فكر دينيّ
مشيخة عقل الدّروز في لبنان
سعيد أبو زكي
مشيخة عقل الدّروز في لبنان
بحث في أصولها ومعناها وتطوّرها
392ص. ط.1 بيروت: دار المشرق، 2021
(ISBN: 978-2-7214-6035-6)
«ما هو الكتاب الّذي تنصحني به كي أفهم المجتمع الدّرزيّ بشكل أفضل؟»
سؤالٌ كثيرًا ما يُطرح عليّ. وبصفتي باحثًا يعمل في جغرافيا المجتمع الدّرزيّ السّياسيّة، أجد نفسي عاجزًا دائمًا عن الإجابة. سبب ذلك أنّ معظم الكتب الّتي قرأتها عن تاريخ الدّروز السّياسيّ والاجتماعيّ وتراثهم الدّينيّ يعاني من إشكاليّات متنوّعة تُضعِف قيمتَها العلميّة، وتقلّل من فائدة القارئ المعرفيّة. أخطر تلك الإشكاليّات يظهر في ضعف المنهجيّة العلميّة المتّبعة في معالجة الموضوعات المختارة، وفي التّعامل مع المصادر المتوفرة عنها. فقد وجّه كثير من الباحثين تحليلاتهم ومقالاتهم وفق آرائهم الخاصّة، وتصوّراتهم المسبقة بشأن تراث الدّروز الدّينيّ، وتاريخهم السّياسيّ والاجتماعيّ، فيما حصر آخرون روايتهم في الجانب العسكريّ من تاريخ الدّروز، متجاهلين تاريخهم الاجتماعيّ والدّينيّ.
بفضل كتاب سعيد أبوزكي الجديد بات لديّ، أخيرًا، إجابة واضحة ومفيدة: «مشيخة عقل الدّروز في لبنان: بحث في أصولها ومعناها وتطوّرها.»
هذا الكتاب نسخة منقّحة عن أطروحة أعدّها المؤلّف لإتمام شهادة الماجستير في الآداب بدائرة التّاريخ في الجامعة الأميركيّة في بيروت. يُتيح عنوان الكتاب الفرعيّ فهم حجم المشروع الفكريّ الّذي طرحه المؤلّف، إذ يتخطّى مجال التّاريخ ليشمل البحث في أصول مشيخة العقل في لبنان، ومعناها، وأبرز مراحل تطوّرها؛ فيعالج موضوعَ البحث ضمن سياقه الدّينيّ، أي مسلك العقل والولاية الدّينيّة لدى الدّروز. ينتج من ذلك بانوراما تاريخيّة شاملة ومبتكرة لحقبتَيْن رئيسيّتين من تاريخ الدّروز في لبنان، تشمل الأولى القرنين الخامس عشر والسّابع عشر، وقد شهدت حركة إصلاح دينيّ فعّالة بدأها الأمير عبد اللَّه التّنوخيّ في خلال القرن الخامس عشر في بلدة عبيه جنوبَ العاصمة اللّبنانيّة بيروت، وشملت مناطق تواجد الدّروز كافة في بلاد الشّام، وثبّتها الشّيخ الفاضل محمّد أبي هلال لاحقًا في القرن السّابع عشر. أمّا الحقبة الثانّية فتبدأ في الرّبع الثّاني من القرن التّاسع عشر، عندما بدأ نفوذ الدّروز السّياسيّ يتراجع في جبل لبنان.
خصّص المؤلّف الفصلين الأوّل والثّاني من كتابه لنقد المراجع الحديثة المتّصلة بالموضوع، والتّعريف بالمصادر الأساسيّة المتوافرة لدراسته. فاعتبر أنّ المعرفة الّتي تعطيها تلك المراجع عن تاريخ مشيخة العقل «هزيلة» (ص. ١٩). ويسلّط أبو زكي الضّوء على مشكلة كبيرة تعاني منها غالبيّة الدّراسات الحديثة عن الموضوع، وتتمثّل باعتمادها على المراجع الدّرزيّة الحديثة حصرًا، ما يؤدّي إلى تكرار الأخطاء الجسيمة الّتي حفلت بها تلك المراجع. ويوضح البحث أنّ المراجع الدّرزيّة غير موثوقة بسبب «الأخطاء المنهجيّة» (ص. ٣٥) و«فوضى التّواريخ والأسماء» فيها (ص. ٤٩). ويشير كذلك إلى مشكلة المؤرّخين الّذين كتبوا عن الموضوع من دون الاعتماد على أيّ مصدر تاريخيّ . أحد هؤلاء كمال الصّليبيّ، من أهمّ المؤرّخين اللّبنانيّين، الّذي زعم أنّ ‘الرّؤساء الدّروز الرّوحيّين (أي: شيوخ العقل) في جبل لبنان، خضعوا مبكرًا لسلطة زعماء طائفتهم الإقطاعيّين’ (ص. ٢٤)، ولكنّه لم يُسند مقولته الخطيرة هذه إلى أيّ مصدر أساسيّ من مصادر تاريخ لبنان السّياسيّ!
وللتّغلّب على هذا النّقص في المصادر الأساسيّة، قام أبو زكي بعمل أكاديميّ رصين، بدأه ببحث ميدانيّ دام سنوات عدّة، مكّنه من الوصول إلى أرشيفات محلّيّة نادرة ومفيدة للغاية، بالإضافة إلى مصادر متنوّعة: تاريخيّة وأدبيّة ووثائقيّة وشفهيّة وأثريّة. أجاد المؤلّف في تعامله مع تلك المصادر، مع أنّ كثيرًا منها لا صلة له مباشرة بموضوع البحث، مستعملًا في تحليلها منهجًا واضحًا ومتماسكًا، أتاح له السّير المنتظم في مجاهل بحثه الدّقيق؛ وقدّم تعريفات أصيلة لمفاهيم رئيسيّة تتّصل بتنظيم عقّال الدّروز الدّينيّ، وطرُق عبادتهم، ومسلكهم في الحياة. وقد استغلّ جيّدًا ما تقدّمه المصادر تلك من معلومات وأدلّة، وبخاصّة الوصايا الشّخصيّة الّتي جمعها، لتحديد أسماء رؤساء الدّين الدّروز وكبار عقّالهم، ابتداءً من القرن الثّامن عشر.
يسمح لنا الكتاب بفهم أفضل لحقبة تاريخيّة أساسيّة في تاريخ الدّروز الدّينيّ والاجتماعيّ، وهي حقبة الإصلاح الدّينيّ المشار إليها أعلاه. وذلك من خلال قراءة المصادر الأساسيّة المتّصلة بالأمير السّيّد عبد اﷲ التّنوخيّ والشّيخ الفاضل محمّد أبي هلال، بدقّة. وبخلاف الكثير من المؤلّفات الّتي كُتبت عنهما، يكشف الكتاب عن أبرز معالم حركة الإصلاح تلك، ويشرح مرتكزاتها الدّينيّة وأغراضها، مظهرًا التّجانس القائم بين تعاليم الأمير السّيّد والشّيخ الفاضل، وإنْ فصل بينهما قرن من الزّمن. وقد أظهر المؤلّف في هذا المجال، كما في سائر أجزاء البحث، حرصًا واضحًا في اختيار المصطلحات وإيضاحها للقارئ المتخصّص وغير المتخصّص على السّواء، لتبرير استخدامه إيّاها. على سبيل المثال، استعمل أبو زكي مصطلح «الإصلاح الدّينيّ» بديلًا من «النّهضة الدّينيّة» للدّلالة على ما قام به الأمير السّيّد من تنظيم مسلك العقّال الدّروز وتوضيح معتقداتهم، وذلك لأنّ الحقبة الّتي سبقت بروز الأمير السّيّد شهدت اضطرابًا دينيًّا واجتماعيًّا كبيرًا جدًّا، أدخل الخلّل إلى معتقدات الدّروز وطرق عبادتهم. وقد شملت حركة الأمير السّيّد الإصلاحيّة إيضاحًا مفهومًا لـ «الولاية الدّينيّة»، وهو مفهوم أساسيّ يرتبط عضويًّا بموضوع البحث (ص. ١٩٢). فاستخلص المؤلّف من تراث الأمير السّيّد وغيره من مصادر بحثه الأساسيّة الشّروط التّسعة لتحقيق «الولاية الدّينيّة».
كما أوضح المؤلّف التباسًا شائعًا في الدّراسات الدّرزيّة عمومًا، يتّصل بتعريف «العقّال» و«الجهّال» لدى الدّروز، حيث تمّ حصر الاختلاف بين طبقتَي الدّروز الاجتماعيّتين بالنّطاق المعرفيّ، أي اطّلاع الأولى على تعاليم مذهبهم الدّينيّة، وجهل الثّانية تلك التّعاليم . فبيّن المؤلّف أنّ العقل في مصطلح رجال الدّين الدّروز هو طريق عبادة كليّ، يشمل مجالَي العلم والعمل معًا؛ وبالتّالي، لا يقتصر على اكتساب المعارف الدّينيّة وحسب، بل يتطلّب انضباطًا مسلكيًّا أخلاقيًّا صارمًا. ويستند المؤلّف إلى مفهوم مسلك العقل الّذي أوضحه ليقدّم تعريفًا أساسيًّا للقب «الشّيخ» لدى الدّروز، فهو «المُربّي والمُرشد للجماعة» (ص. ١٤٥).
وكان لافتًا التّحليل الدّقيق لآيات من القرآن الكريم، ومدى الاستفادة منه لإظهار أصالة المرتكزات القرآنيّة لنظرة العقّال الفريدة للعبادة والآداب المرتبطة بها؛ وهو أمرٌ غير مألوف في الدّراسات الحديثة عن الدّروز، والّتي تتقصّد في غالب الأحيان إبراز الاختلافات الكثيرة بين المعتقدات الدّينيّة الدّرزيّة والأصول الإسلاميّة. يُظهر تحليل أبو زكي مسلك العقل، باصطلاحه الخاصّ برجال الدّين الدّروز، مفهومًا روحيًّا مبنيًّا على قواعد قرآنيّة واضحة (ص. ١٢٨). وعلى المنوال نفسه، يعالج المؤلّف موضوع الوقف، وهو أمر مهمّ جدًّا وحاضر للغاية في النّقاشات الدّرزيّة الدّاخليّة في وقتنا، ليفتح الطّريق أمام الباحثين لاستكشاف تاريخه ومعالمه وأغراضه.
وسيتفاجأ القارئ بأنّ لقب شيخ العقّل غير مذكور في أيّ من المصادر الدّرزيّة الّتي تعود إلى ما قبل القرن التّاسع عشر .إذ إنّ استعماله لم يصبح شائعًا بين الدّروز إلّا في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر. هذه الفترة هي أيضًا محوريّة في تاريخ لبنان السّياسيّ التّأسيسيّ . وإذا كانت كتب التّاريخ قد ركّزت كثيرًا على التّنافس بين الأمير بشير الشّهابيّ الثّاني والإقطاع الدّرزيّ وعلى رأسه آل جنبلاط وآل عماد؛ فهناك صمت بشأن العلاقة بين الأمير والعقّال، مع أنّها لا تقلّ أهمية عن الأولى. فقد لعب العقّال دورًا مهمًّا في رفض الخضوع للأمير في العام ١٨٢٥. كما كان لهم دور عسكريّ، ليس ثانويًّا على الإطلاق، ولديهم القدرة بشكل خاصّ على حشد الدّروز ليس في جبل لبنان وحسب، ولكن في حوران السّوريّة.
يرجّح المؤلّف أنّ دور العقّال في ثورة الدّروز على الأمير بشير الثّاني في العام ١٨٢٤ كان السّبب الّذي أدّى بالأمير، بعد أن هزم الإقطاعَ الدّرزيّ عسكريًّا، في سعيه بأن يكون له موقع مهيمن على عقّال الدّروز. فعيّن الامير بشير شيخًا للعقّل يمثّل الجنبلاطيّين، وشيخًا آخر يمثّل اليزبكيّين، واستمرّ هذا التّقسيم بشكل خاصّ مع متصرّفيّة جبل لبنان (١٨٦١-١٩١٦)
وقد أصبح منصب شيخ العقل بمثابة «وظيفة إداريّة» منذ نهاية القرن التّاسع عشر (ص. ٢٩٧). استمرّ هذا التّرتيب مع ولادة لبنان الكبير، ولا يزال حتّى يومنا هذا. الآن تعترف الجمهوريّة اللّبنانيّة رسميًّا بمنصب شيخ العقل، ولكنّه لم يعد مرادفًا للرّئاسة الرّوحيّة الّتي انفصلت عنه في خلال القرن التّاسع عشر. ومع أنّ عمل سعيد أبو زكي أكاديميّ يتطرّق الى الأمور المنهجيّة والدّينيّة قبل كلّ شيء، فقد أضاف على مؤلّفه الأصليّ تمهيدًا عالج فيه المجال السّياسيّ في أثناء المدّة الّتي أعدّ فيها بحثه. تقصّد الكاتب إبراز الإشكاليّات الّتي ظهرت في تلك الفترة من خلال تعاطي السّياسيّين الدّروز مع الموضوع. ويُظهر التّمهيد اختلاف مقاربة هؤلاء في العقود الثّلاثة الماضيّة عن مقاربة سلفهم مسألةَ مشيخة العقل في القرن العشرين.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، ترك كمال جنبلاط، وكان مثقّفًا حاذقًا قيَّمَ التّاريخ على المدى الطّويل، كبارَ عقّال الدّروز يختارون اسم شيخ العقل الجنبلاطيّ في العام ١٩٤٩. فتمّ انتخاب محمّد أبو شقرا لمشيخة العقل عن المقعد الجنبلاطيّ بتأييد من منافسه السّياسيّ التّقليديّ الأمير مجيد أرسلان، مكرّسًا بذلك إجماعًا درزيًّا دينيًّا وسياسيًّا على اختيار المرجعيّات الدّينيّة. بينما شهدت العقود الثّلاثة الماضية صراعًا حادًّا على تكريس نفوذ زعماء الدّروز السّياسيّ باختيار شيخ العقل، وتوجيه سلوكه الاجتماعيّ والسّياسيّ؛ وهو أمرٌ يتعارض مع التّراث الدّينيّ الدّرزيّ الّذي يكرّس استقلاليّة العقّال في عملهم، واختيار مرجعيّاتهم. قد يكون ذلك نتيجة النّظام الطّائفيّ اللّبنانيّ الّذي يعزّز رغبة زعماء الطّوائف السّياسيّين في السّيطرة على الهيئات الدّينيّة. غير أنّي أوافق أبوزكي قوله بأنّ أحد أسباب الإشكاليّات المذكورة، كان ولا يزال، غياب فهم تاريخ منصب شيخ العقل بشكل صحيح ؛ وربّما يكمن جوهر المشكلة بالتّحديد في عدم فهم معنى «الولاية الدّينيّة» الحقيقيّ، وإدراك ماهيّة الوظيفة الدّينيّة والاجتماعيّة الّتي تؤدّيها. وهذا بالنّسبة إليّ أحد أهمّ إسهامات الكتاب الفكريّة. فدراسة تنظيم عقّال الدّروز على النّحو الّذي نقرأه في الكتاب يساعد في الحصول على معرفةٍ حقيقيّة للتّاريخ الدّينيّ والسّياسيّ للدّروز في لبنان. وما يزيد من أهميّة المساهمة تلك، قيام العديد من المؤلّفين السّابقين، سواء كان ذلك بقصد منهم أو من دونه، بتشويه الكثير من معالم تراث الدّروز الرّوحيّ وتعاليمهم الدّينيّة؛ والمنشورُ من كتبهم في متناول الجميع.
كتاب أبوزكي مرجع مفيد للباحثين في تاريخ الدّروز عمومًا، وتنظيمهم الدّينيّ خصوصًا. هو أيضًا مرجع مهمّ للباحثين في تاريخ لبنان السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ. فهو يقدّم معلومات قيّمة، وفي كثير من الأحيان غير معروفة على نطاق واسع، عن العديد من خصائص التّاريخ الدّرزيّ المهمّة. ومع ذلك، تترك دراسة أبوزكي لدى القارئ رغبة في معرفة المزيد عن تاريخ مشيخة العقل في القرن العشرين، إذ يقف نطاق بحثه عند انتهاء حقبة المتصرّفيّة في جبل لبنان في العام ١٩١٦. من جهة أخرى، يمكن أن تكون منهجيّة أبو زكي مثالًا يحتذى به لكلّ من يرغب في الكتابة عن تاريخ الدّروز.
سيكون الكتاب أيضًا بمثابة بوصلة للقارئ العاميّ الّذي يرغب بمعرفة المزيد عن تاريخ المجتمع الدّرزيّ وخصوصيّاته.
الأستاذ رامي خطّار أبو ذياب : حائز ماجستير في القانون من جامعة السّوربون باريس. يعمل حاليًّا على أطروحة الدّكتوراه عن «الجغرافيا السّياسيّة لدروز لبنان» في المعهد الفرنسيّ للجغرافيا السّياسيّة. نشر كتابه عن الجغرافيا السّياسيّة لجنوب سوريا عام 2019. ويكتب حاليًّا في موقع Arab News.
الاعتراض الضّميريّ… حقّ!
إنَّ الاعتراض الضّميريّ له جذوره في اختيار مَن يرفض إطاعة المشرّع، لأنّه يريد إطاعة القانون، وفهم القانون على أنّه المكان الذي تتجلّى فيه العدالة؛ لهذا السبب، ينشأ هذا الاعتراض من فكرة أنّ الحقيقة والعدالة ليستا نتاج إرادة المشرّع، ولكن أساسها وتبريرها. بهذا المعنى، فإنّ الاعتراض هو إظهار أمانة أعلى وإخلاص، ليس بسبب قوّة العقوبات بل لموضوعيَّة الحقيقة. ليس من السّهل تقديم دراسة حول الاعتراض الضّميريّ بشكل كامل، وأن تستوفي الدّراسة جميع القضايا والمجالات القانونيَّة؛ لأنّ ذلك ينطوي على ضرورة النّظر في العلاقة المعقّدة بين الضّمير والحريَّة، خاصّة عندما يتعلّق بالأسباب الدّينيَّة. كما أنّه ليس من السّهل إعطاء جواب نهائيّ بخصوص العلاقة بين القانون والشّرع والنّظام والضّمير، لأنّ المجتمع والنّظام القانونيّ يتطوّران باستمرار؛ يكفي التّفكير بزيادة الحقوق الجديدة المتعلّقة بالتّقدّم التّكنولوجيّ والعلميّ.
L’objection de conscience… un droit
L’objection de conscience trouve ses racines dans le choix de quelqu’un qui refuse d’obéir au législateur parce qu’il veut obéir à la loi et comprendre la loi comme le lieu où la justice se manifeste. Pour cette raison, il découle de l’idée que la vérité et la justice ne sont pas le produit de la volonté du législateur, mais plutôt son fondement et sa justification. En ce sens, l’objection est de faire preuve d’une plus grande honnêteté et sincérité non pas à cause du pouvoir des punitions, mais à cause de l’objectivité de la vérité. Il n’est pas facile de présenter une étude complète sur l’objection de conscience et de satisfaire tous les cas et domaines juridiques; parce qu’elle implique la nécessité de considérer la relation complexe entre conscience et liberté, surtout quand elle concerne des raisons religieuses. De plus, il n’est pas facile de donner une réponse définitive concernant la relation entre la loi et la loi et la loi, l’ordre et la conscience, car la société, ainsi que le système juridique, sont en constante évolution. Il suffit de penser à accroître les nouveaux droits liés au progrès technologique et scientifique. m
الأب ريمون جرجس: بروفسور في جامعة الحكمة. حصل على شهادة الدّكتوراه في القانون الكنسيّ الشّرقيّ من المعهد الحبريّ الشّرقيّ في روما عام ٢٠٠٢. له مؤلّفات ودراسات قانونيّة وعلميّة باللّغتين العربيّة والإيطاليّة تتناول عدّة نواحٍ في شرع الكنائس الكاثوليكيّة.
«مكانة / سلطة يسوع المسيح» في «أناشيد الأعياد المريميّة البيزنطيّة»
تتجلّى مكانة المسيح وسلطته في الصّلوات اللّيترجيّة والجماعيّة التي تكوّن وتنمّي الكنيسة، منبع الحياة الجديدة في المسيح، وتحدّد هويّة المعتقد المسيحيّ. إنّ العلاقة المميّزة باﷲ تنعكس من خلال الصّلاة، وقد وعت الكنيسة هذه العلاقة، ومجّدت قدرة المسيح المتجلّية بطول الأناة.
ركّزت الكنيسة من خلال صلاتها اللّيترجيّة على الطّابع المسيحانيّ من خلال تمجيد أقانيم الثّالوث الأقدس الواحد، ليصبح الملكوت حاضرًا فينا وبوسطنا، ولنصبح مشاركين فيه، عبر اتّحادنا بعضنا ببعض، بالصّلاة اللّيترجيّة الجماعيّة سواء أكان باللّيترجيا أو بالفرض الإلهيّ، كما باستعمال الأشياء والأواني الكنسيّة، وتهيئة القرابين المقدّسة، ورسم إشارة الصّليب التي تعني حضور الثّالوث فينا.
اِهتمّت الكنيسة خاصّة بمكانة القدّيسة مريم والدة الإله من خلال الطّابع المسيحانيّ والتي تُعتبر الموجّه نحو الثّالوث والمسيح (مثال عرس قانا الجليل) من خلال تواضعها، وهبة ذاتها في بدء فجر الفداء الخلاصيّ، وخاصّةً في الأعياد المريميّة عبر التّعابير اللّيترجيّة في التّراث البيزنظيّ والأسماء والصّفات التي أطلقتها عليها في صلواتها والتي تعكس بوضوح روح الكتاب المقدّس والفكر الآبائيّ ومضمونهما، مشدّدة على أنّها والدة الإله بالحقيقة من خلال ختم الصّلوات الليترجيّة وإنهائها بعبارة المسيح إلهنا الحقيقيّ، وبشفاعة أمّه الكاملة الطّهارة، وجميع القدّيسين الذين يمثّلون مع المسيح أيقونة ملكوت اﷲ، وهو ما نختبره باللّيترجيا التي هي بطاقة هويّة للاعتراف المسيحيّ، وبالصّلاة الجماعيّة التي نختبر من خلالها علاقتنا باﷲ كشهادة على الواقع.
Autorité et statut du Christ d’après les hymnes des fêtes mariales byzantines
L’Autorité du Christ se révèle dans les prières liturgiques qui forment le culte de l’Eglise, la rendent une source vivante en Christ, et fixent l’identité du Credo chrétien. Ainsi l’Eglise prend conscience de la prière qui reflète la relation intime avec Dieu et glorifie son autorité transfigurée en sa ‘longanimité’. m
L’Eglise a souligné le caractère christocentrique grâce à sa prière trinitaire dans la Liturgie divine et dans l’Office divin pour rendre présent le Royaume en nous et par nous aux autres membres. Cette participation s’accomplit aussi grâce à l’emploi des vases sacrés, la préparation des saintes offrandes et le signe visible de la Croix. Marie, la Théotokos, reçoit une place de prime grâce au caractère christocentrique et devient ‘le guide’ vers le Christ à travers son humilité et don de soi (les noces de Cana). m
La Tradition byzantine liturgique dans les fêtes mariales présente une large gamme de noms et qualificatifs empruntés à l’Ecriture Sainte et aux écrits patristiques donnés à la Vierge toute sainte. m
Cette même tradition souligne sa maternité divine qui se révèle même dans les bénédictions finales. Ensemble avec le Christ et les autres saints, Marie forme l’icône du Royaume de Dieu que nous expérimentons dans le culte comme témoins de notre relation avec le Christ. m
المطران نيقولا أنتيبا ق.ب. : النّائب البطريركيّ العامّ في دمشق. أُستاذ جامعيّ وباحث في الشّؤون اللّيترجيَّة. له عددٌ من المقالات اللّيترجيَّة المنشورة في مجلَّة المشرق.
الكنيسة الكاثوليكيّة والعلمانيّة: من المواجهة إلى اكتشاف الدور
الكنيسة الكاثوليكيّة والعلمانيّة: من المواجهة إلى اكتشاف الدور
في الوقت الذي تتبنّى فيه الكنيسة الكاثوليكيّة مبادئ العلمانيّة وتطالب بها، ولا سيّما في ما يتعلّق بحياد الدولة عن أيّ دين أو إيديولوجيّة، وحرّيّة الضمير، تلفي نفسها أمام التحدّيات التي تواجهها المجتمعات “العلمانيّة”. فقد كانت العلمانيّة منذ ظهورها في القرن التاسع عشر تيّارًا فلسفيًّا وأخلاقيًّا ساهم في إدخال تحوّلات جذريّة في حياة المجتمع. ومن أجل استكشاف توجّهات الواقع الجديد هذا ومعانيه في نظر الكنيسة، تتبّع الكاتب التغيّرات الفكريّة التي طرأت على التيّار العلمانيّ، ومن ثمّ ردود الفعل الكنسيّة، إلى أن وصل أخيراً إلى طبيعة المجتمع “العلمانيّ” خصوصًا في ظلّ العولمة.
رائد السلفيّة ابن تيميّة (1263- 1328) وموقفه من المسيحيّين
رائد السلفيّة ابن تيميّة (1263- 1328) وموقفه من المسيحيّين
إنّ ابن تيميّة، المعتبَر شخصيّة جداليّة بامتياز، كان مؤسّس التيّار السلفيّ الإسلاميّ الذي نذكره في أيّامنا مع النزعة التي تتّخذها السلفيّة اليوم في “الربيع العربيّ”. ولطالما ذكرَه نموذجًا كلٌّ من السلفيّين أنفسهم والمختصّين بتاريخ هذا التيّار الإسلاميّ. بالفعل، قد كان ابن تيميّة أوّلَ مَن لعَنَ المسلمين الذين انتقدوا تيّاره وقدّرهم للجحيم. فإن كان هذا موقفه من إخوته في الدين، فما كان موقفه تجاه الديانات الأخرى، خصوصًا تجاه المسيحيّين الذين كانوا الأقوى صلةً بالمسلمين؟ يحاول هذا المقال الإجابة عن هذا السؤال الحَرِج في ماضيه والحارق في حاضره. فيستند بحثُنا على دراسة الوسط الدينيّ والسياسيّ حيث عاشَ ابن تيميّة في زمن انقلاباتٍ جمّة. وانطلاقًا من هذا، يذكر المقال سيرة ابن تيميّة المطبوعة بالمراحل المختلفة التي أثّرت في شخصيّته المفرِطة، ليصل إلى دراسة فكره تجاه الغيريّة الدينيّة وخاصّةً تجاه المسيحيّين.
الإعلام المسيحيّ، واقع وتحدّيات. في ضوء أعمال مؤتمر كنائس الشرق حول دور وسائل الإعلام في خدمة البشارة والحوار والسلام.
الإعلام المسيحيّ، واقع وتحدّيات. في ضوء أعمال مؤتمر كنائس الشرق حول دور وسائل الإعلام في خدمة البشارة والحوار والسلام.
هل تستطيعُ الكنيسة أن تستغني عن الإعلام في عالمٍ تسيطر عليه وسائل التواصل؟ كيف يمكنها أقلمة رسالة الخلاص في عالم اليوم؟ وكيف يمكنها الاستجابة لحاجات العالم العربيّ المعاصر وتأدية دور فعّال في ترويج ثقافة حوار وسلام من خلال وسائل التواصُل؟
وغاية المؤتمر الخاصّ لأساقفة الشرق الأوسط حول وسائل الإعلام كانت إجراء استكشافٍ للأماكن، وتحديد الدور الذي على الكنيسة أن تؤدّيَه في السياق الراهن. وها نحن نقدّم لمحة تاريخيّة عن علاقة الكنيسة بوسائل الإعلام، ونعرضُ الموضوعات الرئيسيّة المطروحة في المؤتمر المذكور، وتوصيات البيان النهائيّ، كما نعرض تحليلًا شخصيًّا مع بعض الاقتراحات.