Louis Honeiné
Perspectives Libanaises
Janvier 2017 – Octobre 2019
412 p. 1ère édition.Beyrouth : Dar el-Machreq, 2022
(ISBN: 978-2-7214-7113-0)
يتألّف الكتاب من مجموعة مقالات نشرها المؤلّف الدّكتور لويس حنينه على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، ومن ثمّ أعاد طباعتها لأنّه ينتمي، بحسب تعبيره، إلى جيلٍ كان يكتب بالرّيشة والحبر والقلم والقلب والعاطفة. أمّا موضوعات الكتاب فهي متشعّبة، لا تتبع أيّة مقاربة منهجيّة، إذ تناولت الأحداث الّتي جَرَت في لبنان بين شهرَي كانون الثّاني 2017 وتشرين الأوّل من العام 2019. لذلك جاءت الموضوعات متناثرة ومتنوّعة، ولا رابط بينها سوى ما عَصفَ بلبنان في تلك الفترة.
في المقابل، يشكّل الكتاب نوعًا من الشّهادة الشّخصيّة لتاريخ لبنان، في فترة سجّلت أحداثًا خطيرة كادت أن تودي بالوطن، بقلم باحثٍ ومواطن يعشق وطنه، متناولًا أحداثًا اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة جرت في لبنان، أو أثّرت في علاقة لبنان بالدّول المجاورة، من دون إغفال بعض الأحداث الدّوليّة، بأسلوب سرديّ ونقدي في آنٍ واحد.
تطرّقت أولى المقالات إلى موضوع المدارس الكاثوليكيّة في لبنان الّتي تتخبّط في أزمات ماليّة واجتماعيّة وتربويّة تهدّد مستقبل لبنان التّربويّ، لما لهذه المدارس من دورٍ رائد في جعل لبنان منارةً للشّرق والعالم، فالأزمة الاقتصاديّة خانقة والأقساط المدرسيّة تُرهق كاهل الأهالي – وقد حدّت من تطوّر العائلات الدّيموغرافيّ – والحلول غائبة، فوقفَ الكاتب بحسرة أمام هذا الوضع المُزري، ولكن من دون أن يُقدِّم أيّة حلول عمليّة للتّوفيق بين واقع الأهل الاجتماعيّ وضرورة المحافظة على مستوى المدارس الكاثوليكيّة التّربويّ، لأنّ التّعليم العالي الجودة مُكلِف. وفي الواقع، فإنّ الكاتب غالبًا ما يوصّف الأحداث بدقّة، ولكنّه لا يقترح الحلول النّاجعة، ولكنّ ذلك لا يقلّل من حماسته ورغبته في خدمة بلاده.
أمّا بخصوص الجامعة اللّبنانيّة، الّتي هي بمثابة الجامعة الوطنيّة الحاضنة أكبر عدد من شريحة الطّلّاب الجامعيّين في لبنان، فانتقد الكاتب جنوحها نحو الفئويّة والمذهبيّة، مشدّدًا على دورها الوطنيّ المرتبط مباشرة بالميثاق الوطنيّ الّذي يؤمن به الكاتب بقوّة، ويعتبره مدماكًا أساسيًّا في الصّيغة اللّبنانيّة الفريدة، والّتي بدونها لا وطن ولا حريّة ولا مستقبل.
وتتوالى المقالات محاكيةً، في صفحات قليلة، التّطوّرات السّياسيّة المحليّة والإقليميّة والدّوليّة والتّاريخيّة، كالمجازر ضدّ الشّعب الأرمنيّ، والحروب الأميركيّة على العراق، والإرهاب على أنواعه، والرّبيع العربيّ.
يقف المؤلِّف، بحيرة الباحث، أمام هذه المآسي والجرائم، مفتّشًا عن الحقيقة والرّابط بين كلّ هذه الأحداث، والّذي يحول دون بناء عالَم يسوده السّلام والوئام والاستقرار، فيستنتج أنَّ رجال السّياسة يستعملون التّاريخ لمصالحهم الخاصّة، من دون خجل.
«Les historiens écrivent l’Histoire et les hommes politiques s’en servent».[1]
من جهةٍ أخرى، لا يخلو الكتاب من بعض المقالات الفكاهيّة الّتي تُرطّب الأجواء المتشنّجة، كقصّة الدّعوى القضائيّة الّتي تقدّمت بها إحدى العائلات الفرنسيّة ضدّ جيرانها، بسبب انزعاجها من صياح ديكها. وقد وردت القصّة على صفحات جريدة «لوموند Le Monde» الرّصينة، تحت عنوان «ديك موريس Le Coq de Maurice». واللّافت أنّ المؤلِّف أضاف إليها تجربته الخاصّة في قريته، حيث كان الأهالي يتبارون في معرفة جنس طيور الدّجاج قبل ولادتها.
أمّا عن قرية المؤلِّف، بكاسين، فعنها سرد آخر. هي الرّابضة على تلّة في جنوب لبنان، أرض الأنبياء والرُّسل، متوّجةً بغابات من الصّنوبر والملّول والوزّال. مع الإشارة إلى أنّ الكاتب لا ينكفئ عن التّكلّم على حياته في القرية، منذ بداية الكتاب حتّى السّطر الأخير.
«Bkassine est mon village, et je suis fier que les Libanais l’aient choisi comme village modèle… Mon village est propre… Nous avons de jolies demeures… Vous êtes chez vous à réchauffer à un rayon de soleil automnal, très agréable…»[2]
ولكنّ هذا الحبّ الجارف والصّادق لا يلبث أن يتحوّل إلى مأساة وجوديّة تسبّبت بها الحرب اللّبنانيّة، فتغيّرت صورة القرية الجميلة، بعد أن تهجّر أهلها، وتشوّهت صورة المنطقة الّتي ترعرع فيها، فأضحى الكاتب غريبًا عمّا يجري من أحداث في وطنه، ممّا دفعه إلى طرح جديد لمسألة الهويّة والانتماء والإصلاح والثّقافة والمستقبل في ضوء الماضي والحاضر.
«Et la guerre est arrivée. Cette guerre est venue accélérer le processus de désertification démographique et social de Bkassine… Comment sauver nos villages?… La guerre n’a pas seulement rendu nos villages déserts, mais elle a surtout dévoyé notre classe politique».[3]
وإذ يتأسّف الكاتب على واقع الحال، حيث الفساد مُنتشِر، والطّبقة السّياسيّة لا تملك أيّة رؤيا لمعالجة المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة الممعنة في التّدهور، يستشهد في مقالة تحمل عنوان «الوطن البائس والجمهوريّة الحزينة» بما قاله الشّاعر الكبير فيكتور هوغو عن الوزراء الّذين وصفهم بزجاج الشّبابيك بسبب قِصَر نظرهم[4]، وخضوعهم الكامل لزعمائهم، وكأنّهم صورة عنهم طبق الأصل.[5]
إنّ تطوّر الأوضاع المأساويّ في الوطن، وهو يهدّد الكيان والهويّة القوميّة والميثاق وكلّ الصّيغة اللّبنانيّة، دفع الكاتب إلى البحث عن صيغة جديدة، بعد أن صرّح مباشرة ومن دون تردّد بأنّ الميثاق الوطنيّ قد انتهى، مستشهدًا بقول الصّحافيّ جورج نقّاش: «إنَّ مضادَّين لا يصنعان وطنًا».[6]
إنّ معاناة الكاتب تجسّد خيبة أمل وتشاؤم جيلٍ كامل عاش وترعرع في لبنان، في فترة ما بين الاستقلال وبداية الحرب الّتي دمّرت الأحلام والهويّة والإبداع والأصالة والانتماء والانفتاح على الكون، لبنان فؤاد أفرام البستاني، وسعيد عقل، وسعيد تقي الدّين، والرّحابنة وغيرهم الكثيرين ممّن ارتقوا بلبنان كوطن للإنسان. أمّا نتيجة خيبة الأمل فغربة في الوطن، وقد انحدر إلى مصاف الدّول الفاشلة الّتي فقدت أبسط مُسلّمات وجودها وصدقيّتها، فترجّحت النّظرة إليه، بين حُبٍّ دفينٍ له وعدم إيمان بمستقبله، وقد دُفع شبابُه على طريق الهجرة، وانطفأت أنوار قناطر البيوت العريقة، وخسرت قرى الجبل الشّامخة، كقطعِ سماء على الأرض، فرسانَها الّذين عبروا المحيطات، وتشتّتوا في الكون الفسيح مثل أجدادهم الفينيقيّين.
إنّ كتاب الأديب والأستاذ الجامعيّ لويس حنينه «توقّعات لبنانيّة» يعبّر عن مأساة وطن فقدَ معظمُ أبنائه ثقتهم به، وهذه بداية الانحطاط.
[1] Louis Honeiné; Perspectives Libanaises, janvier 2017 – octobre 2019 (Beyrouth: Dar el-Machreq, 2022), 333.
[2] Honeiné, 69., Ibid,
[3] Honeiné; Ibid., 70.
[4] «Les Ministres actuels sont des carreaux de vitres. On voit le président au travers»
[5] Philippe Alexandre, Dictionnaire amoureux de la politique (Paris: Plon, 2011), 388. (cité par l’auteur, 283.)
[6] Honeiné, Op.cit, 231.
الدّكتور جورج لبكي : رئيس مجلس إدارة المعهد الوطنيّ للإدارة. حائز شهادة دكتوراه في القانون من السّوربون، وأخرى في الأدب الفرنسيّ المعاصر من جامعة باريس XII. من مؤلّفاته باللّغة الفرنسيّة: أنثولوجيا. الأدب اللّبنانيّ باللّغة الفرنسيّة. ولبنان: قصص من حنايا بلاد الياسمين.