السنة ٩٣
الجزء الثاني
السنة الثالثة والتسعون | الجزء الثّاني | تمّوز – كانون الأوّل ٢٠١٩

أطلب نسختك الورقيّة

إشترِ نسختك الرقميّة

إفتتـاحيّــة العدد

اقرأ الافتتاحيّة كاملةً

مار نصرالله بطرس صفير (1920-2019) بطريرك لبنان الرسالة والكنيسة الحيّة

مع صدور هذا العدد من المشرق، يغيب وجه نيِّر طبعَ بطابعه قرنًا من الزمن هو غبطة البطريرك وكاردينال الكنيسة الرومانيّة مار نصر الله بطرس صفير. قيل عنه الكثير وسوف يُكتب عنه الكثير، عن كهنوته، عن سنواته وتحصيله العلميّ في المعهد الإكليريكيّ الشرقيّ بجامعة القدّيس يوسف في بيروت، عن حبريّته وأسقفيّته، وعن نضاله الوطنيّ في سبيل لبنان السيّد الحرّ والمستقلّ. في كلّ هذه الحقبات، برز البطريرك صفير شخصًا مفكِّرًا، عازمًا، مطيعًا، محبًّا، حكيمًا، وعاملًا من أجل نهضة الكنيسة المارونيّة.
أخبرنا الأب عبدالله داغر ذات مرّة عن حادثة حصلت معه في بكركي وشخصيّتها الأساسيّة هي مار نصرالله بطرس صفير. كان في زيارة لدى غبطة البطريرك المعوشي في بداية الستّينيّات، في أثر العشاء والصلاة في كنيسة الصرح صعدا سويّة إلى الردهة الكبيرة في الطابق الأوّل يتناقلان الخطى ويتحادثان في مختلف المواضيع. وفي عتمة المساء، كان هنالك نورٌ خافت آتٍ من جهة مكتبة البطريركيّة وأرشيفها، وأحدهم جالس يخطّ بيده عناوين مؤلّفات في دفتر محفوظات المكتبة. وعلّق البطريرك المعوشي على ذلك الشخص متأمّلًا: هل تعرف يا أبونا عبدالله من هو هذا الجالس يعمل بصمت ساعات وساعات؟ أجابه الأب عبدالله بأنّه لا يعرفه، فأجابه: إنّه المونسنيور نصرالله صفير. إنّه أمين المكتبة وهو أمين سرّ مجمع الأساقفة الموارنة. إن لم تدعُه إلى المائدة فلن يأكل. وإن لم تقدّم إليه الشراب فلن يشرب. وإن لم تناده فلن يتكلّم. عنده قوّة إصغاء كبيرة ولن أتعجّب إذا وصل يومًا إلى مراتب كنسيّة كبيرة. ونبوءة مار بولس المعوشي تحوّلت إلى واقع ملموس، خصوصًا عندما انتُخب نصرالله صفير في العام 1986بطريركًا على الكنيسة المارونيّة، فطبعَ بطابعه الخاصّ، الممزوج بالهدوء والتواضع والحكم الصائب على الأمور الكنسيّة والمدنيّة. لن نتكلّم على إنجازات بل سنتكلّم على مواقف اتّخذها البطريرك صفير وكانت لها البُعد النبويّ الهامّ:
الموقف الأوّل اللافت أنّه كان مؤمنًا أشدّ الإيمان وعاملًا من أجل «لبنان الرسالة»، لبنان الواحد بمختلف جماعاته الروحيّة. وهذا الموقف كان فيه شيءٌ من التحدّي تجاه تيّارات تدعو إلى تفكيك لبنان إلى دويلات لأنّ الجماعات التي تكوّنه لم تعد مؤمنة أو مقتنعة بأنّ العيش المشترك هو المصير الذي ينتظر جميع اللبنانيِّين. وهذا الموقف أَسرّ به غبطة البطريرك إلى البابا يوحنّا بولس الثاني الذي ردّد ذلك وبقوّة في مختلف نداءاته وخصوصًا في الإرشاد الرسوليّ من أجل لبنان. وهذا الإرشاد جاء ختامًا للمجمع الخاصّ الذي عُقد في روما من أجل لبنان وشارك فيه ممثّلون من كلّ الطوائف اللبنانيّة، ولا شكّ في أنّ للبطريرك صفير اليد الطولى في انعقاده. هو لم يختلط كثيرًا كما قال ذات مرّة بالكثير من المسلمين، إلّا أنّ عين العقل تفرض على العاقل وعلى المؤمن بقاعدة المحبّة أن يمدّ يده إلى الآخر المختلف ليبني معه إطار العيش المشترك المقبول سياسيًّا وإداريًّا واجتماعيًّا. الموقف الثاني الذي يُسجّل له هو ما قام به ابتداءً من العام 2001 من أجل مصالحة الجبل التاريخيّة، غير عابئ بالضغوط من هنا وهنالك، وقد قابله الموحّدون الدروز في منتصف الطريق ليطووا معًا صفحة سوداء لطّخت تاريخ الجبل، وليفتحوا صفحة بيضاء جديدة كتبا معًا عليها علامات الرجاء التي تقضي بعودة المسيحيّين إلى قرى الجبل. وموقف ثالث أراده البطريرك صفير وهذه المرّة من أجل الكنيسة المارونيّة عندما دعا إلى السينودس البطريركيّ المارونيّ الذي انعقد بين العامَين 2004 و2006 حيث حضر غبطته كلّ جلساته ولم يتغيّب عن واحدة منها. وعندما ننظر اليوم إلى ماجريات السينودس وما حقّقه من جمع لشمل أبناء الكنيسة المارونيّة من لبنان والعالم، وما أنجزه من نصوص أساسيّة تعبّر عن مواقف الكنيسة في مختلف المواضيع الدينيّة والمعرفيّة، نشعر كم أنّ البطريرك كان رؤيويًّا في نظرته إلى الأمور وفي خياره بانعقاد المجمع المارونيّ بعد انعقاد المجمع من أجل لبنان الذي عُرفَ بأنّه كان مجمع إنقاذ لبنان. في كلّ القضايا وأمام كلّ التحدّيات، كان موقف البطريرك هو ذاته: على اللبنانيّ أن يكون حرًّا في خياراته وألّا يرهن نفسه للخارج. وعلى المارونيّ والمسيحيّ أن يحافظ على هويّته إلّا أنّ هذه الهويّة، لتكون هويّته، يجب أن تتفاعل مع محيطها وأن تكون مشعّة وحيويّة.
إنّه الكاردينال البطريرك مار نصرالله صفير. إنّه البطريرك الخالد في حياة لبنان وفي الحياة الأبديّة.

إفتتـاحيّــة العدد

اقرأ الافتتاحيّة كاملةً

مار نصرالله بطرس صفير (1920-2019) بطريرك لبنان الرسالة والكنيسة الحيّة

مع صدور هذا العدد من المشرق، يغيب وجه نيِّر طبعَ بطابعه قرنًا من الزمن هو غبطة البطريرك وكاردينال الكنيسة الرومانيّة مار نصر الله بطرس صفير. قيل عنه الكثير وسوف يُكتب عنه الكثير، عن كهنوته، عن سنواته وتحصيله العلميّ في المعهد الإكليريكيّ الشرقيّ بجامعة القدّيس يوسف في بيروت، عن حبريّته وأسقفيّته، وعن نضاله الوطنيّ في سبيل لبنان السيّد الحرّ والمستقلّ. في كلّ هذه الحقبات، برز البطريرك صفير شخصًا مفكِّرًا، عازمًا، مطيعًا، محبًّا، حكيمًا، وعاملًا من أجل نهضة الكنيسة المارونيّة.
أخبرنا الأب عبدالله داغر ذات مرّة عن حادثة حصلت معه في بكركي وشخصيّتها الأساسيّة هي مار نصرالله بطرس صفير. كان في زيارة لدى غبطة البطريرك المعوشي في بداية الستّينيّات، في أثر العشاء والصلاة في كنيسة الصرح صعدا سويّة إلى الردهة الكبيرة في الطابق الأوّل يتناقلان الخطى ويتحادثان في مختلف المواضيع. وفي عتمة المساء، كان هنالك نورٌ خافت آتٍ من جهة مكتبة البطريركيّة وأرشيفها، وأحدهم جالس يخطّ بيده عناوين مؤلّفات في دفتر محفوظات المكتبة. وعلّق البطريرك المعوشي على ذلك الشخص متأمّلًا: هل تعرف يا أبونا عبدالله من هو هذا الجالس يعمل بصمت ساعات وساعات؟ أجابه الأب عبدالله بأنّه لا يعرفه، فأجابه: إنّه المونسنيور نصرالله صفير. إنّه أمين المكتبة وهو أمين سرّ مجمع الأساقفة الموارنة. إن لم تدعُه إلى المائدة فلن يأكل. وإن لم تقدّم إليه الشراب فلن يشرب. وإن لم تناده فلن يتكلّم. عنده قوّة إصغاء كبيرة ولن أتعجّب إذا وصل يومًا إلى مراتب كنسيّة كبيرة. ونبوءة مار بولس المعوشي تحوّلت إلى واقع ملموس، خصوصًا عندما انتُخب نصرالله صفير في العام 1986بطريركًا على الكنيسة المارونيّة، فطبعَ بطابعه الخاصّ، الممزوج بالهدوء والتواضع والحكم الصائب على الأمور الكنسيّة والمدنيّة. لن نتكلّم على إنجازات بل سنتكلّم على مواقف اتّخذها البطريرك صفير وكانت لها البُعد النبويّ الهامّ:
الموقف الأوّل اللافت أنّه كان مؤمنًا أشدّ الإيمان وعاملًا من أجل «لبنان الرسالة»، لبنان الواحد بمختلف جماعاته الروحيّة. وهذا الموقف كان فيه شيءٌ من التحدّي تجاه تيّارات تدعو إلى تفكيك لبنان إلى دويلات لأنّ الجماعات التي تكوّنه لم تعد مؤمنة أو مقتنعة بأنّ العيش المشترك هو المصير الذي ينتظر جميع اللبنانيِّين. وهذا الموقف أَسرّ به غبطة البطريرك إلى البابا يوحنّا بولس الثاني الذي ردّد ذلك وبقوّة في مختلف نداءاته وخصوصًا في الإرشاد الرسوليّ من أجل لبنان. وهذا الإرشاد جاء ختامًا للمجمع الخاصّ الذي عُقد في روما من أجل لبنان وشارك فيه ممثّلون من كلّ الطوائف اللبنانيّة، ولا شكّ في أنّ للبطريرك صفير اليد الطولى في انعقاده. هو لم يختلط كثيرًا كما قال ذات مرّة بالكثير من المسلمين، إلّا أنّ عين العقل تفرض على العاقل وعلى المؤمن بقاعدة المحبّة أن يمدّ يده إلى الآخر المختلف ليبني معه إطار العيش المشترك المقبول سياسيًّا وإداريًّا واجتماعيًّا. الموقف الثاني الذي يُسجّل له هو ما قام به ابتداءً من العام 2001 من أجل مصالحة الجبل التاريخيّة، غير عابئ بالضغوط من هنا وهنالك، وقد قابله الموحّدون الدروز في منتصف الطريق ليطووا معًا صفحة سوداء لطّخت تاريخ الجبل، وليفتحوا صفحة بيضاء جديدة كتبا معًا عليها علامات الرجاء التي تقضي بعودة المسيحيّين إلى قرى الجبل. وموقف ثالث أراده البطريرك صفير وهذه المرّة من أجل الكنيسة المارونيّة عندما دعا إلى السينودس البطريركيّ المارونيّ الذي انعقد بين العامَين 2004 و2006 حيث حضر غبطته كلّ جلساته ولم يتغيّب عن واحدة منها. وعندما ننظر اليوم إلى ماجريات السينودس وما حقّقه من جمع لشمل أبناء الكنيسة المارونيّة من لبنان والعالم، وما أنجزه من نصوص أساسيّة تعبّر عن مواقف الكنيسة في مختلف المواضيع الدينيّة والمعرفيّة، نشعر كم أنّ البطريرك كان رؤيويًّا في نظرته إلى الأمور وفي خياره بانعقاد المجمع المارونيّ بعد انعقاد المجمع من أجل لبنان الذي عُرفَ بأنّه كان مجمع إنقاذ لبنان. في كلّ القضايا وأمام كلّ التحدّيات، كان موقف البطريرك هو ذاته: على اللبنانيّ أن يكون حرًّا في خياراته وألّا يرهن نفسه للخارج. وعلى المارونيّ والمسيحيّ أن يحافظ على هويّته إلّا أنّ هذه الهويّة، لتكون هويّته، يجب أن تتفاعل مع محيطها وأن تكون مشعّة وحيويّة.
إنّه الكاردينال البطريرك مار نصرالله صفير. إنّه البطريرك الخالد في حياة لبنان وفي الحياة الأبديّة.

محتويات العدد

i

مقالات هذا العدد

ديانة من ماء. المطر في الديانة الكَنعانيّة

ينطلق هذا البحث من مبدأين: الديانة بنت بيئتها في تكوينها الجيولوجيّ وواقعها الجغرافيّ، لأنّها استجابة لحاجتها الروحيّة العميقة وتطلّعاتها الماورائيّة؛ وتجلّي الماء في الديانات الوضعيّة والأديان السماويّة على حدّ سواء.
خرج الكنعانيّون من الجزيرة العربيّة مع موجات من الهجرات الساميّة الموسميّة طلبًا للماء والكلأ، وسكنوا بلاد كنعان (فلسطين وسوريا ولبنان)، وكانت شجرة آلهتهم مائيّة (يم- إيل- عشيرة- عشتروت- بعل- عَناة- أدون- ملقارت- موت- طيفون…)، واعتمدت طقوسهم الدينيّة على الماء، فتطهّروا به، ونقلوه إلى موتاهم، وتحاشَوا استعمالَ الأخشاب في صناعة توابيتهم، وبنَوا معابدَهم في أحواض الينابيع… وتجسّد الصراع الموسميّ بين الخصب والجفاف، والحياة والموت في أساطيرهم (أسطورة أدونيس وعشتروت)، وتجسّد في ملاحمهم (ملحمة بعل وعَناة) الصراع الكونيّ بين إله المطر والنظام (بعل) وإله المياه المتمرّدة والفوضى (يم)، وبين الأوّل وإله العالم السفليّ والأرض المَوات (موت). وقد أثّرت هذه الديانة المائيّة في الميثولوجيا اليونانيّة، وفي اليهوديّة والمسيحيّة.

من سطح اللغة إلى عمق المعنى النصّيّ

يكوّن هذا البحث الجزء الثاني من قراءة نقديّة لسانيّة، صدر الجزء الأوّل منها في مجلّة ” المشرق” في السنة الماضية 2018. إنّه كناية عن تحليل لسانيّ ، يصير من خلاله الدخول في أعماق النصّ الإبداعيّة عبر أبواب لغويّة، أو علامات لغويّة فارقة في النصوص. اخترت منه مقاطع نصّية متميّزة لكتّاب كتبوا فأبدعوا وكانوا أصحاب طرائق في الكتابة والتفكير والإبداع بحيث استطاعوا أن يتركوا بصمات أسلوبيّة من خلال كتاباتهم . والنصوص المدروسة هي لكلّ من أمين نخلة ومنيف موسى و شحرور الوادي (قصيدة زجليّة) ومحمود درويش، والياس زغيب ، ومي ضاهر يعقوب؛ وجميعها قطع فنّية شعريّة أو نثريّة كتبت بنفَس راقٍ وبلغة لافتة.

الضيافة في الحوار الإسلاميّ - المسيحيّ بحسب لويس ماسينيون

تُعرض الضيافة في هذا المقال بصفتها أساسًا ومجالًا للحوار بين الأديان من خلال تجربة عالم الإسلام الفرنسي لويس ماسينيون (١٨٨٣-١٩٦٢). ويتناول المقال موضوع كرم الضيافة في ضوء تجربة ماسينيون الشخصية وفكره والحوار الإسلامي المسيحي.
ترجمة بتسا إستيفانو

عيسى بنُ زُرعة († 1008م) ثلاث مسائل تفسيريّة كلاميّة

يعالج هذا المقال مسألة العلاقة بين الإله والإنسان. كيف يتَّصل الإله الخالق بالعالم المخلوق؟ ولماذا يتدخَّل في حياة الكون والبشر أحيانًا ويمتنع أحيانًا أخرى؟ هل الإنسان مختارٌ أم مجبَر؟ وإذا قلنا إنَّه حرٌّ، ألا يتعارض القولُ بحرِّيَّة الإنسان مع الإرادة الإلهيَّة؟ ناقش عيسى بن زُرعة (ت 1008م) هذه التساؤلات في مقالته خمس مسائل سُئل عنها عيسى بن اسحق بن زُرعة سألهُ عنها أبو حَكيم البُحَيريّ مِن أهْل مَيّافارِقِين في سنة ست وثمانين وثلثمائة، حيث أجاب على أسئلةٍ تختصُّ بتفسير آياتٍ من التوراة، هي:
– الآية: «وغَلَّظَ اللهُ قَلْبَ فِرْعَون ولم يُفْرِجْ عن بَني إسْرائيل» (سفر الخروج 10/20، 27؛ 9/12؛ 7/3؛ 10/1؛ 11/10.)
– قصَّة «بِلْعام» الَّتي وردت في سفر العدد (سفر العدد 22/20- 22).
– الآية: «فَنَدِمَ الرَّبُّ على أَنَّه صَنَعَ الإِنسانَ على الأَرض وتَأَسَّفَ في قَلبِه» (سفر التكوين 6/6).
يتألَّف المقال من قسمَين:
القسم الأوَّل: النصُّ المحقَّق.
القسم الثاني: دراسة أسلوب عيسى بن زُرعة في تفسير آيات التوراة، ومضمونها.
تحقيق الأب بيير مصري
دراسة د. نادين عبّاس

عودة الدين بعد تبدُّل مفهوم الفضاء العامّ في نقاشات غربيّة معاصرة

لم تعد عودة الدِّين أمرًا يمكن التنكّر له واقعيًا، ولو تم التنكّر له نظريًّا. كذلك لم يعد الفضاء العامّ يفهم مجالًا محايدًا بالمطلق بعد التبدلات التي طرأت إن على صعيد الفكر وإن على صعيد الواقع المجتمعيّ في الدول في الزمن الراهن. لذا إنَّ عودة الدِّين والتغيير الذي حصل ويحصل في الفضاء العامّ يحتّمان إعادة طرح موقع الدِّين في قلب هذا التبدّل والسؤال عن إمكان دورٍ للدين فيه. هذا ما يحاول هذا النصّ تبيانه من خلال الجهد الذي يبذله الكثيرون على هذا الصعيد.

كرامة الجنين الإنسانيّة بين رغبة مُحِقّة ومساعدة طبّيّة معتدلة

في خضمّ مشاكل “العُقم” وتحدّياته، يقترح الطّبّ الحيويّ اليوم طرائقَ مُختلفةً تهدف إلى “إعطاء” أطفال للأزواج غير القادرين على الإنجاب بطريقةٍ “طبيعيّةٍ”: نعني هنا “المساعدة الطبيّة للإنجاب”. نحدّد في هٰذه الصّفحات بعض المسائل الّتي يطرحُها هذا التّدخّل الطّبّيّ التّكنولوجيّ في ميدان الإنجاب الإنسانيّ.
وبغية بلوغ هذا الهدف، ننطلق من الفرضيّة التالية : إنّ التدخّل الطبيّ هو أخلاقيًّا ممكن، غير أنَّه يستدعي الكثير من الفطنة والحكمة، من أجل تعزيز حريّة إنسانيّة حقيقيّة، واستقلاليّة مسؤولة، تصون الكرامة البشريّة من ناحية، ورغبة الإنجاب والخصوبة من ناحية أخرى.
تُقسّم هٰذه المقالة إلى قسمين: يتمّ في المرحلة الأولى تشخيص سريع للمشاكل الأخلاقيّة الّتي يُخلّفها الإنجاب بمُساعدةٍ طبّيّة. وتهتمّ المرحلة الثّانية بتوجيه بعض النداءات العمليّة إلى المُجتمع الإنسانيّ بوجه عامٍّ وإلى المُجتمع العلميّ والطّبّيّ بوجه خاصّ.

أسلوبيّة التبئير في رواية «عزازيل» ليوسف زيدان

تتكوّن بنية الخطاب السرديّة من تضافر ثلاثة مكوّنات هي: الراوي، والمرويّ، والمرويّ له. فـ “الراوي” هو الشخص الّذي يروي الحكاية أو يُخبر عنها، ويرتبط الراوي بالمرويّ من خلال رؤية تؤطّر عمليّة الحكي، فهذه الرؤية تسمّى في علم السرد بالتبئير. هذا البحث يعكف على معرفة مفهوم التبئير وتجلّياته في السرد الروائيّ عبر رواية “عزازيل” للروائيّ المصريّ يوسف زيدان، ويتقصّى أنواعه وتفاعله مع سائر المكوّنات السرديّة ودوره في البناء السرديّ وعلاقته بأدوار الرواة ومواقعه وخصائصه في هذه الرواية. ولقد اخترنا رواية “عزازيل” لمكانتها المرموقة في خارطة السرد العربيّ وتحقيقها شروط هذا الجنس الأدبيّ الفنيّة العالية. تعدّد الأصوات فيها جعلها روايةً بوليفونيّة. وقد توصّلنا من خلال بحثنا عبر المنهج الوصفيّ التحليليّ إلى أنّها اشتملت على أنواع التبئير (الصفر، الداخليّ والخارجيّ) وخاصّة الداخليّ الثابت، لأنّ السارد في هذه الرواية مشارك وهو الشخصيّة الرئيسة فيها، يصف ويسرد فيها هواجسه وخلجاته، لذا اقتضت في معظمها هذا النوع من التبئير وكان الأنسب للرواية.

مظاهر التأثّر بالنموذج المشرقيّ في قصيدة المديح الأندلسيّة - ابن درّاج القسطليّ أنموذجًا –

تَهدف هذه الدراسة الموسومة ب: “مظاهر التأثّر بالنموذج المشرقيّ في قصيدة المديح الأندلسيّة -ابن دراج القسطلي أنموذجًا-“، إلى إبراز الأثر المشرقيّ في قصيدة المديح الأندلسيّة، من خلال تجربة فريدة من نوعها لشاعر فذّ، جسّد ظاهرة التماثل في شعره ،من خلال تأثّره بفطاحل شعراء المشرق العربيّ، ويندَرج هذا البحث ضمن اهتمامنا بتحليل الخطاب الشعريّ الأندلسيّ بمناهج حديثة، ومتنوّعة.
وقد قامت الدراسة على تقسيم الموضوع إلى ما يأتي :
-استهلال
-مظاهر التأثّر بالنموذج المشرقيّ من خلال تجربة ابن درّاج القسطلي.
-خاتمة
.

«مريم والدة الإلٰه» في رُتَب عيد الفصح الطقسيّة البيزنطيّة

لا يمكنُ أحدًا إنكارُ المكانة الرئيسة المخصَّصة للعذراء مريم، وقد أعلنَها مجمعُ أفسس والدةَ الإله، في الرتبة الإلهيّة الليترجيّة الخاصّة بالكنيسة البيزنطيّة. ومقالنا هذا يدرسُ الإطارَ الذي تبغي الهمنوغرافيا وضع مريم فيه طوال أيّام الفصح هذه، من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة: لمَ تُصرُّ التراتيل والأناشيد الفصحيّة على دور مريم في هذه الفترة؟ وهل تحاولُ الليترجيا البيزنطيّة ملء بعض الفجوات البيبليّة؟ ثمّ هل مكانة مريم على صلة وثيقة بالسرّ الفصحيّ في الكنيسة البيزنطيّة؟
فانطلاقًا من النشيدَين المخصَّصَين لوالدة الإله، سندرس، في مقطعٍ أوّل، العلاقة بين الصليب والقيامة، وأمّا في مقطعٍ ثانٍ فسنركّز على العلاقة بين التجسّد والقيامة. ونُنهي عملَنا بمعالجة دور مريم أمًّا للمؤمنين.

كتاب التعليم المسيحيّ الأوّل في الكنيسة المارونيّة (1580)

في العام 1577 وجَّه البطريرك المارونيّ مخائيل الرزّي رسالة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر طالبًا منه درع التثبيت، والتدخل في انهاء عصيان بعض الأساقفة والكهنة والرهبان المتمردين عليه. فأوفد البابا الى جبل لبنان قصادته الأولى المؤلّفة من الراهبين اليسوعيّين جان باتيست إليانو P. Jean Batiste Eliano وتوما راجيو P. Thomas Reggio والأخ ماريو أماتو Mario Amato وأمرهم بفحص ديانة الموارنة والبحث عن صدق طاعتهم وكتبهم ومشاهدة رتبهم وعاداتهم وكهنوتهم وعبادتهم.
في منتصف حزيران 1578، وصلت القصادة الى لبنان، واستقبل الرهبان استقبالاً حارًا من قبل البطريرك والأساقفة ورهبان وادي قنوبين والأهالي. تسلّم البطريرك ميخائيل الرزّي من الأب إليانو البراءة الرسوليّة ورسالتين منفصلتين، الأولى من البابا غريغوريوس الثالث عشر والثانية من الكاردينال أنطوان كارافا.
في العام 1579، رفع الأب إليانو تقريرًا تفصيليًا إلى الكرسيّ الرسوليّ في روما، أكد فيه التزام البطاركة الموارنة بالإيمان الكاثوليكيّ، وشدّد على مشكلة يعاني منها الشعب المارونيّ هي قلّة المعلّمين والمثقفين لإرشاد المؤمنين وتعليمهم الطقوس الكنسيّة اللازمة. لذلك تقرّر إصلاح تعاليم كهنة الرعايا، وطبع الكتب اللاهوتيّة تفاديًا لأي تزوير في المعلومات اللاهوتيّة، كما قرّر الكرسي الرسوليّ تأسيس مدرسة للطلاب الموارنة في روما ومطبعة شرقيّة، لتثبيت المورانة في أرضهم والالتزام بإيمانهم وبكنيستهم الكاثوليكيّة.
اطّلع الحبر الأعظم على مهمّة الأب إليانو ورفيقيه، وسُرّ لنتائجها ولارتباط الموارنة بالكرسيّ الرسوليّ وطلب من الأب إليانو العودة إلى جبل لبنان في قصادة ثانية لإكمال مهمته، فسُرّ كثيرًا لما يكنّه للموارنة من محبة واحترام. وقد عيّن الرئيس العام للرهبانيّة اليسوعيّة الأب ركورديان الأب جان باتيستا برونو Jean Batista Bruno P. مرافقًا له، بما يتمتع من ثقافة لاهوتيّة عالية. ولكن قبل الانطلاق، أراد الأبوان حمل الكتب المطبوعة باللغة العربيّة معهما لتعزيز الإيمان الكاثوليكيّ عند الموارنة.
إنّ الكتاب الأوّل الذي طبعه هو كتاب التعليم المسيحيّ الشهير الصادر باللغة الكرشونيّة ويسمّى “Catechismus Arabicus”، وهو كناية عن ترجمة أجزاء كبيرة من كتاب التعليم الدينيّ للقديس بيار كانيسيوس اليسوعيّ. وقد قام بتعريبه مع ملحق دحض فيه أخطر الأضاليل الفاشية في الشرق. كما تمّت طباعة كتاب سرّي التوبة والقربان، وترجمة قوانين مجمع ترنت، والتعليم الرومانيّ، ودستور الأمانة الأرثوذكسيّة، وكتاب الاقتداء بالمسيح وصلوات القدّاس اللاتينيّ.

القدّيس فرنسيس كَسافارْيوس الرسول الهُمام الأمين (3)

تحدّثت المؤلّفة في هذا العدد من المقالة المشار إليها عن تبشير قدّيسنا في بونغو Bongo اليابانيّة، وعن عودته إلى الهند حيث أصلح وأنجز بعض الأمور التي تعود بالخير على كنيسته. ثمّ تحدّثت عن انطلاقه من هذه البلاد بهدف الذهاب إلى الصين Chine لتبشير سكّانها بالإنجيل. كما تحدّثت عن وصوله إلى جزيرة سانسيان Sancian حيث رقد بالربّ. وأظهرت كيف عَمَدَت الكنيسة بعد هذا الرقود، إلى تكريمه تكريمًا ساميًا يبرهن على أهمّيّة شأنه وشأوه. ثمّ تطرّقت إلى رسائله، فإلى بعض ما يدلّ على تعلّقه برهبانيته وإجلاله أيّاها، فإلى بعض ما يدلّ على اعتداد هذه الرهبانيّة بمواهبه واجلالها إيّاها. ثمّ أوضحت كيف عَمَدَ بعضهم سالكين مسلك الحقّ والانصاف، إلى تشبيهه بالقدّيس بولس الرسول. وأوردت خيرين متعلقين به استوقفتهما أنفاسهما الطاهرة الذكية. وبعد ذلك تحدثت عن فوحان العجائب من يديه، ذاكرة بعض الشواهد الدّالة على ذلك. ثمّ تحدثت عن تساعية النعمة التي تُقام على اسمه كلّ سنة من اليوم الرابع من آذار إلى الثاني عشر منه في مختلف أنحاء العالم. وخَتَمَت المقالة ببضع آيات وردت في الإنجيل المقدّس، وبضعة سطور وردت في مقدمة قوانين رهبانيّته، مؤكّدة أنّه فَهِمَ وأجلَّ تلك الآيات والسطور، ووَسَمَ نفسه بصلبانها وبهذه الصلبان مجَّد الربّ. فخلَّد هذا العليُّ القدير اسمهُ تخليدًا نفيسًا لم يعرفه إلّا أعظم عظماء العالم، ومنهم: رئيسه القدّيس إغناطيوس دي لويولا Ignace de Loyola.

تطوُّر مدينتَي بيروت وطرابلس الاقتصاديّ في عهد المماليك

كوّن العهد المملوكيّ عصر مدينتَي بيروت وطرابلس الذهبيّ، وقد شهدتا تطورًا اقتصاديًّا مميّزًا ترافق مع نموّ الحركة التجاريّة وازدهارها عبر البحر المتوسط وانفتاح أسواق السلطنة المملوكيّة أمام التجّار الأوروبييّن. ونتيجة التقسيمات الإداريّة التي اعتمدها المماليك في بلاد الشام، أصبحت بيروت ميناء مدينة دمشق الأساسيّ، وصارت طرابلس أحد الموانئ الرئيسيّة التي تُرسَل اليها منتوجات مدينتي حلب وحماه، فكوّنت نقطة الوصل الرئيسيّة للتبادل التجاري بين أوروبا ومنطقة بلاد الشام الشماليّة. أمّا صيدا وصور فإنّهما لم تؤدّيا إلاّ دورًا تجاريًّا محدودًا وغابتا عن الخريطة التجاريّة في البحر المتوسّط، واقتصر نشاطهما على التبادل التجاري مع المدن الساحليّة الشاميّة والمصريّة.
يهدف هذا المقال الى دراسة الحركة التجاريّة التي شهدتها بيروت وطرابلس ﺇبّان العهد المملوكي وإعادة رسم الإطار الذي حصل ضمنه تطوّر هاتين المدينتين الاقتصاديّ .

القانون الكنسيّ أداة نظام وسلام

إنّ القصد من هذا المقال إظهار الفرادة والتمايز والبُعد الروحي والكنسي واللاهوتي الذي يتمتع به القانون الكنسي، فضلاً عن تبيان جهد الكنيسة الكبير لإصلاح تشريعاتها ولتسيير شؤونها، بعد الجمود الذي بسط وجوده على العالم عامّة، والعالم المسيحيّ خاصّة، ووضع الكنيسة بحيّرةٍ، ليجدوا أنفسهم أمام مؤسّسات تنظيميّة لم تعد تتلاءم ومقتضيات العصر أو تنسجم مع التبدّلات والتطوّرات الحاصلة مطلع القرن المنصرم.
يُشدّد هذا المقال على قيمة الشخص البشري الذي ترتكز إليه مُجمل المفاهيم التي ترتفع عليها أعمدة كل قانون ونظام. فكل غلط يَمسُّ صفات هذا الشخص، يجعل انطلاقة أي قانون أو نظام خاطئة. لذا، فكل القوانين والانظمة المحض بشرية والتي راحت تُسخّر الانسان لصالحها، وتناست أن المسيحية يُوحّدها قانون الروح والإيمان وأن المسيح هو مصدر كل عدالة وأخوة وصلاح… كل هذه الأنظمة ساهمت في الكثير من المآسي ونحر العدالة على مذبح الايديولوجيات الخاطئة البعيدة عن الله والمُدمِّرة للانسان وحقه الكريم في الحياة.
هذا ما دفع بقداسة البابا بولس السادس إلى القول:” إن الكنيسة الكاثوليكية، اذا أرادت أن تبقى وفيّة لمبادئها التي نالتها من مؤسسها يسوع ومُخلصة لها، لا يمكنها إلّا أن تتمسّك بوضع نُظمها القانونية وحقها القانوني الخاص بها” ( خطابه في 17/8/1966).
سعى هذا المقال إلى تأكيد أنّ الكنيسة جماعة مُنظّمة، وأن قانونها أو شرعها الكنسيّ منبثق من عقيدة الكنيسة وكتابها المقدّس وتقليدها الرسولي، وهو يتناول عِلْمَ التنظيم الكنسيّ بأوجهه المُتعدّدة والمتشعّبة، فضلاً عن أنه عنصر جوهريّ لقيامها.
الكنسية جماعة مُنظمة ولا مجال فيها للفوضى. هي بحسب رغبة الرب مُنظمة تحت سلطان إلهي وسلطة بشرية منظورة تُمثّل سلطة الرب يسوع. من هذا المنظار، فهو قانون الروح ونهج علميّ بالمعنى الكامل، يجب أن يَخلُقَ إنسانًا سويًا، مسيحيًّا مؤمنًا، مترسّخًا في عقيدته مرتطبًا بالمسيح في بُنية الكنيسة المنظورة ومشتركًا بوجه كامل مع الكنيسة الكاثوليكليّة، بوثاق الاعتراف ّبالإيمان والأسرار والحكم الكنسي.
هذا ما استدعى قداسة البابا يوحنا بولس الثاني لدى اصداره ” مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة” الاشارة إلى أن هذا النظام يُعطي المحبّة والنعمة والمواهب الأولويّة، ويُيسّر في الوقت نفسه نموَّها المنتظم في حياة المجتمع الكنسيّ وحياة كل فرد مُنتمٍ إليه على حدّ سواء ( 18/10/1990).
خير ما نختم به هذه العُجالة، تأكيد أنّ المبادئ التي يغرف منها الحق القانونيّ، تنبع وتسيل من عقيدة الكنسية وعليها ترتكز، ويبقى هدفها الأساسيّ تَوجيه طبيعتنا البشريّة المُتقلِّبة والضعيفة نحو الله.

i

مقالات هذا العدد

ديانة من ماء. المطر في الديانة الكَنعانيّة

ينطلق هذا البحث من مبدأين: الديانة بنت بيئتها في تكوينها الجيولوجيّ وواقعها الجغرافيّ، لأنّها استجابة لحاجتها الروحيّة العميقة وتطلّعاتها الماورائيّة؛ وتجلّي الماء في الديانات الوضعيّة والأديان السماويّة على حدّ سواء.
خرج الكنعانيّون من الجزيرة العربيّة مع موجات من الهجرات الساميّة الموسميّة طلبًا للماء والكلأ، وسكنوا بلاد كنعان (فلسطين وسوريا ولبنان)، وكانت شجرة آلهتهم مائيّة (يم- إيل- عشيرة- عشتروت- بعل- عَناة- أدون- ملقارت- موت- طيفون…)، واعتمدت طقوسهم الدينيّة على الماء، فتطهّروا به، ونقلوه إلى موتاهم، وتحاشَوا استعمالَ الأخشاب في صناعة توابيتهم، وبنَوا معابدَهم في أحواض الينابيع… وتجسّد الصراع الموسميّ بين الخصب والجفاف، والحياة والموت في أساطيرهم (أسطورة أدونيس وعشتروت)، وتجسّد في ملاحمهم (ملحمة بعل وعَناة) الصراع الكونيّ بين إله المطر والنظام (بعل) وإله المياه المتمرّدة والفوضى (يم)، وبين الأوّل وإله العالم السفليّ والأرض المَوات (موت). وقد أثّرت هذه الديانة المائيّة في الميثولوجيا اليونانيّة، وفي اليهوديّة والمسيحيّة.

من سطح اللغة إلى عمق المعنى النصّيّ

يكوّن هذا البحث الجزء الثاني من قراءة نقديّة لسانيّة، صدر الجزء الأوّل منها في مجلّة ” المشرق” في السنة الماضية 2018. إنّه كناية عن تحليل لسانيّ ، يصير من خلاله الدخول في أعماق النصّ الإبداعيّة عبر أبواب لغويّة، أو علامات لغويّة فارقة في النصوص. اخترت منه مقاطع نصّية متميّزة لكتّاب كتبوا فأبدعوا وكانوا أصحاب طرائق في الكتابة والتفكير والإبداع بحيث استطاعوا أن يتركوا بصمات أسلوبيّة من خلال كتاباتهم . والنصوص المدروسة هي لكلّ من أمين نخلة ومنيف موسى و شحرور الوادي (قصيدة زجليّة) ومحمود درويش، والياس زغيب ، ومي ضاهر يعقوب؛ وجميعها قطع فنّية شعريّة أو نثريّة كتبت بنفَس راقٍ وبلغة لافتة.

الضيافة في الحوار الإسلاميّ - المسيحيّ بحسب لويس ماسينيون

تُعرض الضيافة في هذا المقال بصفتها أساسًا ومجالًا للحوار بين الأديان من خلال تجربة عالم الإسلام الفرنسي لويس ماسينيون (١٨٨٣-١٩٦٢). ويتناول المقال موضوع كرم الضيافة في ضوء تجربة ماسينيون الشخصية وفكره والحوار الإسلامي المسيحي.
ترجمة بتسا إستيفانو

عيسى بنُ زُرعة († 1008م) ثلاث مسائل تفسيريّة كلاميّة

يعالج هذا المقال مسألة العلاقة بين الإله والإنسان. كيف يتَّصل الإله الخالق بالعالم المخلوق؟ ولماذا يتدخَّل في حياة الكون والبشر أحيانًا ويمتنع أحيانًا أخرى؟ هل الإنسان مختارٌ أم مجبَر؟ وإذا قلنا إنَّه حرٌّ، ألا يتعارض القولُ بحرِّيَّة الإنسان مع الإرادة الإلهيَّة؟ ناقش عيسى بن زُرعة (ت 1008م) هذه التساؤلات في مقالته خمس مسائل سُئل عنها عيسى بن اسحق بن زُرعة سألهُ عنها أبو حَكيم البُحَيريّ مِن أهْل مَيّافارِقِين في سنة ست وثمانين وثلثمائة، حيث أجاب على أسئلةٍ تختصُّ بتفسير آياتٍ من التوراة، هي:
– الآية: «وغَلَّظَ اللهُ قَلْبَ فِرْعَون ولم يُفْرِجْ عن بَني إسْرائيل» (سفر الخروج 10/20، 27؛ 9/12؛ 7/3؛ 10/1؛ 11/10.)
– قصَّة «بِلْعام» الَّتي وردت في سفر العدد (سفر العدد 22/20- 22).
– الآية: «فَنَدِمَ الرَّبُّ على أَنَّه صَنَعَ الإِنسانَ على الأَرض وتَأَسَّفَ في قَلبِه» (سفر التكوين 6/6).
يتألَّف المقال من قسمَين:
القسم الأوَّل: النصُّ المحقَّق.
القسم الثاني: دراسة أسلوب عيسى بن زُرعة في تفسير آيات التوراة، ومضمونها.
تحقيق الأب بيير مصري
دراسة د. نادين عبّاس

عودة الدين بعد تبدُّل مفهوم الفضاء العامّ في نقاشات غربيّة معاصرة

لم تعد عودة الدِّين أمرًا يمكن التنكّر له واقعيًا، ولو تم التنكّر له نظريًّا. كذلك لم يعد الفضاء العامّ يفهم مجالًا محايدًا بالمطلق بعد التبدلات التي طرأت إن على صعيد الفكر وإن على صعيد الواقع المجتمعيّ في الدول في الزمن الراهن. لذا إنَّ عودة الدِّين والتغيير الذي حصل ويحصل في الفضاء العامّ يحتّمان إعادة طرح موقع الدِّين في قلب هذا التبدّل والسؤال عن إمكان دورٍ للدين فيه. هذا ما يحاول هذا النصّ تبيانه من خلال الجهد الذي يبذله الكثيرون على هذا الصعيد.

كرامة الجنين الإنسانيّة بين رغبة مُحِقّة ومساعدة طبّيّة معتدلة

في خضمّ مشاكل “العُقم” وتحدّياته، يقترح الطّبّ الحيويّ اليوم طرائقَ مُختلفةً تهدف إلى “إعطاء” أطفال للأزواج غير القادرين على الإنجاب بطريقةٍ “طبيعيّةٍ”: نعني هنا “المساعدة الطبيّة للإنجاب”. نحدّد في هٰذه الصّفحات بعض المسائل الّتي يطرحُها هذا التّدخّل الطّبّيّ التّكنولوجيّ في ميدان الإنجاب الإنسانيّ.
وبغية بلوغ هذا الهدف، ننطلق من الفرضيّة التالية : إنّ التدخّل الطبيّ هو أخلاقيًّا ممكن، غير أنَّه يستدعي الكثير من الفطنة والحكمة، من أجل تعزيز حريّة إنسانيّة حقيقيّة، واستقلاليّة مسؤولة، تصون الكرامة البشريّة من ناحية، ورغبة الإنجاب والخصوبة من ناحية أخرى.
تُقسّم هٰذه المقالة إلى قسمين: يتمّ في المرحلة الأولى تشخيص سريع للمشاكل الأخلاقيّة الّتي يُخلّفها الإنجاب بمُساعدةٍ طبّيّة. وتهتمّ المرحلة الثّانية بتوجيه بعض النداءات العمليّة إلى المُجتمع الإنسانيّ بوجه عامٍّ وإلى المُجتمع العلميّ والطّبّيّ بوجه خاصّ.

أسلوبيّة التبئير في رواية «عزازيل» ليوسف زيدان

تتكوّن بنية الخطاب السرديّة من تضافر ثلاثة مكوّنات هي: الراوي، والمرويّ، والمرويّ له. فـ “الراوي” هو الشخص الّذي يروي الحكاية أو يُخبر عنها، ويرتبط الراوي بالمرويّ من خلال رؤية تؤطّر عمليّة الحكي، فهذه الرؤية تسمّى في علم السرد بالتبئير. هذا البحث يعكف على معرفة مفهوم التبئير وتجلّياته في السرد الروائيّ عبر رواية “عزازيل” للروائيّ المصريّ يوسف زيدان، ويتقصّى أنواعه وتفاعله مع سائر المكوّنات السرديّة ودوره في البناء السرديّ وعلاقته بأدوار الرواة ومواقعه وخصائصه في هذه الرواية. ولقد اخترنا رواية “عزازيل” لمكانتها المرموقة في خارطة السرد العربيّ وتحقيقها شروط هذا الجنس الأدبيّ الفنيّة العالية. تعدّد الأصوات فيها جعلها روايةً بوليفونيّة. وقد توصّلنا من خلال بحثنا عبر المنهج الوصفيّ التحليليّ إلى أنّها اشتملت على أنواع التبئير (الصفر، الداخليّ والخارجيّ) وخاصّة الداخليّ الثابت، لأنّ السارد في هذه الرواية مشارك وهو الشخصيّة الرئيسة فيها، يصف ويسرد فيها هواجسه وخلجاته، لذا اقتضت في معظمها هذا النوع من التبئير وكان الأنسب للرواية.

مظاهر التأثّر بالنموذج المشرقيّ في قصيدة المديح الأندلسيّة - ابن درّاج القسطليّ أنموذجًا –

تَهدف هذه الدراسة الموسومة ب: “مظاهر التأثّر بالنموذج المشرقيّ في قصيدة المديح الأندلسيّة -ابن دراج القسطلي أنموذجًا-“، إلى إبراز الأثر المشرقيّ في قصيدة المديح الأندلسيّة، من خلال تجربة فريدة من نوعها لشاعر فذّ، جسّد ظاهرة التماثل في شعره ،من خلال تأثّره بفطاحل شعراء المشرق العربيّ، ويندَرج هذا البحث ضمن اهتمامنا بتحليل الخطاب الشعريّ الأندلسيّ بمناهج حديثة، ومتنوّعة.
وقد قامت الدراسة على تقسيم الموضوع إلى ما يأتي :
-استهلال
-مظاهر التأثّر بالنموذج المشرقيّ من خلال تجربة ابن درّاج القسطلي.
-خاتمة
.

«مريم والدة الإلٰه» في رُتَب عيد الفصح الطقسيّة البيزنطيّة

لا يمكنُ أحدًا إنكارُ المكانة الرئيسة المخصَّصة للعذراء مريم، وقد أعلنَها مجمعُ أفسس والدةَ الإله، في الرتبة الإلهيّة الليترجيّة الخاصّة بالكنيسة البيزنطيّة. ومقالنا هذا يدرسُ الإطارَ الذي تبغي الهمنوغرافيا وضع مريم فيه طوال أيّام الفصح هذه، من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة: لمَ تُصرُّ التراتيل والأناشيد الفصحيّة على دور مريم في هذه الفترة؟ وهل تحاولُ الليترجيا البيزنطيّة ملء بعض الفجوات البيبليّة؟ ثمّ هل مكانة مريم على صلة وثيقة بالسرّ الفصحيّ في الكنيسة البيزنطيّة؟
فانطلاقًا من النشيدَين المخصَّصَين لوالدة الإله، سندرس، في مقطعٍ أوّل، العلاقة بين الصليب والقيامة، وأمّا في مقطعٍ ثانٍ فسنركّز على العلاقة بين التجسّد والقيامة. ونُنهي عملَنا بمعالجة دور مريم أمًّا للمؤمنين.

كتاب التعليم المسيحيّ الأوّل في الكنيسة المارونيّة (1580)

في العام 1577 وجَّه البطريرك المارونيّ مخائيل الرزّي رسالة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر طالبًا منه درع التثبيت، والتدخل في انهاء عصيان بعض الأساقفة والكهنة والرهبان المتمردين عليه. فأوفد البابا الى جبل لبنان قصادته الأولى المؤلّفة من الراهبين اليسوعيّين جان باتيست إليانو P. Jean Batiste Eliano وتوما راجيو P. Thomas Reggio والأخ ماريو أماتو Mario Amato وأمرهم بفحص ديانة الموارنة والبحث عن صدق طاعتهم وكتبهم ومشاهدة رتبهم وعاداتهم وكهنوتهم وعبادتهم.
في منتصف حزيران 1578، وصلت القصادة الى لبنان، واستقبل الرهبان استقبالاً حارًا من قبل البطريرك والأساقفة ورهبان وادي قنوبين والأهالي. تسلّم البطريرك ميخائيل الرزّي من الأب إليانو البراءة الرسوليّة ورسالتين منفصلتين، الأولى من البابا غريغوريوس الثالث عشر والثانية من الكاردينال أنطوان كارافا.
في العام 1579، رفع الأب إليانو تقريرًا تفصيليًا إلى الكرسيّ الرسوليّ في روما، أكد فيه التزام البطاركة الموارنة بالإيمان الكاثوليكيّ، وشدّد على مشكلة يعاني منها الشعب المارونيّ هي قلّة المعلّمين والمثقفين لإرشاد المؤمنين وتعليمهم الطقوس الكنسيّة اللازمة. لذلك تقرّر إصلاح تعاليم كهنة الرعايا، وطبع الكتب اللاهوتيّة تفاديًا لأي تزوير في المعلومات اللاهوتيّة، كما قرّر الكرسي الرسوليّ تأسيس مدرسة للطلاب الموارنة في روما ومطبعة شرقيّة، لتثبيت المورانة في أرضهم والالتزام بإيمانهم وبكنيستهم الكاثوليكيّة.
اطّلع الحبر الأعظم على مهمّة الأب إليانو ورفيقيه، وسُرّ لنتائجها ولارتباط الموارنة بالكرسيّ الرسوليّ وطلب من الأب إليانو العودة إلى جبل لبنان في قصادة ثانية لإكمال مهمته، فسُرّ كثيرًا لما يكنّه للموارنة من محبة واحترام. وقد عيّن الرئيس العام للرهبانيّة اليسوعيّة الأب ركورديان الأب جان باتيستا برونو Jean Batista Bruno P. مرافقًا له، بما يتمتع من ثقافة لاهوتيّة عالية. ولكن قبل الانطلاق، أراد الأبوان حمل الكتب المطبوعة باللغة العربيّة معهما لتعزيز الإيمان الكاثوليكيّ عند الموارنة.
إنّ الكتاب الأوّل الذي طبعه هو كتاب التعليم المسيحيّ الشهير الصادر باللغة الكرشونيّة ويسمّى “Catechismus Arabicus”، وهو كناية عن ترجمة أجزاء كبيرة من كتاب التعليم الدينيّ للقديس بيار كانيسيوس اليسوعيّ. وقد قام بتعريبه مع ملحق دحض فيه أخطر الأضاليل الفاشية في الشرق. كما تمّت طباعة كتاب سرّي التوبة والقربان، وترجمة قوانين مجمع ترنت، والتعليم الرومانيّ، ودستور الأمانة الأرثوذكسيّة، وكتاب الاقتداء بالمسيح وصلوات القدّاس اللاتينيّ.

القدّيس فرنسيس كَسافارْيوس الرسول الهُمام الأمين (3)

تحدّثت المؤلّفة في هذا العدد من المقالة المشار إليها عن تبشير قدّيسنا في بونغو Bongo اليابانيّة، وعن عودته إلى الهند حيث أصلح وأنجز بعض الأمور التي تعود بالخير على كنيسته. ثمّ تحدّثت عن انطلاقه من هذه البلاد بهدف الذهاب إلى الصين Chine لتبشير سكّانها بالإنجيل. كما تحدّثت عن وصوله إلى جزيرة سانسيان Sancian حيث رقد بالربّ. وأظهرت كيف عَمَدَت الكنيسة بعد هذا الرقود، إلى تكريمه تكريمًا ساميًا يبرهن على أهمّيّة شأنه وشأوه. ثمّ تطرّقت إلى رسائله، فإلى بعض ما يدلّ على تعلّقه برهبانيته وإجلاله أيّاها، فإلى بعض ما يدلّ على اعتداد هذه الرهبانيّة بمواهبه واجلالها إيّاها. ثمّ أوضحت كيف عَمَدَ بعضهم سالكين مسلك الحقّ والانصاف، إلى تشبيهه بالقدّيس بولس الرسول. وأوردت خيرين متعلقين به استوقفتهما أنفاسهما الطاهرة الذكية. وبعد ذلك تحدثت عن فوحان العجائب من يديه، ذاكرة بعض الشواهد الدّالة على ذلك. ثمّ تحدثت عن تساعية النعمة التي تُقام على اسمه كلّ سنة من اليوم الرابع من آذار إلى الثاني عشر منه في مختلف أنحاء العالم. وخَتَمَت المقالة ببضع آيات وردت في الإنجيل المقدّس، وبضعة سطور وردت في مقدمة قوانين رهبانيّته، مؤكّدة أنّه فَهِمَ وأجلَّ تلك الآيات والسطور، ووَسَمَ نفسه بصلبانها وبهذه الصلبان مجَّد الربّ. فخلَّد هذا العليُّ القدير اسمهُ تخليدًا نفيسًا لم يعرفه إلّا أعظم عظماء العالم، ومنهم: رئيسه القدّيس إغناطيوس دي لويولا Ignace de Loyola.

تطوُّر مدينتَي بيروت وطرابلس الاقتصاديّ في عهد المماليك

كوّن العهد المملوكيّ عصر مدينتَي بيروت وطرابلس الذهبيّ، وقد شهدتا تطورًا اقتصاديًّا مميّزًا ترافق مع نموّ الحركة التجاريّة وازدهارها عبر البحر المتوسط وانفتاح أسواق السلطنة المملوكيّة أمام التجّار الأوروبييّن. ونتيجة التقسيمات الإداريّة التي اعتمدها المماليك في بلاد الشام، أصبحت بيروت ميناء مدينة دمشق الأساسيّ، وصارت طرابلس أحد الموانئ الرئيسيّة التي تُرسَل اليها منتوجات مدينتي حلب وحماه، فكوّنت نقطة الوصل الرئيسيّة للتبادل التجاري بين أوروبا ومنطقة بلاد الشام الشماليّة. أمّا صيدا وصور فإنّهما لم تؤدّيا إلاّ دورًا تجاريًّا محدودًا وغابتا عن الخريطة التجاريّة في البحر المتوسّط، واقتصر نشاطهما على التبادل التجاري مع المدن الساحليّة الشاميّة والمصريّة.
يهدف هذا المقال الى دراسة الحركة التجاريّة التي شهدتها بيروت وطرابلس ﺇبّان العهد المملوكي وإعادة رسم الإطار الذي حصل ضمنه تطوّر هاتين المدينتين الاقتصاديّ .

القانون الكنسيّ أداة نظام وسلام

إنّ القصد من هذا المقال إظهار الفرادة والتمايز والبُعد الروحي والكنسي واللاهوتي الذي يتمتع به القانون الكنسي، فضلاً عن تبيان جهد الكنيسة الكبير لإصلاح تشريعاتها ولتسيير شؤونها، بعد الجمود الذي بسط وجوده على العالم عامّة، والعالم المسيحيّ خاصّة، ووضع الكنيسة بحيّرةٍ، ليجدوا أنفسهم أمام مؤسّسات تنظيميّة لم تعد تتلاءم ومقتضيات العصر أو تنسجم مع التبدّلات والتطوّرات الحاصلة مطلع القرن المنصرم.
يُشدّد هذا المقال على قيمة الشخص البشري الذي ترتكز إليه مُجمل المفاهيم التي ترتفع عليها أعمدة كل قانون ونظام. فكل غلط يَمسُّ صفات هذا الشخص، يجعل انطلاقة أي قانون أو نظام خاطئة. لذا، فكل القوانين والانظمة المحض بشرية والتي راحت تُسخّر الانسان لصالحها، وتناست أن المسيحية يُوحّدها قانون الروح والإيمان وأن المسيح هو مصدر كل عدالة وأخوة وصلاح… كل هذه الأنظمة ساهمت في الكثير من المآسي ونحر العدالة على مذبح الايديولوجيات الخاطئة البعيدة عن الله والمُدمِّرة للانسان وحقه الكريم في الحياة.
هذا ما دفع بقداسة البابا بولس السادس إلى القول:” إن الكنيسة الكاثوليكية، اذا أرادت أن تبقى وفيّة لمبادئها التي نالتها من مؤسسها يسوع ومُخلصة لها، لا يمكنها إلّا أن تتمسّك بوضع نُظمها القانونية وحقها القانوني الخاص بها” ( خطابه في 17/8/1966).
سعى هذا المقال إلى تأكيد أنّ الكنيسة جماعة مُنظّمة، وأن قانونها أو شرعها الكنسيّ منبثق من عقيدة الكنيسة وكتابها المقدّس وتقليدها الرسولي، وهو يتناول عِلْمَ التنظيم الكنسيّ بأوجهه المُتعدّدة والمتشعّبة، فضلاً عن أنه عنصر جوهريّ لقيامها.
الكنسية جماعة مُنظمة ولا مجال فيها للفوضى. هي بحسب رغبة الرب مُنظمة تحت سلطان إلهي وسلطة بشرية منظورة تُمثّل سلطة الرب يسوع. من هذا المنظار، فهو قانون الروح ونهج علميّ بالمعنى الكامل، يجب أن يَخلُقَ إنسانًا سويًا، مسيحيًّا مؤمنًا، مترسّخًا في عقيدته مرتطبًا بالمسيح في بُنية الكنيسة المنظورة ومشتركًا بوجه كامل مع الكنيسة الكاثوليكليّة، بوثاق الاعتراف ّبالإيمان والأسرار والحكم الكنسي.
هذا ما استدعى قداسة البابا يوحنا بولس الثاني لدى اصداره ” مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة” الاشارة إلى أن هذا النظام يُعطي المحبّة والنعمة والمواهب الأولويّة، ويُيسّر في الوقت نفسه نموَّها المنتظم في حياة المجتمع الكنسيّ وحياة كل فرد مُنتمٍ إليه على حدّ سواء ( 18/10/1990).
خير ما نختم به هذه العُجالة، تأكيد أنّ المبادئ التي يغرف منها الحق القانونيّ، تنبع وتسيل من عقيدة الكنسية وعليها ترتكز، ويبقى هدفها الأساسيّ تَوجيه طبيعتنا البشريّة المُتقلِّبة والضعيفة نحو الله.

Share This