يتكوّن المجتمع اللُّبناني من ثماني عشرة طائفةً دينيّةً، وهي مُمَثَّلة في النِّظام السياسي اللُّبناني، وذلك حفاظًا على جميع مكوِّنات المجتمع اللُّبناني التعدُّدي الطَّائفيّ، وإفساحاً في المجال أمام الطوائف جميعاً لأن تشارك في الحياة الوطنيَّة وفي القرارات المصيريّة وفي إِدارة شؤون الوطن.
إِنَّ التَّطور التَّاريخيّ للُبنان ككيانٍ سياسيٍّ وكمُجتمعٍ مُركّب، يُظهر لنا أَنَّه منذُ نشأته كانت هناك إشكاليّةٌ أساسيَّةٌ حول مبدأ وجود هذا الكيان؛ فقد كانت أغلبيّة المُسلمين وبخاصَّة السُّنَّة منهم، مُعارضةً لقيامه، فيما المسيحيُّون، وتحديداً الموارنة، تمسَّكوا به. فالبطريرك الحويّك كان في طليعة المُطالبين والسَّاعين إِلى استقلال لبنان الكبير وإلى إنشاء الدّولة العام 1920.
وبالرُّغم من إِعلان دولة لبنان الكبير العام 1920، ومن ثَمَّ إِعلان الجمهوريّة اللُّبنانيّة العام 1926، فقد حرصت الغالبيّة من الطَّائفة السُنيّة، على إِعلان رفضها لهذا الكيان مُنفصلاً عن سوريا. إلى أَن جاءت التَّسويّة العام 1943، بين الرَّئيسَين بشارة الخوري ورياض الصُّلح، مُتضمّنةً اعتراف المُسلمين عامَّةً، والسُنَّة خصوصاً، بهذا الكيان الجديد.
وبما أَنَّ أغلبيّة المُسلمين – ومن بينهم السُّنَّة – شعروا بأَنَّهم لم يحصلوا على المُشاركة المُتوازنة في السلطة طيلة عهد الاستقلال، لذلك عادوا للتَّهديد بالانضمام إِلى سوريا، ولم يتردَّدوا العام 1958 في المطالبة بالالتحاق بالجمهوريَّة العربيّة المُتَّحدة (مصر وسوريا).
وجاء اتّفاق الطَّائف العام 1989 ليشكّل تسويةً إضافيّةً في سلسلة التَّسويات التي عبَّرت عن اللَّااستقرار بين مكوِّنات المجتمع اللُّبناني، فقد أَدَّى هذا الاتّفاق إِلى توافق المُسلمين مع المسيحيّين على نهائيَّة لبنان. غير أَنَّ هذا التوافق هو غير مُستمرّ؛ ففي كلّ مرحلةٍ نشهد نزاعاتٍ بين المسيحيّين والمُسلمين من جهةٍ وبين المذاهب في كلّ طائفةٍ من جهةٍ أُخرى، على تقاسم السُّلطة وعلى هوِّيَة لبنان.
من هنا، فإِنَّ أَيَّ دراسةٍ لتاريخ لبنان لا يمكنها تجاهل مواقف الطَّوائف، وفي هذا السِّياق تكمن أَهميّة دراسة الموقف السُّنّي بما يعني التَّحوُّل من السَّلبيّة المُطلقة في رفض الكيان إِلى القبول النِّهائي به؛ ما يدفع بالتَّالي إِلى دراسة السِّياقات التَّاريخيّة التي دفعت السُّنَّة في هذا الاتِّجاه.