ينطلق هذا البحث من مبدأين: الديانة بنت بيئتها في تكوينها الجيولوجيّ وواقعها الجغرافيّ، لأنّها استجابة لحاجتها الروحيّة العميقة وتطلّعاتها الماورائيّة؛ وتجلّي الماء في الديانات الوضعيّة والأديان السماويّة على حدّ سواء.
خرج الكنعانيّون من الجزيرة العربيّة مع موجات من الهجرات الساميّة الموسميّة طلبًا للماء والكلأ، وسكنوا بلاد كنعان (فلسطين وسوريا ولبنان)، وكانت شجرة آلهتهم مائيّة (يم- إيل- عشيرة- عشتروت- بعل- عَناة- أدون- ملقارت- موت- طيفون…)، واعتمدت طقوسهم الدينيّة على الماء، فتطهّروا به، ونقلوه إلى موتاهم، وتحاشَوا استعمالَ الأخشاب في صناعة توابيتهم، وبنَوا معابدَهم في أحواض الينابيع… وتجسّد الصراع الموسميّ بين الخصب والجفاف، والحياة والموت في أساطيرهم (أسطورة أدونيس وعشتروت)، وتجسّد في ملاحمهم (ملحمة بعل وعَناة) الصراع الكونيّ بين إله المطر والنظام (بعل) وإله المياه المتمرّدة والفوضى (يم)، وبين الأوّل وإله العالم السفليّ والأرض المَوات (موت). وقد أثّرت هذه الديانة المائيّة في الميثولوجيا اليونانيّة، وفي اليهوديّة والمسيحيّة.

Share This