السَّنة ٩٩

الجزء الأوَّل

السَّنة التَّاسعة والتِّسعون | الجزء الأوَّل | كانون الثَّاني – حزيران ٢٠٢٥

أطلب نسختك الورقيّة

إشترِ نسختك الرقميّة

افتتاحيَّة العدد

اقرأ الافتتاحيَّة كاملةً

عبثيَّة الحروب والحقُّ في الحياة

تُعدُّ الحروب واحدةً من أقدم الظَّواهر وأبشعها الَّتي عرفتها البشريَّة، وتترك آثارًا عميقة على المجتمعات والأفراد. وعلى الرُّغم من التَّقدُّم الَّذي أحرزته البشريَّة في مختلف المجالات، إلَّا أنَّ الحروب لا تزال تفتك بالبشر وتدمِّر الحضارات. وما يجري على أرض لبنان وغزَّة وأوكرانيا والسُّودان وبلدان أخرى من تدميرِ الحضارات وعماراتها الثَّقافيَّة وتسويتِها بالأرض، عدا عن إزهاق الأرواح البريئة، يؤكِّد عبثيَّة الحروب وانتهاكها حقَّ الإنسان الأساسيّ في الحياة.

كلُّنا يعلم رأيَ الفيلسوف توماس هوبز في الطَّبيعة البشريَّة وفي منشأ الحروب. ففي كتابه الشَّهير «اللفياثان» (1651 – Leviathan) يصف الفيلسوف الإنجليزيّ حالة الطَّبيعة البشريَّة بأنَّها «حرب الكلِّ ضدَّ الكلّ»، حيث يسعى كلُّ فرد إلى تحقيق مصالحه الخاصَّة، وكلُّ جماعة من أجل الوصول إلى تحقيق مآربها الفئويَّة من دون قيود. ولتجنُّب هذه الحالة الفوضويَّة، يرى هوبز أنَّ البشر بحاجة إلى عقد اجتماعيّ لتكوين دولة قويَّة تحافظ على الأمن والاستقرار. وبينما يركِّز هوبز على دور الدَّولة في الحفاظ على السَّلام، ينفتح المجال على اندلاع العنف، فتسلِّط أفكارُه الضَّوء على العواقب الوخيمة للحروب والصِّراعات.

أمَّا الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط فيرى أنَّ الحرب هي حالة غير طبيعيَّة للإنسان، وأنَّ العقل يُملي علينا السَّعي إلى السَّلام، معتبرًا أنَّ «قانون الحرب» يتضمَّن إشكاليَّة مزدوجة من حيث أساسه. فالحرب لا تحدِّد القانون، ولا تملك قوَّة القانون – من حيث تطبيقه – لأنَّنا لا نستطيع أن نستنتج القانون من الواقع. ويقول إنَّ العقلانيَّة هي السَّبيل الوحيد لتحقيق السَّلام الدَّائم بين الدُّول. فهو يدعو إلى تأسيس مجتمعٍ دوليٍّ قائمٍ على القانون والعدالة، حيث تتمُّ تسوية الخلافات بالطُّرق السِّلميَّة.

أمَّا البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة، فيشدِّد باستمرار على أهمِّيَّة السَّلام والعدالة في العالم، معتبرًا الحروب عبثًا مطلقًا ومأساة إنسانيَّة وهزيمة للبشريَّة لا يمكن تبريرها، داعيًا إلى الحوار والتَّفاهم بين الشُّعوب. يرى البابا أنَّ كلَّ إنسان هو عطاء إلهيّ وذلك ما تقوله الأديان، وفي المسيحيَّة هو ابن الله، وبالتَّالي فإنَّ قتل أيِّ شخص هو انتهاك لحرمة الحياة. كما يؤكِّد ضرورة العمل من أجل بناء عالَمٍ أكثر عدلًا ومساواة، حيث يتمتَّع الجميع بحقوقهم الأساسيَّة، بما في ذلك الحقُّ في الحياة.

وهكذا فإنَّ الحروب، أكانت من الطَّبيعة أم لا، هي عبثيَّة لأنَّها لا تحقِّق أيَّ فائدة حقيقيَّة للبشريَّة بل تقضي على الحياة الفرديَّة والثَّقافات لا بل الحضارات، إذْ تدمِّر الممتلكات والبنية التَّحتيَّة، وتقتل الأبرياء، وتشرِّد الملايين، وتؤدِّي إلى الكراهية والانتقام. كما أنَّها تستهلك الموارد الَّتي يمكن استخدامها لتحسين حياة النَّاس. ويبقى القهر على مَن غادروا، ضحايا، من كلِّ وطنٍ وبلاد شاركوا في الحرب، بينما السَّعادة تغمر تُجَّار السِّلاح، وحدَهم، فاقدي الضَّمير والدِّين.

إنَّ الحقَّ في الحياة هو حقٌّ أساسيّ لكلِّ إنسان، وهو حقٌّ غير قابل للتَّفاوض. والحروب هي انتهاك صارخ لهذا الحقّ. فكلُّ إنسان له قيمة وكرامة، ويجب احترامهما.

وبما أنَّ الدِّين والفلسفة يتَّفقان على أنَّ الحروب هي شرّ، وأنَّ السَّلام هو الهدف الأسمى للإنسانيَّة، فعلى الجميع أن يعملوا على إنهاء هذه الحروب بالتَّربية. فالأديان السَّماويَّة تدعو إلى المحبَّة والسَّلام، والفكرُ الإيجابيّ وحده، ضمن الحوار واحترام القانون وأسس العدالة وتهميش العصبيَّات الدِّينيَّة والقوميَّة، يقدِّم إلينا أدوات التَّفكير النَّقديّ لمساعدتنا على فهم أسباب الحروب وإيجاد حلول لها.

 

الأب سليم دكَّاش اليسوعيّ: رئيس تحرير مجلَّة المشرق. رئيس جامعة القدِّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتِّحاد الدَّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز شهادة دكتوراه في العلوم التَّربويَّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، وشهادة دكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السُّوربون 1 (1988)، ويدرِّس فلسفة الدِّين والحوار بين الأديان والرُّوحانيَّة السِّريانيَّة في كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة في الجامعة اليسوعيَّة.

            [email protected]

إفتتـاحيّــة العدد

اقرأ الافتتاحيّة كاملةً

عبثيَّة الحروب والحقُّ في الحياة

تُعدُّ الحروب واحدةً من أقدم الظَّواهر وأبشعها الَّتي عرفتها البشريَّة، وتترك آثارًا عميقة على المجتمعات والأفراد. وعلى الرُّغم من التَّقدُّم الَّذي أحرزته البشريَّة في مختلف المجالات، إلَّا أنَّ الحروب لا تزال تفتك بالبشر وتدمِّر الحضارات. وما يجري على أرض لبنان وغزَّة وأوكرانيا والسُّودان وبلدان أخرى من تدميرِ الحضارات وعماراتها الثَّقافيَّة وتسويتِها بالأرض، عدا عن إزهاق الأرواح البريئة، يؤكِّد عبثيَّة الحروب وانتهاكها حقَّ الإنسان الأساسيّ في الحياة.

كلُّنا يعلم رأيَ الفيلسوف توماس هوبز في الطَّبيعة البشريَّة وفي منشأ الحروب. ففي كتابه الشَّهير «اللفياثان» (1651 – Leviathan) يصف الفيلسوف الإنجليزيّ حالة الطَّبيعة البشريَّة بأنَّها «حرب الكلِّ ضدَّ الكلّ»، حيث يسعى كلُّ فرد إلى تحقيق مصالحه الخاصَّة، وكلُّ جماعة من أجل الوصول إلى تحقيق مآربها الفئويَّة من دون قيود. ولتجنُّب هذه الحالة الفوضويَّة، يرى هوبز أنَّ البشر بحاجة إلى عقد اجتماعيّ لتكوين دولة قويَّة تحافظ على الأمن والاستقرار. وبينما يركِّز هوبز على دور الدَّولة في الحفاظ على السَّلام، ينفتح المجال على اندلاع العنف، فتسلِّط أفكارُه الضَّوء على العواقب الوخيمة للحروب والصِّراعات.

أمَّا الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط فيرى أنَّ الحرب هي حالة غير طبيعيَّة للإنسان، وأنَّ العقل يُملي علينا السَّعي إلى السَّلام، معتبرًا أنَّ «قانون الحرب» يتضمَّن إشكاليَّة مزدوجة من حيث أساسه. فالحرب لا تحدِّد القانون، ولا تملك قوَّة القانون – من حيث تطبيقه – لأنَّنا لا نستطيع أن نستنتج القانون من الواقع. ويقول إنَّ العقلانيَّة هي السَّبيل الوحيد لتحقيق السَّلام الدَّائم بين الدُّول. فهو يدعو إلى تأسيس مجتمعٍ دوليٍّ قائمٍ على القانون والعدالة، حيث تتمُّ تسوية الخلافات بالطُّرق السِّلميَّة.

أمَّا البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة، فيشدِّد باستمرار على أهمِّيَّة السَّلام والعدالة في العالم، معتبرًا الحروب عبثًا مطلقًا ومأساة إنسانيَّة وهزيمة للبشريَّة لا يمكن تبريرها، داعيًا إلى الحوار والتَّفاهم بين الشُّعوب. يرى البابا أنَّ كلَّ إنسان هو عطاء إلهيّ وذلك ما تقوله الأديان، وفي المسيحيَّة هو ابن الله، وبالتَّالي فإنَّ قتل أيِّ شخص هو انتهاك لحرمة الحياة. كما يؤكِّد ضرورة العمل من أجل بناء عالَمٍ أكثر عدلًا ومساواة، حيث يتمتَّع الجميع بحقوقهم الأساسيَّة، بما في ذلك الحقُّ في الحياة.

وهكذا فإنَّ الحروب، أكانت من الطَّبيعة أم لا، هي عبثيَّة لأنَّها لا تحقِّق أيَّ فائدة حقيقيَّة للبشريَّة بل تقضي على الحياة الفرديَّة والثَّقافات لا بل الحضارات، إذْ تدمِّر الممتلكات والبنية التَّحتيَّة، وتقتل الأبرياء، وتشرِّد الملايين، وتؤدِّي إلى الكراهية والانتقام. كما أنَّها تستهلك الموارد الَّتي يمكن استخدامها لتحسين حياة النَّاس. ويبقى القهر على مَن غادروا، ضحايا، من كلِّ وطنٍ وبلاد شاركوا في الحرب، بينما السَّعادة تغمر تُجَّار السِّلاح، وحدَهم، فاقدي الضَّمير والدِّين.

إنَّ الحقَّ في الحياة هو حقٌّ أساسيّ لكلِّ إنسان، وهو حقٌّ غير قابل للتَّفاوض. والحروب هي انتهاك صارخ لهذا الحقّ. فكلُّ إنسان له قيمة وكرامة، ويجب احترامهما.

وبما أنَّ الدِّين والفلسفة يتَّفقان على أنَّ الحروب هي شرّ، وأنَّ السَّلام هو الهدف الأسمى للإنسانيَّة، فعلى الجميع أن يعملوا على إنهاء هذه الحروب بالتَّربية. فالأديان السَّماويَّة تدعو إلى المحبَّة والسَّلام، والفكرُ الإيجابيّ وحده، ضمن الحوار واحترام القانون وأسس العدالة وتهميش العصبيَّات الدِّينيَّة والقوميَّة، يقدِّم إلينا أدوات التَّفكير النَّقديّ لمساعدتنا على فهم أسباب الحروب وإيجاد حلول لها.

 

الأب سليم دكَّاش اليسوعيّ: رئيس تحرير مجلَّة المشرق. رئيس جامعة القدِّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتِّحاد الدَّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز شهادة دكتوراه في العلوم التَّربويَّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، وشهادة دكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السُّوربون 1 (1988)، ويدرِّس فلسفة الدِّين والحوار بين الأديان والرُّوحانيَّة السِّريانيَّة في كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة في الجامعة اليسوعيَّة.

            [email protected]

محتويات العدد

i

مقالات هذا العدد

عبثيَّة الحروب والحقُّ في الحياة

تُعدُّ الحروب واحدةً من أقدم الظَّواهر وأبشعها الَّتي عرفتها البشريَّة، وتترك آثارًا عميقة على المجتمعات والأفراد. وعلى الرُّغم من التَّقدُّم الَّذي أحرزته البشريَّة في مختلف المجالات، إلَّا أنَّ الحروب لا تزال تفتك بالبشر وتدمِّر الحضارات. وما يجري على أرض لبنان وغزَّة وأوكرانيا والسُّودان وبلدان أخرى من تدميرِ الحضارات وعماراتها الثَّقافيَّة وتسويتِها بالأرض، عدا عن إزهاق الأرواح البريئة، يؤكِّد عبثيَّة الحروب وانتهاكها حقَّ الإنسان الأساسيّ في الحياة.

كلُّنا يعلم رأيَ الفيلسوف توماس هوبز في الطَّبيعة البشريَّة وفي منشأ الحروب. ففي كتابه الشَّهير «اللفياثان» (1651 – Leviathan) يصف الفيلسوف الإنجليزيّ حالة الطَّبيعة البشريَّة بأنَّها «حرب الكلِّ ضدَّ الكلّ»، حيث يسعى كلُّ فرد إلى تحقيق مصالحه الخاصَّة، وكلُّ جماعة من أجل الوصول إلى تحقيق مآربها الفئويَّة من دون قيود. ولتجنُّب هذه الحالة الفوضويَّة، يرى هوبز أنَّ البشر بحاجة إلى عقد اجتماعيّ لتكوين دولة قويَّة تحافظ على الأمن والاستقرار. وبينما يركِّز هوبز على دور الدَّولة في الحفاظ على السَّلام، ينفتح المجال على اندلاع العنف، فتسلِّط أفكارُه الضَّوء على العواقب الوخيمة للحروب والصِّراعات.

أمَّا الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط فيرى أنَّ الحرب هي حالة غير طبيعيَّة للإنسان، وأنَّ العقل يُملي علينا السَّعي إلى السَّلام، معتبرًا أنَّ «قانون الحرب» يتضمَّن إشكاليَّة مزدوجة من حيث أساسه. فالحرب لا تحدِّد القانون، ولا تملك قوَّة القانون – من حيث تطبيقه – لأنَّنا لا نستطيع أن نستنتج القانون من الواقع. ويقول إنَّ العقلانيَّة هي السَّبيل الوحيد لتحقيق السَّلام الدَّائم بين الدُّول. فهو يدعو إلى تأسيس مجتمعٍ دوليٍّ قائمٍ على القانون والعدالة، حيث تتمُّ تسوية الخلافات بالطُّرق السِّلميَّة.

أمَّا البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة، فيشدِّد باستمرار على أهمِّيَّة السَّلام والعدالة في العالم، معتبرًا الحروب عبثًا مطلقًا ومأساة إنسانيَّة وهزيمة للبشريَّة لا يمكن تبريرها، داعيًا إلى الحوار والتَّفاهم بين الشُّعوب. يرى البابا أنَّ كلَّ إنسان هو عطاء إلهيّ وذلك ما تقوله الأديان، وفي المسيحيَّة هو ابن الله، وبالتَّالي فإنَّ قتل أيِّ شخص هو انتهاك لحرمة الحياة. كما يؤكِّد ضرورة العمل من أجل بناء عالَمٍ أكثر عدلًا ومساواة، حيث يتمتَّع الجميع بحقوقهم الأساسيَّة، بما في ذلك الحقُّ في الحياة.

وهكذا فإنَّ الحروب، أكانت من الطَّبيعة أم لا، هي عبثيَّة لأنَّها لا تحقِّق أيَّ فائدة حقيقيَّة للبشريَّة بل تقضي على الحياة الفرديَّة والثَّقافات لا بل الحضارات، إذْ تدمِّر الممتلكات والبنية التَّحتيَّة، وتقتل الأبرياء، وتشرِّد الملايين، وتؤدِّي إلى الكراهية والانتقام. كما أنَّها تستهلك الموارد الَّتي يمكن استخدامها لتحسين حياة النَّاس. ويبقى القهر على مَن غادروا، ضحايا، من كلِّ وطنٍ وبلاد شاركوا في الحرب، بينما السَّعادة تغمر تُجَّار السِّلاح، وحدَهم، فاقدي الضَّمير والدِّين.

إنَّ الحقَّ في الحياة هو حقٌّ أساسيّ لكلِّ إنسان، وهو حقٌّ غير قابل للتَّفاوض. والحروب هي انتهاك صارخ لهذا الحقّ. فكلُّ إنسان له قيمة وكرامة، ويجب احترامهما.

وبما أنَّ الدِّين والفلسفة يتَّفقان على أنَّ الحروب هي شرّ، وأنَّ السَّلام هو الهدف الأسمى للإنسانيَّة، فعلى الجميع أن يعملوا على إنهاء هذه الحروب بالتَّربية. فالأديان السَّماويَّة تدعو إلى المحبَّة والسَّلام، والفكرُ الإيجابيّ وحده، ضمن الحوار واحترام القانون وأسس العدالة وتهميش العصبيَّات الدِّينيَّة والقوميَّة، يقدِّم إلينا أدوات التَّفكير النَّقديّ لمساعدتنا على فهم أسباب الحروب وإيجاد حلول لها.

 

الأب سليم دكَّاش اليسوعيّ: رئيس تحرير مجلَّة المشرق. رئيس جامعة القدِّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتِّحاد الدَّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز شهادة دكتوراه في العلوم التَّربويَّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، وشهادة دكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السُّوربون 1 (1988)، ويدرِّس فلسفة الدِّين والحوار بين الأديان والرُّوحانيَّة السِّريانيَّة في كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة في الجامعة اليسوعيَّة.

            [email protected]

موقف الكنيسة من الدَّولة بين الرَّفض والقبول- قراءة في خِبرة الكنيسة في القرنَين الثَّاني والثَّالث

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

في القرنين الثَّاني والثَّالث اضْطلعت الكنيسة، الَّتي غالبًا ما يُطلَق عليها اسم «كنيسة الشُّهداء»، بدور حاسم في تحديد علاقتها بالدَّولة. في أثناء تلك الفترة، ورغم أنَّ الكنيسة كانت تُصلِّي من أجل أصحاب السُّلطة، فقد كانت تعارض بشدَّة تلك السُّلطة عندما كانت تطالبُها بعبادة آلهةِ الدَّولة أو الاعتراف بألوهيَّة الإمبراطور. وذلك الموقف الواضح في مواجهة مَطالب الدَّولة عرَّض الكنيسةَ للاضْطهاد، وأشار، بتزايد، إلى الفصل بين السُّلطة الرُّوحيَّة والسُّلطة السِّياسيَّة.

ولكن، إضافةً إلى الموقف المناهض الدَّولة، تُظهر الأدبيَّات المسيحيَّة في تلك الفترة أيضًا موقفًا متردِّدًا تجاه الدَّولة، يتراوح بين القبول والرَّفض. فبعض الكتَّاب المسيحيِّين كان يرَى في الإمبراطوريَّة جزءًا من القصد الخلاصيّ، ما دفع لاحقًا بعضَ المفكِّرين، مثل القدِّيس أوغسطينُس، إلى اعتبار الدَّولة أداةً زمنيَّة في خدمة الكنيسة. وقد مهَّد هذا التَّصوُّر الطَّريق لقرون من حالات الشَّدِّ بين الكنيسة والدَّولة، الَّتي لم تتَّضح معالمها بالكامل إلَّا في المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني. في أثناء هذا المجمع، أعادت الكنيسة تأكيد فصلها عن المجال السِّياسيّ مع الحفاظ على دورها الخُلقيّ والرُّوحيّ، حيث كانت تدعم الدَّولة عندما كانت تحترم واجباتها، وتعارضُها عندما تتجاوزُها.

كلمات مفتاحيَّة: علاقة الكنيسة بالدَّولة – كنيسة الشُّهداء – الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة – قبول الدَّولة – رفض الدَّولة – الفصل بين الدِّين والدَّولة – وظيفة الدَّولة – المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني – الحرِّيَّة الدِّينيَّة.

Le positionnement de l’Église vis-à-vis de l’État entre refus et acceptation
Une lecture de l’expérience de l’Église aux IIe et IIIe siècles

P. Salah Aboujaoudé

Aux deuxième et troisième siècles, l’Église, souvent appelée « l’Église des martyrs », a joué un rôle crucial dans la définition de sa relation avec l’État. Durant cette période, bien qu’elle priât pour les détenteurs du pouvoir, l’Église s’opposait fermement à l’autorité lorsque celle-ci exigeait de vénérer les dieux de l’État ou de reconnaître la divinité de l’empereur. Cette opposition claire face aux demandes de l’État exposait l’Église à des persécutions, tout en marquant une distinction croissante entre l’autorité spirituelle et l’autorité politique. t

Malgré cette résistance, la littérature chrétienne de l’époque montre une attitude ambivalente envers l’État, alternant entre acceptation et rejet. Certains écrivains chrétiens percevaient l’empire comme faisant partie du dessein divin de salut, ce qui a conduit plus tard certains penseurs, comme saint Augustin, à voir l’État comme un outil temporel au service de l’Église. Cette vision a préparé le terrain pour des siècles de tensions entre l’Église et l’État, qui ne seront pleinement clarifiées qu’au concile Vatican II. Durant ce concile, l’Église a réaffirmé sa séparation de la sphère politique tout en conservant son rôle de guide moral et spirituel, soutenant l’État lorsqu’il respectait ses devoirs et s’opposant à lui lorsqu’il les dépassait. t

Mots clés : La relation entre l’Église et l’État – L’Église des martyrs – L’Empire romain – L’acceptation de l’État – Le refus de l’État – La séparation entre la religion et l’État – La fonction de l’État – Le Concile Vatican II – La liberté religieuse. t

الأب صلاح أبو جوده اليسوعيّ: نائب رئيس جامعة القدِّيس يوسف، وعميد كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة. له عدد من المؤلَّفات اللَّاهوتيَّة والسِّياسيَّة الصَّادرة عن دار المشرق، منها السُّنون العجاف – 2018، ومخاض الدِّيموقراطيَّة في لبنان والشَّرق الأوسط – 2014، وهويَّة لبنان الوطنيَّة، نشأتها وإشكاليَّاتها الطَّائفيَّة – 2008.

لويس ماسينيون والقضيَّة الفلسطينيَّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يُلاحَظ صمت نسبيّ من جانب المرجعيَّات الدِّينيَّة الكبرى تقليديًّا، المسيحيَّة والإسلاميَّة، أمام هول العنف واستمراره في الأراضي المقدَّسة. يكرِّس هذا الصَّمت حالة تراجع مطَّرد عن أخذ الجانب الرُّوحيّ لقضيَّة فلسطين بعين الاعتبار من قِبل جهات نفترض أن تكون معنيَّة بمجريات الأحداث؛ فكأنَّ «قضيَّة الأراضي المقدَّسة» لم يعد لها مع القداسة علاقة تُذكر.

شهد موقف لويس ماسينيون (1883-1962) في هذه القضيَّة انقلابًا جذريًّا انتقل من داعمٍ للصُّهيونيَّة إلى مناهض شديد لها، مع احتفاظه بصداقة اليهود واحترامهم شعبًا وديانةً، بينما تبلور موقفه المُطالب بالعدالة ليتأسَّس على البُعد الكتابيّ لمفهوم الضِّيافة ويتغذَّى من إشعاع غاندي (المعاصر له) في مقاومته المدنيَّة اللَّاعنفيَّة من أجل الحقِّ، وفي شهادة حياته وموته.

عبَّر ماسينيون، العارف بتاريخ العرب ولغتهم، وبالإسلام، والمؤمن الكاثوليكيّ الملتزم، والكاهن منذ 1950، في كتابات مختلفة (خصوصًا بين 1948 و1954) عن منظور للقضيَّة الفلسطينيَّة عكس في بعض النِّقاط موقف الكنيسة الكاثوليكيَّة في ذلك الوقت، وهو موقف لزمت الكنيسة الصمت عنه لاحقًا، بينما تجاوزته مقاربة ماسينيون في عمق منطلقها.

أَنشُد من هذه الدِّراسة، ، وبروح الانتماء البنويّ إلى الكنيسة الَّذي به كتب ماسينيون ونشط ونقَد «الغرب المسيحيّ»، إعادة تقديم الرُّوحانيَّة الَّتي أسَّس عليها طروحاته، منذ ثلاثة أرباع القرن، في ظروف شابهت، من نواحٍ عديدة، ظروف اليوم، وكانت مقدِّمة لها؛ لعلَّ في ذلك ما يلهم لدى الكنيسة (قلِ الكنائس) رؤيا، وموقفًا صريحًا، وصادقًا بمسؤوليَّة مع الجميع، أمام ما يقع من أحداث تاريخيَّة بل ربَّما إسكاتولوجيَّة! ودورًا نبويًّا في حمل راية سلامٍ يبقى ممكنًا بحسب رجائها.

كلمات مفتاحيَّة: ماسينيون – الأرض المقدَّسة – فلسطين- إبراهيم – غاندي – ضيافة – لجوء – سلام – الكنيسة.

Louis Massignon et la question Palestinienne

Adib Al Khoury

On note un silence relatif de la part des principales autorités religieuses traditionnelles, tant chrétiennes que musulmanes, face à l’ampleur massive et continue de la violence en Terre sainte. Ce silence perpétue un déclin constant de la prise en compte de l’aspect spirituel de la question palestinienne par des parties que nous supposerions préoccupées par le cours des événements. Tout se passe comme si la « question de la Terre sainte » n’a pas beaucoup à voir avec la sainteté. t

La position de Louis Massignon (1883-1962) sur cette question connaît un changement radical : le partisan du sionisme devient progressivement un farouche opposant, tout en gardant une profonde amitié pour le peuple juif et le judaïsme, tandis que son  attitude réclamant la justice a mûri en se fondant sur la dimension biblique du concept d’hospitalité, et se nourrissant par le rayonnement de Gandhi, son contemporain, dans sa résistance civile non violente et par le témoignage de sa vie et de sa mort. t

Massignon, fin connaisseur de l’histoire des Arabes, de leur langue et de l’Islam, croyant catholique engagé, prêtre à partir de 1950, a exprimé dans divers articles, (surtout entre 1948 et 1954) une approche de la question palestinienne qui a reflété en quelques points les attitudes de l’Église catholique de l’époque (dont elle a ensuite gardé silence), approche qui a dépassé, dans son profond point de départ, ces attitudes. t

À travers cette étude, je cherche, dans un esprit d’appartenance filiale à l’église, à présenter à nouveau la spiritualité sur laquelle Massignon fondait ses propositions, il y a trois quarts de siècle, dans des circonstances qui, à bien des égards, sont similaires à celles d’aujourd’hui et qui en ont été précurseurs. Peut-être cela inspirera-t-il un renouveau de la vision de l’Église (ou des Églises), une attitude franche et amicale envers chacun – une amitié responsable – face aux événements historiques (et peut-être même eschatologiques) qui se produisent, ainsi qu’un rôle prophétique pour porter l’étendard de la paix qui reste possible selon son espérance. t

Mots clés : Massignon – Terre sainte – Histoire – Palestine –Abraham – Gandhi – Hospitalité – Refuge – Paix – Eglise. t

الأستاذ أديب الخوري : باحث، ومترجم، ومدرِّس. مُجاز في الرِّياضيَّات والمعلوماتيَّة من كلّيِّة العلوم – جامعة دمشق. عضو في الجمعيَّة الكونيَّة السُّوريَّة. من منشوراته في التَّرجمة الفرنسيَّة والإنجليزيَّة: أجمل المعادلات الرِّياضيَّة (بيروت: أكاديميا، 1996). ويوميّات القراءة، ألبرتو مانغويل (بيروت: دار السّاقي، 2015). وله أيضًا: تعليم جديد من أجل عالم مختلف (دمشق: معابر، 2015).

[email protected]

المجتمع والدُّستور والدَّولة عند أرنست-فولفغانغ بوكنفوردي

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تناقش هذه المقالة نظريَّة أرنست فولفغانغ بوكنفوردي الدُّستوريَّة . صاحبُها الفيلسوف والدُّستوريّ الألمانيّ، الَّذي يربط البعد الاجتماعيّ السِّياسيّ في قيام الدُّستور بـ «روح الشَّعب»، باعتباره سلطة تأسيسيَّة بأصوات ممثّليها. لكنّ بوكنفوردي يضيف عوامل أخرى في هذه العمليّة، مثل القانون الطَّبيعيّ كمصدر معياريّ. ومن ثمّ يقيم علاقة ديناميكيّة بين الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة والمكوِّنات المجتمعيّة. تسلِّط هذه العلاقة الضَّوء على الدَّور الحاسم للشَّعب في المشاركة السِّياسيَّة الفعَّالة. ووفقًا لهذه العلاقة، ينسب بوكنفوردي إلى الشَّعب سلطة إعادة النَّظر في شرعيّة الدُّستور، مثل تعديله النّسبيّ أو المنهجيّ. وهذا يعني أنّ هذه النَّظريَّة الدُّستوريَّة تضع ثقلها على «روح الشَّعب» بطبيعته التّفاعليَّة وقوَّته التَّأسيسيَّة باعتباره لحظة لا عودة عنها في علاقتها بالدُّستور.

كلمات مفتاحيَّة: الدُّستور – الدَّولة – روح الشَّعب – ما بعد الدَّهرنة – الدَّهرنة – الإرادة السِّياسيّة – العقد الاجتماعيّ – المعياريّ – السُّلطة المُنشِئة - السُّلطة المُنشَأة.

Société, État et constitution chez Ernst-Wolfgang Böckenförde

Théodore Rai

Cet article traite de la théorie constitutionnelle chez Ernst-Wolfgang Böckenförde, philosophe et constitutionnel allemand, qui relie la dimension socio-politique, ou «l’esprit du peuple», en tant que pouvoir constituant par les voix de ses représentants. Mais Böckenförde fait inclure d’autres facteurs à ce processus, comme la loi naturelle comme source normative. Il a donc une relation dynamique entre la légitimité constitutionnelle et les composantes sociétales. Cette relation met en relief le rôle crucial du peuple dans une participation politique effective. D’après cette relation, Böckenförde attribue au peuple un pouvoir de revisiter la légitimité de la constitution, comme son amendement relatif ou systématique. Ceci dit que cette théorie constitutionnelle met le poids sur «l’esprit du peuple» dans sa nature interactive et son pouvoir constituant comme un moment irréversible dans sa relation à la constitution. t

Mots-clés : la constitution – L’État – l’esprit du peuple – post sécularisation – sécularisation – la volonté politique – pacte social – normatif – pouvoir constituant – pouvoir constitué. t

الأستاذ تيودور الرَّاعي: حائز إجازة في العلوم السِّياسيّة والإداريَّة في الجامعة اللُّبنانيَّة، كلِّيَّة الحقوق والعلوم السِّياسيَّة والإداريَّة – الفرع الثَّاني. وهو حاليًّا طالب سنة ثانية دراسات معمَّقة (M2) في العلوم السِّياسيّة في الجامعة نفسها، ويجيد اللّغات: الفرنسيَّة والإنجليزيَّة والألمانيَّة.

[email protected]

دور مدينتَي بيروت واﻹسكندريَّة في تجارة الحرير بين السَّلطنة المملوكيَّة وأوروبَّا

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

إبَّان العصر المملوكيّ، عرفت مدينتا بيروت والإسكندريَّة تطوُّرًا اقتصاديًّا، وكان لهما دور رئيسيّ في تجارة الحرير، إذ إنَّ تصدير الحرير إلى أوروبَّا كان محصورًا بمينائَي هاتين المدينتين فحسب، ما جعلهما مقصدًا للتُّجَّار الأوروبِّيِّين وفي طليعتهم التُّجَّار البنادقة الَّذين نظُّموا خطوطًا تجاريَّة بحريَّة تعمل عليها السُّفن بشكل منتظم لنقل الحرير والتَّوابل من بيروت والإسكندريَّة إلى مدينة البندقيَّة. 

كلمات مفتاحيَّة: بيروت – الإسكندريَّة – الحرير – البندقيَّة – السَّلطنة المملوكيَّة – المودا – البحر المتوسِّط – التِّجارة.

Le rôle des villes de Beyrouth et d’Alexandrie dans le commerce de la soie entre le sultanat mamelouk et l’Europe

Dr. Pierre Moukarzel

À l’époque mamelouke, les villes de Beyrouth et d’Alexandrie ont connu un développement économique. Elles jouèrent un rôle majeur dans le commerce de la soie dont l’exportation vers l’Europe se limitait aux ports de ces deux villes devenues une destination pour les marchands européens, notamment les marchands vénitiens qui organisaient des lignes commerciales maritimes sur lesquelles les navires opéraient régulièrement pour transporter la soie et les épices de Beyrouth et d’Alexandrie vers la ville de Venise. t

Mots-clés : Beyrouth, Alexandrie, la soie, Venise, le sultanat mamelouk, la Muda, la Méditerranée, le commerce.. t

الدُّكتور بيار مكرزل: حائز شهادة الدّكتوراه في التَّاريخ الوسيط من جامعة بواتييه (فرنسا)، معهد الدِّراسات العليا لحضارة القرون الوسطى. ومتخصِّص بتاريخ المماليك (1250-1517) والعلاقات بين أوروبَّا والشَّرق في القرون الوسطى. أستاذ مادَّة التَّاريخ الوسيط في كلِّيَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة (الفرع الثّاني) في الجامعة اللُّبنانيَّة. ومحاضر في جامعات لبنانيَّة وأوروبيَّة.

[email protected]

العمل التَّعاونيّ معيار لفعَّاليَّة التَّعليم في المدارس الرَّسميَّة في لبنان

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يسلِّط هذا النَّصّ الضَّوء على تأثير التَّعاون في التَّعليم استجابةً للتَّحدِّيات المتزايدة الَّتي تواجهها الأنظمة المدرسيَّة. وعلى مدى العقود الماضية، بدأت بلدان عدَّة بتطبيق إصلاحات مدرسيَّة تهدف إلى تحقيق اللَّامركزيَّة في سلطة اتِّخاذ القرارات، وحثِّ الجهات الفاعلة في مجال التَّعليم على اعتماد أشكال جديدة من التَّعاون. وبالتَّالي، يُعتبر العمل التَّعاونيّ أداة أساسيَّة لتحسين نوعيَّة التَّعليم وتحقيق نجاح التَّلاميذ. وتستعرض الدِّراسة، الَّتي تمَّ إجراؤها في لبنان وتشمل مديري المؤسَّسات التَّعليميَّة الثَّانويَّة الرَّسميَّة ومعلِّميها، مختلفَ جوانب هذا التَّعاون، كالالتزام وآليَّات التَّعاون وأنواعه. وتُظهر النَّتائج أنَّ التَّعاون، لا سيَّما عبر الحوار وتبادل الموارد والمسؤوليَّة المهنيَّة، ضروريّ لنموّ المعلِّمين على الصَّعيد المهنيّ والابتكار التَّربويّ. ويحثّ مديرو المؤسَّسات التَّعليميَّة على تطبيق هذه الممارسات ويسلِّطون الضَّوء على أهمِّيَّة استقلاليَّة المعلِّمين واتِّخاذ القرارات الأخلاقيَّة وإدارة النِّزاعات. وتشدِّد هذه الدِّراسة على أنَّ نجاح التَّعليم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإنشاء مجتمع تعليميّ قائم على التَّعاون والالتزام المهنيّ.

كلمات مفتاحيَّة: الالتزام المهنيّ – المسؤوليَّة – البُعد العلائقيّ – المجتمع التَّعليميّ.

Le travail collaboratif, un critère d’efficacité de l’enseignement, dans les établissements publics au Liban

Dr. Talar Oumoudian

Le texte suivant souligne l’impact de la collaboration dans l’enseignement, en réponse aux défis croissants auxquels font face les systèmes scolaires. Ces dernières décennies, de nombreux pays ont initié des réformes scolaires visant à décentraliser le pouvoir décisionnel et à promouvoir de nouvelles formes de collaboration parmi les acteurs de l’éducation. Le travail collaboratif est ainsi reconnu comme un outil central pour améliorer la qualité de l’enseignement et la réussite des élèves. L’étude réalisée au Liban, impliquant des chefs d’établissements et des enseignants de lycées publics, explore divers aspects de cette collaboration, tels que l’engagement, les mécanismes et les types de coopération. Les résultats montrent que la collaboration, notamment par le dialogue, l’échange de ressources et la responsabilité professionnelle, est essentielle au développement professionnel des enseignants et à l’innovation pédagogique. Les chefs d’établissement encouragent ces pratiques en mettant en avant l’importance de l’autonomie des enseignants, de la prise de décision éthique, et de la gestion des conflits. Cette étude souligne que le succès de l’enseignement est étroitement lié à la création d’une communauté d’apprentissage fondée sur la coopération et l’engagement professionnel. t

Mots-clés: engagement professionnel – responsabilité – dimension relationnelle – communauté d’apprentissage. t

الدُّكتورة تالار أموديان: حائزة شهادة الدُّكتوراه في العلوم التَّربويَّة في جامعة القدِّيس يوسف، وموضوعها «الأخلاقيَّات المهنيَّة للمعلِّم». مُدرِّسة مادَّة العلوم الطَّبيعيَّة في ثانويَّة بيت شباب الرَّسميَّة. من أبحاثها المنشورة: «الأخلاقيَّة المهنيَّة للأساتذة»، و«إدماج التِّكنولوجيا في تعليم العلوم الطَّبيعيَّة في الصُّفوف الثَّانويَّة»، و«مرض السُّكّريّ عند الأطفال».

[email protected]

اللَّاأرخيَّة – نحو مصطلحٍ جديد

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تستكشف هذه الدِّراسة مفهوم «الأرخيّة» وضرورة استخدامه، من الآن فصاعدًا، في الفلسفة العربيَّة من خلال تحليل أصول الكلمة اليونانيَّة «ἀρχή» واستخداماتها الشَّائعة في التَّرجمة. يجادل الكاتب بأنَّ التَّعريفات الحاليَّة للأرخيَّة لا تنقل كامل دلالاتها، ويقترح العودة إلى أصل المصطلح اليونانيّ لفهم أعمق. ويُقدِّم الكاتب تعريفًا جديدًا للأرخيَّة كمبدأ أساسيّ يكوِّن الواقع ويمنحه بنيته. وأخيرًا، يسلِّط الضَّوء على أهمِّيَّة هذا التَّعريف الجديد لفهم أبعاد الأرخيَّة وتأثيراتها في الفكر المعاصر بكلِّ أبعاده.

كلمات مفتاحيَّة: أرخيَّة – فوضى- مصطلح – لاسلطويَّة – خاوس.

La-Archia : vers un nouveau concept en arabe

Dr. Frank Darwiche

Cette étude explore le concept d’« archè » et la nécessité de le traduire par « arkhiyya » en philosophie arabe, en analysant les origines du mot grec « ἀρχή » et ses usages courants dans les traductions. L’auteur soutient que les définitions actuelles de l’archè ne rendent pas pleinement compte de ses connotations. Il suggère un retour à l’origine du terme grec pour une compréhension plus profonde. L’auteur propose une nouvelle définition de l’archè en tant que principe fondamental qui façonne la réalité et lui donne structure. Enfin, l’auteur souligne l’importance de cette nouvelle définition pour comprendre les dimensions de l’arkhiyya et ses effets sur tous les domaines de la pensée contemporaine.

Mots-clés : archè arkhiyya – chaos – an-archie – arabe.

الدُّكتور فرانك درويش: أستاذٌ جامعيّ (حاليًّا جامعة برغندي – فرنسا، وسابقًا جامعة البلمند، كلِّيَّة الفنون والعلوم، قسم الفلسفة). باحثٌ في فلسفة هايدغر والوجوديَّة والفِسارة والفِنومِنولوجيا والجماليَّات والفلسفة اللُّبنانيّة. من مؤلَّفاته: (2013) Heidegger: le divin et le Quadriparti، وله العديد من المقالات العلميَّة في الفلسفة الألمانيَّة والفرنسيَّة واللُّبنانيَّة، وترجمات من الألمانيَّة والفرنسيَّة إلى العربيَّة.  قدَّم أطروحته Le divin dans la pensée de Martin Heidegger في جامعة برغندي  (2008)، وصدر له مؤخّرًا: «من الأرض إلى السَّماء: سيزان، كلي وهايدغر»، في المجلَّة العربيَّة للعلوم الإنسانيَّة، العدد 164، 2024؛ وترجمة كتاب فلهلم شميدت – بيغمان، الفلسفة الخالدة: الخطوط التَّاريخيَّة العريضة للرُّوحانيَّة الغربيَّة في العصر القديم والوسيط والحديث المبكِر، بيروت: دار المشرق، 2024.

[email protected]

في الأقانيم والجوهر مقالان ليحيى بن عديّ في التَّثليث والتَّوحيد اختصرهما الصَّفيُّ بن العسَّال

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يضمُّ هذه البحث مقالَين مخطوطَين ليحيى بن عديّ يُنشران لأوَّل مرَّة:

1- مختصَرَ جواب يحيى بن عديّ عن مسائلَ في الأقانيم الثَّلاثة.

2- مختصَرَ مقالةٍ له في جواب مقالة يعقوبَ الكنديّ في الرَّدِّ على النَّصارى، وذلك في سنةِ خمسين وثلاثِمئةٍ.

يتضمَّن البحث دراسةً للمخطوطات ولأسلوب الصَّفيِّ بن العسَّال في التَّلخيص ولمضمون النَّصَّين المختصرَين.

كلمات مفتاحيّة: التَّثليث – التَّوحيد – الجوهر – الأقانيم – الفصل – النَّوع - الواحد – المركَّب.

Les hypostases et la substance Deux traités de Yayā Ibn ‘Adī sur la Trinité et l’Unité résumé par al- afī Ibn al-‘Assāl, t

Dr. Nadine Abbas

Deux textes inédits de Yaḥyā Ibn ‘Adī sont édités dans cette étude : t

1) Le résumé de la réponse de Yaḥyā Ibn ‘Adi aux questions sur les trois hypostases. t t

2) Le résumé du traité de Yaḥyā Ibn ‘Adi en réponse sur le traité de Yaʻqūb Ibn Ishāq al-Kindi sur la Réfutation des chrétiens, publié en l’an 350. t t

Les textes sont précédés d’une étude des manuscrits, du style de résumé d’al-Ṣafī Ibn al-‘Assāl, et du contenu des deux textes résumés. t

Mots-clés : La Trinité – l’Unité – la substance – les hypostases – la différence – l’espèce – l’Un – le composé. t

الدُّكتورة نادين عبّاس: مديرة مركز لويس بوزيه لدراسة الحضارات القديمة والوسيطة في معهد الآداب الشَّرقيَّة – جامعة القدِّيس يوسف في بيروت.
       [email protected]

الخير والنُّور والجمال كأسماء إلهيَّة لدى ديونيسيوس الأريوباغيّ المُنتحِل

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

كثيرًا ما تمَّت دراسة كتابات ديونيسيوس الأريوباغيّ المنتحِل انطلاقًا من الأفكار الفلسفيَّة الَّتي سبقته أو ربَّما المعاصرة له لتبيان تأثيرها في تفكيره، واكتشاف التَّحوُّل الَّذي أجراه ليلائمها مع الإيمان المسيحيّ. لكنَّ هذه الدِّراسات قلَّما أعارت العنصر الدِّينيّ، والخبرة الرُّوحيّة الَّتي يصبو إلى إبرازها، انتباهًا كافيًا. في هذه الدِّراسة، سوف يتمُّ عرض أفكار ديونيسيوس في جدليَّة الاسم الإلهيّ وتكشُّفات الذَّات الإلهيَّة في أسماء الخير والنُّور والجمال وعلاقتها بعضها ببعض.

كلمات مفتاحيَّة: الخير – النُّور – الجمال – يهوه – اسم إلهيّ – ارتقاء.

Le Bon, la Lumière et la Beauté comme Noms Divins
selon Pseudo-Denys l’Aréopagite

P. Sami Hallak

Les écrits du Pseudo-Denys l’Aréopagite ont souvent été étudiés en relation avec les concepts philosophiques ultérieurs, ou peut-être de son temps, pour montrer leur influence sur ses écrits, les modifications qu’il a entreprises pour adapter ces pensées à la foi chrétienne. Cependant, ces études ont rarement attiré suffisamment l’attention sur l’aspect religieux et l’expérience spirituelle qui l’ont poussé à mettre en valeur son étude. Nous présenterons ici les idées de Denys sur la dialectique du « nom divin » et les révélations de l’Être Divin dans les noms du Bien, de la Lumière et de la Beauté et leurs interrelations.

Mots clés : Bon – lumière – Beau – Jéhovah – nom divin – ascension.

الأب سامي حلَّاق اليسوعيّ: كاتب وباحث، ومدرِّس في جامعة القدِّيس يوسف – بيروت. له مؤلَّفات وترجمات عدَّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيَّة في مجلَّة المشرق.

[email protected]

Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux Régionaux

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

Salah Aboujaoudé S.J. t

Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux régionaux

1ère édition, 204 p. Beyrouth : Dar El Machreq, 2024

ISBN: 978-2-7214-7120-8

جميل أن تهتمّ الجماعات والرَّهبانيَّات والجامعة الخاصَّة بالشَّأن العامّ في لبنان لأنَّ معظم الجامعات اللُّبنانيّة أضحت معولمة، وتُعنى بتخريج أفواج من الطُّلَّاب المؤهَّلين للعمل في الخارج. والأجمل أنَّ أحد هؤلاء الرُّهبان الأب اليسوعيّ الدُّكتور صلاح أبو جوده، وهو مؤلِّف هذا الكتاب الَّذي نسعى إلى مقاربته، يجهد بمختلف الوسائل من أجل إيجادِ صيغةٍ صالحة لإرساء الاستقرار ومن ثمَّ الرَّخاء في لبنان. ولكنَّ المؤلِّف ما يلبث أن يجدَ نفسه في صميم صراع الآلهة – بحسب تعبير الجنرال شارل ديغول – ومصالح الجماعات وصراع الأصوليَّات والصِّراعات الإقليميَّة على السَّاحة اللُّبنانيّة. اصطدمَ الكاتب بمقولة جورج نقَّاش التَّاريخيَّة والَّتي أدخلته يومها إلى السِّجن: «مضادَّان لا يبنيان أمَّة»  (Deux négations ne font pas une nation).

في الكتاب يطرح المؤلِّف دور الطَّائفيَّة وتأثيرها في مفهوم الدَّولة المُعاصرة، مُشدِّدًا على وجوب أن تندرج حقوق الطَّوائف في نطاقِ مصلحةِ الوطن.

«Cette pratique politique est forcément source de conflit et de problème. D’abord, elle est conflictuelle, car elle crée une situation de confrontation permanente entre les représentants des confessions les plus puissantes sur la base de la lutte pour les droits confessionnels au pouvoir. Cependant, les confessions moins puissantes se sentiront marginalisées et lésées… Mais comme il est difficile voire impossible de définir le bien d’une confession dans le contexte libanais, cette revendication se voit réduite aux intérêts personnels des dirigeants qui d’une certaine manière se transforme en symbole sacré des droits de leur confession»[1]. t

نتيجة لذلك، نشأت ديناميَّة صراعِ الطَّوائف الَّتي نظرت إلى مصلحة الطَّائفة قبل مصلحةِ الوطن. وقد دفعت النُّخب الفكريَّة ثمنًا باهظًا لهذا الصِّراع، بحيث أصبحت المراكز العامَّة حكرًا على المتشدِّدين والمتعصِّبين، وهم غالبًا لا يملكون الكفاءة، على حساب أهل العلم والاختصاص والنَّزاهة.

عوَّلَ المؤلِّف على ثورة السَّابع عشر من تشرين الأوَّل من العام 2019، وعلى دور الشَّباب في إحداث التَّغيير المنشود ولكن من دون طائل. انتهت الثَّورة كما ظهرت سريعًا، وعادت الإقطاعيَّات السِّياسيّ ة إلى سابق عهدها.

أثار المؤلِّف أيضًا موضوع التَّحالفات غير الطَّبيعيَّة بين مختلف الأحزاب السِّياسيَّة، والَّتي لم تُسفِر عن أيّ نتائج إيجابيَّة على الصَّعيد الوطنيّ. وهذا الأمر ليس غريبًا، حيث المصالح تتقدَّم على المبادئ، فالمصالح دائمة والصَّداقات مؤقَّتة،[2] وطرحَ بالمقابل موضوع تعميم الدِّيموقراطيَّة حلًّا للمعضلات المذهبيَّة والطَّائفيَّة المتحجِّرة.

«Quelle issue pour le Liban? Le début d’un changement résiderait dans l’acceptation d’une critique objective des expériences historiques des différentes confessions et de leurs doctrines théologico-politiques à la lumière des exigences de l’État démocratique; cela reste évidemment un défi énorme. Pourtant une deuxième issue existe aussi: c’est la diffusion systématique de la culture démocratique déjà présente dans la société libanaise»[3]. t

وللأسف الشَّديد، أظهرت تجربة الدِّيموقراطيَّة في العالم العربيّ من خلال «الرَّبيع العربيّ» خيبة أملٍ كبيرةٍ، بحيثُ إنَّ هذا الرَّبيع لفظَ أنفاسَهُ الأخيرة مع عودة ظاهرة الانتخابات الرِّئاسيَّة بمعدّلاتٍ تفوقُ التِّسعين بالمئة. أمَّا أسباب فشل هذه التَّجربة الفريدة، الَّتي لن تتكرَّر قبل وقتٍ طويلٍ، فتعود إلى أسباب ذكَرها الكاتب، وتعود إلى دور الدِّين في العالم العربيّ وتحكُّمِ الطَّبقات السِّياسيَّة (المتسلِّطة) وخوف الطَّبقات المتوسِّطة، الَّتي تُمثِّلُ الأمل الوحيد في التَّغيير، من التَّداعيات الفكريَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة على واقعها. وقد تخاذلت النُّخب الفكريَّة أمام الحركات الدِّينيَّة المتطرِّفة وأقنعت نفسها بما أطلقت عليه لقبَ الاعتدالِ الدِّينيّ الَّذي لا يُغيِّرُ شيئًا من واقعِ الحال[4]. وحاول المؤلِّف في مقاربتهِ النَّقديَّةِ إيجاد الحلّ من طريق الاستشهاد بالإرشاد الرَّسوليّ الَّذي أصدره البابا الرَّاحل القدِّيس يوحنَّا بولس الثَّاني:

«Parce qu’il est composé de plusieurs communautés humaines, le Liban est regardé par nos contemporains comme une terre exemplaire. En effet, aujourd’hui comme hier, sont appelés à vivre ensemble, sur le même sol, des hommes différents sur le plan culturel et religieux, pour édifier une notion de dialogue et de convivialité et pour concourir au bien commun»[5]. t

إنَّ نظرة نقديَّة إلى هذه الدَّعوة تُظهر أنَّ الطَّوائف اللُّبنانيّة تتعايش بشكلٍ جميلٍ على صعيد العمل، والعلاقات الاجتماعيَّة، ولكنَّ الأمور تتعقَّد كثيرًا عندما تصل إلى النَّواحي الدِّينيَّة والسِّياسيّ ة حيثُ تظهر خلافات جذريَّة بشأن الهويَّة الوطنيَّة.

ويرى المؤلِّفُ أنَّ الإرشاد الرَّسوليّ يدعو إلى التَّرقّي إلى حدود العمل للمصلحة العامَّة (bien commun) الَّذي هو مصدر شرعيَّة السُّلطة السِّياسيّ ة والأخلاقيَّة، والخضوع لدولة القانون.

«Somme toute le bien commun a pour fin et la personne et l’ensemble des hommes. En se souciant donc du bien de «tous», le bien du «particulier» n’est pas nié, bien au contraire, il se réalise pleinement dans le bien de tous. En dehors de ces fondements, toute pratique politique n’est qu’un malheur!»[6]. t

وبينما يشدِّد المؤلِّف على دور المواطنة في تحقيق الخير العامّ، تظهر مرَّة أخرى إشكاليَّة تحديد الهويَّة الوطنيَّة الَّتي نصَّ عليها الميثاق الوطنيّ، والَّتي عدَّلها اتِّفاق الطَّائف. وهنا نتساءل كيف يمكن وطنًا أن يكون ذا وجهٍ عربيٍّ ويُصبحَ عربيًّا أصيلًا في أقلّ من خمسين عامًا؟

مرَّة أخرى لم يتراجع المؤلِّف أمام صعوبة «الحالة اللُّبنانيّة» داعيًا إلى تحقيق العقل والمنطق وحُسن النَّوايا لإيجاد صيغة تعايش وطنيّ تخدم الإنسان.

«Cette évolution peut-être réalisée principalement par une critique objective, scientifique et audacieuse de l’histoire négative qui lie les différentes confusions ainsi que des conséquences néfastes de la coexistence actuelle»[7]. t

وفي إطار استشرافه الواقع اللُّبنانيّ، استعرضَ الكاتب، بمقاربة نقديَّة ثاقبة وبعيدًا من المجاملة، واقع الإسلام السِّياسيّ في المنطقة بدءًا من ابن تيميَّة حتَّى الثَّورة الخمينيَّة في إيران، مُظهرًا التَّحدِّيات الَّتي واجهت، وما تزال، العالمَ الإسلاميّ منذ البداية وإشكاليَّة العلاقة بين التَّقليد والحداثة، ودور الدِّين على الصَّعيدَين الشَّخصيّ والسِّياسيّ ، رابطًا التَّجدُّد الإسلاميّ بمقاربة الواقع الإسلاميّ النَّقديَّة من مختلف جوانبه.

«Quelle que soit la forme qu’il revit, l’islam politique est principalement une réaction, à la fois, à la modernité occidentale à la suprématie et à la politique étrangère, d’une part, et à l’échec politique des régimes locaux dans tous les domaines, d’autre part. Cependant, en tant que mouvement intellectuel, l’islam politique est resté prisonnier du cadre traditionnel de la pensée religieuse islamique. Or, aucune rénovation ou modernisation ne peut être obtenue sans une critique sérieuse de l’éthos islamique, c’est-à-dire l’ensemble des croyances des idéaux et des modèles de comportement qui forment l’esprit des gens»[8]. t

إنَّ إشكاليَّة بناء الدَّولة الحديثة مطروحة منذ استقلال بلدان العالم الثَّالث منذ أواخر خمسينيَّات القرن الماضي وصولًا إلى اليوم. وخلاصة القول إنَّ معظم هذه الدُّول أصبحت دولًا مارقة (failed states) ولم تتمكَّن من تأمين مستوى لائقٍ لمواطنيها. ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ أنماط تقدُّم الدُّول مرتبطة بالنَّموذج الأوروبيّ والغربيّ الَّذي تُجسِّده أدبيَّات العالِم الألمانيّ ماكس فيبير Max Weber الَّذي تحدَّث عن البيروقراطيَّة والتَّسلسل العاموديّ للدَّولة من الأعلى إلى الأسفل، والحياد الوظيفيّ، وهي غير متوافرة في بلدان العالم الثَّالث، حيث تسود العصبيَّة والقبليَّة وحُكمُ الأقليَّة المتسلِّطة على موارد الدَّولة للأكثريَّة. وعلى الرُّغم من وجود طبقة مثقَّفة وراقية في لبنان، فالوضع لا يختلف كثيرًا عن واقع الإدارة العامَّة مع معظم الدُّول النَّامية. أمَّا الأسباب فهي متنوِّعة، وأبرزها جنوح نظام التَّعليم في مختلف مراحله باتِّجاه القطاع الخاصّ، وإهمال كلِّ ما يتعلَّق بالقطاع العامّ الَّذي يُنظَر إليه بدونيَّة. لم تستطع هذه النُّخب الجامعيَّة أن تفهم أنَّ نجاح القطاع الخاصّ مرتبط بنجاح القطاع العامّ وثباته.

لقد طرحَ المؤلِّف الأب أبو جوده حلولًا عديدة للنُّهوض بالدَّولة وبالوطن، منطلِقًا من تعاليم الكنيسة والسِّينودس والتَّحليل العقلانيّ في مقاربةٍ مِلؤها الإيمان والمهنيَّة والعقلانيَّة ومحبَّة الغير والإخلاص للوطن. بيد أنَّ الطُّروحات تسقط أمام قلاع الجهل والتَّخلُّف والأنانيَّة ومصالح الطَّبقة الحاكمة والفاسدين والمُفسدين، مع ملاحظة أنَّ طروحات العلمانيَّة والقوميَّة العربيَّة والثَّورات الإسلاميَّة على نمط «الإخوان المسلمين» أو «الثَّورة الخمينيَّة» في إيران لم تؤدِّ إلى نهوض هذه الدُّول بل ازدادت تخلّفًا بالمعنى الحضاريّ للكلمة وتراجَع مستوى المعيشة فيها، وازدادَ شعور مواطنيها بالقهر الَّذي دفع بِخيرة الأجيال إلى الهجرة نحو الغرب، واضعين معارفهم وعلومهم في خدمة هذا الأخير. كما أنَّه لا يمكن تجاهل تأثير الدُّول الإقليميَّة السَّلبيّ في السَّاحة اللُّبنانيّة، حيث سارعت معظم الجماعات (communautés) اللُّبنانيّة إلى التَّودُّد إليها سعيًا إلى كسب صداقتها، وتوظيف ذلك في زيادة نفوذها في لبنان على حساب الجماعات والطَّوائف الأخرى في الوطن.

وفي هذا الإطار، فإنَّ الحلول قد تكون «عمليَّة» وليس أيديولوجيَّة. فاتِّفاقيَّة الطَّائف نصَّت على اعتماد اللَّامركزيَّة الإداريَّة على صعيد القضاء، والَّتي تشكِّل – بعكس الفيدراليَّة – مدخلًا لتخفيف الصِّراع والتَّشنُّج بين مختلف الطَّوائف في لبنان، لأنّه توجد ضرورةٌ ملحَّة إلى التَّخفيف من المركزيَّة الشَّديدة الَّتي تُعطِّل أقلّ القرارات أهمِّيَّة من خلال إدخالها في آتون الصِّراع بين هذه الطَّوائف على السُّلطة. أضف إلى ذلك أنَّ المسألة اللُّبنانيّة مرتبطة بقيام صحوة إسلاميَّة مُعاصرة عقلانيَّة ونقديَّة صارمة تُعيد قراءة الماضي في ضوء الواقع الحضاريّ المُعاصر. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ العمل من أجل تحديد الهويَّة الوطنيَّة اللُّبنانيَّة وقيام المواطَنة الصَّالحة يبقى من المحطَّات الرَّئيسة للإصلاح السِّياسيّ في لبنان.

يزخر الكتاب بالكثير من التَّحليلات العميقة والدَّقيقة، وأكثر ما نستشفُّه منه السَّعي الدَّؤوب لاستشراف الواقع اللُّبنانيّ، وإيجاد حلول تدفع بهذا الوطن نحو التَّقدُّم والرُّقيّ بحيث يُصبح وطنًا للإنسان وللإنسانيَّة.

[1]       Salah Aboujaoudé, Le Liban en turbulence : Naviguer entre identités confessionnelles et enjeux régionaux (Beyrouth: Dar El Machreq, 2024), p. 44. t

[2]      We have no permanent friends, we have no permanent enemies. We have permanent interests, https://www.quotetab.com/quotes/by-benjamin-disraeli. t

[3]       Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.61. t

[4]       إشارة هنا إلى أنّ العديد من طلَّاب الدُّكتوراه العرب، الَّذين أشرف على أطاريحهم، يعارضون الدِّيموقراطيَّة، مفضِّلين عليها الأنظمة الدِّيكتاتوريَّة البائدة.

[5]       Exhortation apostolique signée par Jean Paul II, citée dans: Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.44. t

[6]       Aboujaoudé, Le Liban en turbulence, p.45. t

[7]       Aboujaoudé, ibid., p.14. t

[8]       Aboujaoudé, ibid., p.150. t

 

الدُّكتور جورج لبكي: رئيس مجلس إدارة ومدير المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز شهادة دكتوراه في القانون من السُّوربون، وأخرى في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس XII. من مؤلَّفاته باللُّغة الفرنسيَّة: أنثولوجيا، والأدب اللُّبنانيّ باللُّغة الفرنسيَّة، ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.

[email protected]

دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة- طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب غي سركيس ولينا حوَّاط

دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة –
طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة

 ط.1، 136ص.، بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-1221-8

يطرح الأب غي سركيس والدُّكتورة لينا إسكندر حوَّاط في كتابهما دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة إشكاليَّة العبور إلى أرض منهجيَّة متجدِّدة في اختصاصهما اللَّاهوت والفلسفة. إذ إنَّ البحث في النُّظم العامَّة للمنهجيَّة في الاختصاصات المختلفة سيؤدِّي حتمًا إلى إثارة جدليَّةٍ لن تنتهي، ولن توصل إلى أرض ميعاد، بل سيرى الجميع هذه الأرض ولن يدخلوها. لعلَّ هذا المأزق هو الذي دعا مشير باسيل عون، في تقديمه الكتاب، إلى حمل صليب المساءلة في مشكلة المنهجيَّة، ولعلَّه سيلتقي بأكثر من «سمعان القيرواني» يحملون معه ثقل هذه المنهجيَّة الَّتي «تُعاني من لزوجة التُّربة ورخاوة المسار وليونته» (ص.6)، وهي ما زالت في دراساتنا تبحث عن قيامة مرجوَّة في تخبُّطٍ واضح باستخدام الوافد إلى اللَّاهوت والفلسفة من دون مراعاة إبداع عمليَّة «التَّوفيق بين موضوعيَّة البحث العلميّ وذاتيَّة الاختبار الإيمانيّ» ( ص.6).

يشير الكاتبان إلى «أنَّ الغاية من هذا الكتيِّب – الدَّليل هي المساعدة على إعداد البحث العلميّ القصير، فلا يرى الطَّالب، بعد ذلك، في هذا النَّاشط دربَ جلجثة أو جاثومًا، بل مناسبة للنُّضوج في مسيرته الدِّراسيّة» (ص.19) من هنا يقوم الكتيِّب على منظومة منهجيَّة تضع المرجع في المتن، وتتوسَّع في الحواشي، ويعتمد من الصَّفحة الأولى على المراجع الأجنبيَّة، كما في تعريفه البحث العلميّ بـ «إنَّه عرض تدريجيٌّ ودقيق ومترابط». (روس 2017 ، 101) (ص.15). قسّم المؤلِّفان الكتيِّب إلى:

– المرحلة التَّمهيديَّة: تمَّ فيها تبرير هذه المنهجيَّة التَّوضيحيَّة في مجال اللَّاهوت والفلسفة، بدءًا من لاهوتيِّين كتوما الأكويني، انتهاءً بفلاسفة: كأفلاطون، وكانط، وهيجل، وماركس، ونيتشه وغيرهم (ص.17)، وتحليل ذلك عبر «انتقاءِ مقتطفات من كتاب مدخل إلى العقيدة المسيحيَّة للأب توماس ميشال اليسوعيّ وهي مجموعة محاضرات ألقاها في كلِّيَّة الشَّريعة الإسلاميَّة بأنقرة» (ص.20). توصيفًا لهذه المرحلة التَّمهيديَّة عرض المؤلِّفان، شرحًا مسهبًا، النِّقاط التَّقليديَّة الرُّوتينيَّة للبحث لدى الطَّالب: إعداد الجدول الزَّمنيّ (ص.21)، اختيار الموضوع (ص.22)، متلائمًا مع قدرات الطَّالب العلميَّة (ص.24)، الإشكاليَّة والسُّؤال الرَّئيس (ص.25)، نماذج عن طرح الإشكاليَّة (ص.30). وحسنًا فعل المؤلِّفان في عدم استخدام «هل» في أمثلة طرح الإشكاليَّة على شكل سؤال (ص.30 و31 و32)، لأنّ «هل» حرف استفهام لطلب التَّصديق الإيجابيّ، أي: إدراك النِّسبة الإيجابيَّة، ويُجاب عنه بـ «نعم» أو «لا»، لكنَّهما عادا واستخدماه (ص.46).

هذا وتُقدِّم المرحلة التَّمهيديَّة أيضًا مصطلحات اللَّاهوت والفلسفة بين السِّمات المشتركة والسِّمات الخاصَّة به (ص.35)، وكيفيَّة جمع المصادر والمراجع (ص.37) وما اصطُلح عليه بمصطلح «التَّقميش»، إلى جانب اعتماد المنهجيَّة (ص.39)، مع الانتباه إلى أنَّ المؤلِّفَين استخدما مصطلح المقارنة (ص.40)، على أنَّها بين نصَّين لكاتبين مختلفَين في الهويَّة واللُّغة، مع توضيح ما جاء عند أبي القاسم الآمدي (توفّي 370 هـ. – 980م.) في كتابه «الموازنة»، وهي ما بين كاتبين من هويَّة واحدة ولغة واحدة، ويُنهي المؤلِّفان هذه المرحلة بوضع الطَّالب تصميم بحثه (ص.43).

– مرحلة التَّدوين: من المتَّفق عليه أنَّ المقدِّمة تتضمَّن: عرض الموضوع،  والإشكاليَّة (ص.94)، والإعلان عن السُّؤال الرَّئيس، وتعريف المصطلحات (ص.50)، وشرح المنهجيَّة (ص.51). ثمّ يأتي التَّوسيع، حيث يرى المؤلِّفان وغيرهما «ضرورة توزيع جسم البحث بالتَّساوي بين الأقسام، لأنَّ غياب التَّناسق في الأحجام علامة ضعف في الهيكليَّة» (ص.53). هذه مساحة خلاف بين العاملِين في المنهجيَّات، إذ لا يرَون في هذا التَّقسيم المتوازن ضرورة إلزاميَّة، بل يعود حجم كلِّ قسم إلى ما يطرحه مستقلًّا عن الأقسام الأخرى، وقد يزيد أو ينقص بحسب قابليَّة التَّوسُّع في مفاصله. أمَّا الخاتمة فتقوم على «التَّذكير بالسُّؤال الرَّئيس، والخطوط العريضة، وتقييم النَّتائج، واقتراح مسألة أو الإشارة إلى توصيات ترسم آفاقًا جديدة (ص.57) مع إيراد قائمة المصادر والمراجع (ص.59)، من دون الإشارة إلى الفهارس العلميَّة الباقية كفهرس الآيات، أو الأشعار، أو الأعلام، وهذا يعود طبعًا إلى أساليب المنهجيَّة المتَّبعة المتنوِّعة في الجامعات المختلفة. لقد أشار المؤلِّفان إلى ذلك التَّنوُّع المنهجيّ في ذكرهما طرقَ توثيق المصادر كنظام هارفرد بعلم الاقتصاد وبالجامعات البريطانيَّة، وجمعيَّة علم النَّفس الأميركيَّة APA بالعلوم الاجتماعيَّة، ونظام فانكوفر بالطُّبّ، ونظام شيكاغو بالعلوم الإنسانيَّة، ونظام جمعيَّة اللُّغة المعاصِرة بدراسة اللُّغة والأدب MLA (ص.59).

قام المؤلِّفان بوضع مجموعة من الإرشادات في الأسلوب والمضمون، الأسلوب الأكاديميّ (ص.67)، النّفَس النَّقديّ (ص.68)، بنية المقطع (ص.73)، الاقتباس والاستشهاد (ص.77)، ترك الاختيار بين كتابة الحاشية في أسفل الصَّفحة أو في المتن (ص.78)، الانتحال (ص.81)، التَّرقيم / التَّرفيد (ص.83)، [التَّرفيد هو وضع علامات اصطلاحيَّة في الكتابة لترفد المعنى وترفع عن النَّصّ اللُّبس والغموض]، أدوات الرَّبط المنطقيّ (ص.86)، الحاشية السُّفليَّة (ص.87)، التَّدقيق (ص.91)، قواعد طباعة النَّصّ (ص.91)، التَّسطير (ص.92)، وهي مفردة تقابِل المفردة المتداوَلة: التَّرصيف JUSTIFY، ومعناه انتظام نهايات الأسطر، والتَّرتيب في صفٍّ واحد، إضافةً إلى ملاحق لنماذج عن البحث العلميّ أو المقالة العلميَّة (ص.80).

لقد أشار المؤلِّفان إلى موضوع استخدام الطَّالب لمفردتَي «الأنا» و«النَّحن» (ص.88)، وفعلًا هذه تشكِّل مشكلة خلافيَّة. حاول المؤلِّفان تقديم صيغة متعدِّدة لأماكن استخدام هذَين الضَّميرَين، ولكن سيبقى النِّقاش دائرًا بشأن هذا الاستخدام، وقد يرد بحدَّة عند بعضهم. لربَّما من الأفضل عدم مساءلة الطَّالب في استخدام هذين الضَّميرَين لصعوبة معالجة المواقف المتعدِّدة. يبقى أخيرًا لفت الطَّالب إلى ضرورة كتابة آيات الكتاب المقدَّس والقرآن الكريم ( ص.81) وَفْق ما جاء في البرامج الإلكترونيَّة لنقل هذه الآيات كما هي، كي لا يقع الطَّالب في أيِّ خطأ نحويّ أو طباعيّ، إذا اعتمد أسلوب الطِّباعة اليدويّ العاديّ في كتابتها.

ختامًا، هو دليل يجمع بين النَّظريَّة والتَّطبيق، وفق خبرة المؤلّفَين الواسعة في مجال البحث العلميّ والتَّدريس الأكاديميّ لإعداد البحث العلميّ في مجالات العلوم الإنسانيَّة، مع تركيز خاصّ على العلوم الدِّينيَّة والفلسفة واللَّاهوت.

الدُّكتور جان عبد اﷲ توما: حائز شهادة دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها من الجامعة اللُّبنانيَّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدِّيس يوسف، واللُّبنانيَّة، وسيِّدة اللَّويزة، ويشغل منصب رئيس قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة الجنان. له تسعة عشر إصدارًا من كتب أدبيَّة، وشعريَّة، وروايات، ودراسات تربويَّة، وتحقيق مخطوطات.

       [email protected]

مَيمَر في الحُرِّيَّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

ثاودورُس أبو قُرَّة

مَيمَر في الحرِّيَّة

قدَّم له الأب پيير مصري
ط.1، 94 ص. بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤
ISBN : 978-2-7214-5668-7

ثاودورُس أبو قرَّة المولود في الرُّها، هو أحد آباء الكنيسة الَّذي عاش ما بين أواسط القرن الثَّامن وأوائل القرن التَّاسع. اعتنق الحياة الرَّهبانيَّة في دير مار سابا (فلسطين) ثمّ أصبح أسقف حرَّان (تركيَّا حاليًّا) الملكيّ. كتب مؤلَّفاتٍ في اللُّغتَين العربيَّة واليونانيَّة للدِّفاع عن الإيمان المسيحيّ في وجه المسلمين واليهود والمانويِّين، وعن التَّعاليم الخلقيدونيَّة في وجه النَّساطرة والمونوفيزيِّين (أو أصحاب المشيئة الواحدة).

في هذا المَيمر – أو القصيدة التَّعليميَّة – المُدَوَّن بالعربيَّة والأوسع شهرةً من بين مؤلَّفاته، يدافع عن الموقف المسيحيّ في مسألة العلاقة بين قدرة الله وإمكانيَّة الإنسان على الاختيار، وكان «أوَّل من استخدم في اللُّغة العربيَّة لفظة الحرِّيَّة بالمدلول الشَّخصيّ، لا الاجتماعيّ» (ص.٦).

في الجزء الأوَّل، ينتقد القائلين في «الجبل»، أي أنَّ الله الخالق لم يمنح الإنسانَ الحرِّيَّة أو القدرةَ على الاختيار. يسأل الكاتبُ كيف يكون الله عادلًا في دينونة المخلوق إذا كانت حياةُ هذا الأخير مرسومةً مسبقًا؟ فيجيب في تشبيهٍ للدَّلالة على تفاهة آراء مخاصميه: «ما هذا إلَّا كمن يقول للحمار: يا حمار، طِرْ مُحلِّقًا في الجوّ كما يطيرُ العقابُ. فإذا لم يفعل ذلك، ضربه» (ص.٥٠). في الجزء الثَّاني، ينتقد أتباع ماني المُنادين بالقهر، أيْ أنّ «الجسد قد غلب على النَّفس وقهرها» (ص.٥٨)، فأصبحت مُضطرَّة إلى اتِّباع شهواته. وفي هذه المسألة، يرتكز المؤلِّفُ على عدالة ﷲ الَّذي أمر الإنسانَ بالخير ونهاه عن الشَّرّ. إذا كانت النَّفس عاجزةً عن الامتناع عن الشَّرّ، فالأمر يشبه «رجلًا عمد إلى عُقابٍ قد أُوثقت أجنحتُه بالحبال الثَّخينة إلى جنبه، فقال له: طِرْ! من غير أن يفكَّ عنه وِثاقَه» (ص.٥٩). في مقاربته يعتمد أبو قرَّة أوّلًا على الكتاب المُقدَّس، ويلجأ أيضًا إلى الصُّور الشِّعريَّة والفكاهة، ولا بدَّ للقارئ من أنْ يلمس شغفه بالإيمان بالمسيح. إنّها فرصةٌ ليكتشف القارئ العربيّ نصًّا مميَّزًا من التُّراث العربيّ المسيحيّ.

أمَّا أهمِّيَّة المؤلَّف فليست في مضمون صفحاته وحسب، بل في الدَّافع إلى طباعته. فهو نُشرَ في السَّابق مرَّتَين: المرَّة الأولى على يد الأب قسطنطين الباشا في العام ١٩٠٤، والثَّانية على يد الأب سمير خليل في العامَين ٢٠٠٥ و٢٠٠٦. أمَّا الطَّبعة الثَّالثة فحقَّقها وقدَّم لها الأب پيير مصري، خادمُ رعيَّة الملاك ميخائيل للرُّوم الكاثوليك في حلب، والباحث في حقل التُّراث العربيّ المسيحيّ، والأستاذ في جامعات عديدة. في الدِّراسة التَّمهيديَّة (ص.٥-٣٩)، فسَّر الأب مصري، الَّذي راجع المخطوط الأقدم في دير القدِّيسة كاترينا، الحاجة إلى طبعةٍ جديدة «لأنَّنا لا نزال نفتقر إلى نصٍّ مُحقَّقٍ بحسب القواعد المنهجيَّة لتحقيق المخطوطات العربيَّة» (ص.٩)، فإنَّ الأب الباشا لم يتردَّد مثلًا في تغيير النَّصّ الأصليّ بالحذف أو الإضافة أو التَّعديل في الصِّياغة أو تبديل المفردات. كشف الأب مصري عن التَّغييرات في نسخته وبرَّر خياراته في حالات التَّردُّد بين كلمتَين (مثلًا: بين الجَبْر والجَبْل، وبين صِبْغة أو صُنْعة) «من دون أن يعني ذلك نفي إمكانيَّة صحَّة القراءة السَّابقة» (ص.٢٨)، فأظهر في مبادرته في آنٍ عن الصَّلابة الأكاديميَّة في طلب الدِّقَّة العلميَّة، وعن تقدير أعمال مَن سبقوه من دون غضّ الطَّرف عن نواقصها، فكان نموذجًا في البحث الجدِّيّ عن الحقيقة.

الأب غي سركيس: حائز درجة الدُّكتوراه في اللَّاهوت من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدِّيس يوسف، والحكمة. وهو كاهن في أبرشيَّة بيروت المارونيَّة. له مجموعة من المؤلَّفات الدِّينيَّة والتَّأمُّليَّة والفكريَّة في اللَّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسَّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث – النَّشاط اللَّاهوتيّ في المسيحيَّة، ودروس من الهرطقات، ودليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة).

[email protected]

فقر الرُّوح – ألم البشر وآلام المسيح

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يوهان بابتيست ماتس

فقر الرُّوح، ألم البشر وآلام المسيح

تعريب الأب باسم الرَّاعي
ط.1، 88 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-5667-0

 

كُتيِّب صغيرٌ في حجمه، ثقيلٌ في مضمونه. جان بابتيست ماتس لاهوتيّ ألمعيّ مشهور، خصوصًا في مجال اللَّاهوت السِّياسيّ . وهذا الكتاب يضمّ نصَّين له. يقدِّم ماتس نصَّه الأوَّل الَّذي عَنونه: «فقراء الرُّوح» على النَّحو الآتي:

«هذا الكتاب هو بمثابة اختبار، بحكم أنَّه يجمع بين دفَّتيه نصَّين يعودان إلى ما يناهز الخمسين سنة، يمثِّلان بعضًا من منعطفات مسيرتَي اللَّاهوتيَّة، وهما من طبيعةٍ روحيَّةٍ تأمُّليَّةٍ صرفة، تتشابك فيهما وفي كلّ واحدٍ منهما خبرة الإيمان واللَّاهوت» (ص.19).

صدر هذا النَّصّ لأوَّل مرَّة في العام 1961، والنَّصّ المترجم إلى العربيَّة هو نسخة معدَّلة قام الكاتب بتعديلها لاحقًا، فحذف فيها «مبدأين قريبَين من سلوكٍ فرِّيسيٍّ – مسيحيٍّ نمطيّ» (ص.20).

أمَّا النَّصّ الثَّاني فهو أحدث، وتعود جذورُه، بحسب ما يقوله الكاتب، إلى العام 2006، وعنوانه «الألم والآلام» (العنوان في الطَّبعة العربيَّة: ألم البشر وآلام المسيح).

يبدأ النَّصّ الأوَّل بقصَّةِ تجارب يسوع كما وردت في إنجيل متَّى، ليعالج بعدها مسألة الوجود، والكينونة، والحرِّيَّة. عناصر ثلاثة موجودة في الإنسان في حالة صراعٍ غالبًا. فمِن تجارب يسوع يستخلص الكاتب صراع الإنسان مع ذاته ومع ﷲ بسبب صراع العناصر الثَّلاثة الآنف ذكرها؛ الإنسان يريد أن يكون محورًا لذاته، فيقع في فقرٍ مدقع. وبالمقابل، يقدِّم الكاتب يسوع، الشَّخص الَّذي اقتبل ذاته بفقرها، ووقف إلى جانبنا كي نصعد بجهد قلبه المحتوم إلى نور «النِّعم» الكبرى. يسوع الَّذي لا يقدّم إلينا ﷲ مُنافسًا للبشر بل ضامنًا وحيدًا لحالتنا البشريَّة.

الإنسان يختبر في حياته العَوز، ويسعى إلى سدِّه بطرائق مختلفة، والكاتب يُبيّن بطلان هذه الطَّرائق، ويدعوه إلى قبول العوز الَّذي فيه، فهذا القبول يسمح ﷲ بأن يسدَّ العوز بنِعمه. وهذا ما يُسمَّى باللُّغة الرُّوحيَّة: فقر الرُّوح.

«في فقر حالنا الإنسانيَّة الجذريّ هناك شيءٌ من مقاومة ذاتيَّة، بحيث يُترك الإنسان بدون سند وظهره للحائط، وتتصدَّع معاقل الحماية الذَّاتيَّة، وتُنْزَع عنه أفق حياته اليوميَّة المألوفة والموثوق بها والمختبرة طويلًا. لذلك لا يستطيع الإنسان العيش بعيدًا عن حقيقة كينونته، وإلَّا ابتعد عنها باعتبارها «شيئًا» أي يبتعد عن لا نهائيَّة فقره، اللَّامحصور والمُلِحّ» (ص.45)

بعد ذلك يستعرض الكاتب أشكال الفقر البشريّ، ويخصِّص لما يسمِّيه «فقر العبادة» مقطعًا كاملًا.

النَّصّ الثَّاني: «ألم البشر وآلام المسيح»، يعرض فيه الكاتب موضوع التَّعاطف والمؤازرة في الألم، ويبيِّن أنَّه يتطلَّب زُهدًا يجعل الإنسان يترك ذاته ويلتفت إلى قريبه ليسمع صرخة ألمه. وينطلق الكاتب من آلام المسيح ومعناها، ليصل إلى ما تُعلِّمنا إيَّاه هذه الآلام عن المؤازرة، وسماع صرخة المتألِّمين؛ ويُنهي بتساؤلَين موجَّهَين، واحد للكنيسة وآخر للمسيحيِّين، عن الموقف الَّذي يجب اتِّخاذه تجاه آلام البشر في عالمنا اليوم.

قلت في البداية، الكتيِّب صغير الحجم، ثقيل المضمون. ماتس ينتمي إلى جيل اللَّاهوتيِّين الأوروبيِّين الَّذين يدعون إلى ترك اللُّغة التَّجريديَّة الجافَّة، والمصطلحات العقلانيَّة الفكريَّة المعقَّدة، واستعمال لغة الواقع البسيطة السَّهلة. كان هذا حلمه، ولكنَّه، وكثيرين من أبناء جيله، لم يوفَّقوا في تحقيقه بكتاباتهم قطّ، أقلُّه العقائديَّة منها. فالفارق في سهولة الفهم، أو بالحريّ صعوبة الفهم، بين النَّصَّين واضحة. الأوَّل عسير على الرُّغم من الجهود المبذولة لتبسيط ترجمته، في حين أنَّ الثَّاني أبسط، أو بتعبير أدقّ، أقلّ عسرًا. وهذا يبيِّن ثمار جهود ماتس في إعلان حقيقة الإيمان ببساطةٍ ذروتها بساطة المسيح في تعاليمه.

الأب سامي حلَّاق اليسوعيّ: كاتب وباحث، ومدرّس في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.
[email protected]

ندامةُ الله بين الرَّحمةِ والعدالةِ في أسفارِ الأنبياء

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب فراس لطفي الفرنسيسكانيّ

ندامةُ ﷲ بين الرَّحمة والعدالةِ في أسفار الأنبياء

ط.1، 62 صفحة، بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤
ISBN : 978-2-7214-5669-4

الأب فِراس لُطفي راهبٌ فرنسيسكانيّ من مواليد سوريا. حائزٌ شهادة الماجستر في اللَّاهوت الكتابيّ من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة في روما، وهو يدرِّس مادَّة الكتاب المُقدَّس في مركز اللَّاهوت بحلب.

في هذا الكتاب، يبحث المؤلِّفُ في المعنى الحقيقيّ لصيغة الصِّفات الإلهيَّة، أي العبارة القائلة إنّ الله يندم على فِعل الشَّرّ الواردة في سفرَي النَّبيَّيْن يوئيل ويونان، وفي أصلها، وفي الاختلافات بين أسفار الأنبياء بشأنِ الصِّفات الواردة فيها. ثمّ تناول معنى صفة ندامة الله على الشَّرّ، أيْ قابليَّة التَّغيير داخل الذَّات الإلهيَّة. ففيما بعض النُّصوص ينفي فكرة تغيير الله لفكره، فيقول سفر العدد «ليس الله ابنَ بشرٍ فيندم» (٢٣: ١٩)، تدعم أخرى فكرة أنّ الله يغيِّر فكره. يتعمَّق الكاتبُ في سفر يونان أنموذجًا للتَّأكيد أنَّ مقدرة الرَّبّ على النَّدامة هي فعلٌ حرّ للانتقال من حُكم الدَّينونة إلى الرَّحمة. فعندما طلب الله من يونان النَّبيّ تحذيرَ أهل نينوى الوثنيِّين، هرب النَّبيّ من المهمَّة، ليس خوفًا من أن يكون نذيرَ خرابٍ، بل لأنَّه علِم أنّ ﷲ «إلهٌ رؤوفٌ رَحيمٌ طويلُ الأناةِ كثيرُ الرَّحمة ونادمٌ على الشَّرّ». علم النَّبيّ يونان أنّ ﷲ سيمنحُ غفرانَه في حالِ رغِبَ سكَّانُ نينوى بالتَّوبةِ وتجاوبوا مع ندائه، فهو رفض «ندامةَ الرَّبّ»، فكان حدثُ اهتداء سكَّان نينوى وسيلةً تربويَّة للنَّبيّ يونان.

بعد ذلك توقَّف الأب لُطفي على مَشاهد ثلاثة تُظهر «ندامة ﷲ»، وهي رواية الطُّوفان، ورواية العهد، ورواية نهاية مُلكِ شاول، والمشاهد الثَّلاثة تُظهر «بداياتٍ متعثِّرة»، ولكنَّها كانت أيضًا «فرصةً سعيدة» أظهرت محبَّةَ ﷲ وأمانته ووفاءَهُ لوعوده. فعندما حاد الشَّعبُ عن وصاياه وآثر عبادة عجلٍ ذهبيّ، لم يفسخ ﷲ العهد مع الشَّعب، بل غفر له. في كلّ مرَّة قابل المؤمنون أمانة ﷲ بالخيانة والرَّفض، قرّر ﷲ المُضيّ قُدُمًا إلى الأبد بالرُّغم من الخطأ البشريّ. إنَّ النَّدامة تأكيدٌ أنَّ ﷲ حرٌّ «في الانتقال من صفةٍ إلى أخرى، أي من العدل إلى الرَّحمة، مع إعطاء صفة الرَّحمة الأولويَّة» (ص.٣٠)، لأنَّه يريد حياةَ الإنسان وخيره. هو يتغيَّر، لكنَّه يتغيَّر كإلهٍ لا كالخليقة.

إنَّ هذا الكتاب هو على الأرجح الرِّسالة الَّتي قدَّمها الأب لنيل شهادة الماجستر، وهو إنَّما وضَعها في متناول القارئ غير المتخصِّص تبحث في إشكاليَّة أساسيَّة، ألا وهي صفة «التَّغيّر» في ﷲ بعد أن اعتاد الكثيرون على اعتبار الجماد علامةً للكمال. كما أنَّه يدعو إلى التَّفكير كيف أنَّ صفتَي العدل والرَّحمة، وقد يراهما بعضُهم متناقضتَين، ترتبطان بالله الَّذي خلق الحياة ويريد أنْ يهبَها بوفرة لخلائقه. إنَّه كتاب عميق ويدعو إلى التَّفكير والتَّأمُّل في آن.

الأب غي سركيس: حائز درجة الدُّكتوراه في اللَّاهوت من الجامعة اليسوعيَّة الغريغوريَّة الحبريَّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدِّيس يوسف، والحكمة. وهو كاهن في أبرشيَّة بيروت المارونيَّة. له مجموعة من المؤلَّفات الدِّينيَّة والتَّأمُّليَّة والفكريَّة في اللَّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسَّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث – النَّشاط اللَّاهوتيّ في المسيحيَّة، ودروس من الهرطقات، ودليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة). [email protected]

جعلتُ أمامك الحياة. الإجهاض: المحرقة الصَّامتة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب جان پاول اليسوعيّ

جعلتُ أمامك الحياة
الإجهاض: المحرقة الصَّامتة

ترجمة يزن غزالة
ط.1، 276 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN : 978-2-7214-5671-7

عنوان يلفت نظر القارئ قبل الغوص في مضمون الكتاب لأنَّ الإنسان مشروعُ حياة لا موت، مشروع نموٍّ لا إجهاض. حياة تبدأ براعمها بالتَّفتُّح وهي بعدُ في رحم مَن لا تصير أمَّا إلَّا بعد أن تَلِد. فالمولود هو الَّذي يجعل مَن حملَته في أحشائها أمَّا لأنَّ الأمومة دورٌ يُكتَسَب مع التَّربية والاهتمام بالمولود الجديد منذ ولادته. إنَّها صيرورة تنمو وتكبر مع الكائن الجديد الَّذي أطلَّ على الحياة لتكون الحياة أمامه.

في مقدِّمة الكتاب يُشير المترجم الدُّكتور يزن غزالة إلى أهمِّيَّة موضوع الإجهاض كطرحٍ ذي أبعادٍ أخلاقيَّة وروحيَّة، حيث يحمل الكتاب طيَّ صفحاته أجمل ما كُتب عن الحياة قيمةً إنسانيّةً وروحيَّة. يدعو مؤلِّف الكتاب، منذ بداية الفصل الأوَّل، القرَّاء إلى حزنه وخوفه اللَّذين يشعر بهما فيقول: «يبدو لي أنَّ الكثيرين منكم، وأنتم أناس صالحون ولطفاء، لا يرغبون بقراءة المزيد عن الإجهاض وقتل الرُّضَّع والقتل الرَّحيم. في هذا المجال، تتعارض القناعات وتكون العواطف شديدة، وتُمسي النِّقاشات صاخبة. (ص.14). ويرجو المؤلِّف قرَّاءه أن يبقوا معه لمشاركته شيئًا من نفسه وحالته، ويُضيف: «قد لا تجدون أنفسكم في الموقف نفسه الَّذي أنا فيه، ولا بأس بذلك. حسنٌ لنا أن تكون لدينا مواقفُ مختلفة… قد لا تتَّفقون مع معتقداتي، ولا أنا مع معتقداتكم، ولكن حسنٌ لكلٍّ منَّا أن يصغي إلى الآخر… في مثل هذا الحوار.. في مثل هذه المشاركة، الجميع رابح لأنَّ الجميع يغتني من خبرات الآخرين» (ص.14-15).

«كلُّ إنسان رسالة»: هذا العنوان الفرعيّ قد يكون توليفةً لِما يحمله الكتاب من دفاع عن الحياة.

«يعالج الأب پاول اليسوعيّ في هذا الكتاب قضيَّة الإجهاض فينطلق من الخبرة المؤلمة لدى زيارته بقايا أحد معسكرات الموت النَّازيَّة الَّتي قُتل فيها حرقًا، بالإضافة إلى ملايين اليهود، الآلافُ من المرضى والأطفال المُعاقين، والمسنِّين المُقعدين…» (غلاف الكتاب)

عناوين الكتاب، بفصوله الأحد عشر، تدعو كلُّها إلى التَّأمُّل بالحياة في أبعادها الجسديَّة والنَّفسيَّة والرُّوحيَّة كونها هبة الوجود وسرَّه. تتخلَّل هذه الفصول صورٌ من واقع الحياة في تكوينها، ومسيرتها ومسارها، وطفولتها الَّتي تحبو لتصبو إلى الحياة بشبابها وشيبها. تمرّ أيضًا صورة ذي الاحتياجات الخاصَّة المفعَم بمرونة الحياة، والمُسنّ الَّذي حفر العمرُ سطوره تاريخًا على مُحيَّاه فحيَّته الحياة باستراحةٍ على تجاعيد هذا المُحيَّا، وهو الإنسان المُحيّى لأنَّه عرف معاني الحياة وحافظ عليها بأحزانها وأفراحها.

قراءة هذا الكتاب هي فعلًا مشاركة للمؤلِّف حزنَه وخوفَه، كما دعا قرّاءه، منذ الصَّفحة الأولى من كتابه، فإذا بها دعوة إلى إعادة اكتشاف القيمة الَّتي تجسِّدها الحياة، والَّتي باتت تضمحلُّ وتُنذر بالتَّهاون مع ما يُسمَّى الإجهاض والموت الرَّحيم وإنهاء حياة الإنسان، بمعزلٍ أحيانًا عن إرادته، فأتى العنوان الفرعيّ للعنوان الرَّئيس «المحرقة الصَّامتة» مُعبّرًا عن مأساة خنق الحياة منذ الرَّحم حتَّى ما قبل المواراة في اللَّحد.

الفصل الحادي عشر والأخير يعرض بالعنوان العريض «مقترحات عمليَّة لأنشطة داعمة لحقِّ الحياة»، فالمؤلِّف يخلص إلى القول بأنَّنا لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي… علينا أن نفعل شيئًا!» أمَّا المقترحات فهي الآتية: (ص.258-262) :

–    الانضمام «إلى إحدى مجموعات دعم الحياة…».

–    تشجيع «المساهمات لدعم الحياة ماليًّا».

–    كتابة «رسائل مختصرة وواضحة إلى الصُّحف ومحطَّات التّلفزيون والمجلَّات…».

–    «نشر وتقديم أيِّ مساعدة» يمكن «تقديمها إلى الجماعات الَّتي تقدِّم بدائل من الإجهاض بالإضافة إلى تقديم التَّعاطف والمحبَّة «للَّواتي يواجهن صعوبات في الحمْل إذا أردنا أن تكون لنا مصداقيَّة في موقفنا الدَّاعم للحياة».

–    «المشاركة في أيّ مسيرة أو مؤتمر لدعم الحياة…».

–    الطَّلب من كاهن الرَّعيَّة أو القسِّيس «أن يعظ عن حقِّ الحياة…».

–    جعل «الرِّسالة تصل إلى المدارس…».

–    جعل «القضايا المتعلِّقة بالحياة والموت في الواجهة». «ضعْ زهرة الحياة على صدرك. ضعْ سوارًا لدعم الحياة حول معصمك…».

–    الاحتفال «بالحياة» مع تمنِّي المؤلِّف أن «تُقيم الكنائس احتفالات خاصَّة بالحمل…».

–    «والأهمّ، علينا أن نصلِّي…».

انطلاقًا من هذا المُقتَرَح الأخير، يتجلَّى البُعد الرُّوحيّ الَّذي أراد المؤلِّف أن يتطرَّق إليه في هذا الكتاب الغنيّ، حيث نغوص معه «في المراجع التَّاريخيَّة والدَّوريَّات العلميَّة» مؤكِّدين معه «القيمة الجوهريَّة الكامنة في كلِّ حياة، وكون كلِّ حياة رسالة يريد لها الله أن تُكتَب»، حياة كلِّ إنسان بفرادته واختلافه وغناه الإنسانيّ.

الدُّكتورة بيتسا استيفانو: حائزة دكتوراه في العلوم الدِّينيَّة من جامعة القدِّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيَّة فيها. أستاذة محاضرة عن بُعد في الجامعة الدُّومنيكيَّةباريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللُّغتين العربيَّة والفرنسيَّة.

[email protected]

i

مقالات هذا العدد

عبثيَّة الحروب والحقُّ في الحياة

تُعدُّ الحروب واحدةً من أقدم الظَّواهر وأبشعها الَّتي عرفتها البشريَّة، وتترك آثارًا عميقة على المجتمعات والأفراد. وعلى الرُّغم من التَّقدُّم الَّذي أحرزته البشريَّة في مختلف المجالات، إلَّا أنَّ الحروب لا تزال تفتك بالبشر وتدمِّر الحضارات. وما يجري على أرض لبنان وغزَّة وأوكرانيا والسُّودان وبلدان أخرى من تدميرِ الحضارات وعماراتها الثَّقافيَّة وتسويتِها بالأرض، عدا عن إزهاق الأرواح البريئة، يؤكِّد عبثيَّة الحروب وانتهاكها حقَّ الإنسان الأساسيّ في الحياة.

كلُّنا يعلم رأيَ الفيلسوف توماس هوبز في الطَّبيعة البشريَّة وفي منشأ الحروب. ففي كتابه الشَّهير «اللفياثان» (1651 – Leviathan) يصف الفيلسوف الإنجليزيّ حالة الطَّبيعة البشريَّة بأنَّها «حرب الكلِّ ضدَّ الكلّ»، حيث يسعى كلُّ فرد إلى تحقيق مصالحه الخاصَّة، وكلُّ جماعة من أجل الوصول إلى تحقيق مآربها الفئويَّة من دون قيود. ولتجنُّب هذه الحالة الفوضويَّة، يرى هوبز أنَّ البشر بحاجة إلى عقد اجتماعيّ لتكوين دولة قويَّة تحافظ على الأمن والاستقرار. وبينما يركِّز هوبز على دور الدَّولة في الحفاظ على السَّلام، ينفتح المجال على اندلاع العنف، فتسلِّط أفكارُه الضَّوء على العواقب الوخيمة للحروب والصِّراعات.

أمَّا الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط فيرى أنَّ الحرب هي حالة غير طبيعيَّة للإنسان، وأنَّ العقل يُملي علينا السَّعي إلى السَّلام، معتبرًا أنَّ «قانون الحرب» يتضمَّن إشكاليَّة مزدوجة من حيث أساسه. فالحرب لا تحدِّد القانون، ولا تملك قوَّة القانون – من حيث تطبيقه – لأنَّنا لا نستطيع أن نستنتج القانون من الواقع. ويقول إنَّ العقلانيَّة هي السَّبيل الوحيد لتحقيق السَّلام الدَّائم بين الدُّول. فهو يدعو إلى تأسيس مجتمعٍ دوليٍّ قائمٍ على القانون والعدالة، حيث تتمُّ تسوية الخلافات بالطُّرق السِّلميَّة.

أمَّا البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة، فيشدِّد باستمرار على أهمِّيَّة السَّلام والعدالة في العالم، معتبرًا الحروب عبثًا مطلقًا ومأساة إنسانيَّة وهزيمة للبشريَّة لا يمكن تبريرها، داعيًا إلى الحوار والتَّفاهم بين الشُّعوب. يرى البابا أنَّ كلَّ إنسان هو عطاء إلهيّ وذلك ما تقوله الأديان، وفي المسيحيَّة هو ابن الله، وبالتَّالي فإنَّ قتل أيِّ شخص هو انتهاك لحرمة الحياة. كما يؤكِّد ضرورة العمل من أجل بناء عالَمٍ أكثر عدلًا ومساواة، حيث يتمتَّع الجميع بحقوقهم الأساسيَّة، بما في ذلك الحقُّ في الحياة.

وهكذا فإنَّ الحروب، أكانت من الطَّبيعة أم لا، هي عبثيَّة لأنَّها لا تحقِّق أيَّ فائدة حقيقيَّة للبشريَّة بل تقضي على الحياة الفرديَّة والثَّقافات لا بل الحضارات، إذْ تدمِّر الممتلكات والبنية التَّحتيَّة، وتقتل الأبرياء، وتشرِّد الملايين، وتؤدِّي إلى الكراهية والانتقام. كما أنَّها تستهلك الموارد الَّتي يمكن استخدامها لتحسين حياة النَّاس. ويبقى القهر على مَن غادروا، ضحايا، من كلِّ وطنٍ وبلاد شاركوا في الحرب، بينما السَّعادة تغمر تُجَّار السِّلاح، وحدَهم، فاقدي الضَّمير والدِّين.

إنَّ الحقَّ في الحياة هو حقٌّ أساسيّ لكلِّ إنسان، وهو حقٌّ غير قابل للتَّفاوض. والحروب هي انتهاك صارخ لهذا الحقّ. فكلُّ إنسان له قيمة وكرامة، ويجب احترامهما.

وبما أنَّ الدِّين والفلسفة يتَّفقان على أنَّ الحروب هي شرّ، وأنَّ السَّلام هو الهدف الأسمى للإنسانيَّة، فعلى الجميع أن يعملوا على إنهاء هذه الحروب بالتَّربية. فالأديان السَّماويَّة تدعو إلى المحبَّة والسَّلام، والفكرُ الإيجابيّ وحده، ضمن الحوار واحترام القانون وأسس العدالة وتهميش العصبيَّات الدِّينيَّة والقوميَّة، يقدِّم إلينا أدوات التَّفكير النَّقديّ لمساعدتنا على فهم أسباب الحروب وإيجاد حلول لها.

 

الأب سليم دكَّاش اليسوعيّ: رئيس تحرير مجلَّة المشرق. رئيس جامعة القدِّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتِّحاد الدَّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز شهادة دكتوراه في العلوم التَّربويَّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، وشهادة دكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السُّوربون 1 (1988)، ويدرِّس فلسفة الدِّين والحوار بين الأديان والرُّوحانيَّة السِّريانيَّة في كلِّيَّة العلوم الدِّينيَّة في الجامعة اليسوعيَّة.

            [email protected]

إشكاليّة الاعتقاد وأزمة السّلطة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تُسلّط هذه المقالة الضّوء على العلاقة الوثيقة بين أزمة السّلطة وأزمة الاعتقاد الدّينيّ أو الإيمان، وتُحلّل عواقب هذه الأزمات على سير عمل المجتمع. في استعراضها أعمال العديد من الفلاسفة، تقدّم المقالة تعريفًا وتحديدًا لمفهومَي السّلطة والإيمان باحثةً في العلاقة بينهما، مع التّركيز على إمكانيّة استخدام الإيمان لتبرير أشكال السّلطة التّعسّفيّة والمسيئة.

إنّ أزمة السّلطة وأزمة الاعتقاد الدّينيّ لهما عواقب جوهريّة على سير عمل المجتمع. يمكن أن تؤدّي هذه الأزمات إلى فقدان الثّقة في المؤسّسات والقيم الرّاسخة، فضلًا عن تنامي الفرديّة والنّسبيّة الأخلاقيّة. تساعد هذه المقالة في تسليط الضّوء على قوّة الإيمان والقضايا الّتي تنشأ عنه، بخاصّة فيما يتعلّق بالتّلاعب والخلط بين السّلطتين السّياسيّة والدّينيّة. إنّنا من خلال تشجيع التّفكير النّقديّ والفهم العميق لمفاهيم السّلطة والإيمان، يمكننا المساهمة في تعزيز قيم المؤسّسات الدّينيّة والسّياسيّة.

كلمات مفتاحيّة: السّلطة – الاعتقاد الدّينيّ – الاعتقاد، الإيمان – مؤسّسة الإيمان – المؤسّسة الدّينيّة – المؤسّسة السّياسيّة – الفلسفة – الدّين – الأزمة – الاعتقاد المؤسِّس – الاعتقاد المؤسَّس.

 

La problématique de la croyance et la crise de l’autorité, t

par Dr. Marguerite El Asmar Bou Aoun

Cet article explore la relation étroite entre la crise de l’autorité et celle de la croyance religieuse, ainsi que les conséquences sur le fonctionnement de la société. En nous appuyant sur les travaux de divers philosophes, nous avons défini et délimité les concepts d’autorité et de croyance, nous avons établi que l’autorité est un contenu de la croyance et réfléchi à la problématique de l’autorité de la croyance, et nous avons conclu que la croyance peut être utilisée pour justifier des formes d’autorité arbitraires et abusives.

La crise de l’autorité et celle de la croyance religieuse ont des conséquences importantes sur le fonctionnement de la société. Ces crises peuvent entraîner une perte de confiance dans les institutions et les valeurs établies, ainsi qu’une montée de l’individualisme et du relativisme moral. Cet article permet de mettre en lumière le pouvoir de la croyance et les enjeux qui en découlent, notamment en termes de manipulation et de confusion entre l’autorité politique et l’autorité religieuse. En encourageant une réflexion critique et une compréhension approfondie des concepts d’autorité et de croyance, nous pouvons contribuer à une meilleure compréhension des enjeux auxquels sont confrontées les valeurs des institutions religieuses et politiques aujourd’hui. j ي

Mots-clés: Autorité – pouvoir – croyance religieuse – croire – foi – institution du croire – institution religieuse –institution politique – philosophie – religion – crise – croire instituant – croire institué.

الدّكتورة مرغريت الأسمر بو عون: حائزة شهادة دكتوراه في فلسفة الأديان من جامعة ستراسبورغ – فرنسا؛ عنوان الأطروحة «الحاجة إلى الإيمان. مشكلات فلسفة الدّين».

(Le besoin de croire. Problèmes de philosophie de la religion)

وهي منسّقة البرامج ومحاضِرة في جامعة القدّيس يوسف، بيروت. من مؤلّفاتها:

– Le besoin de croire, Paris, Éditions L’Harmattan, 2023, 268 p.– «Philippe Capelle-Dumont et Yannick Courtel, Religion et liberté, Presses Universitaires de Strasbourg», 2014, Proche-Orient Chrétien, 2017, pp. 425-430.t
[email protected]

تحليل ماليّ واقتصاديّ للأزمة الاقتصاديّة اللّبنانيّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

اتّسم المشهد الاقتصاديّ في لبنان بالاضطرابات. وقد بلغت هشاشة مقوّماته الاقتصاديّة ذروتها في أزمة ماليّة حادّة، تفاقمت بسبب سوء الإدارة داخل القطاع المصرفيّ. يستعرض هذا المقال جذور الاضطراب الاقتصاديّ في لبنان وتداعياته، محدّدًا الدّور المحوريّ الّذي أدّته ممارسات الهندسة الماليّة للمصرف المركزيّ. كما يهدف البحث إلى تقديم فهم شامل للعوامل الكامنة وراء انهيار القطاع المصرفيّ، وانخفاض قيمة اللّيرة اللّبنانيّة.

فخلافًا للرّوايات السّائدة الّتي تُلقي اللَّوم على الدَّين الحكوميّ والفساد في انهيار الاقتصاد اللّبنانيّ، كانت السّياسات النّقديّة لمصرف لبنان، ولا سيّما «الهندسة الماليّة» الّتي اتّبعها، المحرّكَ الرّئيسيّ لانهيار القطاع المصرفيّ. وقد امتدّ سوء الإدارة الماليّة إلى ما هو أبعد من مصرف لبنان، حيث تواطأت المصارف التّجاريّة في السّعي لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل على حساب الإدارة الحكيمة للأخطار.

وفي أعقاب الأزمة، يواجه لبنان مسارًا شاقًّا نحو التّعافي. ومن الضّروريّ اتّخاذ إجراءات فوريّة لاستعادة الثّقة في القطاع المصرفيّ، وحماية مصالح المودعين، واتّخاذ تدابير حاسمة نحو المساءلة والشّفافيّة. كما يجب أن تعطي استراتيجيّاتُ إعادة التّأهيل الاستقرارَ النّقديّ، ومرونة سعر الصّرف والقطاع الماليّ الأولويّة. كذلك، فإنّ المبادرات الرّامية إلى تشجيع المؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة، وتعزيز حماية الودائع، وتعزيز تنمية سوق الأوراق الماليّة ضروريّة لتنشيط الاقتصاد على المدى الطّويل. فيمكن لبنان حينها أن يتجاوز الأزمة الحاليّة، ممّا يضمن مسارًا مستدامًا نحو الازدهار الاقتصاديّ.

سنعرض بحثنا على النّحو الآتي: في القسم الأوّل، مراجعة لنظام إدارة مصرف لبنان، بما في ذلك ممارساته المحاسبيّة. وفي القسم الثّاني، شرحُ نشأة الأزمة الماليّة وتحديد المتسبّبين الرّئيسيّين فيها. فيما يقدّم القسم الثّالث تحليلًا محدّثًا للتّدفّق النّقديّ لمصادر أموال مصرف لبنان بالدّولار الأميركيّ ووجهاتها. وتُختتم المقالة بتوصيات لإجراءات عاجلة محدّدة للتّعافي الماليّ.

كلمات مفتاحيّة: مصرف لبنان – المصارف – الأزمات الماليّة – الهندسة الماليّة.

Les Rouages de l’Effondrement Économique au Liban – t
Le Rôle Controversé de la Banque Centrale, t

par Dr. Nada Mallah Boustany

La fragilité des fondamentaux économiques au Liban a entraîné une grave crise financière, accentuée par la mauvaise gestion du secteur bancaire. Cet article examine les origines et les répercussions des turbulences économiques au Liban et met en lumière le rôle central joué par les pratiques d’ingénierie financière de la Banque centrale. Son objectif est de fournir une compréhension approfondie des facteurs ayant conduit à l’effondrement du secteur bancaire et à la dépréciation de la livre libanaise. t

Contrairement aux récits dominants qui attribuent la responsabilité de l’effondrement de l’économie libanaise à la dette publique et à la corruption, les politiques monétaires de la Banque du Liban ont joué un rôle décisif dans cette crise. Les pratiques d’«ingénierie financière» de la Banque du Liban, associées à une mauvaise gestion financière qui s’étend au-delà de la BDL, avec la complicité des banques commerciales dans la recherche de gains à court terme au détriment d’une gestion prudente des risques, ont été le moteur principal de l’effondrement. t.

Après la crise, le Liban est confronté à un difficile chemin vers la reprise. Une action immédiate est nécessaire pour restaurer la confiance dans le secteur bancaire et protéger les intérêts des déposants. Des mesures décisives en faveur de la responsabilité et de la transparence sont indispensables. Les stratégies de réhabilitation doivent prioriser la stabilité monétaire, la résistance du taux de change et le secteur financier. Des initiatives visant à soutenir les petites et moyennes entreprises, à renforcer la protection des dépôts et à promouvoir le développement du marché boursier sont nécessaires pour revitaliser l’économie à long terme. C’est ainsi que le Liban pourra surmonter la crise actuelle et s’engager sur la voie durable de la prospérité économique. t

La première section de cet article présente un examen du système de gestion de la BDL, y compris ses pratiques comptables. La deuxième section explique l’origine de la crise financière et identifie les principaux responsables. La troisième section analyse les flux de liquidités et les destinations des fonds en dollars américains de la BDL, pour conclure enfin par des recommandations et une série de mesures spécifiques visant au redressement financier. t

Mots clés: Crise financière ˗ Secteur bancaire ˗ Ingénierie financière ˗ Banque centrale ˗ Reprise économique ˗ Taux de change. t

الدّكتورة ندى الملّاح البستانيّ: رئيسة مؤسِّسة لجمعيّة التّميّز للأبحاث المبتكرة والاستدامة والتّنمية الاقتصاديّة AXISSED. أستاذة في كلّيّة الإدارة والأعمال في جامعة القدّيس يوسف ببيروت. حائزة شهادة دكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة «Jean Moulin Lyon 3» – فرنسا، حائزة شهادة «HDR» في الإدارة والأموال من جامعة «Picardie – Jules Verne» – فرنسا، وماجستير في العلوم الدّينيّة من جامعة القدّيس يوسف ببيروت. أستاذة ومستشارة في الهيئة اليسوعيّة العالميّة للتّعليم JWL. عضو ناشط في العديد من الهيئات البحثيّة العلميّة AIS, LEFMI، وعضو مؤسِّس في المنظّمة البيئيّة Green Community

[email protected]

أبو الحسن الحرّاليّ المرّاكشيّ (ت. 638هـ./1241م.) وكتابه تفهيمِ معاني الحروف

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

إلى الأب بولس نويا
محبّة وعرفانًا وتقديرًا

  تقدّم هذه المقالة في قسمها الأوّل تعريفًا بآثار أبي الحسن الحرّاليّ المرّاكشيّ، وتتناول دارسيها العرب، دراسة وتحقيقًا. وتشير إلى ما لم يُنشر من أعماله المخطوطة، مركِّزة بصفة خاصّة على أعماله في علم الحروف الّتي لم يُكتب لها الّذيوع رغم أهمّيّتها. ومن هنا، تقدّم المقالة في القسم الثّاني تحقيقًا لنصّه تفهيم معاني الحُروفِ.

كلمات مفتاحيّة: الحرّاليّ المرّاكشيّ - علم الحروف في التّصوّف الإسلاميّ - معاني الحروف – رمزيّة الحروف.

Abu al-Hassan al-Harrali et son livre «Tafhīm ma‘ānī al-hurūf», t

par Dr.  Khaled Mohamed Abdou

Dans sa première partie, cet article présente une introduction aux œuvres d’Abu al-Hassan al-Harrali al-Marrakechi, en abordant les études arabes qui lui sont consacrées dans la recherche et l’édition critique. L’article met en lumière les écrits manuscrits qui n’ont pas été publiés, particulièrement axée sur ses travaux dans la science des lettres «‘Ilm al-hurūf», dont l’importance n’a pas été suffisamment reconnue. t

Dans sa deuxième partie, l’article propose une édition critique du texte intitulé «Tafhīm ma‘ānī al-ḥurūf». t

Mots clés:  al-Harrali al-Marrakechi – la science des lettres (‘Ilm al-hurūf) dans le soufisme islamique – les interprétations des lettres – le symbolisme des lettres. t

الدّكتور خالد محمّد عبده: باحثٌ وأكاديميٌّ، تخرّج من جامعة القاهرة وحصل على شهادة الدّكتوراه في الفلسفة. وهو باحثٌ في جامعة إشبيلية في إسبانيا. نشر مؤلّفات عدّة وتحقيقات وأبحاثًا، منها: معنى أن تكون صوفيًّا (القاهرة: دار المحروسة، 2016)، حضورُ الرّوميّ وشمس تبريزيّ في الثّقافة العربيّة (القاهرة: دار القدس، 2020)، الجدل الإسلاميّ المسيحيّ في القرن الثّالث الهجريّ (دار المدار الإسلاميّ: بيروت، 2022)، الحكمة الخليقة للزّندويستيّ بالاشتراك مع د. بلال الأرفه لي (دار المشرق: بيروت، 2023)، وغيرها.

[email protected]

كتابة الألف، وحذفها، وزيادتها، وقلْبها إشكاليّات وحلول

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

لا شَكَّ في أنَّ الكتابة باللّغة العربيّة أسهل مِنَ الكتابةِ باللّغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة، نَظَرًا إلى أنَّ الحروف الّتي تُكْتَب ولا يُنْطَق بِها أقلّ بكثير مِنَ الّتي تُكْتَب ولا يُنْطَق بها في هاتين اللّغتين؛ وكذلك بالنّسبة إلى الحروفِ الّتي يُنْطق بها ولا تُكْتَب.

 والكتابة العربيّة أقرب إلى الكتابة ِالفونوتيكيّةِ مِنْ معظم الكتابات العالميّة، إلّا أنّها تعاني من مشكلتين: أوّلهما كتابة الألف وحذفها وزيادتها. والأخرى: كتابة الهمزة. وفي هذا البحث سأعالج المشكلة الأولى، على أن أخصّص للمشكلة الثّانية بحثًا آخَر.

فالألف تُكْتَب مَمْدودة (طويلة) حينًا، ومَقْصورة (قصيرة) حينًا آخَر، وفق قواعد تتفرَّع بحسب علم النّحو (حرف، وفعل، واسم)، وعلم الصّرف (بنية الكلمة)، والمدرسة النّحويّة (بَصْريّة وكوفيّة)، واللّهجات العربيّة، وغير ذلك.

وحُذِفت الألف من عدد الكلمات تأثّرًا بالكتابةِ المصحفيّة، والخطّ السّاميّ القديم، وزيدت أيضًا في بعض المواضعِ، وعُلِّلَتْ زيادتها تعليلاتٍ واهية.

وأراد بعض المربّين واللّغويّين في العصر الحديث تيسير الكتابة العربيّة فتصدّوا لهذه المشكلة. وكان لهم اقتراحات مختلفة في هذا التّيسير. وبحثي هذا يعرض هذه كلّها، مُسْتَخْلِصًا ومُقْتَرِحًا ما يخدم هذا التّيسير.

كلمات مفتاحيّة: اسم، ألِف – ألِف مَقْصورة – ألِف مَمْدودة – تَعْليل – تَيْسير – ثُلاثيّ – حَذْف – حَرْف – زيادة الألِف – عِلْم الصّرف – فِعْل – قَلْب - كتابة – لغة – ما فوق الثّلاثيّ – واو الجماعة.

Écriture, suppression, ajout et inversion de l’Aleph, t
problématiques et solutions, t
par Dr. Zaher Mohamed Obeid

Il ne fait aucun doute que l’écriture en arabe est plus facile que l’écriture en français et en anglais, car les lettres non prononcées sont beaucoup moins nombreuses que celles qui sont écrites mais non prononcées dans ces deux langues. De même, pour les lettres prononcées mais non écrites. t

L’écriture arabe est plus proche de la phonétique que la plupart des écritures mondiales, mais elle souffre de deux problèmes : premièrement, l’écriture et la suppression de l’Aleph, et deuxièmement, l’écriture de la hamza. Dans cette recherche, je traiterai le premier problème, et je laisserai le deuxième pour une autre étude. t

L’Aleph est écrite parfois en longueur et parfois en brièveté, selon des règles grammaticales qui varient dépendamment de la grammaire, de la morphologie, de l’école grammaticale (basra et kufa), des dialectes arabes, et autres. t

L’Aleph a été supprimée de certains mots sous l’influence de l’écriture coranique et de l’ancien alphabet sémitique, mais elle a également été ajoutée dans certains cas, avec des justifications vagues. t

Certains éducateurs et linguistes modernes ont cherché à simplifier l’écriture arabe et ont proposé différentes solutions à ce problème. Cette étude présente toutes ces propositions, en extrayant et en proposant ce qui peut faciliter cette simplification. t

Mots clés: Aleph – aleph diminué – long aleph – allégation – facilité – trilitère – élision de l’aleph – particule – augmentation de l’aleph – morphologie – verbe – substitution – écriture – Langue – supérieur au trilitère – Wàw du pluriel. t

الدّكتور زاهر محمّد عبيد: حائز شهادة الدّكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من جامعة القدّيس يوسف في بيروت (2020) عن أطروحة بعنوان: أثر الدّين في اللّبنانيّين من خلال أمثالهم – دراسة حضاريّة. وهو مدير عامّ مدرسة الحداثة الدّوليّة، ومدير مشاريع تنمويّة في لبنان (ولاسيّما في محافظة عكّار). من منشوراته: كتاب بحثيّ بعنوان القيم الخلقيّة عند الخليجيّين من خلال أمثالهم، وبحث نُشر في مجلّة المنافذ الثقافية ومقالات أخرى.
[email protected]

الوصف “فَعلان” تأنيثًا وصرفًا

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يُمْنَع مِنَ الصَّرْف الوصف الّذي على وزن «فَعْلان» ولا يُؤَنَّث بالتّاء، نحو: «سَكْران سَكْرى»، ويُصْرَف إذا كان يُؤَنَّث بالتّاء، نحو: «مَصّان (لَئيم) مَصّانة».
ولاحظ مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة أنَّ قبيلة أَسَد تُؤَنِّث هذا الوزن دائمًا، فتقول: «سَكْرانة». واستنادًا إلى هذه اللّغة، أصدر المجمع قرارًا أجاز فيه تأنيث «فَعْلان» على «فَعْلانة»، وصرفه.
يتناول هذا البحث قرار المجمع بالنَّقْد، فهل أخطأ المجمع في قراره، أم أصاب؟
كلمات مفتاحيّة: تأنيث – تعليل، سَكْران – الصّرف – فَعْلان – قبيلة أَسَد – لغة – مجمع اللّغة العربيّة – ممنوع من الصّرف – وصف (اسم مُشْتَقّ).

L’Adjectif Falān: féminin et morphologie, t

 par Dr. Akram Joseph Matar

Il est interdit de décliner l’adjectif qui est sous la forme verbale de «fa‛lān  et dont le féminin ne prend pas de ta’, comme: «ivre, ivre», et il est déclinable s’il prend le ta’ au féminin, comme: «massān» (méchant), «massāna ». t

L’Académie de langue arabe du Caire a noté que la tribu Asad féminise toujours cette forme verbale (wazn), c’est pourquoi on dit: «ivre». Sur ce, elle a pris la décision d’autoriser la féminisation de «fa‛lān» par «fa‛lāna», et de le décliner (sarf). t

Cette recherche porte sur la décision du Conseil de critiquer: le Conseil a-t-il eu tort ou raison? t

Mots clés: Féminisation – allégation – sakrān – ivre – déclination – fa‛lān – tribu Asad – langue – académie de langue arabe – indéclinable – adjectif (nom dérivé). t

الدّكتور أكرم جوزيف مطر: حائز شهادة الدّكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من المعهد العالي للدّكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة – الجامعة اللّبنانيّة (2017-2018). عنوان الأطروحة «الشّيخ عبد ﷲ العلايلي والتّجديد المعجميّ». وهو مدرّس ثانويّ في دبي. من أبحاثه المنشورة: «الضّيافة عند العرب واللّبنانيّين من خلال أمثالهم»، و«الحداثة عند أدونيس».

[email protected]

واقع القطاع الصّناعيّ في قضاء بعبدا في بدايات القرن الواحد والعشرين

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يُعتبر القطاع الصّناعيّ والحرفيّ إحدى ركائز الاقتصاد في قضاء بعبدا إذ يساهم في تشغيل نسبة مقبولة من اليد العاملة، غير أنّ هذا القطاع يعاني من مشاكل عدّة، أبرزها ضعف مصادر التّمويل، وعدم القدرة على منافسة المنتج الأجنبيّ، وانخفاض مهارة العاملين، ممّا ينعكس سلبًا عليه ويحدّ من قدرة تطوّره. سنحاول في هذا البحث الإضاءة على واقع القطاع في القضاء، واقتراح حلول لتطويره من أجل التّخفيف من نسبة البطالة من جهة، وتنشيط المؤسّسات الاقتصاديّة المنتشرة في القضاء من جهة أخرى.

كلمات مفتاحيّة: البطالة – التّفاوت في التوزّع الصّناعيّ – السّلطات المحليّة – تنمية اقتصاديّة – الأثر البيئيّ.

Le secteur industriel dans le Caza de Baabda, t
au début du XXI siècle, t

par Dr. Elie Chedid

Le secteur industriel et artisanal est considéré comme l’un des principaux piliers de l’économie du Caza de Baabda, car il contribue à faire travailler une bonne proportion de la main-d’œuvre. Cependant, ce secteur souffre de plusieurs problèmes, notamment la faiblesse des sources de financement, l’incapacité à concurrencer les produits étrangers et la faible qualification des travailleurs, ce qui l’affecte négativement et limite sa capacité à se développer. Dans cette recherche, nous tenterons de mettre en lumière la réalité de ce secteur dans le district et essayerons de proposer des solutions pour son développement afin de réduire le taux de chômage d’une part et de revitaliser les entreprises économiques situées dans le Caza de Baabda, d’autre part. t

Cette recherche vise à étudier la réalité du tourisme dans les villages de Hammana, Falougha et Chebanieh, et à mettre en évidence leurs points forts qui suffisent pour le développement du tourisme à condition d’identifier, de réduire et de surmonter les points faibles, de même élaborer un plan et le mettre en œuvre en collaboration avec les autorités locales et les bailleurs de fonds. Cela encouragera l’investissement dans ce domaine comme étant une étape vers le développement du tourisme durable. t

Mots clés: Chômage – inégalité de la répartition industrielle – autorités locales – développement économique – impact environnemental. t

الدّكتور إيلي شديد: حائز شهادة الدّكتوراه – فئة أولى في الجغرافيا من الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ مادّة الجغرافيا في الجامعة اللّبنانيّة – كلّيّة التَّربية – الفرع الثّاني. لديه العديد من الأبحاث المحكّمة والمقالات الاقتصاديّة والتّنمويّة، ومنها: «السّياحة الدّوليّة بين الكورونا والعولمة»، و«دور الصّناعات الصّغيرة في الحدّ من نسبة البطالة في قرى المتن الأعلى»، و«التّنمية المستدامة في اتّحاد بلديّات عاليه».

مَيمَرٌ في أنَّه لا يُغفَرُ لِأحَدٍ ذَنْبٌ إلّا بأوجاعِ المَسيح لثاوذورُس أبي قُرَّة († نحو830 م.)

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

هذا الميمر هو الحلْقة الأولى من ثُلاثيّة مَيامر دِفاعيّة مُترابطة لأبي قُرّة أُسقُف حَرّان، سبَقَ لنا نشر تحقيق الثّاني والثّالث منها على صفحات المشرق. ونقدِّم الآن طبعةً جديدة مُحَقَّقة للجزء الأوَّل، بالاعتماد على المخطوطات الأربعة الّتي حفظت لنا نسخة منه، فضلًا عن طبعة الأب قسطنطين الباشا المعروفة.

يُعالج أبو قُرّة في هذا الميمر موضوع الغاية من التّجسُّد الإلهيّ، ألا وهي افتِداء المسيح البَشَر بأوجاعه، وإنجاز خَلاصِهم من أسْر الخطايا الّتي لا يقدرون على الفكاك منها بقواهم الذّاتيّة. وهكذا يُعيد الابن الأزليّ بتأنُّسه إلى بَني آدَم كرامتهم المهدورة، ويحفظ ﷲ حُقوقَ النّاموس فلا يكون قد وضع باطِلًا ولا عبثًا.

تتميَّز طبعتُنا المحَقَّقة عن سابقتها بعدد كبير من التّصويبات والتّحسينات والقراءات المختلفة. وقد أضفنا، كعادتنا، كلَّ العناصر الضّروريّة لتسهيل قراءة النّصّ من علامات تشكيل ووقف، وأبرزنا بنيةَ النّصّ المَنطِقيّة والبَلاغيّة وتسلسُل أفكاره، بتقسيمه إلى أجزاء ومَقاطع لها عناوين أساسيّة وفرعيّة، وفقرات مُرقّمة تَسهُل الإحالة إليها.

كلمات مفتاحيّة: ثاوذورُس أبو قرّة، لاهوت عربيّ قديم، فداء تعويضيّ، غاية التّجسُّد، الخلاص بأوجاع المسيح، عدل ﷲ ورحمته، النّاموس ومقتضياته، نبوّات الأنبياء.

Théodore Abū Qurrah ( vers 830)
La rémission des péchés n’est possible
que par la Passion du Christ, t

Édition critique et introduction, par P. Pierre Masri

Après avoir publié deux traités de cette trilogie apologétique d’Abū Qurrah, nous présentons ici l’édition de sa première partie, en se basant toujours sur le codex sinaïtique ar. 581 (12e s.), en collationnant le Saint-Sauveur 392 (1735); le Basilien Choueirite 304 (16e s.) et le Basilien Alépin 373 (18e s.), sans négliger l’editio princeps de Bacha (1904). t

Dans ce traité, Abū Qurrah explique le dogme de la Rédemption, en démontrant la justice de Dieu et l’impuissance où se trouve l’homme de satisfaire Dieu par l’amour parfait qu’il lui doit, et de réparer ses fautes et celles de ses semblables. Il fait voir ensuite comment la sagesse et l’initiative divines ont amené l’incarnation du Verbe Eternel qui a voulu prendre sa chair humaine de la sainte Vierge, et accepter la mort de la croix pour réaliser le salut de l’humanité. Deux séries de “témoignages” bibliques sont présentées à l’appui, et interprétées dans le sens de la théologie traditionnelle de Substitution. L’auteur termine ce traité en démontrant la nécessité d’offrir la passion du Christ à Dieu pour avoir part à ses mérites. t t

Mots clés: Théodore Abū Qurrah – apologétique arabe chrétienne- théologie de substitution – Incarnation du Fils éternel – Passion du Christ. t

الأب بيير مصري: خوري كنيسة الملاك ميخائيل للرّوم الكاثوليك بحلب ومدير المكتبة الرّوحيّة فيها، أستاذ جامعيّ، وباحث في حقل التُراث العربيّ المسيحيّ.

[email protected]

أناشيد السّيّدة”-أهمّيّة الهمنوغرافيا المريميّة البيزنطيّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

تحتلّ مريم والدة الإله مكانة رفيعة في الكنيسة البيزنطيّة، وتمدحها من خلال مجموعة الأناشيد والتّسابيح اللّيترجيّة في صلواتها، وهذا ما نسمّيه بالهمنوغرافيا. وهو ما سعى إليه الشّعراء الهمنوغرافيّون أو كتبَة الأناشيد في البحث في الكتاب المقدّس ليجدوا الرّموز الّتي تساعدهم على إظهار دور مريم العذراء. كُتبت هذه الأناشيد باللّغة اليونانيّة لتُرنَّم بحسب الأوزان الثّمانية المعروفة في الموسيقى البيزنطيّة. توضح هذه المجموعة من الأناشيد ما حقّقته مريم في خدمة سرّ التّجسّد الإلهيّ وهي الّتي «ولدت» الإله بالجسد، وقد وصفها الهمنوغرافيّون بوالدة الإله، وباب السّماء، وهيكل ﷲ الجديد، وسلّم يعقوب… ناهيك عن الرّموز والصّور الأخرى الّتي اقتبسوها من الأناجيل المحرّفة. والأعيادُ المريميّة في الكنيسة البيزنطيّة خير دليل على ذلك. سعينا في هذه الصفحات إلى أن ندرس، من خلال الأناشيد في كتاب الألحان الثّمانية، هذا العنصر اللّاهوتيّ المميّز لدور مريم شفيعتِنا أجمعين.

كلمات مفتاحيّة: اللّيتورجيا البيزنطيّة – مريم أمّ ﷲ – الأعياد المريميّة – الهمنوغرافيا البيزنطيّة، إنجيل يعقوب، الألحان الثّمانية، المسيح.

«Hymnes à Notre Dame»
Importance de l’Hymnographie Mariale Byzantine, t

Marie, Mère de Dieu, occupe une place éminente dans les prières liturgiques de l’Orient Byzantin. Les poètes ou hymnographes se sont attelés à trouver dans les deux Testaments les symboles qui décrivent la Théotokos. En effet, ces écrits ou hymnes rédigés en grec d’une façon poétique se chantent selon les huit tons du solfège byzantin. Ce recueil d’hymnes ou hymnographie rend manifeste, à travers les fêtes mariales, le rôle de Marie comme Mère de Dieu, le Nouveau Temple, la Porte du Ciel, l’Échelle de Jacob… En effet, Marie joue un rôle primordial dans le Mystère de l’Incarnation, car c’est Elle qui a « enfanté » Dieu. Par conséquent, les fêtes mariales byzantines ont relevé ce caractère théologique important. Notre essai part de ce point pour étudier les hymnes dans le livre liturgique de l’Oktoïkhos ou livre des huit tons musicaux de la Liturgie Byzantine. t

Mots clés: liturgie byzantine – Marie Mère de Dieu – les fêtes Mariales – l’hymnographie byzantine – l’évangile de Jacob – les huit tons – le Christ. t

المتروبوليت نيقولا أنتيبا: مطران حوران وجبل العرب سابقًا، والنّائب البطريركيّ العامّ في دمشق، وأستاذ الكتاب المقدّس في كلّية اللّاهوت الخاصّة في دمشق. مُجاز في اللّاهوت من الجامعة الغريغوريّة – روما، وحائز شهادة ماجستير في الكتاب المقدّس واللّغات السّاميّة من المعهد البابويّ للكتاب المقدّس – روما. نشر دراسات ومقالات عديدة كتابيّة وليترجيّة باللّغات العربيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإنكليزيّة. وقد صدر له مؤخّرًا كتاب من ينابيع اللّيتورجيا عن المكتبة البولسيّة.
[email protected]

الفلسفة الخالدة – الخطوط التّاريخيّة العريضة للرّوحانيّة الغربيّة في العصر القديم والوسيط والحديث المبكر

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

د. فيلهلم شميدت بيغمان
الفلسفة الخالدة – الخطوط التّاريخيّة العريضة للرّوحانيّة الغربيّة
في العصر القديم والوسيط والحديث المبكر

ترجمة د.فرانك درويش
ط.1، 680 ص.، بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-8192-4

يتناول هذا الكتاب المرجعيّ الضّخم، ٦٧٤ صفحة من القطع الكبير، مسألة الفلسفة الخالدة  (Philosophia Perennis)، من وجهة نظر مقارِنة تجمع بين الفلسفة وتاريخ الأفكار واللّاهوت والرّوحانيّة والأنثروپولوجيا، وكلّ ما تتضمّنه من مفاهيم ومنهجيّات تفكيكيّة تساعد في مجال فهم مدلولاتها وتأثيراتها الفكريّة والاجتماعيّة والسّياسيّة واللّاهوتيّة والإكليسيولوجيّة. أُرفق العمل التّاريخيّ - الفلسفيّ ببيليوغرافيا دسمة تناولت كلّ المراجع والكتابات في هذا المجال، والدّراسات الّتي تناولتها في اللّغات الألمانيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسپانيّة، وبفهرس عامّ للمفاهيم والكتب، والرّموز، والشّخصيّات التّاريخيّة.

هذه الدّراسة متمحورة على تقليد الفلسفة الخالدة كما تبلورت داخل التّقليد المسيحيّ وعلى خطّ التّوازي مع التّراثات الفلسفيّة واللّاهوتيّة والصّوفيّة على تنوّع مصادرها النّيو-أفلاطونيّة واليهوديّة والإسلاميّة الّتي تركت أثرًا داخل هذا النّطاق المعرفيّ. مؤلّف الكتاب الموسوعيّ الدّكتور ڤيلهلم شميدت - بيغمان فيلسوف ألمانيّ ومؤرِّخ معاصر للأفكار (١٩٤٦-) عُرف بعمله في مجال دراسة التّيّارات الفلسفيّة والرّوحانيّة: الكاباليّة المسيحيّة، وتيّار الأنوار ومضادّاته في ألمانيا، والرّؤى النّهيويّة والفيلولوجيا، والفلسفة الخالدة[1]… عملُ التّرجمة يعود إلى الدّكتور فرانك درويش (١٩٧١-) أستاذ الفلسفة في جامعة ديجون بفرنسا، وهو باحث في الفلسفة الألمانيّة الحديثة والمعاصرة والعمل الفلسفيّ المقارن، وقد رافقه في عمل التّرجمة، كما يوضح في المقدّمة، الدّكتور جورج تامر رئيسُ دائرة الدّراسات الإسلاميّة في جامعة إرلنجن بألمانيا الاتّحاديّة.

قدّم المؤلّف الألمانيّ للتّرجمة العربيّة، في حين أوضح المترجم، في مقدّمة عمله، إشكاليّات التّرجمة، لجهة صياغة المفاهيم باللّغة العربيّة، ولجهة التّعامل مع النّصوص اللّاتينيّة الّتي وردت في النّصّ الألمانيّ من دون ترجمة، وقد عمد إلى ترجمتها حتّى يقرأها الّذين لا يعرفون اللّغة اللّاتينيّة وتعزيرًا لفهم الدّراسة، لكنّه (أي المترجم) لم يعمد بشكل منهجيّ إلى وضع قاموس ألمانيّ - عربيّ يُغني المكتبة العربيّة بعمله اللّغويّ والفيلولوجيّ والفلسفيّ الشّاقّ، من أجل تطوير الكتابة الفلسفيّة باللّغة العربيّة، وتعزيز عملية التّثاقف الفلسفيّ والفكريّ في النّطاق العربيّ.

ينطلق العمل البحثيّ من التّعريف بمعالم البحث الأفهوميّة والنّطاقيّة الّتي تطال تيّار الفلسفة الخالدة في التّاريخ الغربيّ مستعرضًا المحاور والمؤلّفات والكتّاب الأساسيّين، كما يؤشّر إليها العنوان المرادف: الفلسفة الخالدة، الخطوط العريضة للرّوحانيّة الغربيّة في العصر القديم والوسيط والحديث المبكر[2]. تمتاز التّرجمة بدقّتها العائدة إلى التّمكّن من اللّغات الألمانيّة والعربيّة واللّّاتينيّة ومن الثّقافة الفلسفيّة المقارِنة المتماسكة، وقد عمدت إلى استثناء وفرة المراجع الألمانيّة والأوروپيّة من أجل تسهيل عمل القراءة والتّخفيف من كثافة الحواشي، فيما تناول المؤلّف في عمله تقديم منهجيّته في القراءة: الفنطاسيا وعلم تاريخ التّخيُّل، ومن ثمّ عمد إلى عرض الخطوط العريضة للفلسفة الخالدة لجهة مبادئها:

أ)  وجود ﷲ وجوهره،

ب) اللّوغوس الإلهيّ والكريستولوجيا،

ج) العالم البدئيّ والحكمة،

د)  خلق عالم الواقع،

هـ) الزّمان الطّبيعيّ والزّمان التّاريخيّ،

و) الفلسفة القديمة.

قسّم العمل إلى جزأين: الأوّل يتناول مفهوم المجد، والثّاني يتناول لاهوتَ الزّمان.

يتحدّث الجزء الأوّل عن إشكاليّة أسماء ﷲ: عقيدة پروكلّوس (٤٨٥-٤١٠) في الأسماء الإلهيّة عند أفلاطون في كتب القوانين، الجمهوريّة، فايدرا، وفايدو. يستتبع البحث مع جدليّة الأسماء الإلهيّة لديونيسيوس الأريوباغي (النّصف الثّاني من القرن الخامس) مستعرضًا مفاهيم الثّالوث، الكينونة والواحد، دائرة الأسماء الإلهيّة. ومن ثمّ ينتقل إلى الفلسفة الوضعيّة للأسماء الإلهيّة، بحسب إيسيدروس الإشبيليّ (٦٣٦)، ولاهوت رامون لول (١٢٣٥-١٣١٦): لوح لول الكبير، المفاهيم المطلقة، الهرميّة السّيكولوجيّة للماهيّات، الفضائل والرّذائل، العقل ومشهد المسندات الإلهيّة. يتابع البحث في القبلانيّة المسيحيّة عند جيوڤاني پيكو (١٤٦٣-١٤٩١)، ويوهان رويخلين (١٤٥٥-١٥٢٢) وپاولو ريتشيو (ت. ١٥٤١): قبلانيّة كاباليّة اسم يسوع، خلق ﷲ لنفسه (پيكو، رويخلين)، وجوزيف جيكاتيلا (١٢٤٧-١٣٠٥)، قبلانيّة اسم يهوه، التّأويل القبلانيّ عند رويخلين وريتشيو، مفهوم اللّغة عند رويخلين في كتاب «في الكلّمة المذهلة»، القبلانيّة عند ياكوب بوهمه ( ١٥٧٥-١٦٢٤)، عقيدة الكيفيّات: الكيف الأوّل، وضع الإرادة في حيّز الرّغبة؛ الكيفيّة الثّانية، وصف، منبع، انكسار، مرارة، لدغة مريرة؛ الكيف الثّالث، القلق والضّيق؛ الكيف الرّابع، البرق النّاريّ والرّعب؛ الكيف الخامس: الحنان ونار المحبّة؛ الكيف السّادس، الصّوت، الكيف السّابع: حكمة ﷲ.

كما يتناول الجزء الأوّل مسألة الكون البشريّ: لاهوت اللّوغوس، ميثولوجيا الإنسان البدئيّ  (Urmensch) عند أفلاطون والحكمة، ومن ثمّ يتطرّق إلى إشكاليّة آدم الكونيّ، بحسب فيلون الإسكندريّ، والدّينونة، والإنسان الباطن وهدف الخلق عند غريغوريوس النّيصيّ في كتابه «عظة حول خلق الإنسان»: تألُّه حرّيّة الإنسان، الإنسان الدّاخليّ والخارجيّ، الكائن النّاقص، العالم المصغّر وخير ﷲ الفائق الطّبيعة، والمحبّة عند هيلدغارد فون بينغن (١٠٩٨-١١٩٧)، والعقل الفاعل عند ملاك فيسينو وجيوفاني پيكو «في كرامة الإنسان»، والكون القبلانيّ عند پاولو ريتشيو: صورة النّموذج الأصليّ ومعنيّ التّنظير، جسد المسيح السّماويّ والمسيحانيّة الرّشديّة، الإنسان الثّلاثيّ عند پراكسلوس، ولاهوت الخلق عند ياكوب بوهمه: الحكمة وآدم، آدم والمسيح، ومقاربة آدم قدمون لا أبراهام كوهين دي هيريرا (ت. ١٦٣٥): آدم كإمكان الفضاء، والقوّة الرّباعيّة للانبثاق الكرويّ، انكشاف آدم قدمون في ملاذه المقدّس، الممارسة التّقيّة للحكمة الإلهيّة، اهتداء غوتفريد أرنولد. كوسمولوجيا فيلون الإسكندريّ (٢٥ق. م. - ٤٥ ب.م.)، سفر بتسيرا ونموذج الأبجديّة الأصليّة، الفضاء المقدّس عند أفلوطين (٢٠٥-٢٧٠)، الأرواح الحرّة عند أوريجينوس (١٨٤-٢٥٤)، النّماذج الأصليّة عند أوغوسطينوس (٣٤٥-٤٣٠)، ديونيسيوس الأريوباغي (١٥٤٨-١٦٠٠)، السّطوع المقدّس؛ العرفان والتسلسل الهرميّ، الطّبّ الكوسمولوجيّ عند النّساء ڤيسينو (١٤٣٣-١٤٩٩)، الاندماجيّات المنويّة بحسب جوردانو برونو والفضاء اللّامتناهي (١٥٤٨-١٦٠٠)، البداية الأبديّة والبداية الزّمنيّة، وعقيدة تناغم العالم (Harmonia Mundi) بحسب جورجيو ڤينيتوس (١٤٦٠-١٥٤٠)، عقيدة العناصر الرّوحيّة لهاينريش كورنيليوس أجريپا (١٤٨٦-١٥٣٥)، البعد الرّوحيّ: تصوّر نيقولاس الكوزاني الخاصّ بالفضاء (١٤٠١-١٤٦٤)…

ويعالج الجزء الثّاني إشكاليّة لاهوت الزّمان. زمان العالم والعودة: زمان الدّينونة يتضمّن معنى النّهاية، التّوق كبنية صوريّة للزّمان ذي المعنى، جوهر النّموّ الطّبيعيّ، معنى الوحي، تيپولوجيا الرّؤى: رؤيا يوحنّا كنموذج عن نهاية العالم، أوريجانوس (١٨٥-٢٤٥/ ٢٤٦): الحرّيّة، القيامة، والباطن، أفلاطونيّة أوريجانوس المسيحيّة، القيامة عند أريجينا، دفاع پيكو عن أوريجانوس، توحيد جميع الأديان، الإعادة التّآزريّة عند غيّوم پوستيل، الفداء الكونيّ عند يوهان ويلهلم پيترسن، تدبير الخلاص، الفداء المخلّص، العودة.

العصور والحقبات: تحوّل التّاريخ في المسيح، لاهوت التّاريخ بحسب الشّريعة والإنجيل عند بولس الرّسول، تحوّل الزّمان والخلود. عصور العالم السّتّة: أزمنة العالم بحسب بيدا (٦٧٣-٧٣٥)، تيپولوجيا الزّمان الآتي بحسب يواكيم دي فيوري (١١٣٢-١٢٠٢): مواضيع تتعلّق بنهاية العالم السّياسيّة، تيپولوجيا العهدين، عصور العالم الثّلاثة، الحكم الرّوحيّ وتداعياته السّياسيّة، رؤى دانيال والإمبراطوريّة الرّومانيّة المقدّسة، تاريخ العالم لأشعيا والممالك الثّلاث بحسب دانيال؛ لاهوت الإمبراطوريّة الرّومانيّة المقدّسة بحسب يوهانس سليدان (١٥٠٦-١٥٥٦)؛ التّاريخ المثاليّ وتاريخ نهاية الدّهر بحسب فيليپ ملانكتون (١٤٩٧-١٥٦٠).

انتقال الحكمة (Translatio Sapientiae): المنطق التّاريخيّ للفلسفة الخالدة، جينيالوجيا الحكمة بحسب أوغوسطينوس، موسوعة الآباء بحسب روجر بيكون (١٢١٤-١٢٩٤)، حكمة ما قبل الطّوفان وجنيالوجيا الشّعوب بحسب طبعة أنيوس من ڤيتربو لنصوص بيروسوس، الوحي الثّالث بحسب ستوشو (١٤٩٦-١٥٤٩)، العلم الدّينونيّ الكينونيّ عند يوهان هاينريش الستيد (١٥٨٨-١٦٤٢).

أزمنة العالم بحسب شيلينغ: الفلسفة الحاصلة (Philosophia adepta)، فلسفة الرّوحانيّة، ظهور العالم المادّيّ، مراحل الصّيرورة، الإسخاتولوجيا، الفلسفات الوضعيّة والسّلبيّة والحاصلة؛ فلسفة الرّوح: الإنتاج المتعالي والبداية المطلَقة، المشاركة والإحساس السّبقيّ؛ تاريخ الآب والابن: الثيوغونيا والماضي، قوّة الصّيرورة، الحضور الخريستولوجيّ، الحياة في المكان والزّمان؛ تاريخ الرّوح: الحلوليّة وتاريخ الفلسفة، تاريخ الميثولوجيا والوحي.

تكمن أهمّيّة هذه التّرجمة في تعريف الوسط الجامعيّ العامل في هذا المجال بهذا العمل الموسوعيّ الضّخم، وإثراء الكتابة الفلسفيّة باللّغة العربيّة لجهة إدخال المفاهيم والمحاور الفلسفيّة والخبرات الرّوحيّة والتّعريف بالفلاسفة واللّاهوتيّين والكتابات العائدة لهذا التّراث. لقد نجح الدّكتور فرانك درويش في التّعاطي مع كلّ الإشكاليّات الفلسفيّة واللّغويّة والفيلولوجيّة والتّأريخيّة ونقلها إلى اللّغة العربيّة بكلّ دقّة وأمانة.

[1]      مختارات من بيبلوغرافيا الدّكتور ڤيلهلم شميدت – بيغمان

– Geschichte der Christlichen Kabbala, III Bände, Walter der Gruyter: 2012, 2013, 2014.

– Apokalypse und Philologie, Vandenhoeck § Ruprecht Verlag, 2006.

– Aufklärung in Deutschland, Hohwacht Verlag, 1979, herausgegeben mit Paul Raabe.

– Politische Theologie der Gegen Aufklärung, Walter der Gruyter, 2004.

[2]      Wilhelm Schmidt- Biggeman, Philosophia Perennis, Historische Umrisse Abendländischer Spiritualität in Antike, Mittlealter und Früher Neuzeit, Suhrkamp, 1998.

 

الدّكتور شارل شرتوني: باحث أكاديميّ وأستاذ جامعيّ. حائز شهادة الدّكتوراه في تاريخ الأفكار من جامعة باريس الرّابعة – السّوربون (١٩٨٢). وقد أنجز دراسات ما بعد الدّكتوراه في جامعة ألبرت لودڤيغ – فرايبورغ – ألمانيا، وفي جامعة ميريلاند الأميركيّة. من مؤلّفاته بالعربيّة: هل هنالك من مسألة مسيحيّة في المنطقة العربيّة، دار المشرق ٢٠١٤، ولبنان من النّزاعات المديدة إلى دولة القانون، دار النّهار ٢٠٠٦، والعديد من المؤلّفات باللّغتين الفرنسيّة والإنجليزيّة.
[email protected]

Islam et altérité Analyses, réflexions et défis contemporains

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

Ali Mostfa, Roula Talhouk, Michel Younès
Islam et altérité Analyses, réflexions et défis contemporains

ط.1، 292 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-6037-0

 

للأديان دور كبير في عصرنا الحاضر على الرّغم من انتشار العلمانيّة، بخاصّة في الدّول الغربيّة، وابتعاد الكثيرين عن تلك الأديان، والتّقدّم العلميّ والتّكنولوجيّ والانتشار الواسع للفكر النّقديّ. وأبرز أسباب انتشار الدّين الواسع أنّ الدّين يرسم تصوّرًا كاملًا لحياة الإنسان من وقت ولادته وحتّى موته وأبديّته. بالإضافة إلى أنّ الأديان التّوحيديّة تؤمّن بأنّها الطّريق الوحيد لنيل نعمة الخلاص. ولحسن الحظّ فإنّ نافذة صغيرة بدأت تنفتح وتدفع باتّجاه قبول الآخر وإقامة حوار معه، ومحاولة إيجاد قواعد مشتركة تسمح بِتلافي الصّراعات والإرهاب والتّقاتل الّذي يستعِر منذ مئات السّنين.

وقد كانت الكنيسة الكاثوليكيّة السّبّاقة في مدّ جسور الحوار بين الأديان من خلال المجمع الفاتيكانيّ الثّاني الّذي انعقد في ستينيّات القرن الماضي، وصدرت عنه تعاليم جدّدت التّعليم الكاثوليكيّ واعتبرت أنّ الأديان الأخرى يمكن أن تقود، ولو بطريقة تفتقر إلى النّعمة، إلى الخلاص. وتوالت بعد ذلك المؤتمرات وحلقات الحوار الّتي هدفت إلى إيجاد وسائل التّعاون والانفتاح بين الأديان. من هنا فإنّ مداخلات المؤتمر الّذي يحمل عنوان «الإسلام والآخر: تحليل، تأمّل، وتحدّيات معاصرة»، والتّي وثّقها هذا الكتاب، تهدف إلى دراسة العوامل الاجتماعيّة واللّاهوتيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والتّربويّة والتّاريخيّة الّتي طبعت رؤية الإسلام إلى الأديان الأخرى وبشكلٍ خاصّ المسيحيّة واليهوديّة وحتّى البوذيّة.

بدايةً، يؤدّي الآخر دورًا محوريًا في بناء الهويّة الذاتيّة، فهو الخصم والمنافس الّذي يحاول الفرد السّيطرة عليه أو إظهار التّفوّق على كلّ طروحاته.

“La construction de l’identité se fait alors dans un rapport d’altérité. Cette construction identitaire n’échappe pas à une logique d’opposition vis-à-vis de l’Autre. “Le Moi se pose en s’opposant”[1]. t

لذلك يمكن الاستنتاج أنّ مجد جماعة دينيّةٍ ما، وجزءًا كبيرًا من تاريخه،ا مرتبطان بصراعها مع الأديان الأخرى من خلال الشّهادة والاستشهاد، وما يتبعها من تمجيد للشّهداء وتضحياتهم وبطولاتهم الّتي تطبع الذّاكرة الجماعيّة. والدّليل على ذلك، أنَّ أبرز التّحدّيات الّتي يواجهها العالم الإسلاميّ اليوم ترتبط بنموذج الحضارة الغربيّة وأبرز صفاتها كالدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان والمواطنة والمساواة بين جميع المواطنين بالحقوق والواجبات من دون أيّ تمييز عرقيّ أو دينيّ أو اجتماعيّ أو ثقافيّ، وحقوق المرأة ومساواتها بالرّجل والعلاقة بين الدّين والسّياسة والعلمانيّة وغيرها من إشكاليّات الحداثة الّتي انطلقت في أوروبا منذ القرن الخامس عشر. تناول المشاركون في المؤتمر كلّ هذه المحاور من خلال النّصوص الدّينيّة كالقرآن والسّنّة والأحاديث والفقه والاجتهاد والواقع السّياسيّ الحاليّ.

وقد شكّل موضوع الخلاص لغير المسلمين أحد المحاور الأساسيّة في المؤتمر من خلال ورقة بحثيّة تحمل عنوان: هل يمكن الكافر أن يخلُص ويدخل الجنّة؟ وما يزال هذا الموضوع مصدرًا للكثير من التّأويل لدى علماء المسلمين. ولعلّ الانتقادات الكثيرة، الّتي تعرّض لها المفتي السّابق للأزهر الشّيخ علي جمعة لقوله إنّ المسيحيّ يمكن أن يدخل إلى الجنّة، كادت أن تصل إلى حدّ تكفيره. وتناولت إحدى المداخلات موقف القرآن والفقه والاجتهاد ومواقف الفرق الإسلاميّة المختلفة كالمعتزلة وغيرها من هذا الأمر، وكذلك موقف ابن تيميّة والغزالي من الأمر الشّائك من دون أن يصل إلى نتيجة بسبب دقّة الموضوع والتّفاسير والمواقف الفقهيّة بهذا الشّأن ممّا يُبقي الأمر موضعَ نقاش في المستقبل.

“From the Qur’anic perspective, Christians are not to despair, they are to live (as Muslims are as well) in fear of divine judgment.”[2]

وقد شكّل موضوع العلاقات التّاريخيّة بين الإسلام والمسيحيّة محورًا أساسيًّا من محاور المؤتمر. في الواقع، اتّسمت هذه العلاقات بفترات من التّعاون وقبول الآخر تقابلُها فترات صراع لا تزال أصداؤها تتردّد حتّى يومنا هذا، من دون أن تفلح سياسة الانفتاح على الآخر في تجاوزها. من هنا ضرورة الغوص بعمق وعقلانيّة وإيجابيّة في هذه التّراكمات وتلافي التّنميق والتّجميل الّذي لا ينفع.

“Par-delà l’appel à la fraternité qui en soi est une bonne manière de considérer l’autre, il s’agit de décrypter et de déconstruire les regards négatifs vis-à-vis de l’autre, très souvent légitimés théologiquement pour asseoir une compréhension de soi, du monde et de Dieu. Si le défi est de transformer la logique de concurrence ou la prétention de rectifier les autres considérés comme hérétiques ou déviants, en entrant dans une logique d’enrichissement mutuel, impliquant d’effacer la prétention de connaître l’autre indépendamment de lui-même, et si l’enjeu est d’éviter de justifier ma vérité en dénigrant celle de l’autre, le moyen pour y parvenir réside dans le travail sur le statut que j’accorde à l’autre…”[3]. t

ومن جهةٍ أخرى، فإنّه من المهمّ التّركيز في العلاقة مع الآخر على موضوعات حقوق الإنسان، والمساواة بين الرّجل والمرأة، والمواطنة.

بالنسبة إلى حقوق الإنسان، وتحديدًا الإعلان العالميّ في هذا المجال، وهو يمثّل كُنه التّفكير الغربيّ المتقدّم، فقد حاول المفكّرون المسلمون، مثل محمّد البسيوني وطاهر القادري، إيجاد إعلان إسلاميّ لحقوق الإسلام بالعودة إلى التّعاليم الإسلاميّة لإيجاد شيء مشابه يستطيع مجاراة تقدّمِ الغرب في هذا الشّأن. ولكنّ كلّ هذه الاجتهادات في موضوع حقوق الإنسان والدّيمقراطيّة يجب أن تتوافق مع الشّريعة.

“In recent decades, several declarations on human rights from a Muslim perspective have been issued by Islamic Organisations. Such declarations aimed at doing justice to basic articles of Muslim faith as well as preserving Muslim identity in an increasingly globalised world. Without any exception, they present a limited approval of human rights. The Universal Islamic Declaration of Human Rights, adopted by the Islamic Council of Europe in September 1981, admits human rights only under the condition that they conform to the Sharia”.[4] t

ويتناول الموضوع الثّاني قوانين الأحوال الشّخصيّة وحقوق المرأة ولا سيّما موضوع الطّلاق، وتعدّد الزّوجات، والإرث وتقسيم الأموال، وقد جرت محاولات عديدة لتحديث هذه القوانين من دون أن تصل إلى نتيجة حاسمة لأسباب اجتماعيّة وسياسيّة ودينيّة.

“Debates around PSL show the tensions between the two contradictory forces in nation-state building processes in the MENA. National constitutions and international agreements that are signed to keep up with the modern world claim to provide equal ‘citizenship’ to all people living under their territories. At the same time, personal status laws that have been based on religion and cultural motives have stayed intact or reformed slowly as the governments try to fit in the demands of cultural authenticity”.[5]

أمّا الموضوع الثّالث فهو يتعلّق بالمواطنة وحقوق الفرد الّتي تشكّل أساس الدّولة الحديثة. وفي الواقع إنّ التّفريق بين النّاس في هذا الشّأن جعل من الأنظمة السّياسيّة في معظم الدّول الإسلاميّة أنظمة هشّة مع ما يرافق ذلك من الرّفض الّذي يقود إلى الثّورات الدّاخليّة، ويمنع تقدّم هذه الدّول. صحيح، أنّ معظم الدّول الإسلاميّة قد اعتمدت دساتير حديثة وأقرّت بالمساواة بين المواطنين أمام القانون تحت راية الشّريعة الإسلاميّة الّتي هي مصدر التّشريع، ولكنّ التّطبيق العمليّ لهذه المساواة لا يتوافق مع مبادئ الشّريعة تلك. لأنّ الكلمة الفصل تعود في النّهاية إلى الدّين، بحسب ما ورد في وثيقة الأزهر عن المواطنة والحرّيّة الدّينيّة. وفي النّتيجة فإنّ معظم هذه الدّول لم تستطع رفع مستوى حياة سكّانها والارتقاء إلى مصاف الدّول المتقدّمة.

“Al-Azhar’s declaration of citizenship and coexistence refers to (blasphemy) as an incompatible behaviour with the principle of citizenship; thus, blasphemy – according to this declaration – leads to discrimination between Muslims and non-Muslims (Among the works of the Al-Azhar Conference, 2017). This reference bears undemocratic aspects and contradicts to freedom of religion”.[6]

وقد حاول رئيس الجامعة اليسوعيّة الأب سليم دكّاش في مداخلته الختاميّة اقتراح حلول عمليّة لإشكاليّة الآخر في الإسلام، مركّزًا على التّعليم والتّآخي والمواطنة وتحديث البرامج التّعليميّة والانخراط بعمليّة إصلاحيّة شاملة، ومشدّدًا، في الوقت نفسه، على مركزيّة وتراتبيّة المنظومة القيّميّة.

“Il est bon de se pencher sur la centralité des valeurs, dans leur caractère commun ou spécifique, étant considérés des moyens termes qui assurent une position de médiation entre les finalités et les objectifs, aussi bien généraux que spécifiques, entre le projet éducatif et le projet pédagogique, entre l’individu et la collectivité, entre les communautés et la nation. Car ce sont les valeurs – ou ce qui a de la valeur pour chacun, ou bien ce qui donne sens à la vie de l’un et de l’autre et à l’engagement du groupe, qui doivent faire le lien entre deux termes dont le contenu est différent”.[7]

خلاصة

إنّ إشكاليّة معرفة الآخر مرتبطة بالصّراع بين الحداثة والتّقليد وإعادة قراءة النّصوص الدّينيّة في ضوء التّطوّرات الاجتماعيّة والسّياسيّة الّتي تُميّز العالم اليوم كي لا تبقى معرفة الآخر في الإسلام – كما في الأديان الأخرى – مرتبطة بصورة نمطيّة متشدّدة لا تنظر إلى الآخر كما هو بل كما تتخيّله. إنّ إشكاليّة معرفة الآخر ترتدي طابعًا حيويًّا في عالمٍ يعاني من التّشدّد الدّينيّ الّذي يقود أحيانًا كثيرة إلى الإرهاب والعنف.

[1]  Ali Mostfa, Roula Talhouk, Michel Younès, Islam et Altérité, Beirut: Dar El Machreq, 1ère édition, 2024, p. 19. t

[2] Mostfa, Talhouk, Younès, Islam et Altérité, p. 114. t

[3]Mostfa, Talhouk, Younès, Ibid, p. 124. t

[4] Mostfa, Talhouk, Younès, Ibid, p. 139 t

[5] Mostfa, Talhouk, Younès Ibid, p. 167. t t

[6]      Mostfa, Talhouk, Younès, Ibid, p. 177. t

[7]      Mostfa, Talhouk, Younès, Ibid, p. 197. t

الدّكتور جورج لبكي: رئيس مجلس إدارة المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز شهادة دكتوراه في القانون من السّوربون، وأخرى في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس XII. من مؤلّفاته باللّغة الفرنسيّة: أنثولوجيا. الأدب اللّبنانيّ باللّغة الفرنسيّة. ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.

       [email protected]

أحوال المسيحيّين في العالم

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

إشراف جان ميشيل دي فالكو، تيموثي رادكليف، أندريا ريكاردي
أحوال المسيحيّين في العالم
ط.1، 388 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
ISBN: 978-2-7214-7118-5

كتاب يقترب عدد صفحاته من الأربعمئة، وهو مستلٌّ من كتابٍ أضخم يحمل عنوانًا مثيرًا «الكتاب الأسود»، وعنوانًا فرعيًّا «أحوال المسيحيّين في العالم». يبدو أنّ جامعة القدّيس يوسف، المشرفة على ترجمته ونشره في دار المشرق، أرادت أن تتفادى النّظرة التّشاؤميّة الّتي يوحي بها العنوان الأصليّ، وآثرت، للسّبب نفسه، أن تُبقي على العنوان الفرعيّ، مع أنّه لا يعكس معيار اختيارات الموضوعات من الكتاب الأصليّ (800 صفحة)، إذ بُني الاختيار على أحوال المسيحيّين في الشّرق الأوسط.
ينقسم الكتاب قسمَين: في الأوّل، مقالات بحثيّة تعالج موضوعات العنف والسّلام، ولمَ يُستهدَفُ المسيحيّون في كلّ مكان، والحرّيّة الدّينيّة… والقسم الثّاني يتناول أحوال المسيحيّين في بلدان الشّرق الأوسط، فيخصّص لكلّ بلدٍ فصولًا عدّة قوامُها تقارير وتحليلات وشهادات حياة.
لا يسعى الكتاب وراء أيّ دفاعٍ أو اتّهام، بل يذكِّر في قسمه الأوّل بمبادئ حقوق الإنسان في المُعتقَد والحرّيّة الدّينيّة، ويصف في قسمه الثّاني، وبكثيرٍ من الحياديّة، أوضاع المسيحيّين في كلّ بلد، القوانين المجحفة في حقّهم، وبعض الممارسات ضدّهم، الّتي توصف عمومًا بأفعالٍ فرديّة، ولكنّها لا تلقى ردّة فعلٍ مناسبة من السّلطات الأمنيّة أو القضائيّة، أو تواجَه، وبكلّ بساطةٍ، بصمتٍ أو تعتيم.
يروي المطران دومينيك ريزو (Dominique Rézeau)، البالغ من العمر سبعةً وستّين عامًا، لدى وصوله إلى طرابلس (الغرب) في ديسمبر (كانون الأوّل) 2012، فيقول: «في أثناء الاغتيال الأخير لمسيحيّين مصريّين في بنغازي، الوحيدان اللّذان أظهرا موقفًا هما سفيرا سويسرا والنّمسا. أمّا ممثّل الأمم المتّحدة فقد أتحفنا بتصريحٍ مبهَمٍ يدين العنف، من دون أن يشير إلى أنّ هذا الفعل الإجراميّ مورِسَ ضدّ مسيحيّين، ولأنّهم مسيحيّون». لِمَ هذا الصّمت؟» (ص. 11).
يقول المطران جان ميشيل دي فالكو في مقدّمته: «مِن واجبنا أن نتكلّم ونثور: ما من شيءٍ مُهينٍ لشعبٍ متحضّرٍ أكثر من الاستسلام، بدون مقاومة، لمزاجيّة المستبدّين الغامضة». (ص. 12). ويذكّر بتقريرٍ صدر في العام 2013 يبيّن أنّ عدد المسيحيّين المضطهَدين في العالم، اضطهادًا سافرًا، يتراوح بين 100-150 مليون شخص في العالم.
البلدان المذكورة في هذا الكتاب هي على التّوالي: شمال أفريقيا، مقال واحد يمزج فيه برنار هيبرجيه التّاريخ والتّحليل والأحداث والشّهادات. إنّه مقال مفصليّ بين قسمَي الكتاب، إذ ستتمّ العودة إلى هذه البلدان في نهاية القسم الثّاني.
العراق، مقالات وتحليلات عدّة، مع شهادات حياةٍ تقشعرّ لها الأبدان للعنف الّذي تعرّض له المسيحيّون في أقاليم الشّمال على يد داعش، ومن بينها شهادةُ حياة للمطران جورج قس موسى الّذي اختُطِفَ وهُدِّدَ بقطع الرّأس قبل أن تتدخّل الوسائط ويُطلَقَ سراحه.
سورية، تحليلات وشهادات يغلب عليها طابع التّحفّظ لغموض مسألة الصّراع الدّائر هناك الّذي لم يستهدف المسيحيّين لأنّهم مسيحيّون، كما في العراق، بل عانوا تداعياته ما أدّى إلى هجرتهم من البلد بأعدادٍ كثيفة.
مصر، تعرض الشّهادات والتّحليلات وضع المسيحيّين كمواطنين محرومين من بعض الحقوق المدنيّة (بناءُ دور عبادة، دخولُ بعض الكلّيّات، نَيلُ بعض الرّتب العسكريّة العليا…)، ما أدّى بهم إلى التّقوقع والعيش وكأنّهم في جزرٍ منعزلة، وإشادة جدرانٍ اجتماعيّة فاصلة بينهم وبين الأكثريّة المسلمة.
إيران، تحليل واستطلاع يبيّنان كيف أنّ السّلطات الإيرانيّة تمنع المسيحيّين من الصّلاة باللّغة الفارسيّة (على كلّ طائفة أن تصلّي بلغتها الأمّ: الأرمنيّة، السّريانيّة، الآشوريّة…)، أو طباعة أيّ كتابٍ مسيحيّ بالفارسيّة، وتفرض على الكنائس رقابة مشدّدة.
ثمّ يأتي دور السّعوديّة، والأراضي المقدّسة، ووضع المسيحيّين الهشّ في لبنان، وتركيا مع مَن بقي فيها بعد ذبح ملايين عدّة من المسيحيّين وتهجيرهم في بداية القرن العشرين، ليُختَتَمَ المشهد مع بلدان شمال أفريقيا: المغرب والجزائر وتونس، وفي آخر الأمر: ليبيا.
ولكي لا ينتهي الكتاب بهذه الصّورة الحالكة، تعود الفصول الأخيرة للكلام على الحوار، وتحديدًا بين ديانتين توحيديّتين، وأهمّيّة الحضور المسيحيّ في الشّرق.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

[email protected]

متى صلّيتم فقولوا: أبانا الّذي في السّموات

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

أنسلم غرون
متى صلّيتم فقولوا: أبانا الّذي في السّموات

نقله إلى العربيّة الأب باسم الرّاعي
ط.1، 116 ص. بيروت: دار المشرق، ٢٠٢٤
ISBN: 978-2-7214-5659-5

هو الكتاب السّادس في اللّغة العربيّة الذي تنشره دار المشرق للأب البندكتيّ الألمانيّ أنسلم غرون، المُلقَّب بـ «معالج النّفس»، الرّاهب الأشهر في العالم الّذي ألّف حوالى الثّلاثمئة كتابٍ في الرّوحانيّة تُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، ارتكز فيها في آنٍ على آباء الكنيسة والعلماء في علم النّفس، مستشهدًا بالقدّيسين الأقدمين كغريغوريوس النّيصيّ ويوحنّا الذّهبيّ الفم وأوريجانوس، كما بالمفكّرين المعاصرين كمارتن بوبر ورومانو غوارديني توماس مان وكارل يونغ.

تمحور هذا الكتاب على صلاة الأبانا، أي الصّلاة الرّبّيّة الّتي تختصر الإنجيل (ترتليانوس)، وتلخّص العقيدة السّماويّة (قبريانوس القرطاجيّ)، وترشد إلى الحياة الرّوحيّة (غريغوريوس النيصيّ). منذ البداية، عرض المؤلِّفُ المفاتيح الثّلاثة المختارة لتفسير هذه الصّلاة الّتي علّمها يسوع لتلاميذه: أوّلًا، الاختبار الصّوفيّ في تلاوتها؛ ثمّ، اعتبارها تلخيصًا لبشارة يسوع؛ وأخيرًا، ربطها بعظة يسوع على الجبل. (ص.١٣).

قسم الكاتبُ مؤلّفَه فصلَين غير متوازنَين؛ شرح في الأوّل (٦٤ صفحة) كلّ عبارة من الصّلاة، كما وردت في إنجيل متّى، وتعمّق في الثّاني (٢١ صفحة) في سمات الصّلاة في إنجيل لوقا وكتاب أعمال الرّسل.

قدّم الأب غرون في القسم الأوّل تفسيرًا فريدًا للأبانا، غنيًّا بأبعاده الرّوحيّة واللّاهوتيّة والنّفسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة. قارب كلّ عبارة من الصّلاة من زوايا عديدة، فأكّد مثلًا أنّنا لا نخاطب ألوهةً مبهمة لأنّ كلمة «أب» تشدّد على علاقة مميّزة وشخصيّة (ص. ١٧)، وأنّ تقديس اسمه يتطلّب سلوكًا أخلاقيًّا كقول الحقيقة وممارسة العدل والطّموح إلى ما هو فوق (ص. ٢٨)، وأنّ مشيئته ليست اعتباطيّة، بل تهدف إلى العيش بتوافقٍ مع حقيقة جوهرنا (ص. ٤٩)، وأنّ الخبز الّذي نطلبه هو الآتي من السّماء ومانح الحياة الأبديّة (ص. ٦١)، وأنّ المغفرة تحرّرنا من البقاء رهائن الّذين أساؤوا إلينا (ص. ٦٥). إنّها عيّنة من الأفكار الواردة، ففي كلّ مرحلةٍ كان يذكر خواطر كثيرة. فالسّموات، مثلًا، تشتقّ في اللّغة الألمانيّة من كلمة «قميص»، وهي بالتّالي السّترة والحماية، ويسكنها ﷲ لأنّه أرفع من مستوى تفكيرنا، وهي ليست فوقنا ولا خارجنا، بل فينا لأنّ الخالق يُقيم في قلوبنا، وحيث يكون هو، نكون في مأمنٍ. (ص. ٢٢-٢٣). وفي كلّ مرّةٍ، كان يكشف عن المعنى من خلال عظة الجبل (متّى ٥-٧). فالتّجربة، الّتي نطلب من الآب ألّا يُدخلنا فيها، تأخذ وجهَين: أنْ نسلك الطّريقَ الرّحبة المؤدّية إلى الهلاك (متّى ٧، ١٣-١٤)، أو أنْ نرحّب بالأنبياء الكَذَبة الآتين بثياب الحِملان وَهُم في باطنهم ذئابٌ خاطفة (متّى ٧، ١٥).

وفي القسم الثّاني، توسّع في سِمات الصّلاة المسيحيّة في كتابَي القدّيس لوقا، الإنجيل وأعمال الرّسل. تأمَّل بدايةً بيسوع المصلّي في المنعطفات الأساسيّة في مسيرته على الأرض (ص. ٨٣-٨٨)، ومنها قبل دعوة التّلاميذ، لأنّ الصّلاة تُمكِّن من القيام بالخيارات الصّائبة؛ وفي وقت التّجلّي، لأنّها تُسقِط الأقنعة وتُظهِر جوهرنا الحقيقيّ؛ وعلى الصّليب، لأنّها تستودعنا بين يدَي ﷲ الرّؤوفتَين. ثمّ تأمّل في مكانةِ الصّلاة في حياة الجماعة المسيحيّة الأولى، مشيرًا مثلًا إلى أهمّيّة القيام بها في أوقاتٍ محدّدة، لأنّ الصّلوات المنتظمة تجعل من الزّمن العابر زمنًا مقدّسًا، فلا نعيشه وكأنّه زمنٌ ينهشنا، بل كأنّه زمن نعمة. (ص. ١٠٠).

يتّسم الأسلوب المتّبع بالسّهولة والجديّة، فهو كتابٌ في متناول الجميع يحثّ القارئ على السّير إلى العمق. يعالج إشكاليّات عديدة ويطرح أسئلةً جريئة، منها: كيف لمؤمنٍ توجّع من والدٍ قاسٍ أو غائبٍ مناداة ﷲ بعبارة الأب؟ كيف يطلب المرءُ مشيئة ﷲ إذا تعارضت مع إرادته أو رغبته؟ وهل ﷲُ يجرّب الإنسان؟

ثمّ أظهر الكاتب فرادة المسيحيّة من دون تفاخرٍ ولا تعالٍ، فشدّد مثلًا على أنّ الفلسفة الرّواقيّة طلبت محبّة الأعداء من منطلق الحرّيّة الدّاخليّة، فيما نادى المسيحُ بها لنكون أبناء أبينا الّذي في السّماوات والّذي يُطلِع شمسَه على الأشرار والصّالحين (ص. ٥٥).

من جهتي، أرى أنّه كان من الأفضل التّوقّف بدايةً على منزلة الصّلاة في المسيرة المسيحيّة، وبعد ذلك شرح صلاة الأبانا.

وفي الختام، أنوّه بفقرةٍ أراد الأب غرون من خلالها التّشديد على غنى الصّلاة الصّادرة عن يسوع المسيح، وقد أورد فيها: «حتّى لو قرأنا الكثيرَ عن صلاةِ الأبانا، لا يمكننا استنفاد سرّها، لأنّ يسوع وهبنا روحَه بهذه الصّلاة وجعلنا مُشارِكين في صلاته، وفي علاقته الحميمة بالآب، وفي توقه إلى جعل ملكوت ﷲ يأتي. قام بهذا ليجعل منّا أشخاصًا حقيقيّين. حين نردّد كلام يسوع نقترب منه، ومن رسالته، ومن شخصه، ومن محبّته للآب واتّحاده به، ومن ثقته، ومن إيمانه، وفي النّهاية من ﷲ الّذي يغلب الشّرّ ومن ملكوت ﷲ الّذي أتى» (ص. ١٠٥).

       الأب غي سركيس: حائز درجة الدّكتوراه في اللّاهوت من الجامعة اليسوعيّة الغريغوريّة الحبريّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدّيس يوسف والحكمة. وهو كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة. له مجموعة من المؤلّفات الدّينيّة والتّأمّليّة والفكريّة في اللّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث- النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة، ودروس من الهرطقات).

[email protected]

دروس من الهرطقات

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب غي سركيس

دروس من الهرطقات

ط.1، 216 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-5643-4

الهرطقات كلمة تثير حفيظة مَن يسمعها وتجعله يتّخذ موقف الدّفاع. ومن عادة الكتب أن تكرّس محتواها للرّدّ على الهرطقات وتبيان ضلالها. لكنّ الأب غي سركيس يسلك في كتابه هذا مسلكًا آخر، ويقف من الهرطقات موقفًا إيجابيًّا، لا لموافقتها كمضمون، بل ليبيّن كيف أنّ صياغة العقيدة المسيحيّة وتحديد معالمها نَمَوَا بفضل ظهور الهرطقات. المهرطقون هم الّذين دفعوا الكنيسة لتحديد قانون الكتاب المقدّس، والعقائد الخريستولوجيّة والسّوتيريولوجيّة…
لا يبرّر هذا الكتاب الهرطقات ولا يدافع عنها، بل يعرض بهدوءٍ المنطق الّذي استعمله المهرطق لصياغة إيمانه، ويعرض في المقابل الثّغرات والإشكاليّات الّتي لم يأخذها المهرطق بعين الاعتبار، فلم يقده استطراده الفكريّ إلى التّعمّق في عقائد الإيمان، بل إلى الانحراف عنها.
يسلك الكتاب مسارًا كرونولوجيًّا. فبعد مقدّمة وجيزة تُعرّف ما هي الهرطقات المسيحيّة وما هو تاريخها، يقدّم الكاتب الهرطقات الواحدة تلو الأخرى كما ظهرت تاريخيًّا، بدءًا من مرقيون وآريوس وانتهاءً بليونارد فيني. لعلّ المطّلع يعرف آريوس، وسمع عن مرقيون، ولكن مَن هو ليونارد فيني؟ هذا السّؤال يعكس محتوى الكتاب. فهو يذكر هرطقات شائعة، وشهرتها تأتي من كونها كانت سببًا لالتئام مجامع مسكونيّة، وأخرى غير شائعة لكنّها دفعت بالكنيسة إلى وضع صياغاتٍ محدَّدة في مواضيع طرحتها الهرطقات، بيّنت فيها وبوضوحٍ موقف الإيمان المسيحيّ.
هذا الكتاب ليس إحصاءً لجميع الهرطقات الّتي عبثت بالكنيسة، بل باقة مختارة. يبدو لي أنّ الكاتب اختار باقته بحسب معيارَين: شهرة الهرطقة وأهمّيّة ما طرحته لكنيستنا اليوم. المعياران موجودان معًا الواحد في الآخر: مثلًا، تأكيد ألوهيّة المسيح ومساواته للآب للرّدّ على آريوس، وهو أمر مهمّ للمسيحيّين الّذين يعيشون في بلدانٍ إسلاميّة، لأنّه يشكّل إحدى نقاط الخلاف بين الدّيانتين. وفي بعضها الآخر، يطغى معيار الشّهرة على الآنيّة كمحنة تحطيم الأيقونات، أو العكس، الآنيّة على الشّهرة كهرطقة ليونارد فيني (1897-1978)، الّذي ذكرناه آنفًا، والّذي طرح مسألة اللّاخلاص لغير المسيحيّين. موضوع شائك، مطروح حتّى الآن وله مؤيّدوه ومعارضوه. واللّافت أنّ فيني عاش في القرن العشرين، وأيّده أستاذان لبنانيّان يدرّسان في أميركا: فخري معلوف، وريمون كرم.
قسم الأب سركيس عرضه للهرطقة قسمين: الأوّل يقدّم حياة الشّخص وأفكاره، والثّاني يشرح العقيدة المسيحيّة، وقد حلّل الأفكار المعروضة في القسم الأوّل. من ناحية الشّكل، حرص الأب سركيس على أن تكون الفصول قصيرة، واللّغة بسيطة، وزيّن بعض الصّفحات بالصّور، ما جعل قراءته ممتعة، فيستطيع أيّ إنسان أن يقرأه ويفهم محتواه، وفي الآن نفسه، يجد الباحث واللّاهوتيّ فيه ما يلبّي حاجته. فبساطة الأسلوب الّتي تبنّاها المؤلّف لم تكن مطلقًا على حساب عمق المضمون.
والفصل الأخير في الكتاب يُحاكي الأوّل. فالأب سركيس يعود إلى مفهوم الهرطقة، ولكنّه يحاول أن يبيّن ما يمكن تسميته: الخطأ المشترك. الأفكار الجديدة تثير الرّيبة من دون شكٍّ. ولكنّ الإسراع في إدانتها أو «شيطنتها»، من دون حوارٍ يستغرق الوقت الكافي لتنكشف الأمور في جوهرها للطّرفَين المتحاورَين، يؤدّي حتمًا إلى ظلمٍ معيَّن. وقد أعجبني كلامُه على المهرطقين أستلّ منه الاقتباس الآتي:
«المهرطقون بشرٌ أحبّوا المسيح حقًّا واجتهدوا في خدمة البشارة. وقد ظهر هذا الجانب من شخصيّاتهم في الصّفحات السّابقة. فالنّاس لا يُصنَّفون في خانة الأبرار أو الأشرار. لكنّ الإخلاص في التّصرّف وطيبة القلب لا يتماهيان والحقيقة؛ واحترام المرء وتفهّم نيّته لا يعنيان حتمًا الموافقة على قناعاته وتعاليمه. لقد انحرفوا عن الإيمان المستقيم، ليس بالضّرورة استنادًا إلى مبدأ خاطئ، بل بسبب المبالغة في تناوله، فرفعوا الحقيقة الجزئيّة إلى مقام الحقيقة المطلقة». (ص. 186).

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.
[email protected]

منتصف الحياة- الولادة الجديدة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب نادر ميشيل اليسوعيّ

منتصف الحياة – الولادة الجديدة

ط.1، 112 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
ISBN: 978-2-7214-5658-8

هل من «منتصف للحياة»؟ من يحدّد توقيته؟ يُشير الكاتب إلى غموض الحدث على الرّغم من إشارته إلى ذكر هذه العبارة عند الإيطاليّ «دانتي» في «الكوميديا الإلهيّة»، وعند الرّاهب الألمانيّ «يوهانس تولر»، مرورًا بالعالِم النفسيّ كارل غوستاف (ص.7). تناول الكاتب تحديد «علماء النّفس منتصف الحياة بالفترة ما بين 35 و45 عامًا، ووضع «يونج» بدايتها في سنّ 32 عامًا، ومدَّها، على وجه حقّ، علماء آخرون إلى سنّ 65 عامًا». (ص. 8). يؤكّد الكاتب أنّ عرضه يشمل «بُعدًا نفسيًّا وأنتروبولوجيًّا، وآخر روحيًّا». (ص. 9). من هنا أورد بعد كلّ فصلٍ بحثيّ مجموعة من النّصوص للصّلاة والتّأمّل ليواجه القارئ نفسه في أسئلةٍ مطروحة للتّفكير الشّخصيّ والمشاركة الجماعيّة.

هذه المرحلة الحرجة، كما يشرح الكاتب، تبدو «كانهيارٍ، ما كان يسمح لنا بالوقوف على أقدامنا والسّير في طريق حياتنا، وكأنّ الأسس الّتي تقوم عليها قناعاتنا تقع الواحدة بعد الأخرى، وهي تشبه أيضًا خبرة رؤية معالم الحياة حولنا تتبخّر وتتلاشى من أمام عيوننا، وكأنّنا استيقظنا ولم نجد الدّنيا الّتي نعرفها ولا النّاس الّذين عهدناهم، ويمكن تشبيهها أيضًا بالرّداء الّذي نلبسه، وها قد بدأت خيوطه تنحلّ بعضها عن بعض وتتباعد فلا نجد ما يحمينا ويسترنا، بمعنى آخر، تمثّل أزمة منتصف الحياة نقطة فارقة تُحدث تغييرًا في مسيرتنا، فما نعيشه بعدها لا يشبه ما كنّا نحياه من قبل». (ص. 14)

بعد التّعريف بمفهوم «أزمة منتصف الحياة» يمضي الكاتب في تفكيك مفاصلها، فيبحث في التّوازن بين عناصر الحماية وضعف الشّخصيّة، وماذا وراء أزمة منتصف الحياة؟ (ص. 18) وماذا عن واقع العلاقات في هذه المرحلة؟ (ص. 19) وعن الحياة العمليّة والمهنيّة؟ (ص. 26)، وينتبه الكاتب إلى الأسباب الشّخصيّة الّتي تطال واقع الجسد ومتغيّراته (ص. 28)، والموت (ص. 33). هذه مواقف إنسانيّة ستُبرز، برأي الكاتب، أعراضًا نفسيّة ومَرَضيّة تتعلّق بأزمة منتصف الحياة، منها: الأعراض النّفسيّة: الاكتئاب (ص. 34)، والكآبة أو السّوداويّة (ص. 35)، والحنين إلى الماضي (ص. 36)، والتّراجع أو الانزواء (ص. 37). أمّا الأعراض المرَضيّة فمنها: وهْم المرض (ص. 39)، والاضطرابات النّفسيّة – الجسمانيّة (ص. 40)، واضطرابات الهوس (ص. 41)، واضطرابات جنون العظمة (ص. 42)، والاضطرابات الجنسيّة (ص. 43)، وسلوكيّات الإدمان (ص. 43)، والسّلوكيّات المُجرّمة (ص. 44).

ثمّ يبحث الكاتب في الفصل الثّاني في طريق الحكمة والعبور إلى الذّات (ص. 49)، انطلاقًا من «ثلاث مراحل فارقة: الولادة والطّفولة، والمراهقة، ومنتصف الحياة». (ص. 52)، وجب على المرء أن يُتقن الإنصات للذّات، وبخاصّة في مرحلة منتصف الحياة «وهي بالتّالي مسيرة استقبال وتصالح مع كلّ ما فينا وكلّ ما عشناه في تاريخنا وواقع المجتمع والنّاس من حولنا». (ص. 54). من هنا يبحث الكاتب في موضوع «الحياة في قبول التّناقضات»، والّذي بنتيجة الفهم الإيجابيّ لتفاصيل هذا العنوان «ينفتح أمامنا طريق يتّسع فيه القلب فيستقبل ولا يستحوذ، يستوعب ولا يُقصي، يُنصت ولا يخاف، يرحم ولا يحزن، ويحبّ ولا ييأس، قلب حاضر لمن يأتي إليه وينتظر الّذي ابتعد». (ص. 57).

يتابع الكاتب بحثه فيتوقّف عند الأسرار المرَضيّة (ص. 58) ليخرج الإنسان منها، بخاصّة وأنّ منتصف الحياة «فرصة سانحة لكي يرتّب أولويّاته ويستعيد زمام حياته». (ص. 59). ما يعني اكتساب الحكمة (ص. 60)، وأن نحوز الهويّة الجديدة حين «يحدث التّحوّل الإيجابيّ عندما يمكننا استيعاب ما أُجبرنا على تركه أو الانفصال عنه، وتوديعه بإرادتنا وحرّيّتنا». (ص. 61). إنّ طريق الحكمة يعني المضيّ في مسيرة نحو الذّات (ص. 63) ما يقود المرء إلى الاختيار: «بين طريق الأبوّة والأمومة في ابتكار متجدّد، وطريق الهروب من الذّات بأشكال مختلفة، الأبوّة والأمومة طريق صعب وبابه ضيّق لأنّه يسير ضدّ التّيّار، تيّار الثّقافة المحيطة بنا، وتدّعي أنّ الشّباب دائم وما العمر إلّا رقم». (ص66).

يقوم الفصل الثّالث على موقف واضح، حيث «تبقى إذًا مرحلة منتصف الحياة وقتًا مميّزًا للتّمييز الرّوحيّ». (ص. 85)، «معتمدين على كلمة يسوع: «لقد دعوت لك» لنسير في ضوء كلمة ﷲ نحو مستقبل لا نراه ولا نعرفه، ولكنّنا في اليقين بأنّ ﷲ معنا لا يتركنا أبدًا ويقودنا كلّ يوم في طريق الفرح والحبّ والحياة». (ص. 86). من هنا فإنّ الولادة الجديدة حاصلة في منتصف العمر، «فالأزمة لا تطرح علينا تساؤلات فحسب، بل تدعونا إلى شجاعة الرّدّ على التّساؤلات تلك، والسّعي بجدّيّة للوصول إلى وضوحٍ في ما يخصّ رغبتنا في الحياة والبحث عن معناها وتوجيهها بشكل حقيقيّ وبنَّاء لنا وللآخرين». (ص. 87). يورد الكاتب مثلًا في ثمار المعاناة الخلّاقة فيقول: «قد يشعر الأهل بالوحدة بعد ترك أولادهم البيت ليستقلّوا ماديًّا ومعنويًّا (…) يُقدم آخرون على خدمات اجتماعيّة وكنسيّة لم يسبق أن قاموا بها، وهكذا يستثمرون طاقاتهم المعنويّة وإمكاناتهم الإنسانيّة». (ص. 90). ستكون هناك تغييرات عديدة في حياة أناس منتصف العمر، وقد باتوا وحيدين، إذ بالفعل تختفي أنماط جميلة من العائلات الأسريّة والجماعيّة، لكنّ الحياة لا تنتهي عند هذا الحدّ. قد يتمكّن الشّخص من أن يغوص في ذاته ويكتشف جوهرته الثّمينة الكامنة فيه (…) تبقى هويّته الإنسانيّة، ويظلّ القلب حيًّا ما دام تيّار العطاء يتدفّق منه. (ص. 91).

هذه المستجدّات في أزمة منتصف الحياة تقود «إلى ولادة جديدة، عبر طريق نختبر فيه الطّفولة (…) نخرج من الأزمة وقد صرنا خدّامًا للحياة في محيطنا العائليّ والرّهبانيّ، الكنسيّ والاجتماعيّ». (ص. 100)، بمعنى أوضح، يخلص الكاتب إلى «أنّنا نخرج من الأزمة وقد ظهرت فينا إنسانيّة جديدة تنعشها مشاعر التّواضع والصّفاء، والطّيبة، والمغفرة والمسامحة، وتمتلئ بالحكمة وبالرّغبة العميقة في ﷲ، وقد ثبتت في المسيح، والمسيح فيها، لذا تأتي بثمر كثير». (ص. 101).

إنّه كتاب اختصر الكاتب مضمونه بعبارة للقدّيس أوغسطينوس يقول فيها: «لأنّك خلقتنا لأجلك، ولن يهدأ قلبٌ لنا حتّى يستقرَّ فيك». (ص. 5).

الدّكتور جان عبد الله توما: حائز دكتوراة في اللّغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللّبنانيّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدّيس يوسف، واللّبنانيّة، وسيّدة اللويزة، ويشغل منصب رئيس قسم اللّغة العربيّة في جامعة الجنان. له أكثر من سبعة عشر إصدارًا يتراوح بين كتب أدبيّة، وشعريّة، ورواية، ودراسات تربويّة، وتحقيق مخطوطات.

[email protected]

رسالة إلى إخوتي الكهنة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأخ إنزو بيانكي
رسالة إلى إخوتي الكهنة

نقله إلى العربيّة الأب سميح رعد
ط.1، ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978 -2-7214-5660-1

هو الكتاب الأوّل الصّادر في اللّغة العربيّة للّاهوتيّ الإيطاليّ الشّهير إنزو بيانكي، الّذي أسّس، في العام ١٩٦٥، جماعة بوز الرّهبانيّة المسكونيّة والمختلطة. يتميّز أعضاؤها بالأخوّة الصّدوقة وبالتّشديد على قراءة الكتاب المقدّس. تناول في كتبه الكثيرة موضوعات عديدة (القراءة الرّبيّة، الموت، الشّيخوخة، الحبّ، الحياة الرّوحيّة، الصّداقة، الصّلاة، التّبشير، التّمييز…)، مرتكزًا على الكتاب المقدّس وتعاليم آباء الكنيسة.

في كتابه المُعرَّب من الأب سميح رعد، يتوجّه الكاتب إلى «إخوته» الكهنة، وقد استمع مرارًا إلى مخاوفهم، من خلال موضوعاتٍ عديدة من أجل ترغيبهم في عيشٍ أفضل لخدمتهم وتشجيعهم على تجاوز التّحدّيات. سأتناول في مقاربتي هذه فكرةً واحدة من كلّ محور، آمِلًا في أنْ أنقل إلى القارئة والقارئ نذرًا من «عبير». عن الرّوحانيّة الكهنوتيّة، شدّد اللّاهوتيّ بيانكي على أنّ صاحبها راعٍ للجماعة وخادمٌ للشّركة المسيحيّة وتلميذٌ مطيع مع أخواته وإخوته (ص. ١٧)؛ وعن العلاقة بكلمة ﷲ، استشهد بكلمات بولس الرّسول الّذي أسلم الشّيوخَ إلى ﷲ وكلمةِ نعمته (أع ٢٠: ٣٢)، ما يعني أنّه بإمكانهم نقل كلمة ﷲ إلى الآخرين إذا كانوا محمولين بها (ص.  ٢٥)؛ وعن الصّلاة، ركّز على أنّها إصغاءٌ إلى ﷲ وطلبٌ منه لمنحهم «قلبًا يسمع» (١ مل ٣: ١٩) فيستعدّ للإصغاء إلى الآخرين والتّمييز (ص.  ٣٣)؛ وعن العلاقة باللّيتورجيا، ذكّر بقدرة الأسرار، إذا تمّت بإيمانٍ صادقٍ ومتجدّد، على تحويل مسيرة الحياة (ص.  ٣٨)؛ وعن الشّركة الكهنوتيّة، حثّ الكهنة على بناء علاقةٍ تتّسم بالمحبّة مع الأسقف فيجدون فيه الأخ البكر، وأبًا، وصديقًا وفيًّا (ص. ٤٦)؛ وعن الحياة الإنسانيّة، دعاهم إلى التّمسّك بالنّضج الإنسانيّ وإلى تبنّي علاقاتٍ نوعيّة على مثال يسوع المسيح الّذي عاش كإنسانٍ حقيقيّ (ص.  ٥٢).

من الموضوعات المُعالَجة، انتقيتُ علاقة الكاهن بالزّمن (ص.  ١٩-٢٢). في حقبةٍ تتّسم بالعجلة والتّفتّت، حيث بات الوقت عدوًّا نحاربه أو وثنًا نعبده أو امتدادًا عبثيًّا، أمّا إذا نظّمه الشّخصُ وعاشه بوعيٍ ويقظة فيصل إلى الصّلاة المستمرّة. شدّد الأخ بيانكي على أمرَين: أنّ المسيحيّ يربط الوقت بفكرة مجيء المسيح، وأنّ ساعة الصّلاة صباحًا تحدّد مسار النّهار.

على الرّغم من أنّ الكتاب قديم (نُشرت النّسخة الأصليّة منه في العام ٢٠٠٤)، تبقى الأفكار الرّوحيّة والإنسانيّة الواردة فيه عميقة وآنيّة ومفيدة للكهنة… وأيضًا للعلمانيّين فيدركون ما يواجهه الرّعاة من تحدّياتٍ خارجيّة وداخليّة.

أنوّه في الخاتمة بفقرةٍ عن الزّمن: «في نظرنا، نحن المسيحيّين، فإنّ الزّمن هو المجال الّذي تتحقّق فيه أمانتُنا للرّبّ. […] ينبغي للكاهن تقديس الوقت، أي تهذيبه وحفظه وتقسيمه بطريقة ذكيّة، مع مراعاة ما هو عليه ككاهن والمُهمّة المنوط بها. يتعيّن تحديد الأولويّات؛ هناك وقتٌ ينبغي اعتباره محوريًّا على مدار اليوم ولا يمكن التّخلّي عنه: وقت العمل الّذي يبني الجماعة بامتياز، وهو الذّبيحة الإلهيّة، ثمّ وقتٌ لتوجيه جماعة الرّبّ وفقًا لاحتياجاتها المتنوّعة، وقتٌ للرّاحة. بدون تهذيب الوقت الّذي يُعتبَر حقًّا تقديسًا، لا يمكن أن تكون هناك حياةٌ روحيّة مسيحيّة». (ص.  ١٩-٢٠).

الأب غي سركيس: حائز درجة الدّكتوراه في اللّاهوت من الجامعة اليسوعيّة الغريغوريّة الحبريّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدّيس يوسف والحكمة. وهو كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة. له مجموعة من المؤلّفات الدّينيّة والتّأمّليّة والفكريّة في اللّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث- النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة، ودروس من الهرطقات).

[email protected]

حنين ابن إسحق (809- 873)- في الأعمار والآجال

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب سمير خليل سمير اليسوعيّ
حُنين بن إسحاق (809-873) – في الأعمار والآجال
ط.2 معدّلة، 82 ص. بيروت: لبنان، دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-5655-7

«في الأعمار والآجال» عبارة عن مقالة تُعَدّ من أقدم الأعمال المسيحيّة العربيّة الّتي تمّ تأليفها في العصر العبّاسيّ، كتبها حُنين بن إسحاق وهو أحد أبرز كتّاب الكنيسة السّريانيّة الشّرقيّة، وأبرز مترجميها.
في عنوان المقالة لابن إسحاق جاء فيها أنّها «ذُكِرَت عند ابن النّديم والقفطيّ وابن أبي أصيبعة. كما ذكرها كراف Graf، وإسماعيل باشا البغداديّ. وكلّهم اتّفقوا على تسميتها كتاب الآجال أو مقالة في الآجال.
لقد وصلت هذه المقالة في طيّات مخطوطات قبطيّة متأخّرة نسبيًّا لموسوعة المؤتمن بن العسّال الّتي تحمل عنوان «مجموع أصول الدّين ومسموع محصول اليقين».
تُستهَلّ هذه المقالة، الّتي قام بدراستها وتحقيقها الأب سمير خليل سمير اليسوعيّ، وأعاد النّظر فيها الأب روني الجميّل، بمقدّمة وافية لسيرة حياة حُنين بن إسحاق وأعماله. يفكّ المحقّق غموض المقالة بعد أن قارن بين المخطوطات، ليكتشف كيف يُجيب حُنين اللّاهوتيّ والطّبيب عن مسألة تحديد عمر الإنسان وعلاقته بمعرفة ﷲ المسبقة.
يذكر المحقّق مؤلّفات حُنين «كما وردت في قائمة ابن النّديم وهي تبلغ 30 كتابًا، وقائمة ابن أبي أصيبعة وتبلغ 111 كتابًا. معظم هذه المؤلّفات طبيّة أو علميّة إلّا أنّ لبعضها طابعًا دينيًّا يذكرها المحقّق مع رقمها وعددها عشرة، بحسب قائمة ابن أبي أصيبعة.
«نُشِرَت المقالة أوّل الأمر في القاهرة في العام 1899/1900، في كتاب نادر الوجود، من دون أيّ فاصلة أو نقطة…». (ص. 28) وقد حقّق الأب سمير «المقالة اعتمادًا على خمس مخطوطات كاملة…». (ص. 28)
يورد المحقّق محتوى المقالة الّتي يستهلّها حُنين بتحديد موقفَيه إزاء مسألتين: الموقف الأوّل في أنّ ﷲ لم يحدّد مدّة حياة كلّ شخص، بل أقام حدًّا عامًّا لجنس البشر. أمّا الموقف الثّاني فيكمن في أنّ ﷲ، بعلمه المسبق، على درايةٍ بموت الإنسان لأيّ سبب كان.
تنقسم المقالة ثلاثة أقسام: «في مطلع القسم الأوّل من المقالة (12-40)، يعرض الكاتب الإشكاليّة (12-13) وهي الآتية: هل معرفة ﷲ المسبقة هي سبب لما يكون؟»
في القسم الثّاني (41-79)، يعبّر المؤلّف حُنين عن موقفه.
ويُنهي حُنين مقالته في القسم الثّالث (80-104) فيوضح ما أسماه من قبلُ «الحدّ العامّ» للعمر.
مقالة غنيّة تحمل في طيّاتها أسئلة واحتمالات أجوبة لا يزال المرء يطرحها ويحاول الإجابة عنها حتّى يومنا هذا.

الدّكتورة بيتسا استيفانو: حائزة دكتوراه في العلوم الدّينيّة، وإجازة في الأدب العربيّ من جامعة القدّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة في معهد الآداب الشّرقيّة في الجامعة، ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيّة فيها. أستاذة محاضرة في جامعة «Domuni» باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللّغتين العربيّة والفرنسيّة.
[email protected]

Share This