اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ

مدعوّون للشّهادة، مدعوّون للنّصر
أوراق في لاهوت الاستشهاد وروحانيّته

88ص. ط.1. بيروت: دار المشرق، 2021
(ISBN: 978-2-7214-5607-6)

ما هو الاستشهاد اليوم؟ هل كلّ قتيل أو ضحيّة شهيد؟ هل الاستشهاد تحدٍّ للمضطهِد، أم قبول الموت حبًّا به؟ هل هو اعتراف أم ذبيحة؟ هل هو شهادة فاعلة أم منفعلة؟ هل هو طلب للموت أم للحياة؟

أمام هذا الارتباك في الإطار العربيّ الّذي يتخبّط بالصّراعات، يوضح لنا المؤلّف مفهوم الشّهادة خصوصًا أنّه مفهوم مسيحيّ، أثّر كثيرًا في صوغ لاهوت وروحانيّة الكنيسة في العصور الأولى، وفي عصرنا الحاضر أيضًا. ينقسم هذا الكتاب إلى ثمانية فصول، في كلّ فصل معيار لما ينبغي أن تتميّز به الشّهادة بالمفهوم المسيحيّ.

في البداية، يعطي الكاتب تعريفًا لمفهوم الشّهادة. يقول إنّ هنالك نوعين من الشّهود: الشّاهد الفاعل الّذي يعتمد على الإرادة الحرّة، والشّاهد المنفعل الّذي يُفرَض عليه الموت؛ لكنّه يرى في استشهاده ذبيحة. بعد ذلك، يعود الكاتب إلى الاضطهاد في أدب العهد الجديد، فيؤكّد أنّ الاستشهاد ينتمي إلى جوهر الكنيسة ورسالتها منذ بدايتها، لأنّها نمت في جوٍّ من الاضطهاد ويستمرّ إلى اليوم، حتّى وإن اختلفت شهادة الرّسل عن شهادة الأجيال اللّاحقة. يبقى الشّاهد هو الّذي اختبر المسيح حتّى لو لم يره.

أمّا إشكاليّة الاستشهاد فإنّها تطرح اليوم قضيّة الاضطهاد. وهنا يعطينا الكاتب معيارًا آخر لما ينبغي أن تكون عليه الشّهادة ألا وهو التّتلمذ للمسيح. هذا المعيار يزيل عن أيّ نوع من الألم، جسديًّا كان أم نفسيًّا أم اجتماعيًّا، بُعد العبثيّة واللّامعنى. فبالرّغم من أنّ إعلان البشارة ينطوي على خير لكلّ النّاس، لكنّه يولّد ألمًا واضطهادًا؛ لأنّ المسيحيّ يدخل في حرب كونيّة ضدّ قوى الشّر يكون ثمن النّصر فيها هو التّضحية حتّى الموت.

إنّ تمييز وجوب الهروب من الاستشهاد من عدمه صعب. فآباء الكنيسة أقرّوا بواجب تفادي الاستشهاد، لكنّ بعضهم واجهوا المضطهِدين بإلهام من الرّوح القدس. لذلك، بين الأمانة للإيمان والبقاء في قيد الحياة، يظهر الاستشهاد كخيار وحيد. فبالنّسبة إلى المسيحيّين الحياة هي أكثر من وجود. الحياة هي الطّاعة ﷲ، حتّى ولو أوصلتهم هذه الطّاعة إلى الموت؛ لأنّ اﷲ هو سيّد الموت وهو مانح الحياة. في حين أنّ إبليس يحتال علينا لكي يوهمنا أنّه سيّد الحياة والموت.

إنّ لاهوت الاستشهاد لاهوت عفويّ أدبيّ، يحدّد السّلوك الواجب تجاه المضطهِدين. من سماته المواجهة السّلميّة للاضطهاد باسم يسوع، ومعه، وعلى مثاله. فالمسيحيّ ليس وحيدًا في هذه المواجهة، إنّه متَّحد بالكنيسة جسد المسيح. وميزات هذه المواجهة محبّة الأعداء والشّجاعة والفطنة.

هل الشّهادة اعتراف أم ذبيحة؟ الكنيسة الشّرقيّة اعتمدت مفهوم الذّبيحة للتّعبير عن الاستشهاد، في حين اعتمدت الكنيسة الغربيّة مفهوم الاعتراف الّذي نادى به القدّيس أغوسطينوس خوفًا من الدّوناتيّة والبيلاجيانيّة؛ إذ إنّ فكرة الذّبيحة قد توحي بأنّ ذبيحة المسيح غير كاملة. لكنّ تفضيله نموذجَ الاعتراف لا يُفهم منه اعتراض على مفهوم الذّبيحة.

إنّ الكتاب سهل القراءة، وواضح على شكل أوراق، يتيح للقارئ بعد قراءة كلّ فصل، أن يضع معيارًا، يُمكِّنه من أن يفهم الشّهادة وخصوصيّتها المسيحيّة.

الأب روفائيل زغيب : حائز دكتوراه في علم اللّّاهوت الأساسيّ. علم الكنيسة الجامعة البابويّة اليونانيّة – روما: كلّيّة علم اللّاهوت الأساسيّ – 2013، وماجستير في العلوم الدّينيّة من جامعة القدّيس يوسف – بيروت: كلّيّة العلوم الدّينيّة - 2006. يجيد اللّغات العربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة والإيطاليّة ويلمّ بالألمانيّة. مؤسّسُ تجمّع يسوع فرحتي. ويشغل منصب المدير الوطنيّ للأعمال البابويّة في البعثات الدبلوماسيّة في لبنان (2015- ).

[email protected]

Share This