لاهوت

مولِد كنيسة أنطاكية في أعمال الرّسل – وديعة المصالحة ومفارقة المضطهِد والمضطهَد

مولِد كنيسة أنطاكية في أعمال الرّسل – وديعة المصالحة ومفارقة المضطهِد والمضطهَد

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

يُعدّ اضطهاد اليهود وشاول الطّرسوسيّ لإسطفانُس والجماعة المسيحيّة الأولى، وتأسيس كنيسة أنطاكية على نهر العاصي (أع ٦: ٨-٨: ٤؛ ١١: ١٩-٢٦)، حدَثين رئيسِيّين في انتشار الشّتات اليهوديّ المسيحيّ. فتأسَّست جماعة يهوديّة-مسيحيّة واستقرّت في أنطاكية، وكانت المدينة حينها عاصمة الإقليم الرّومانيّ لسوريا، ومركزًا تجاريًّا واقتصاديًّا مهمًّا ساهم في مزج الثّقافات ولقاء الدّيانات. وفي وسط التّحوّل الهائل لمجموعةٍ يهوديّة تؤمن بيسوع المسيح القائم من بين الأموات، سُمّي أفرادها “مسيحيّون” لأوّل مرّة في تاريخ الكنيسة (أع ١١: ٢٦). 

في هذه المقالة سنسعى للإجابة عن التّساؤل البحثيّ التّالي: أيّ انفتاح رسوليّ عرفته كنيسة أنطاكية، وأيّ عطيّة إلهيّة خاصّة مكّنتها من عيش هذه المصالحة كمثال للكنيسة جسد المسيح؟

تعتمد دراستنا على منهج التّحليل الرّوائيّ لدراسة النّصوص الكتابيّة؛ سنحدّد المقطع الكتابيّ المراد دراسته ونبرّر هذا الاختيار في سياق الرّواية العامّ، ثمّ نعلِّق بحسب أدوات التّفسير الكتابيّ على أهمّ النّقاط، وسنعرِّج في الخطوة الثّانية للإضاءة على بعض الميّزات السّرديّة لهذا المقطع. وسنقوم في القسم الثّاني بتحليلٍ لاهوتيّ يجمّع تحليلاتنا، وسنختم بتساؤلاتٍ جوهريّة عن هوّيّة الكنيسة اليوم. 

سندرس الرواية/المقطع الكتابيّ: (أع ١١: ١٩-٢٦) الّذي يروي لوقا من خلاله ولادة كنيسة أنطاكية، الّتي يضعنا فيها لوقا أمام “مفارقة مستترة” إذ تجمع هذه الكنيسة المضطهِد والمضطهَد في “بيتٍ واحد”، فنعتبرها “حدثًا تأسيسيًّا” لولادة الكنيسة الحقيقيّة، جماعة من “المسيحيّين” على مثال سيّدهم. 

 

الكلمات المفتاحيّة: أنطاكيا – أعمال الرّسل – الكنيسة الأولى – الاضطهاد الدّينيّ – التّحليل الرّوائيّ.

L’Église d’Antioche, le dépôt de la réconciliation et le paradoxe du persécuteur-persécuté. t

P. Tony Homsi

La persécution d’Étienne et de la première communauté chrétienne par les Juifs et par Saul de Tarse, ainsi que la fondation de l’Église d’Antioche sur l’Oronte (Actes 6:8-8:4 ; 11:19-26), sont deux événements majeurs dans l’expansion de la diaspora judéo-chrétienne. Antioche qui était alors la capitale de la province romaine de Syrie et un important centre commercial et économique contribuant au mélange des cultures et à la rencontre des religions, voit apparaître une communauté judéo-chrétienne et sa fondation dans cette région.t

Au milieu de la formidable transformation de ces membres du groupe juif qui croyait en Jésus-Christ ressuscité des morts, le nom “chrétiens” leur fut attribué pour la première fois dans l’histoire de l’Église (Actes 11:26). t

Dans cet article, nous tenterons de répondre à la question suivante : Quelle ouverture apostolique l’Église d’Antioche a-t-elle connue et quel don divin particulier lui a permis de vivre cette réconciliation comme un exemple pour l’Église, le Corps du Christ ? t

Pour cela, dans la première partie, notre étude s’appuiera sur l’approche de l’analyse narrative pour étudier les textes bibliques ; puis dans la deuxième partie, nous procèderons à une analyse théologique pour conclure par des questions fondamentales sur l’identité de l’Église aujourd’hui. t

A cet effet, nous étudierons le récit/passage biblique : (Actes 11,19-26) dans lequel Luc raconte la naissance de l’Église d’Antioche, dans lequel Luc nous place devant un “paradoxe implicite” en réunissant cette église, le persécuteur et le persécuté, dans “une seule maison”, de sorte que nous considérons qu’il s’agit d’un “événement fondateur” pour la naissance de la véritable Église, un groupe de “chrétiens” suivant l’exemple de leur Seigneur. t

Mots clés : Antioche – Actes des Apôtres – l’Église Primitive – Persécution Religieuse – Analyse Narrative. t

الأب طوني حمصي اليسوعيّ: مدير التّواصل الرّقميّ للرّهبانيّة اليسوعيّة في الشّرق الأدنى والمغرب العربيّ. مشرف على النّسخة الرّقميّة للكتاب المقدّس باللّغة العربيّة في ترجمته الكاثوليكيّة. حائز شهادة ماجستير في اللّاهوت الكتابيّ – كلّيّة اللّاهوت اليسوعيّة – باريس، ودبلوم جامعيّ في الصّحافة الرّقميّة، جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له العديد من التّرجمات الصّادرة عن دار المشرق.

[email protected]

إيمان في حالة بحث، النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة

إيمان في حالة بحث، النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأب غي سركيس

إيمان في حالة بحث، النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة

ط.1، 196ص. بيروت: دار المشرق، 2023

ISBN: 978-2-7214-5646-5

هذا الكلام لاهوتيّ، فلانٌ يدرّس اللّاهوت، فلانةٌ تدرُس اللّاهوت… عبارات صارت مألوفة لدينا. إنّنا نعرف معناها بوجه عامّ: اللّاهوت شيء يخصّ الدّين، وربّ مطّلعٍ يقول: إنّه يخصّ الدّين المسيحيّ. ولكن ما هو اللّاهوت؟ وكيف نميّز في النّصوص الدّينيّة بين نصٍّ تفسيريّ، ونصٍّ روحيّ، ونصٍّ رعائيّ، ونصٍّ لاهوتيّ…؟

إلى جانب الصّعوبات في التّمييز بين طبيعة محتويات هذه الأنواع من النّصوص الّتي ذكرناها، لأنّ الأنظمة النّمطيّة تتداخل فيها غالبًا، يبقى السّؤال الأساسيّ مطروحًا: ما هو اللّاهوت؟ أو بتعبيرٍ أكثر شعبيّةً: إذا أردتُ أن أكتب في اللّاهوت، ما هو المنهج (أو المناهج) الّذي ينبغي لي أن أتبعه؟ هوذا باختصار مضمون كتاب الأب غي سركيس: إيمان في حالة بحث، مع عنوانٍ فرعيّ: النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة.

الملاحظة الأولى الّتي تشدّ الانتباه، وقد ذكرها الأب سركيس في المقدّمة، وأذكرها هنا بطريقتي: في بلداننا العربيّة عدد لا بأس به من أساتذة اللّاهوت، ولكن قلّما نجد بينهم، أو خارج حلقتهم، لاهوتيًّا. «لقد ولّى الزّمان الّذي تميّز بشخصيّاتٍ لاهوتيّة عربيّة ومشرقيّة» (ص. 9). فلكي لا يكون هذا الغياب مستدامًا، شعر الأب سركيس بضرورة إصدار هذا الكتاب. مَن يدري؟ ربّما يكون حافزًا وفاتحة خيرٍ لعصرٍ يظهر فيه لاهوتيّون عرب.

الكتاب يحوي ستّة فصولٍ وقسمًا أخيرًا طويلًا بمثابة خاتمة تحوي التّأوين والانفتاح. لم يتبع الكاتب في فصوله، كما فعل في بعض كتبه السّابقة، التّسلسل الكرونولوجيّ لظهور الفكر اللّاهوتيّ والمدارس اللّاهوتيّة، بل عكف على تحديد النّقاط الأساسيّة المميّزة الّتي تجعلنا نقول عن نصٍّ أو مؤلَّفٍ: إنّه لاهوتيّ!

وحيث إنّ الكاتب أستاذ جامعيّ، عكف على تقطيع محتويات الفصول بمحطّات تفكيرٍ بعنوان: «نصّ للتّعمّق»، وفي بعض الأحيان ينتهي النّصّ بسؤال للتّفكير. لماذا؟ لأنّ اللّاهوت هو بالضّبط إيمان يُعمِل العقل، أو، كما يقول القدّيس أنسلموس: «آمن وفكّر في ما تؤمن به». فقضيّة إعمال العقل في الإيمان هي أوّل تحدٍّ واجه العمل اللّاهوتيّ، ويذكره الكاتب في الفصل الأوّل.

يبدأ الفصل الثّاني بعرضِ تاريخيّة مصطلح «لاهوت»، فيبيّن أنّ الممارسة سبقت المصطلح، وأنّه مع ظهور المصطلح وشيوعه صار تعريفه ضرورةً، فنجد في الفصل، ضمن إطاراتٍ رماديّة، تعريفاتٍ معاصرة  لهذا المصطلح.

عنوان الفصل الثّالث: «علم اللّاهوت مهمّة كنسيّة»، يمكن أن نستبدل به آخر هو: «شروط العمل اللّاهوتيّ». فاللّاهوت عمل يتمّ داخل الكنيسة وفي الشّراكة معها لا خارجها وبالانقطاع عنها، إنّه عمل يتطلّب التزامًا بالإيمان لا مراقبةً له وتحليله من الخارج، إنّه عمل يتطلّب من اللّاهوتيّ حياةً روحيّة عميقة في علاقته بالله .

الفصل الرّابع يطرح قضيّة مهمّة: لا يدّعي اللّاهوت أنّه سيصل يومًا إلى معرفة جميع أسرار الله. إنّه يسبر غور حقيقة الله، وحقيقة الإنسان، وحقيقة العلاقة بين اﷲ والإنسان، لكنّه لا ينسى أبدًا أنّه يتعامل مع سرٍّ يفوق قدرات الكائن البشريّ.

في الفصل الخامس تحديدٌ لمنابع العمل اللّاهوتيّ. وقد رتّبها الأب سركيس بحسب أولويّتها، فجاء الكتاب المقدّس أوّلًا، والتّقليد الكنسيّ ثانيًا، تلاه الحسّ الإيمانيّ عند شعب الله، فاللّيتورجيا، فآباء الكنيسة، وفي آخر القائمة الفلسفة ثمّ العلوم والخبرات الحياتيّة.

الفصول التّالية مكمّلة للموضوع. عرض لفروع اللّاهوت، المجامع «اللّاهوتيّة» وبعض اللّاهوتيّين: إيريناوس، وتوما الأكوينيّ، ومارتن لوثر، وهنري نيومن، لينتهي الكتاب بفصلٍ هو بمثابة خاتمة طويلة ذكرناها في البداية.

ما يلفت الانتباه هو وجود حركة في صفحات الكتاب: صور، مستطيلات مظلّلة، إلخ، ما يجعل قراءته سهلة، ناهيك عن متعة قراءة فحوى النّصّ في حدّ ذاته، إذ التزم الكاتب بالوضوح والاقتضاب درءًا للملل من التّفاصيل الّتي لا تهمّ، في آخر الأمر، سوى جماعة الاختصاص.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

[email protected]

في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للأديان

في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للأديان

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

ميشال يونس

في سبيل لاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان

295 ص. بيروت: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5619-9)

يتألّف الكتاب من ثلاثة أقسامٍ رئيسة:

– أبواب الدّخول إلى لاهوت الأديان، ويتضمّن مفهوم الخلاص، والعهد، والوحي؛

– مقاربات التّناسبيّة ومصادرها، ويتضمّن مقاربات تصوّريّة، وموارد كتابيّة تناسبيّة، والأبعاد اللّاهوتيّة للتناسبيّة؛

– التّناسبيّة وتنوّع الأديان، ويعالج مسألة تنوّع الأديان.

وينتهي الكتاب بقائمة مصطلحات من وضع المعرِّب، الأب جورج باليكي البولسيّ، يبيّن فيها التّرجمة الّتي استعملها للمصطلحات الأجنبيّة.

يبدأ الفصل الأوّل بطرح قضيّة محوريّة في جدليّة موقف اللّاهوت المسيحيّ من الأديان. إنّها قضيّة شخص المسيح في مسألة الخلاص بحسب اللّاهوت المسيحيّ. فهذه القضيّة تثير تساؤلًا حين يصبح عدم إقصاء المسيح عن التّفكير اللّاهوتيّ في شأن الأديان مطلقيّةً، «ويتحوّل طابع اللّاهوت المركِّز على المسيح إلى واحديّة المسيح» (ص. 29). وتزداد القضيّة تعقيدًا حين تدخل الكنيسة على الخطّ مع شعارها: «لا خلاص خارج الكنيسة». فيفنّد الكاتب الحجج، ويقدّم مفهومًا شموليًّا بدل المفهوم الحصريّ لبعض العبارات كوساطة المسيح الخلاصيّة، والكنيسة، ويعرض بطريقةٍ واضحة وسلسة مختلف الآراء اللّاهوتيّة في هذه القضيّة، ويقول بأمانةٍ ما لها وما عليها.

ومن محوريّة شخص المسيح، ينتقل الكاتب إلى مفهوم العهد. فيشير إلى مختلف عهود العهد القديم، ومنها ما أبرِمَ قبل حصريّة العهد مع شعبٍ معيّن، وأهمّها عهد الله مع نوح. كما يشير إلى ظاهرة نقض العهد (أو توسيعه) بإحلال عهدٍ جديدٍ مكانه، ويتبنّى نظرة القدّيسَين إيريناوس وإقليمنضوس الإسكندريّ إلى هذا العهد الجديد، فهما يلحّان على شموليّته. ويختم بحثه في أخذ العهود في الأديان الأخرى بعين الاعتبار، وكيف يستطيع اللّاهوت ضمّها إلى العهد الجديد مع المسيح من دون أن يجعلها عهودًا تنال خلاصها من خارج ديانتها، بل من داخلها.

في مسألة الوحي، يتبنّى الكاتب مفهوم الوحي على أنّه كشف الله عن ذاته، أكثر منه مجموعة من العقائد والسّلوكيّات الأخلاقيّة. وحيث إنّ هذا الكشف، في المسيحيّة، لم يتمّ بكلامٍ بل بشخصٍ، ما هي نظرة المسيحيّة إلى الوحي في الدّيانات الأخرى؟ يذكر الكاتب إرنست ترولتش الّذي أدخل النّسبيّة إلى الوحي المسيحيّ، وردّ كارل بارت عليه، ليجد في فكرة بذار الكلمة، أو ركائز الانتظار، الآبائيّة منفذًا لحلّ هذه القضيّة. وبعد ذلك، يعرض الكاتب مختلف آراء اللّاهوتيّين الأقرب إلينا في هذا الموضوع.

إنّ مبدأ التّناسبيّة حجر أساس في اللّاهوت المسيحيّ للأديان. ولأهمّيّته، خصّص له الكاتب بابًا كاملًا، فانطلق من الرّياضيّات إلى الفلسفة، ومنها إلى اللّاهوت. وفي مضمار اللّاهوت، عرّج على مبدأ المماثلة الشّائع في كثيرٍ من كتابات القدماء، وخصّص لكتاب دليل الضّالّين لابن ميمون حيّزًا لا بأس به، لينهي مع يسوع واستعماله الأمثال في إعلان الحقيقة.

لاهوتيًّا، يعالج الكاتب موضوع التّناسبيّة من منظور جدليّة العلاقة بين الحرّيّة والمسؤوليّة في الحياة داخل المجتمع، وفي العلاقة بالآخر، ويرى أنّ لهذه العلاقة ثلاثة أشكالٍ في خصوبتها تفضي إلى انفتاحٍ على المطلق. هذا من جانب الإنسان. أمّا من جانب الله، فالتّناسبيّة تظهر في التّدرّج المرتبط بقدرة الإنسان على الاستيعاب. وعلى الرّغم من هذا التّدرّج، فإنّ الفيض ليس غائبًا. تدرّج وفيض يسيران جنبًا إلى جنبٍ في طريقٍ يزداد الفيض فيه على حساب التّدرّج.

بعد تثبيت هذه المفاهيم، يبدأ القسم الثّالث بالسّؤال الجوهريّ: هل الأديان صادرة من الله أم من الإنسان؟ فهناك موقفان: واحد يضمّها إلى الله وآخر يبعدها عنه. ولمعالجة الموضوع، لا بدّ من التّساؤل: ما هي الدّيانة؟ هنا، يعرض الكاتب باقتضابٍ تاريخيّة تعريف هذه الكلمة، ومواقف بعض اللّاهوتيّين، ليفضي إلى مبدأٍ وهو عمل الرّوح القدس في الخليقة كمرجعيّة ومعيار للحكم على ديانة أو بعض العناصر في ديانة هل هي من الله أم هي تدخّل بشريّ. وفي هذا المجال، يعلن صراحةً: «النّسبويّة عقيدةٌ هدّامة، لا لأنّها تجاور مظاهر الواقع المختلفة وحسب، بل بالأكثر وبشكلٍ أساسيّ لأنّها تجعل من المستحيل البحث عن الحقيقة واعتلانها» (ص. 207).

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التّناسبيّة التي أيّدها الكاتب هي غير النّسبيّة التي رفضها. فعلى أساس هذه التّناسبيّة سيبني في الصّفحات الأخيرة ما سمّاه: «في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للتّنوّع» (ص. 211)، فيستعين بكلّ ما هيّأ له ليرسم خطوطًا واضحة للاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان.

الكتاب سهل القراءة والفهم، غنيّ بالمعلومات، جديد في رؤيته، إذ تفادى الكاتب حصر التّفكير في ما هو شائع بالمنشورات العربيّة، أي علاقة المسيحيّة بالدّيانة الإسلاميّة، وجعل الدّراسة مفتوحةً وصالحة لدراسة موقف المسيحيّة، لاهوتيًّا، من أيّ ديانةٍ كانت.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

         [email protected]

اللّاهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

اللّاهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

منذ زمن، والفكر اللّاهوتيّ ينشَط عندنا في موضوع العلاقة بين الدّين والسّياسة، وموقع الكنيسة في هذا المجال. لكنّ المرحلة الّتي تلت المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، ومعطيات الواقع اللّبنانيّ في موضوع الطّائفيّة، نشّطت البحث في هذه العلاقة، إذ طرحت مجموعات من الكهنة والعلمانيّين المسألة، وعملت على الإجابة عنها بحثًا أو التزامًا عمليًّا، بغية إيجاد صيغة تعاونٍ بين المجالين مع استقلال كلّ منهما. تسعى هذه المحاولة إلى تسليط الضّوء على بعض نماذج هذا الجهد في إطار الكنيسة المارونيّة، وخصوصًا حركة كنيسة من أجل عالمنا، ويواكيم مبارك، والمجمع المارونيّ، وشرعة العمل السّياسيّ في ضوء تعليم الكنيسة، وخصوصيّة لبنان.

كلمات مفتاحيّة: لاهوت، سياسة، نقد، كنيسة، لبنان، وجدان، عالم، مارونيّة، المسيح، المجتمع، حريّة، مؤسّسة، ميثاق، دين.

La théologie politique dans l’Eglise Maronite

Père Bassem el-Rai

Depuis quelques décennies, la pensée théologique au Liban est toujours active dans le domaine de la relation entre religion et politique et de la place de l’Église là-dedans. Après le Concile Vatican II et à la lumière de la réalité libanaise, surtout au niveau du confessionnalisme, un vrai élan de recherche sur cette relation s’est élancé. Des groupes de prêtres et de laïcs ont soulevé la question et ont travaillé pour y répondre dans des recherches ou dans un engagement pratique, afin de trouver un moyen de coopération entre les deux sphères tout en préservant l’indépendance de chacune d’elles. L’article présent se fait pour tâche d’attirer l’attention sur quelques exemples d’un effort pareil dans le cadre de l’Église maronite, notamment Mouvement Église pour notre monde, Youakim Moubarac, Synode Maronite et Charte de l’action politique à la lumière de l’enseignement de l’Église et de la spécificité du Liban.

Mots clés: Religion, politique, théologie, Eglise, maronite.

الأب باسم الرّاعي  : أستاذ فلسفة في الجامعة اللّبنانيّة، حائز شهادة الدّكتوراه من جامعة مونستر في ألمانيا، لديه العديد من المنشورات منها: ميثاق 1943 وتجذّر الهويّة الوطنيّة، المجتمع والدّولة، أرشيف البطريرك أنطون عريضة الوطنيّ، ومجموعة من المقالات، آخرها في مجلّة المشرق بعنوان: «مطالبات لبنان أو مانيفست البطريرك الحويّك الوطنيّ» (2021).

[email protected]

“والدة الإله: هيكل الربّ” – سلطة الليترجيا اللاهوتيّة في الأعياد المريميّة

“والدة الإله: هيكل الربّ” – سلطة الليترجيا اللاهوتيّة في الأعياد المريميّة

يعالج هذا المقال موضوع الأعياد المريميّة وتتضمّن ولادة مريم ودخولها الهيكل ورقادها. فما سلطة العيد المريميّ وأهمّيّته؟ وقد اختار المؤلّف عيد تقدمة والدة الإله إلى هيكل أورشليم وهي طفلة، مبيّنًا، أوّلًا، جوانبَ هذا الحدَث التاريخيّة والجوهريّة، وطريقة الاحتفال به بحسب سلطته المبنيّة على كتاب منحول أي إنجيل يعقوب التمهيديّ، وثانيًا، سلطة العيد المريميّ استنادًا إلى بُعد العبادة الكريستولوجيّ، إذ تحتلّ الإفخارستيّا النقطة المركزيّة فترتفع التسابيح نحو الثالوث الأقدس.

قصّة الصيد العجيب في إنجيل يوحنّا (21:11): 153 سمكةً مرّة أخرى

لقد أَولى مُفسِّرو الإنجيل الرابع (إنجيل يوحنّا) موضوعَ عدد الأسماك في يو 21: 11 أهميّة قصوى. وإن بدا معنى المشهد اللاهوتيّ واضحًا كفاية – تلميح إلى الخلاص الذي أتى به المسيح – فإنّ الاستفهام بشأن العدد 153 قد جرّبَ مخيّلةَ العلماء منذ أوغسطينس. أمّا غايةُ هذه النقطة فهي إضافة عدّة حجج إلى اقتراح ج. إمِرتون J. Emerton في العام 1958، اقتراح يشيرُ هذا العددُ بحسبه إلى حزقيّال 47: 1- 12. فيصبح من الأسهل بكثير إقامة الصلة بين الفقرتَين، ويتجلّى اتّساقُ هذه الإشارة اللاهوتيّ تجلّيًا أقوى ضمن الإطار العامّ اليوحنّاويّ اللاهوتيّ.
نقلته إلى العربيّة د. بتسا إستيفانو

«مريم والدة الإلٰه» في رُتَب عيد الفصح الطقسيّة البيزنطيّة

لا يمكنُ أحدًا إنكارُ المكانة الرئيسة المخصَّصة للعذراء مريم، وقد أعلنَها مجمعُ أفسس والدةَ الإله، في الرتبة الإلهيّة الليترجيّة الخاصّة بالكنيسة البيزنطيّة. ومقالنا هذا يدرسُ الإطارَ الذي تبغي الهمنوغرافيا وضع مريم فيه طوال أيّام الفصح هذه، من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة: لمَ تُصرُّ التراتيل والأناشيد الفصحيّة على دور مريم في هذه الفترة؟ وهل تحاولُ الليترجيا البيزنطيّة ملء بعض الفجوات البيبليّة؟ ثمّ هل مكانة مريم على صلة وثيقة بالسرّ الفصحيّ في الكنيسة البيزنطيّة؟
فانطلاقًا من النشيدَين المخصَّصَين لوالدة الإله، سندرس، في مقطعٍ أوّل، العلاقة بين الصليب والقيامة، وأمّا في مقطعٍ ثانٍ فسنركّز على العلاقة بين التجسّد والقيامة. ونُنهي عملَنا بمعالجة دور مريم أمًّا للمؤمنين.

الرجاء المسيحيّ ثانيةً: ما هو مصدره، وما تأثيره في الإنسان؟

في مجتمعنا الأقرب والأبعد معًا، يحيا شعورٌ مزدوج: شعور بالرضا إذ ثمّة تطوّر في المجالات التي ترفعُ كرامةَ الإنسان، وشعور بالخيبة إذ كلّ شيء ماضٍ إلى الزوال بسبب العنف بمظاهره كافّةً، ولأنّ المستقبل مُظلِم. فهذه الدراسة تطرح السؤال التالي: كيف أمكنَ البشريّةَ إدراك هذا التطوّر الزاهر وفي الوقت نفسه فقدت السيطرة على الشرّ الذي لا يتوقّف عن تهديد وجودها على الأرض؟ الجواب هو أنّ البشريّة، عندما تتّجه نحو فضيلة الأمل، تتقرّب من القيَم الإنسانيّة والروحيّة، وقد بدأت بتطبيقها. وإذ نُشيرُ إلى مثال كارلو ماريا مارتيني وإلى البابا فرنسيس، نكتشفُ الطريقة الجيّدة لنعيشَ الأمل ونطبّقه.

خواطر في إنسانيّة يسوع المسيح – يسوع بين الأحداث الحياتيّة ومواقفه الشخصيّة –

يهدف هذا المقال، وضمن إطار تعميق معنى إنسانيّة يسوع، إلى تبيان كيف أنّ يسوع عاشَ وفاءً للأحداث، معتبرًا إيّاها “حيّزًا روحيًّا” للبحث عن مشيئة أبيه السماويّ وإيجادها لكي يُطيعَه أيّما طاعة. وثمّة قراءة بيبليّة تسمح بالتحديد بكشف هذه الصلة بين أحداث حياة المسيح وطريقة طاعته مشيئةَ الله. أمّا “الأحياز الروحيّة” الرئيسيّة التي يمكننا ذكرها في هذا الشأن فهي: إيمان يسوع الموجود دائمًا في صلاته، ومختلف الإغراءات التي عاشها، وإعلانه ملكوت الربّ ودعوته إلى الاهتداء إلى الله، ومعجزاته وشفاءاته، وآلامه وموته، وأخيرًا رؤيته للمستقبل. وهكذا، عندما قدّم بيلاطُس يسوع إلى الجماهير مُعلنًا: “هذا هو الرجُل”، فهو قد قدّم في الواقع مثالًا للإنسانيّة يعبّر نِعمَ التعبير عن أحداث الحياة التي تُظهرُ مشيئةَ الله.

«الشهداء والمستشهدون» «شهادة يجب ألّا تُنتسى»

لقد ذكرَ البابا يوحنّا بولس الثاني، في رسالته البابويّة “إطلالة الألف الثالث”، أهمّيّةَ “مسكونيّة الشهداء” (في المقطع 37). هذه هي نقطة ثقافتنا المحوريّة حيث يمكن كلَّ المسيحيّين أن يجتمعوا. فقداسة البابا يدعونا إلى التفكير في ما يقرّبنا بعضنا من بعض أكثر منه في ما يفرّقنا. ننطلق، في قسمٍ أوّل، من تفكيرٍ في معنى كلمة “شهيد” لنشدّد على تعبير القدّيس بوليقَربُس “الشهادة بحسب الإنجيل”. ونعرض في قسمٍ ثانٍ أهميّة الشهادة في الكتابات المقدّسة، ومؤلّفات آباء الكنيسة، ولاهوت الكنيسة، خاصّةً في المجمع الفاتيكانيّ الثاني.
فالشهادة، في الختام، يمكن أن تصبح في المستقبل الطريق نحو “الشراكة الكنسيّة” بين الكنائس، إذ، وبحسب كلمة البابا فرنسيس، “القدّيسون يدفعون الكنيسة إلى الأمام… لتُعطينا السلامَ والوحدة”.

وثيقة كِيِتي: نصٌّ مشترَك كاثوليكيّ أرثوذكسيّ حول السينُدُسيّة وعلاقتها بالأوّليّة في الألفيّة الأولى

وثيقة كِيِتي: نصٌّ مشترَك كاثوليكيّ أرثوذكسيّ حول السينُدُسيّة وعلاقتها بالأوّليّة في الألفيّة الأولى

في شهر أيلول من العام 2016، اجتمعت اللجنة العالميّة المشترَكة من أجل الحوار اللاهوتيّ بين الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة والكنيسة الأرثوذكسيّة، في كيِتي، وقدّمت وثيقةَ اتّفاقٍ لاهوتيّ جديدة بعنوان “السيندُسيّة وعلاقتها بالأوّليّة في الألفيّة الأولى”. وإنّ هذا المقال يتحدّث عن تاريخ الحوار منذ تأسيس اللجنة المذكورة بعد المجمع الفاتيكانيّ الثاني حتّى نشر هذا النصّ. ووثيقة كيِتي تحرّر اللجنة من ظرفٍ عاشته منذ التسعينيّات، وتملأ الفراغ الذي يمثّله النصّ الذي أتى قبل ذلك والذي تمّ توقيعه في العام 2007 في رافينا (Ravenne)، وقامت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة برفضه مباشرةً حينها. فيُبرز كاتب هذا المقال نقاطَ وثيقة كيِتي القويّة، وخاصّةً الاعتراف المشترك بوجود أوّليّة على المستوى العالميّ. والمقال يقدّم ترجمةً عربيّة للنصّ المذكور، وهي الأولى إلى اليوم.

الرمزيّة والمثاليّة في مدرسة الإسكندريّة اللاهوتيّة

الرمزيّة والمثاليّة في مدرسة الإسكندريّة اللاهوتيّة

إنّ مدرسة الندوات اللاهوتيّة بالإسكندريّة هي الأشهر في تاريخ الديانة المسيحيّة، وخاصّةً في القرون الأولى؛ لقد أحسنت في إنشاء العقائد المسيحيّة من جهة، وفي الدفاع عنها وتبريرها من جهة أخرى. وأيضًا، أكبّت على مسألة ألوهيّة المسيح المتأثّرة بفلسفة مثاليّة أفلاطون، كما كان عليها قراءة الكتاب المقدّس قراءةً رمزيّة.

خواطر في إنسانيّة يسوع المسيح – أُسس كرامة الجسد في المسيحيّة –

خواطر في إنسانيّة يسوع المسيح – أُسس كرامة الجسد في المسيحيّة –

ثلاثة أسس لاهوتية تعطي جسم الإنسان قيمته، معناه، وكرامته: أولاً، خلق الله الإنسان على صورته والخيار الإلهيّ الواعد بالنسل. بناءً على الخلفيّة هذه، تجسّد الله الكلمة وصار إنسانًا، وبالتالي، تزوّج البشريّة؛ فتجسّده وإنسانيّته أضاف الكرامة إلى جسم الإنسان. وأخيراً، هناك قيامة يسوع المسيح في جسده التي تضفي كمال كرامته إلى جسم الإنسان الذي سيقوم من الموت هو أيضًا. في ضوء هذه الأسس الثلاثة، فإن الحفاظ على الأسرار السبعة لا يتعلّق بذكاء الإنسان وحسب، بل أيضًا بجسده، في حركة مزدوجة تمزج ما بين تحقيق عمل الله وتوقّع قيامة الجسد. وفي وجه هذه الملحمة الإلهيّة، يلفي الإنسان نفسه مدعوًّا إلى التعاون مع الله في ما يتعلّق بجسده، قائدًا بالتالي معركة روحيّة بين جسده وعقله، لكي ينجح في الانتقال من أفعال الجسد إلى ثمار الروح، ومن الموت إلى الحياة عن طريق أعمال الحبّ.

إيضاح المجلس الحبريّ لتعزيز وحدة المسيحيّين في انبثاق الروح القدس

إيضاح المجلس الحبريّ لتعزيز وحدة المسيحيّين في انبثاق الروح القدس

يحتوي المقال بشكل أساسيّ على الترجمة العربيّة لتوضيحٍ بعنوان “التقاليد اليونانيّة واللاّتينيّة المتعلّقة بانبثاق الروح القدس” الذي نشره مجمع عقيدة الإيمان العام 1995. ويسبق الترجمة العربيّة عرضٌ تقديميّ وتحليل أدبيّ ولاهوتيّ. في حين باتت إضافة لفظة “والابن” إلى قانون الإيمان filioque سببًا من الأسباب الجوهريّة التي أدّت إلى الانشقاق البيزنطيّ-اللّاتينيّ. ويُعتَبَر التوضيح هذا الصادر عن الفاتيكان ذو أهمّيّة مسكونيّة كبرى، فهو يعترف بالقيمة المعياريّة وغير القابلة للإلغاء لرمز الإيمان المعلَن باللغة اليونانيّة في مجمع القسطنطينية. كما أنّه يعلن أنّ ملكوت الآب هو مبدأ لاهوتيّ مشترك بين التقليدَيْن اليونانيّ واللاّتينيّ. متأثرًا بعمل الأب ج. م. جاريجيس، ينخرط التوضيح في الجدل حول هذا الموضوع ويبيّن توازيًا لغويًّا زائفًا. ثمّ يقدّم تفسيرًا عن عبارة “والابن” (filioque) محترمًا التراث المشترك بين التقليدَيْن.

قراءة النصوص البيبليّة في الليترجيا المريميّة البيزنطيّة

قراءة النصوص البيبليّة في الليترجيا المريميّة البيزنطيّة

إختارت الكنيسة، من خلال الآباء وصانعي الترانيم، بعض النصوص والصور البيبليّة وفسّرتها على أنها شهادات مستوحاة لفهم سرّ أمّ الله. ومع ذلك، فإنّ هذا النوع من التصنيف البيبليّ المنسوب إلى صورة مريم يبدو صعبًا إذا أردنا مواءمته مع المعنى الحرفيّ لنصوصه. ولكنّ النقد النّصّيّ المعاصر قد يشمل هذا التفسير إستنادًا إلى معطيات متعلّقة بالتقوى الشعبيّة من دون مزجها باللاهوت. وهكذا، تطرح عدّة أسئلة نفسها حول النقد العائد إلى الاستخدام القديم لنصوصه وعلاقته بالتقوى الشعبيّة وصحة هذه التفسيرات… وأهمّيّة التفسير الليترجيّ المخصّص للنصوص البيبليّة…! في الجزء الأوّل من المقال هذا، سوف نعرض النصوص البيبليّة المتعلّقة بالأعياد المريميّة، ثمّ نتبعها بتفسير ليترجيّ، والتمسّك أخيرًا ببعض الموضوعات اللاهوتيّة ذات الصلة باللاهوت المريميّ البيزنطيّ.

“قراءة جديدة في بعض الأناشيد الميلاديّة” بحسب الطقس البيزنطيّ

“قراءة جديدة في بعض الأناشيد الميلاديّة” بحسب الطقس البيزنطيّ

صحيحٌ أنّ الكنيسة البيزنطيّة لم تخصّص طقسًا ليترجيًّا يُعنى بالتحضير لزمن الميلاد، مثل الكنائس المسيحيّة الأخرى، إلاّ أنّ تقاليدها الليترجيّة تحدّد فترة صومٍ من أربعين يومًا تبدأ في 15 تشرين الثاني / نوفمبر وتنتهي في 24 كانون الأوّل / ديسمبر، أي عشيّة عيد التجسّد. مع التحضير للعيد هذا “في الجسد”، تقدّم الكنيسة البيزنطيّة، الغنيّة بالترانيم، من خلال ليترجيّتها، تحضيرًا “روحيًّا”. في هذا المقال، حاولنا أن “نعيد قراءة” بعض الترانيم المستلّة من صلوات المساء أو الصباح ذات الصلة بالفترة الليترجيّة هذه. كذلك، فقد أصرّينا على أنّ الليترجيا هي، بامتياز، “المكان” حيث تستمدّ الكنيسة تعاليمها من الكتاب المقدّس وكتابات آباء الكنيسة لتكوين مؤمنيها وإطلاعهم على المعنى العميق للسرّ الخلاصيّ المتجلّي في تجسد كلمة الله.

خواطر في إنسانيّة يسوع – أصلان اثنان متداخلان في شخص واحد

خواطر في إنسانيّة يسوع – أصلان اثنان متداخلان في شخص واحد

في القسم الثاني هذا الذي يتحدّث عن إنسانية يسوع المسيح، نناقش المراحل الثلاثة من كريستولوجيا المجامع الكنيسّة في القرون الأولى في ما يتعلّق بطبيعة العلاقة بين ألوهيّة المسيح وإنسانيتّه. ففي أفسس (431)، طرح الإصرار على شخص واحد، ردّاً على نسطور الذي طرح السؤال الحقيقيّ “كيف؟” ، فاصلاً الطبيعتين إلى شخصين، معتبرًا أنّ الألوهيّة غير قادرة على تكبّد معاناة الإنسانيّة. في خلقيدونية (451)، ظهر الفرق الواضح بين طبيعتين في شخص واحد، ردًّا على أوطاخي الذي زعم أنّ اللاهوت قد امتصّ الإنسانيّة، “مثل قطرة ماء في البحر”. ولكن، تبيّن في مجمع القسطنطينيّة الثاني (533) أنّ الألوهيّة تسمح للإنسانيّة بعمل المعجزات، وفي المقابل، نرى الإنسانيّة تهب الألوهيّة المعاناة: “واحد من الثالوث قد عانى”. كذلك، فقد تمّ تأكيد “مشيئتي” يسوع المسيح في لاتران (649) ومجمع القسطنطينيّة الثالث (680-681). وهكذا، وبشكل تدرّجيّ، تعزّز الإصرار على إنسانيّته وواقعه التاريخيّ، في حين أنّ مجمع نيقية (325) قد أصرّ على ألوهيّته الوجوديّة.
وبالنسبة إلينا اليوم؟ هل لا يزال الإيمان في خطر النسطوريّة الجديدة (ألوهيّة يسوع المسيح تصنع المعجزات ولا يمكن بلوغها لا بمعاناة البشرية ولا بموت بشريّ) والأوطيخيّة الجديدة (إنسانيّة يسوع المسيح تختفي في ألوهيّته). في الوقت نفسه، ينبغي أن يصرّ الخطاب اللاهوتيّ على إله يصبح “جسدًا” و”يتأثّر” بالإنسان وبتاريخه. وكذلك، لا بدّ من التشديد على الاقتصاد (تاريخ الخلاص) الذي يعبّر عن “اللاهوت” (حقيقة الله) وعلى “اللاهوت” الذي يوجّه “الاقتصاد”، في “تواصل” حقيقيّ بين هذه الخطابين المسيحيّين.

ثلاث مقالات لاهوتيّة ليحيى بن عديّ في (الاتّحاد، الصلب، الموت، والصعود)

ثلاث مقالات لاهوتيّة ليحيى بن عديّ في (الاتّحاد، الصلب، الموت، والصعود)

نُشرت في هذه الدراسة ثلاثة نصوص غير منشورة ليحيى بن عديّ:
1- ملخّص إجابة يحيى على الأسئلة الثلاثة عن الاتّحاد، وكلمة “الموت”، والسبب الكامن وراء عدم ذكرها في العقيدة الإيمانيّة.
2- ملخّص إجاية يحيى بن عديّ على سؤال طرحه الجهينيّ عن كلمة الإنجيل: لن يصعد إلى السماء…
3- ملخّص آخر عن سؤال طرحه الجهينيّ، في ذلك الاجتماع نفسه، عمّا هو مكتوب في التوراة: كلّ مصلوب ملعون…”
تسبق النصوص مقدّمة تعرض محتواها، والطريقة التي اتّبعها يحيى بن عديّ لتفسير آيات الكتاب المقدّس وتقديم نظريّة الاتّحاد الخاصّة به.

أيُّها الشيطان، أين شوكتُكَ؟

أيُّها الشيطان، أين شوكتُكَ؟

تعدّدت الوسائل الإعلاميّة المسيحيّة المحليّة والعالميّة، ولاسيّما قنوات التلفزيون، التي تبثّ برامجَ عن الشرّ بل عن طرد الأرواح الشرّيرة. وهذا يسبّب ردّات فعل وأسئلة متنوّعة في أوساط المؤمنين: هل الحياةُ المسيحيّة هي حقًّا نضال بوجه الشرّ؟ وهل من الضروريّ تشخيص الشرّ هذا؟ أليس الشرّ مرتبطًا بطريقة أو بأخرى بحريّة الإنسان؟ إنّها أسئلة قديمة تتجدّد بلا انقطاع وتنتظر أجوبةً جديدة من العلماء ولكن أيضًا من اللاهوتيّين. وفي هذا المقال، يعرض المؤلِّف مقاربة بيبليّة نقديّة تبنّاها عددٌ من اللاهوتيّين في الكنيسة الكاثوليكيّة، ويقترح طريقة جديدة لفهم المسألة.

أزمة مفهوم الرجاء: ماذا تقول الفلسفة والفكر المعاصر؟

أزمة مفهوم الرجاء: ماذا تقول الفلسفة والفكر المعاصر؟

من الواضح أنّ عالم اليوم، ولاسيّما الشرق الأوسط والأدنى وبعض البلدان العربيّة، يعيشُ أوقاتًا عصيبة لا تخلو من العنف والصعوبات. فالرجاء مهدَّد في هذه الظروف. مع أنّ الفلسفة، منذ أفلاطون وأرسطو، مقتنعة بأنّ الرجاء فضيلة ومفهوم لن يختفيَ أبدًا إذ إنّه مرتبط بمصير البشريّة؛ كلُّ إنسان يرجو دائمًا الخروج من أزمته، وفي كلّ مرّة يكونُ الموت فيها مهدِّدًا، يأتي الرجاء للمساعدة فيثبت أنّ لا شيء انتهى، وأنّ في الإنسان نشاطًا متحرّكًا من أصلٍ إلهيّ، يحوّلُ القُبحَ إلى جمال، والطرقات المسدودة إلى آفاق منفتحة. والمقال يعرض، إلى جانب الفلاسفة اليونانيّين، نظريّات فلاسفة كُثُر ومفكّرين مثل إيمانويل كانْت وكارل ماركس وحميد موراني وغيرهم ممَّن كانت لهم آراء في المسألة المطروحة.

خواطر في إنسانيّة يسوع المسيح – بين الدوافع والمنهجيّة والمحتوى –

خواطر في إنسانيّة يسوع المسيح – بين الدوافع والمنهجيّة والمحتوى –

في هذا المقال حافزٌ مزدوج: مصلحة الكاتب الشخصيّة بشأن الإنسان، وإصرار المسيحيّة الشرقيّة على ألوهيّة يسوع، وهو إصرار يتطلّب التشديد على إنسانيّته.
القسم الأوّل: منهجيّة: الكتابات المقدّسة، ضمن نوعَين أدبيَّين: اللاهوت الروائيّ (الأناجيل الكاشفة إنسانيّةَ يسوع)؛ اللاهوت الخطابيّ (كتابات أخرى للعهد الجديد)؛ التقليد اللاهوتيّ: آباء الكنيسة، مجامع وخطاب روحانيّ ولاهوتيّ. والعلوم الإنسانيّة التي تجلب النور إلى عالمنا.
القسم الثاني: المضمون، ضمن خانتَين، الأولى نظريّة: تصرُّف يسوع بصفته شخصًا فريدًا في نوعه له أصلٌ إلهيّ وبشريّ؛ إدراكُه هويّته المزدوجة ومعرفتُه الوحيَ الإلهيّ ومصيره؛ دلالات التسميات التالية: إبن الإنسان، وابن الله، والوسيط؛ أربعة أشكال لجسده: أرضيّ وممجّد وكنائسيّ وقربانيّ. والخانة الثانية علائقيّة: العلاقة بأبيه وبإرادته؛ العلاقة بالبشر؛ التواصل بين الله والإنسان وحضور الله للبشر أجمعين.

Share This