الأب غي سركيس ولينا حوَّاط
دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة –
طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة
ط.1، 136ص.، بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-1221-8
يطرح الأب غي سركيس والدُّكتورة لينا إسكندر حوَّاط في كتابهما دليل المنهجيَّة في أبحاث العلوم الإنسانيَّة – طرائق البحث الجامعيّ في اللَّاهوت والفلسفة إشكاليَّة العبور إلى أرض منهجيَّة متجدِّدة في اختصاصهما اللَّاهوت والفلسفة. إذ إنَّ البحث في النُّظم العامَّة للمنهجيَّة في الاختصاصات المختلفة سيؤدِّي حتمًا إلى إثارة جدليَّةٍ لن تنتهي، ولن توصل إلى أرض ميعاد، بل سيرى الجميع هذه الأرض ولن يدخلوها. لعلَّ هذا المأزق هو الذي دعا مشير باسيل عون، في تقديمه الكتاب، إلى حمل صليب المساءلة في مشكلة المنهجيَّة، ولعلَّه سيلتقي بأكثر من «سمعان القيرواني» يحملون معه ثقل هذه المنهجيَّة الَّتي «تُعاني من لزوجة التُّربة ورخاوة المسار وليونته» (ص.6)، وهي ما زالت في دراساتنا تبحث عن قيامة مرجوَّة في تخبُّطٍ واضح باستخدام الوافد إلى اللَّاهوت والفلسفة من دون مراعاة إبداع عمليَّة «التَّوفيق بين موضوعيَّة البحث العلميّ وذاتيَّة الاختبار الإيمانيّ» ( ص.6).
يشير الكاتبان إلى «أنَّ الغاية من هذا الكتيِّب – الدَّليل هي المساعدة على إعداد البحث العلميّ القصير، فلا يرى الطَّالب، بعد ذلك، في هذا النَّاشط دربَ جلجثة أو جاثومًا، بل مناسبة للنُّضوج في مسيرته الدِّراسيّة» (ص.19) من هنا يقوم الكتيِّب على منظومة منهجيَّة تضع المرجع في المتن، وتتوسَّع في الحواشي، ويعتمد من الصَّفحة الأولى على المراجع الأجنبيَّة، كما في تعريفه البحث العلميّ بـ «إنَّه عرض تدريجيٌّ ودقيق ومترابط». (روس 2017 ، 101) (ص.15). قسّم المؤلِّفان الكتيِّب إلى:
– المرحلة التَّمهيديَّة: تمَّ فيها تبرير هذه المنهجيَّة التَّوضيحيَّة في مجال اللَّاهوت والفلسفة، بدءًا من لاهوتيِّين كتوما الأكويني، انتهاءً بفلاسفة: كأفلاطون، وكانط، وهيجل، وماركس، ونيتشه وغيرهم (ص.17)، وتحليل ذلك عبر «انتقاءِ مقتطفات من كتاب مدخل إلى العقيدة المسيحيَّة للأب توماس ميشال اليسوعيّ وهي مجموعة محاضرات ألقاها في كلِّيَّة الشَّريعة الإسلاميَّة بأنقرة» (ص.20). توصيفًا لهذه المرحلة التَّمهيديَّة عرض المؤلِّفان، شرحًا مسهبًا، النِّقاط التَّقليديَّة الرُّوتينيَّة للبحث لدى الطَّالب: إعداد الجدول الزَّمنيّ (ص.21)، اختيار الموضوع (ص.22)، متلائمًا مع قدرات الطَّالب العلميَّة (ص.24)، الإشكاليَّة والسُّؤال الرَّئيس (ص.25)، نماذج عن طرح الإشكاليَّة (ص.30). وحسنًا فعل المؤلِّفان في عدم استخدام «هل» في أمثلة طرح الإشكاليَّة على شكل سؤال (ص.30 و31 و32)، لأنّ «هل» حرف استفهام لطلب التَّصديق الإيجابيّ، أي: إدراك النِّسبة الإيجابيَّة، ويُجاب عنه بـ «نعم» أو «لا»، لكنَّهما عادا واستخدماه (ص.46).
هذا وتُقدِّم المرحلة التَّمهيديَّة أيضًا مصطلحات اللَّاهوت والفلسفة بين السِّمات المشتركة والسِّمات الخاصَّة به (ص.35)، وكيفيَّة جمع المصادر والمراجع (ص.37) وما اصطُلح عليه بمصطلح «التَّقميش»، إلى جانب اعتماد المنهجيَّة (ص.39)، مع الانتباه إلى أنَّ المؤلِّفَين استخدما مصطلح المقارنة (ص.40)، على أنَّها بين نصَّين لكاتبين مختلفَين في الهويَّة واللُّغة، مع توضيح ما جاء عند أبي القاسم الآمدي (توفّي 370 هـ. – 980م.) في كتابه «الموازنة»، وهي ما بين كاتبين من هويَّة واحدة ولغة واحدة، ويُنهي المؤلِّفان هذه المرحلة بوضع الطَّالب تصميم بحثه (ص.43).
– مرحلة التَّدوين: من المتَّفق عليه أنَّ المقدِّمة تتضمَّن: عرض الموضوع، والإشكاليَّة (ص.94)، والإعلان عن السُّؤال الرَّئيس، وتعريف المصطلحات (ص.50)، وشرح المنهجيَّة (ص.51). ثمّ يأتي التَّوسيع، حيث يرى المؤلِّفان وغيرهما «ضرورة توزيع جسم البحث بالتَّساوي بين الأقسام، لأنَّ غياب التَّناسق في الأحجام علامة ضعف في الهيكليَّة» (ص.53). هذه مساحة خلاف بين العاملِين في المنهجيَّات، إذ لا يرَون في هذا التَّقسيم المتوازن ضرورة إلزاميَّة، بل يعود حجم كلِّ قسم إلى ما يطرحه مستقلًّا عن الأقسام الأخرى، وقد يزيد أو ينقص بحسب قابليَّة التَّوسُّع في مفاصله. أمَّا الخاتمة فتقوم على «التَّذكير بالسُّؤال الرَّئيس، والخطوط العريضة، وتقييم النَّتائج، واقتراح مسألة أو الإشارة إلى توصيات ترسم آفاقًا جديدة (ص.57) مع إيراد قائمة المصادر والمراجع (ص.59)، من دون الإشارة إلى الفهارس العلميَّة الباقية كفهرس الآيات، أو الأشعار، أو الأعلام، وهذا يعود طبعًا إلى أساليب المنهجيَّة المتَّبعة المتنوِّعة في الجامعات المختلفة. لقد أشار المؤلِّفان إلى ذلك التَّنوُّع المنهجيّ في ذكرهما طرقَ توثيق المصادر كنظام هارفرد بعلم الاقتصاد وبالجامعات البريطانيَّة، وجمعيَّة علم النَّفس الأميركيَّة APA بالعلوم الاجتماعيَّة، ونظام فانكوفر بالطُّبّ، ونظام شيكاغو بالعلوم الإنسانيَّة، ونظام جمعيَّة اللُّغة المعاصِرة بدراسة اللُّغة والأدب MLA (ص.59).
قام المؤلِّفان بوضع مجموعة من الإرشادات في الأسلوب والمضمون، الأسلوب الأكاديميّ (ص.67)، النّفَس النَّقديّ (ص.68)، بنية المقطع (ص.73)، الاقتباس والاستشهاد (ص.77)، ترك الاختيار بين كتابة الحاشية في أسفل الصَّفحة أو في المتن (ص.78)، الانتحال (ص.81)، التَّرقيم / التَّرفيد (ص.83)، [التَّرفيد هو وضع علامات اصطلاحيَّة في الكتابة لترفد المعنى وترفع عن النَّصّ اللُّبس والغموض]، أدوات الرَّبط المنطقيّ (ص.86)، الحاشية السُّفليَّة (ص.87)، التَّدقيق (ص.91)، قواعد طباعة النَّصّ (ص.91)، التَّسطير (ص.92)، وهي مفردة تقابِل المفردة المتداوَلة: التَّرصيف JUSTIFY، ومعناه انتظام نهايات الأسطر، والتَّرتيب في صفٍّ واحد، إضافةً إلى ملاحق لنماذج عن البحث العلميّ أو المقالة العلميَّة (ص.80).
لقد أشار المؤلِّفان إلى موضوع استخدام الطَّالب لمفردتَي «الأنا» و«النَّحن» (ص.88)، وفعلًا هذه تشكِّل مشكلة خلافيَّة. حاول المؤلِّفان تقديم صيغة متعدِّدة لأماكن استخدام هذَين الضَّميرَين، ولكن سيبقى النِّقاش دائرًا بشأن هذا الاستخدام، وقد يرد بحدَّة عند بعضهم. لربَّما من الأفضل عدم مساءلة الطَّالب في استخدام هذين الضَّميرَين لصعوبة معالجة المواقف المتعدِّدة. يبقى أخيرًا لفت الطَّالب إلى ضرورة كتابة آيات الكتاب المقدَّس والقرآن الكريم ( ص.81) وَفْق ما جاء في البرامج الإلكترونيَّة لنقل هذه الآيات كما هي، كي لا يقع الطَّالب في أيِّ خطأ نحويّ أو طباعيّ، إذا اعتمد أسلوب الطِّباعة اليدويّ العاديّ في كتابتها.
ختامًا، هو دليل يجمع بين النَّظريَّة والتَّطبيق، وفق خبرة المؤلّفَين الواسعة في مجال البحث العلميّ والتَّدريس الأكاديميّ لإعداد البحث العلميّ في مجالات العلوم الإنسانيَّة، مع تركيز خاصّ على العلوم الدِّينيَّة والفلسفة واللَّاهوت.
الدُّكتور جان عبد اﷲ توما: حائز شهادة دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها من الجامعة اللُّبنانيَّة. أستاذ محاضر في جامعات: القدِّيس يوسف، واللُّبنانيَّة، وسيِّدة اللَّويزة، ويشغل منصب رئيس قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة الجنان. له تسعة عشر إصدارًا من كتب أدبيَّة، وشعريَّة، وروايات، ودراسات تربويَّة، وتحقيق مخطوطات.