعض أزلام النّافذين المعارضين لها.
ويتمحور الفصل الخامس على حياد لبنان وصعوبة تحقيقه، بسبب النّظام الطّائفيّ، وانقسامات الدّاخل الّتي تسمح لفريق بخرْق الحياد، والاستنجاد بالخارج لتحقيق مصالحه والاستقواء على «الآخر». وتبلغ ذروة المعالجة في الفصل بدعوة البطريرك الرّاعي إلى حياد لبنان، وعرض أزمته على مؤتمر دوليّ.
أمّا الفصل السّادس فيتناول الأزمة الاقتصاديّة الخانقة الّتي يكابد اللّبنانيّون قساوة تداعياتها، نتيجة فساد الطّبقة السّياسيّة، ونهبها ماليّة الدّولة وأموال المودِعين، مع عرقلة التّحقيق العدليّ في انفجار مرفأ بيروت، وفي محاسبة المنظومة الحاكمة ومَن سبَقها من المسؤولين (التّحقيق الجنائيّ).
يتطرّق الفصل السّابع إلى الفدراليّة وأخواتها: «ديمقراطيّة الأكثريّة» (الإسلاميّة) و«المثالثة»، ويدعو إلى إقامة الدّولة المدنيّة الّتي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات.
ويركّز الفصل الثّامن على خطورة المرحلة الرّاهنة وتحدّياتها، حيث تتلاشى مقوّمات الصّمود، وتتصاعد احتمالات التّفكّك، بسبب استمرار هيمنة أرباب الميليشيات على الحكم، وانفراد «حزب الله» بحمل السّلاح، ونظام المحاصصة بين الزّعامات الطّائفيّة. ويشير إلى تآكل الطّوائف من الدّاخل نتيجة الصّراعات بين زعمائها على المناصب والنّفوذ. في المقابل، تمكّنت «الثّنائيّة الشّيعيّة» الممثّلة بـ «حزب الله» و«حركة أمل» من الإمساك بالطّائفة الشّيعيّة، باستخدام سياسة «العصا والجزرة». كما تمكّن هذا الحزب من خرق الطّوائف اللّبنانيّة باتّفاقات وتفاهمات وتسويات، ما جعل الطّوائف الأخرى عاجزة عن التّصدّي لمشاريعه فرادى، أو مجتمعة على أُسس وطنيّة.
تتميّز طروحات الدّكتور عبد الرّؤوف سنّو بالمواقف الوطنيّة الجريئة الّتي يتخطّى فيها الولاءاتِ الطّائفيّة وحساسيّاتها، رافضًا الاستزلام السّياسيّ أو الاصطفاف التّبعيّ للزّعامات. وهو يعبّر عن رأيه من دون مواربة، وبالخطّ العريض الجليّ اللّون، لا الرّماديّ الباهت الحائر بين الأسود والأبيض.
ويظهر واضحًا في الكتاب قلق الكاتب من أخطار التّحدّيات الّتي يواجهها اللّبنانيّون، وهاجسُه العميق مستقبل لبنان والعيش الكريم الحرّ فيه، معيّبًا على المسؤولين اللّبنانيّين عدم تطويرهم صيغة الميثاق الوطنيّ. وهو يعتبر أنّ الصّراعات الطّائفيّة لم تكن وحدها المسؤولة عن الأزمات المصيريّة، ويشير إلى دور إسرائيل والنّزاعات العربيّة - العربيّة، والعربيّة - الإيرانيّة على أرضه، مع المدّ النّاصريّ وسياسة الأحلاف في عهد الرّئيس شمعون في الخمسينيّات، ودعم المسلمين واليسار اللّبنانيّ المقاومة الفلسطينيّة في السّتّينيّات للإمساك بالسّلطة في لبنان على حساب السّيادة الوطنيّة.
عن اختلاف اللّبنانيّين في النّظرة إلى الهويّة الوطنيّة، يشير المؤلّف إلى أنّ الخلاف في الماضي كان بين الهويّة اللّبنانيّة والعروبة المتأسلمة، بعد أنْ كرّس «اتّفاق الطّائف» عروبة لبنان. ومع انعكاسات الصّراعات الإقليميّة على الدّاخل، أضحى الخلاف بين الهويّة العربيّة والهويّة الإسلاميّة الّتي تنادي بها «داعش» السّنّية وولاية الفقيه الشّيعيّة. مع العلم أنّ الهويّة المدنيّة الّتي ينادي بها الكاتب ليست من جوهر غيبيّ ثابت، بل هي معطى تاريخيّ متحوّل وفقًا لمفاهيم اجتماعيّة وثقافيّة وأنثروبولوجيّة وجغرافيّة، وهي متلازمة مع حركة التّاريخ وتطوّر الحضارة البشريّة. وهذا ما يعكس موضوعيّة المؤلّف ونهجه العلميّ الجريء.
الكتاب غنيّ بوفرة المصادر والمراجع المعتمدة وتنوّعها. ويتميّز بمنهجيّة تحليليّة وأمانة وموضوعيّة بعيدًا عن الأفكار المسبقة والإسقاطات الإيديولوجيّة. وينتهي كلّ فصل فيه باستنتاجات يركّز فيها الكاتب على استخلاص العبر وضرورة استشراف الحلول، وإلّا سيبقى لبنان مفتوحًا على المجهول.
د. جوزيف أبو نهرا: مؤرّخ، وعميد سابق لكليّة التّربية في الجامعة اللّبنانيّة. حائز دكتوراه دولة في التّاريخ من جامعة ستراسبورغ. شارك في العديد من المؤتمرات الدّوليّة في لبنان والخارج، وله أبحاث وكتب باللّغتين العربيّة والفرنسيّة. [email protected]m
Liban : Contes du pays du jasmin
Georges T. Labaki
Liban: Contes du pays du jasmin
324 p. Liban: Imprimerie Byblos, 2019
(ISBN: 978-2-7214-1208-9)
«لبنان حنايا من بلاد الياسمين»، وضعه بالفرنسيّة البروفسور جورج لبكي. كتابٌ ينسحب على ستٍّ وثلاثين قصّة مستوحاة من الحياة في القرية اللّبنانيّة، جبلًا وساحلًا، كاشفًا حنايا روحانيّة تسكن المواطن اللّبنانيّ الّذي عاش على مرّ التّاريخ فترات ازدهار وفترات صعبة معًا، علّمته الحذر والمثابرة، ولكن أعطته في الوقت نفسه روح الصّلابة والضّيافة والفكاهة.
يحتوي الكتاب أنواعًا عدّة من القصص؛ منها ما يدور على البطولات والقِيم والتّقاليد والعادات، وأخرى مشحونة بوصف دقيق للشّخصيّات، فترانا نجد في حنايا الجبل الأبطالَ وأصحاب الرّوح الفكاهيّة، من دون إغفال المساومين والمتلاعبين بمشاعر النّاس.
إلى جانب القصص المأخوذة من واقع الحياة، قصص يحفل بعضها بخيال متوقّد وتشويق suspense ممّا جعل الوقائع، الّتي سردها الكاتب، متتابعة، متصاعدة وصولًا إلى الخاتمة.
أمّا لغة الكتاب فهي سلسة وجزلة معًا، يسهل فهمها، والاستمتاع بألفاظها وعباراتها وصورها السّخيّة، ممّا يتيح لها جواز مرور سهل إلى المثقّف، كما الطّالب في المدرسة أو الجامعة.
لقد أراد د. لبكي من خلال كتابه إحياءَ ذاكرة بلاد الياسمين والأرز، تلك الذّاكرة الّتي تختزن في طيّاتها الأساطير والحكايات والبطولات، وكذلك الأحزان والآلام والمعاناة.
وللياسمين حكاية طويلة مع أهل لبنان، فقد كان يزِّين ويُعطِّر بأريجه مداخل المنازل «والسّطيحات» الّتي كانت تستضيف الأهالي في ليالي الصّيف الحالمة تحت ضوء النّجوم والقمر، متسامرين، مستذكرين البطولات وأخبار أحبّة غابوا إذ تشردّوا في ديار الله الواسعة، بعد أن ضاقت فسحة العيش والأمل في مسقط رأسهم.
تحمل القصّة الأولى من الكتاب عنوان «أبو يوسف وحبّ الأرض». فيها سرد بطريقة مشوّقة، حيث تتصاعد الحركة في النّص رويدًا رويدًا. أبو يوسف، الجبليّ العتيق صاحب العضلات القويّة، والعامل في الأرض الّتي ورثها عن أجداده من دون كلل أو ملل، بحيث أنّه كان يَعطِفُ عليها عطفه على من يُحبّ. كان أبو يوسف صديقَ الخيوط الأولى لشمس الصّباح ، يغدو باكرًا ليستدرك الوقت قبل أن يفوته، فأراضيه واسعة تمتدّ من أعلى الجبل إلى أسفلِه، ولتثبيت الصّورة في الذّهن، تخيّلوا أنّ الثلج يُغطّي القمم، فيما ترتع الشّمس في أسفلها في عمق الوادي، حيث الأشجار والزّهور محميّة من الزّمهرير. ولكن سرعان ما لحقت الحياة الصّاخبة بالقرية، فشُقّت فيها الطّرقات وبيعت الأراضي من دون رحمة أو شفقة، وسويّت بالأرض. وامتدّت هذه الظّاهرة (الحضاريّة) بحيث وصلت إلى منزل أبو يوسف، كيف لا، وقد وقف أولادُه، بدعم من زوجته، ضدّ خاطره: لماذا الحفاظ على الأرض، فقد تغيّرت الأيّام، وأصبح المجتمع استهلاكيًّا، تحكمه ماديّة المدينة. لأوّل مرّة استسلم أبو يوسف، وبعد معاناة طويلة، بيعت الأرض، ولمّا لم يُطق فراقها لحقها بعد أسبوع واحد فقط، مفضّلًا الموت على الحياة من دون مَن أحبّ وخدم وربَّى.
تتوالى القصص المنسابة من بلاد الياسمين. تقع الحرب فجأة، جالبة ويلاتها وقسوتها، فتدمّر بيئة متجانسة، وتقضي على الطّبيعة، وما فيها من بشر وحجر. وتبدأ معاناة جديدة فيضطرّ أصحاب الأرض إلى تركها والهرب، في اللّيالي المظلمة والباردة، إلى حيث لا يدرون.
تُهجَر القرى من أهلها وقاطنيها من دون أمل بالعودة القريبة، ولكنّ إرادة الحياة والقدر وديناميّة التّاريخ ينتصرون مجدّدًا، فيعود الأهالي إلى أرضهم حيث الأمان والحياة، والبناء من جديد بإرادة وأمل، متشبّهين بسيزيف sysiphe صاحب الأسطورة الّذي ينزل إلى أسفل الجبل ليحمل صخرته ويصعد بها إلى القمّة، وعندما تصل الصّخرة إلى أعلى نقطة تتدحرج ثانية إلى الوادي، فينزل سيزيف من جديد ويحملها إلى فوق.
نعم، إنّ معاناة أهل بلاد الياسمين مكتوبة على جبينهم، ومتوارثة في جيناتهم وجينات وطنهم الّذي كان على الدّوام هدفًا للطّامعين والغزاة.
تكرّ مسبحة القصص، فإذا بمشهد يُصوّر سائق شاحنة، متوثّبِ الذّاكرة، يحفظ الآلاف من أبيات الزّجل، يلقيها على سامعيه بفرح وغبطة وإباء. فالزّجل في بلاد الياسمين يحاكي زمن البطولات والصّولات والجولات و«العنتريّات الشّعريّة»، والسّهر في ضوء النجوم، والحياة المنطلقة، والحبّ العُذريّ، والكرم والضّيافة… فلكلّ مناسبة عنده، قصيدة: الزّواج، الولادة، الوفاة، الانتقال إلى العيش تحت قناطر، حجارتُها معقودة من مقالع بلاده.
وفي مكان آخر، حكايةُ ولد فقير دفعته ظروف العيش الشّاقّة، واضطهاد الأغنياء له إلى الهجرة على درب طويل، كان يُدرك بدقّة خفاياه وتعرّجاته وصعوباته.
فإذا بهذا الشّاب يصبح على موعد مع الثّروة، ويعود ناقمًا غازيًا إلى بلاده، فيشتري كلّ أملاك الإمارة القديمة المتجذّرة في التّاريخ، ويطرح أسيادها خارجًا.
وعلى صفحات أخرى، نرى بعض المهاجرات، وقد وجدن وسيلة ذكيّة لجني ثروة كبيرة من خلال بيع «لقش» أشجار الصنوبر، بعد أن أقنعوا أهل البلاد بأنّها ذخائر وصلت من البلاد المقدّسة في الشّرق.
إذًا، كتاب لبنان، من حنايا بلاد الياسمين يتناول موضوع الانتماء والأصالة والحنين إلى الماضي الجميل لبلاد الياسمين في زمنٍ تداعت فيه هذه القيم، وتنكّر معظم سكان بلاد الياسمين لروحانيّة هذا الانتماء وهذه الأرض، مفضّلين الحياة في المدن، والهجرة والعيش في مجتمع استهلاكيّ. إنّ هذا الأمر لخطير جدًّا. فالتّنكّر للقيم les valeurs والأسس التي قامت عليها الأوطان يشكّل بداية الانحطاط la décadence الّتي تقضي على الأوطان والشّعوب.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الكتاب يندرج في إطار الأدب اللّبنانيّ النّاطق بالفرنسيّة الّذي يظهر مرونة وثباتًا في الإنتاج والعطاء. والأهمّ من ذلك، أنّ اللّغة الفرنسيّة جسّدت وتجسّد من خلال أسلوبها البديع الرّوحانيّة الّتي تسود بلاد الياسمين.
يقول الرّئيس غالب غانم في مقدّمة الكتاب: «إنّ كتاب لبنان من حنايا بلاد الياسمين هو أكبر من قصص. إنّه إعلان حبٍّ للأرض… إنّه أكثر من لُغة … بل إنّه اللّغة … إنّه، كما يقول رولان بارت Roland Barthes قيمة Valeur. وأنا أدعو القارئ الباحث عن الكنز Trésor في مجموعة القصص هذه، أن يستكشف الكنوز المخفيّة فيها، والّتي تفوق الظّاهرة منها».
في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للأديان
ميشال يونس
في سبيل لاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان
295 ص. بيروت: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5619-9)
يتألّف الكتاب من ثلاثة أقسامٍ رئيسة:
– أبواب الدّخول إلى لاهوت الأديان، ويتضمّن مفهوم الخلاص، والعهد، والوحي؛
– مقاربات التّناسبيّة ومصادرها، ويتضمّن مقاربات تصوّريّة، وموارد كتابيّة تناسبيّة، والأبعاد اللّاهوتيّة للتناسبيّة؛
– التّناسبيّة وتنوّع الأديان، ويعالج مسألة تنوّع الأديان.
وينتهي الكتاب بقائمة مصطلحات من وضع المعرِّب، الأب جورج باليكي البولسيّ، يبيّن فيها التّرجمة الّتي استعملها للمصطلحات الأجنبيّة.
يبدأ الفصل الأوّل بطرح قضيّة محوريّة في جدليّة موقف اللّاهوت المسيحيّ من الأديان. إنّها قضيّة شخص المسيح في مسألة الخلاص بحسب اللّاهوت المسيحيّ. فهذه القضيّة تثير تساؤلًا حين يصبح عدم إقصاء المسيح عن التّفكير اللّاهوتيّ في شأن الأديان مطلقيّةً، «ويتحوّل طابع اللّاهوت المركِّز على المسيح إلى واحديّة المسيح» (ص. 29). وتزداد القضيّة تعقيدًا حين تدخل الكنيسة على الخطّ مع شعارها: «لا خلاص خارج الكنيسة». فيفنّد الكاتب الحجج، ويقدّم مفهومًا شموليًّا بدل المفهوم الحصريّ لبعض العبارات كوساطة المسيح الخلاصيّة، والكنيسة، ويعرض بطريقةٍ واضحة وسلسة مختلف الآراء اللّاهوتيّة في هذه القضيّة، ويقول بأمانةٍ ما لها وما عليها.
ومن محوريّة شخص المسيح، ينتقل الكاتب إلى مفهوم العهد. فيشير إلى مختلف عهود العهد القديم، ومنها ما أبرِمَ قبل حصريّة العهد مع شعبٍ معيّن، وأهمّها عهد الله مع نوح. كما يشير إلى ظاهرة نقض العهد (أو توسيعه) بإحلال عهدٍ جديدٍ مكانه، ويتبنّى نظرة القدّيسَين إيريناوس وإقليمنضوس الإسكندريّ إلى هذا العهد الجديد، فهما يلحّان على شموليّته. ويختم بحثه في أخذ العهود في الأديان الأخرى بعين الاعتبار، وكيف يستطيع اللّاهوت ضمّها إلى العهد الجديد مع المسيح من دون أن يجعلها عهودًا تنال خلاصها من خارج ديانتها، بل من داخلها.
في مسألة الوحي، يتبنّى الكاتب مفهوم الوحي على أنّه كشف الله عن ذاته، أكثر منه مجموعة من العقائد والسّلوكيّات الأخلاقيّة. وحيث إنّ هذا الكشف، في المسيحيّة، لم يتمّ بكلامٍ بل بشخصٍ، ما هي نظرة المسيحيّة إلى الوحي في الدّيانات الأخرى؟ يذكر الكاتب إرنست ترولتش الّذي أدخل النّسبيّة إلى الوحي المسيحيّ، وردّ كارل بارت عليه، ليجد في فكرة بذار الكلمة، أو ركائز الانتظار، الآبائيّة منفذًا لحلّ هذه القضيّة. وبعد ذلك، يعرض الكاتب مختلف آراء اللّاهوتيّين الأقرب إلينا في هذا الموضوع.
إنّ مبدأ التّناسبيّة حجر أساس في اللّاهوت المسيحيّ للأديان. ولأهمّيّته، خصّص له الكاتب بابًا كاملًا، فانطلق من الرّياضيّات إلى الفلسفة، ومنها إلى اللّاهوت. وفي مضمار اللّاهوت، عرّج على مبدأ المماثلة الشّائع في كثيرٍ من كتابات القدماء، وخصّص لكتاب دليل الضّالّين لابن ميمون حيّزًا لا بأس به، لينهي مع يسوع واستعماله الأمثال في إعلان الحقيقة.
لاهوتيًّا، يعالج الكاتب موضوع التّناسبيّة من منظور جدليّة العلاقة بين الحرّيّة والمسؤوليّة في الحياة داخل المجتمع، وفي العلاقة بالآخر، ويرى أنّ لهذه العلاقة ثلاثة أشكالٍ في خصوبتها تفضي إلى انفتاحٍ على المطلق. هذا من جانب الإنسان. أمّا من جانب الله، فالتّناسبيّة تظهر في التّدرّج المرتبط بقدرة الإنسان على الاستيعاب. وعلى الرّغم من هذا التّدرّج، فإنّ الفيض ليس غائبًا. تدرّج وفيض يسيران جنبًا إلى جنبٍ في طريقٍ يزداد الفيض فيه على حساب التّدرّج.
بعد تثبيت هذه المفاهيم، يبدأ القسم الثّالث بالسّؤال الجوهريّ: هل الأديان صادرة من الله أم من الإنسان؟ فهناك موقفان: واحد يضمّها إلى الله وآخر يبعدها عنه. ولمعالجة الموضوع، لا بدّ من التّساؤل: ما هي الدّيانة؟ هنا، يعرض الكاتب باقتضابٍ تاريخيّة تعريف هذه الكلمة، ومواقف بعض اللّاهوتيّين، ليفضي إلى مبدأٍ وهو عمل الرّوح القدس في الخليقة كمرجعيّة ومعيار للحكم على ديانة أو بعض العناصر في ديانة هل هي من الله أم هي تدخّل بشريّ. وفي هذا المجال، يعلن صراحةً: «النّسبويّة عقيدةٌ هدّامة، لا لأنّها تجاور مظاهر الواقع المختلفة وحسب، بل بالأكثر وبشكلٍ أساسيّ لأنّها تجعل من المستحيل البحث عن الحقيقة واعتلانها» (ص. 207).
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التّناسبيّة التي أيّدها الكاتب هي غير النّسبيّة التي رفضها. فعلى أساس هذه التّناسبيّة سيبني في الصّفحات الأخيرة ما سمّاه: «في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للتّنوّع» (ص. 211)، فيستعين بكلّ ما هيّأ له ليرسم خطوطًا واضحة للاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان.
الكتاب سهل القراءة والفهم، غنيّ بالمعلومات، جديد في رؤيته، إذ تفادى الكاتب حصر التّفكير في ما هو شائع بالمنشورات العربيّة، أي علاقة المسيحيّة بالدّيانة الإسلاميّة، وجعل الدّراسة مفتوحةً وصالحة لدراسة موقف المسيحيّة، لاهوتيًّا، من أيّ ديانةٍ كانت.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.
سائحة
الأب جول بطرس وميراي الشّمالي
سائحة
120 بيروت : دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5624-3)
يحفل الأدب بقصص وشهادات الأشخاص الّذين تابوا إلى ربّهم وعادوا إلى الإيمان الصّحيح بعد فترة ضياع مرّوا بها نتيجة جنوحهم نحو إحدى الآفات الثّلاث الّتي تُهلك النّفس؛ وهي المال والسّلطة والجنس. بيدَ أنّ ما يجمع هؤلاء التّائبين هو الفرح بعد المعاناة، والمصالحة مع الذّات بعد العودة إلى الحقيقة والحياة الصّالحة نتيجة لاكتشاف محبّة الله لهم. وقد تولّدت عن هذه التّوبة شهادات حياة بعضها متواضع لأشخاص من عامّة النّاس، وبعضها الآخر لأناس وضعوا على الورق عصارة تجربتهم الرّوحيّة العميقة والمميّزة فأغدقوا في الحِكم والعِبر ما يثلج القلب ويثبّت الإيمان ويقوّي العزائم على التّقوى وعمل البرّ. نذكر من هؤلاء القدّيسة إديث ستاين Edith Stein أستاذة الفلسفة، وهي ألمانيّة من أصول يهوديّة. وقد تجلّى تحوّلها من اليهوديّة إلى المسيحيّة بكتابتها مؤلّفات روحيّة هامّة أصبحت منارة للباحثين عن الله وقد جمعت فيها بين العقل والإيمان. وغدت مؤلّفاتها مرجعًا للمفكّرين بعد أن وجدت، كما تقول، الحرّيّة خلف قضبان الدّير الّذي تحصّنت فيه بعد أن طهّر الله نفسها كما تُطَهِّر النّار الذّهب. وقد عاشت في حنايا العلاقة المباشرة بين النّفس وخالقها، فوضعت على الورق بعض ما فاض من هذه الهمسات والتّمتمات والحقائق والحياة الأبديّة الموعودة.
تندرج رواية الأب جول بطرس والسّيّدة ميراي الشّمالي والّتي تحمل عنوان السّائحة في منحى شهادات الحياة الّتي تسردُ قصّة العلاقة الرّوحيّة الّتي تجمع الله بالإنسان. وهي تخبرنا تحديدًا عن قصّة توبة سيّدة هام بجسدها عشّاق كثيرون. وقد التقت هذه السّائحة بعد معاناة كثيرة مع يسوع المسيح الّذي خلّص نفسها من الهلاك، وعفى عن أخطائها، وضمّها إلى صَدره من دون أيّ انتقاد أو لوم مباشر أو مبطّن. فرحت السّائحة، وراحت تمجّد يسوع وتمدح صنيعه.
إنّ موضوع القصّة كلاسيكيّ ومألوف، يذكّرنا بقصّة مريم المجدليّة الّتي يقول عنها الإنجيل إنّ يسوع أخرج منها سبعة شياطين.
تتدفّق الرّواية السّرديّة مطوّلًا أمام هذه الواقعة لأنّ مسامحة الذّنوب والخطايا هي في صلب الإيمان المسيحيّ بشكل خاصّ حيث لا قصاص بعد التّوبة في هذا العالم وفي الآخرة، فمحبّة الله في المسيحيّة لا حدود لها حتى لأكبر الخطأة شرط أن يتوب ويقلع عن ارتكاب الشّرّ.
وهنا لا بدّ في هذا السّياق من استحضار كلام البابا فرنسيس عن التّوبة والآخرة والّذي ينقذ النّاس من النّار والعذاب: «أنا لا أفكّر بالدّينونة العامّة «كجردة حساب»: انظر لقد فعلت هذا وهذا… «أنا أتخيّل أنّني عندما أقترب من ذلك الجمال في نهاية الحياة، سأقترب بخجل مطأطأ الرّأس وناظرًا إلى الأسفل. عندما أحسّ بأنّه يغمرني، عندما أرفع رأسي وأراه، لن أجرؤ على النّظر إليه من دون هذه الغمرة! لا أعلم، هكذا أظنّ أنّ الدّينونة ستكون، ربّما هذه تخيّلات، ولكنّني أعتقد أنّ الدّينونة ستكون هكذا».
لقد اختبرت السّائحة كلام الأب فرنسيس الّذي يشدّد على محبّة الله اللّامحدودة لأولاده البشر. من هنا أهمّيّة الأبويّة في المسيحيّة، وصعوبة فهمها من الكثيرين.
انطلقت السّائحة في رحلة طويلة على خطى المسيح والرّسل، وعلى رأسهم بولس الرّسول: ظاهرُ هذه الرّحلة مادّيّ، أمّا باطنها فروحيّ. وحيث تمثّل هذه الرّحلة الّتي تقوم بها السّائحة انطلاقًا من صور الفينيقيّة، الّتي زار ضواحيها المسيح، مسيرةَ نشر الإيمان بعد التّوبة، وحجًّا إلى ينابيع الخلاص. والرّحلة في الأديان تمثّل مسيرة الإنسان وصعوده رويدًا رويدًا مع تقدّمه في العمر نحو الله. وغالبًا ما تعترض هذه الرّحلة صعوبات الوجود فيقف الإنسان عاجزًا أمام الجبال الشّاهقة والوديان السّحيقة، فتمتدّ يد الله لترافقه في الطّريق، وتوصله إلى برّ الأمان. وما عنوان الكتاب إلّا تجسيد لهذه المسيرة علمًا أنّ بطلة الرواية ليست بسائحة عاديّة تبحث عن تمضية عطلة، إنّما هي مبشّرة حملت المسيح على طرقات البشريّة جمعاء انطلاقًا من فينيقيا وصولًا إلى روما الّتي أصبحت عاصمة الكثلكة. فالمسيرة مع الله تنتهي مع الحياة البشريّة لتنطلق نحو مسيرة سماويّة أبديّة.
انطلقت السّائحة في رحلة غنيّة بالرّموز الرّوحيّة والتّاريخيّة والإيمانيّة على خُطى الرّسل، وقد توقّفت في المدن نفسها الّتي توقّفوا فيها. وتسرد الرواية أعمال هؤلاء ومحبّة المسيح بطريقة بسيطة من خلال حوارات مع أشخاص التقت بهم السّائحة كصيّادي السّمك مثلًا، وهنا الاقتباس من آيات الإنجيل واضح وجليّ. لقد حاولت السّائحة التّبشير بالمسيح بطريقة مبسّطة، ومن خلال حوارات نابعة من القلب تمثّلت بإعلان البشارة بصورة آنيّة وسهلة.
إنّ هذه الطّريقة في الكرازة تعتمد على العاطفة وليس على التّحليل والتّفسيرات اللّاهوتيّة المعقّدة، وقد لا تكون قادرة على استقطاب إيمان الكثيرين، ولكن سرعان ما تتبدّل الرّواية فتأتي بتعاليم إيمانيّة في غاية الأهمّيّة والعمق الرّوحيّ. «أجمل ما فيها أنّها ثمرة الصّمت الّذي يسمح للرّوح بالتّجلّي والتّعليم والكرازة. أجمل وأعمق، وأصدق كلام هو الكلام الّذي لا يُنطق، المجبول بصمت الحبّ، فيه يسرح الإنسان ويستريح».
لا شكّ في أنّ هذه الرّحلة في الجغرافيا الّتي تقوم بها السّائحة إنّما تمثّل رحلة الإيمان الّتي يقطعها الإنسان أيّام شبابه. وهو غالبًا ما يضيّع البوصلة حينها، ومن ثمّ يظهر من يُرشده إلى الطّريق القويم فيتوب ويصبح مؤمنًا صالحًا. هنا يصبح الأسلوب فلسفيًّا قاسيًا وحاسمًا وشبه مأساويّ. ففي لحظة يمكن أن يتغيّر مصير الإنسان، لأنّ بين الحياة والموت شعرة، وكذلك بين الحبّ والحقد، وبين الغنى والفقر، وبين الصحة والمرض.
«كم من لحظة انتظرناها عمرًا،
كم من لحظة تُقنا إلى وصولها،
كم من لحظة غيّرت مجرى قصصنا،
كم من لحظة حولّت مسار حياتنا،
كم من لحظة رسخت في أذهاننا،
كم من لحظة بعد أن تمّت سميّناها لحظة،
في لحظة يولد الإنسان،
في لحظة يموت،
في لحظة يولد الحبّ،
في لحظة تحدث تقلّبات وانقلابات،
في لحظة يتغيّر التّاريخ،
في لحظة ننضج،
في لحظة ننكسر» (ص. 96)
تكثر في الرّواية الإشارة إلى الرّموز التاريخيّة والدّينيّة والرّوحيّة، ممّا يدلّ على معرفة المؤلّفين بالإنجيل. مع تسجيل أنّ الرّواية خلت من الحبكة في هذا السّرد القصصيّ لأنّ يسوع هو محور الكتاب وكذلك البشارة والإيمان. وكان لافتًا تزامن صدور الرّواية باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، علمًا بأنّ أسلوب النصّ باللّغة العربيّة كان بشكلٍ خاصّ متينًا ومنسّقًا.
وفي النّهاية ، فإنّ أبرز ما جاء في الرّواية هو التّعاليم الرّوحيّة والإنجيليّة واللّاهوتيّة والمواعظ. لذلك فإنّ الكتاب سيجد طريقه إلى الباحثين عن الإيمان بصورة عفويّة ومبسّطة ومن القلب إلى القلب.
الدّكتور جورج لبكي: رئيس مجلس إدارة المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز دكتوراه في القانون من السّوربون، ودكتوراه في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس (XII الثّانية عشرة). من مؤلّفاته باللّغة الفرنسيّة: أنثولوجيا. الأدب اللّبنانيّ باللّغة الفرنسيّة. ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.
شفاء القلب، اللّعنة الّتي تصير بركة.
الأب نادر ميشيل اليسوعيّ
شفاء القلب، اللّعنة الّتي تصير بركة
136 ص. بيروت: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5620-5)
اللّعنة الّتي تصير بركة : عنوان يحمل في طيّاته تساؤلات وجوديّة ضمنيّة من بينها : كيف للعنة أن تصير بركة؟ «شفاء القلب مسيرةٌ من اللّعنة إلى البركة، وهذا هو عمل الله المتجدّد فينا كلّ يوم». بهذه الجملة يُعرَّف الكتاب على الغلاف كدعوة إلى بدء العلاج من أجل الشِّفاء. من هنا، يشدّد المؤلِّف، الأب نادر ميشيل اليسوعيّ، على أنّ «مفتاح شفاء القلب الحقيقيّ هو في الإيمان بالقيامة، ذاك الّذي يمنحنا أن نصدّق مغفرة الله في حياتنا، وهو من يهبنا الشّجاعة لأنّ نغفر للآخرين كما غفر لنا».
تُستَهَلّ المقدّمة بالآية من سفر التّثنية : «فحوّل لك الرّبّ إلهك اللّعنة بركة، لأنّ الرّبّ إلهك قد أحبّك» (تث 23: 6). هذه هي خبرة الإنسان مع الله، إنّه بركة لأنّه محبّة. فالبركة أصل حياتنا، ومشيئة الله الأكيدة والثّابتة هي أن يفيض على الإنسان الحياة والنّعمة.»
يتألّف الكتاب من ثلاثة فصول: الفصل الأوّل يتناول البركة في واقعنا اليوميّ، والبركة في الكتاب المقدّس منذ البدء، مرورًا بإبراهيم ويعقوب وعيسو ويوسف ومريم. ويتطرّق الفصل الأوّل إلى اللّعنة وكيفيّة تفاعل النّاس والشّعور باللّعنة، والغضب والنّقمة والكراهية، والانغلاق في الألم، وإنكاره، وإسقاط اللّعنة على الآخرين. ثمّ يتناول هذا الفصل اللّعنة في الكتاب المقدّس بالإضافة إلى أسئلة للتّفكير الشّخصيّ والمشاركة الجماعيّة. ويختتم المؤلّف الفصل الأوّل بنصوص كتابيّة للتّأمّل والصّلاة.
الفصل الثّاني يحمل عنوان «يسوع الإنسان البركة»، ويتطرّق إلى حياة يسوع الّتي تُعتَبَر بركة للنّاس، وفيها يتناول المؤلّف التّطويبات كطريق للبركة، وتضامن البشر في مواجهة اللّعنة، ويسوع نبع البركة المتدفّقة، وردّ يسوع على اللّعنة حين قال : «اغفر لهم…» فصارت اللّعنة بركة لأنّ المغفرة هي البركة الحقيقيّة. وكما في الفصل الأوّل، يختتم المؤلّف الفصل الثّاني بطرح أسئلة للتّفكير الشّخصيّ والمشاركة الجماعيّة، تليها نصوص كتابيّة للتّأمّل والصّلاة.
في الفصل الثّالث من الكتاب، يدعونا المؤلّف إلى سلوك طريقنا مع تلميذَي عمّاوس لنعبر من اللّعنة إلى البركة، مشدّدًا على انتقال نور البركة من قلب إلى قلب، والإيمان بالقيامة ومغفرة الخطايا. ففي القلب ينبوع البركة ومنه يتدفّق. أسئلة التّفكير الشّخصيّ والنّصوص الكتابيّة للتّأمّل والصّلاة تختتم أيضًا الفصل الثّالث.
الخلوة الرّوحيّة تدعو القارئ في النّهاية إلى أخذ وقت للصّلاة مع تلميذَي عمّاوس (لو 24: 36-50) ليتذكّر مسيرته في أثناء قراءة الكتاب. إنّها خبرة شخصيّة انطلقت من الأسئلة الّتي حملها في البداية أو الّتي ظهرت على السّطح، والكلمات الشّخصيّة الّتي دوّنها والنّقاط الّتي لمسته في الكتاب.
في هذا الكتاب، دعوة ضمنيّة إلى عيش الزّمن الفصحيّ، زمن العبور من اللّعنة إلى البركة، من الموت إلى الحياة.
الدّكتورة بتسا استيفانو: حائزة دكتوراه في العلوم الدّينيّة، وإجازة في الأدب العربيّ من جامعة القدّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة في معهد الآداب الشّرقيّة في الجامعة، ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيّة فيها. أستاذة محاضرة في جامعة «Domuni» – باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللّغتين العربيّة والفرنسيّة.
حبّ متفانٍ لأرضٍ مهمَلة، سيرة الأب نقولا كلويترز اليسوعيّ في لبنان
كارول داغر
حبّ متفانٍ لأرضٍ مهمَلة،
سيرة الأب نقولا كلويترز اليسوعيّ في لبنان
262ص. بيروت : دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5622-9)
كان يوم 14 كانون الثّاني/يناير 2022 موعدًا مهمًّا لإطلاق هذا الكتاب. ففي هذا الموعد افتتحت الكنيسة قضيّة تطويب الأب نقولا كلويترز اليسوعيّ الّذي اختُطِفَ وقُتِلَ في أثناء الحرب اللّبنانيّة.
صدر هذا الكتاب أوّلًا بالفرنسيّة في العام 2013. وحين تمّت ترجمته، شعرت الكاتبة أنّه يتوجّب عليها التّدخّل. فهي لبنانيّة ومتمكّنة من اللّغة العربيّة، ولا يحسن أن تفوح من النصّ رائحةٌ أجنبيّة لأجنبيٍّ كدّ ليتعلّم لغة الضاد ويتكلّمها، وعاش في ظهرانينا، وسُفِكَ دمه على أراضينا. لذلك يلاحظ خبير الأسلوب أنّ النصّ لا يوحي بأنّه ترجمة إلّا حين ينقل كلام ما قاله الأجانب (بالأجنبيّة طبعًا) عن الأب كلويترز. ولعلّ أوضح مثال على هذا هو تسمية بطل القصّة Nicolas بالطّريقة الّتي ناداه بها أهل البقاع: «أبونا نقولا»، وليس «نيقولا».
تبعت الكاتبة، في سردها، التّسلسل الزّمنيّ لحياة الأب نقولا. فبعد مدخلٍ موجزٍ، هو إلى الشّعريّة أقرب، يصف تاريخ منطقة البقاع الّتي خدم فيها هذا الكاهن اليسوعيّ وجغرافيّتها ومجتمعاتها، يبدأ الفصل الأوّل يسرد قصص طفولة نقولا، ويحدّد معالم شخصيّته الّتي تتحدّى الظّروف المعاكسة. كان تحدّيه الأوّل هو عدم قدرته على تحمّل الدّروس الفكريّة النّظريّة، سمة التّعليم التّقليديّ في المدارس. فهو ميّال أكثر إلى ما هو عمليّ. والتّحدّي الثّاني، شغفه في فنّ الرّسم وهو يعاني عمى الألوان. والتّحدّي الثّالث هو رغبته بدخول رهبنةٍ كالرّهبنة اليسوعيّة وما تتطلّبه من دروس، وحبّه للفنّ: كيف يوفّق بين هاتَين الرّغبتين؟
وتتالى فصول الكتاب، وكأنّها ترسم لوحةً فيها الموضوع الرّئيس، وفيها التّفاصيل الفرعيّة الّتي تساهم في اكتمال الصّورة وإبرازها، وكأنّنا أمام شجرةٍ تنطلق فروعها في جميع الاتّجاهات من دون أن تنفصل عن الجذع: وضع الإرساليّات الهولنديّة حين دخل نقولا الابتداء، حال التّكوين في الشّرق حين عزم على القدوم إليه ليعمل فيه، الأوضاع الاجتماعيّة والسّياسيّة بلبنان في أيّامه…
تبدأ المغامرة البقاعيّة في يومٍ من أيّام تشرين الأوّل/أكتوبر. كان بعض وجهاء القرية مجتمعين للتّداول في حال قريتهم المزري. «لقد قرّر سكّان برقا أن يتدبّروا مصيرهم بأنفسهم؛ ولهذه الغاية أرادوا أن يتّفقوا على الأولويّات. يا لها من مهمّة عويصة، فكلّ شيء أولويّ: الماء، والكهرباء، والطّرقات، وشبكة المواصلات، والمدرسة، والعمل… وليس لديهم أدنى ضمانة لمستقبلهم ومستقبل أولادهم. كيف يُخرجون الحاضر من الورطة الّتي يتخبّط فيها؟» (ص. 67).
«تأخّر بدء الاجتماع بسبب تأخّر أحدهم: فريد. حين وصل أبلغني: «هناك رجل يلبس زيًّا أسود ينتظر في الخارج». خرجت ودعوت الغريب كي ينضمَّ إلينا، دون أن أعرفه أو أعرف ما يريده. جلس بيننا وعرَّفنا بنفسه. كان يتكلّم العربيّة بلهجة ثقيلة، قال: «أنا كاهن يسوعيّ هولنديّ وجئت لأخدم قريتكم؛ فهل تقبلوني؟» … في هذه السّهرة الخريفيّة، في الثّامنة إلّا خمس دقائق مساءً. هكذا وصل إلينا مَن سندعوه في ما بعد «أبونا نقولا»» (ص. 68).
خلافًا لما هو متوقَّع من سيرة كاهنٍ، فإنّ الكتاب يلحّ على عمله الاجتماعيّ الّذي ساهم في المصالحة بين العائلات الكبيرة المتخاصمة في القرية، ورفع مستوى حياة النّاس الاقتصاديّ، من دون أن يغفل عن الإشارة، من حينٍ إلى آخر، إلى نشاطه الدّينيّ كالتّعليم الدّينيّ، وإرشاد الأخويّات والرّاهبات في المنطقة، وإحياء اللّيترجيّات بطريقةٍ تساعد النّاس على الصّلاة.
تفسح الكاتبة مجالًا واسعًا لفكرة الاستشهاد من خلال الاستفاضة في ذكر اغتيال مساعد الأب نقولا، غصيبة كيروز، وأثرها في نفسه، وكيف أنّه شعر بأنّ هذا الاغتيال صورة مسبقة للمصير الّذي ينتظره: الخطف والاغتيال في المنطقة نفسها، وعلى الطّريق نفسه.
الخطف والاغتيال مذكوران باقتضاب في نهاية الفصل الثّالث عشر، والفصل الرّابع عشر مخصَّص لوصف قلق الرّهبنة والأهالي بسبب غيابه، ثمّ إيجاد الجثّة مرميّةً في هوّة.
وتلي هذا الفصل أربعة فصولٍ هي بمثابة حركة قيامة تنطلق من الموت، ونشيد تسبيحٍ ترفعه حياةٌ لم تعرف سوى العطاء.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.