اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

أنطوان أبو جودة

سقوط مدينة الأنا

ط.١، ١٩٢ ص. بيروت: دار المشرق. ٢٠٢٥
ISBN: 978-2-7214-0007-9 

يقدِّم أنطوان أبو جودة، في روايته سقوط مدينة الأنا الصَّادرة عن دار المشرق، ضمن «سلسلة أقلام جديدة» الَّتي تُشجِّع المواهب الأدبيَّة الشَّابَّة، الفكرة الفلسفيَّة أو الدِّينيَّة بأسلوب أدبيٍّ مشحونٍ بالصُّور والتَّساؤلات الذّاتيَّة والحوار المكتنز بالأفكار في سعيها الدَّائم إلى إجابات عن مصير الإنسان.

يعتمد المؤلِّف أدوات السَّرد الرِّوائيِّ انطلاقًا من تجربته في مقاربة التَّحدِّيات، وفي مواكبة بحث يفشل مرارًا في العثور على أجوبة عن معنى الحياة الحقيقيَّة والوجود. قد يبدو المشهد مشابهًا للسَّعي إلى الوصول إلى الأرض الموعودة الَّتي يراها المرء من بعيد، ولكنَّه لا يدخلها.

توجَّه المؤلِّف بإهدائه «إلى كلِّ الصغار الَّذين سقطوا في حروب الكبار، كبار الأنا» (ص.5)، فمواجهة الأنا هي قضيَّة إيجابيَّة للوقوع على وضوحٍ في الرُّؤية اختصرتها الرِّواية من «مغادرة الأنا» مدينتَها في الصَّفحة الأولى (ص.7)، وهي «مدينة ظلاميَّة من كلِّ الأزمنة» (ص.7)، حيث تبرز التَّناقضات والثُّنائيَّات كما بين العمَّال والفلَّاحين الكادحين الَّذين «يعيشون في بيوت فقيرة جدًّا» (ص.7) والأغنياء الَّذين يتمتَّعون بحياة هانئة في «السُّوق، الَّذي هو، ساحة واسعة ونظيفة نسبيًّا» (ص.8).

تخبر الرِّواية عن مدينة الأنا وكذلك عن قصَّة «نمُّول» (ص. 7) «رجلِنا الفقير الحالم» (ص. 10)، والَّذي «يقتات بعضًا من النَّمل لتخفيف وطأة الجوع» (ص. 14)، من هنا أتى لقبه.

تتنقَّل مشاهد الرِّواية في مطارح عدَّة، وفي مهنٍ مختلفة بأنواعها وجغرافيَّتها، من بائع الطُّيور، ورجل الدِّين الصَّالح، والآخر الطَّالح، إلى الرَّاقصة، والصَّيَّاد والشَّبكة، ثمَّ النَّاسك وغيرهم، وصولًا إلى دبي، الصِّين، التِّيبت، الهند، ولبنان… فيشير هذا التَّنوُّع إلى ضياع عبثيٍّ في البحث عن المدينة المقدَّسة، وهي رحلة الرِّواية، أساسًا، تقميشًا وتساؤلات.

وقد أتى بروز بعض الشَّخصيَّات الغامضة في الرِّواية تسهيلًا للحبكة الرِّوائيَّة وتوضيحًا لمسرى البنية القصصيَّة، كما في بائع الطُّيور (ص. 17) وحيث تظهر شخصيَّة «الكسيح» «الَّذي اختفى بعد أن وعد «نمُّول» بإرشاده إلى طريق المدينة المقدَّسة (ص. 15)، ولكنَّ نمُّول يهتدي أخيرًا، من خلال التَّأمُّل في صنائع الله، إلى «الحياة الرُّوحيَّة» (ص. 74)، والَّتي يبحث عنها كلُّ إنسان على تنوُّع حالاته الاجتماعيَّة ومشاكله.

لقد كان من اللَّافت تكرار الصُّدف في الحبكة، والَّذي بدا، وكأنَّه لخدمة سياق السَّرد ليس أكثر، فيما انبسط الخيال على مساحات واسعة من سقوط مدينة الأنا، ومعها اتَّسع فضاؤها الرِّوائيّ، وتمدَّد ليطال جغرافيا واسعة وإنْ ظهرت مشتِّتة أحيانًا، حتَّى الاهتداء إلى أنَّ مفتاح أسرار الحياة الحقيقيَّة هو في إسقاط الأنا من خلال جناحَي الحبِّ والإيمان «الله يريدكنَّ أصحَّاء روحيًّا وكاملات في الحبِّ، سرِّ السَّعادة الأبديَّة، لكنَّ هذا ليس ممكنًا إذا فضَّلتنَّ الانفصال عنه. فالأنا هي حائط يرتفع بينكنَّ وبينه، لا تتردَّدنَ في تحطيمه» (ص. 118).

وستكون محطَّة الرِّواية النِّهائيَّة، مع تعرُّف «نمُّول» إلى ناسك من لبنان يتزيَّن بفضائل: التَّواضع، الطَّاعة، التَّمييز، والإحسان (ص.149)، فيفهم مغزى وصيَّته: «انطلِقوا غدًا عائدين إلى مدينة الأنا، ومتى وصلتم، أنذروا الجميع كي يغادروا المدينة، فمن يترك الأنا ينجو، ومن يمكث فيها يهلك» (ص. 159). وهكذا تعثر الشَّخصيَّة الرَّئيسة في الرِّواية على خلاصها، لتبدأ الحقبة الجديدة (ص.183)، بتوجُّه «النَّاجين إلى الوادي المقدَّس في لبنان» (ص.185)، حيث تتجلَّى حكمة المدينة المقدَّسة بقول النَّاسك: «إمَّا أن نعبد الله وننمو في المحبَّة، أو نعبد الأنا وننمو في الأنانيَّة، وبين هاتين النَّزعتين يتخبَّط الإنسان (ص. 188)، وما يزال.

الدُّكتور جان عبد الله توما: حائز شهادة دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها من الجامعة اللُّبنانيَّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدِّيس يوسف، واللُّبنانيَّة، وسيِّدة اللَّويزة، ويشغل منصب رئيس قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة الجنان. له تسعة عشر إصدارًا من كتب أدبيَّة، وشعريَّة، وروايات، ودراسات تربويَّة، وتحقيق مخطوطات.

[email protected]

Share This