الأب جان پاول اليسوعيّ
جعلتُ أمامك الحياة
الإجهاض: المحرقة الصَّامتة
ترجمة يزن غزالة
ط.1، 276 ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN : 978-2-7214-5671-7
عنوان يلفت نظر القارئ قبل الغوص في مضمون الكتاب لأنَّ الإنسان مشروعُ حياة لا موت، مشروع نموٍّ لا إجهاض. حياة تبدأ براعمها بالتَّفتُّح وهي بعدُ في رحم مَن لا تصير أمَّا إلَّا بعد أن تَلِد. فالمولود هو الَّذي يجعل مَن حملَته في أحشائها أمَّا لأنَّ الأمومة دورٌ يُكتَسَب مع التَّربية والاهتمام بالمولود الجديد منذ ولادته. إنَّها صيرورة تنمو وتكبر مع الكائن الجديد الَّذي أطلَّ على الحياة لتكون الحياة أمامه.
في مقدِّمة الكتاب يُشير المترجم الدُّكتور يزن غزالة إلى أهمِّيَّة موضوع الإجهاض كطرحٍ ذي أبعادٍ أخلاقيَّة وروحيَّة، حيث يحمل الكتاب طيَّ صفحاته أجمل ما كُتب عن الحياة قيمةً إنسانيّةً وروحيَّة. يدعو مؤلِّف الكتاب، منذ بداية الفصل الأوَّل، القرَّاء إلى حزنه وخوفه اللَّذين يشعر بهما فيقول: «يبدو لي أنَّ الكثيرين منكم، وأنتم أناس صالحون ولطفاء، لا يرغبون بقراءة المزيد عن الإجهاض وقتل الرُّضَّع والقتل الرَّحيم. في هذا المجال، تتعارض القناعات وتكون العواطف شديدة، وتُمسي النِّقاشات صاخبة. (ص.14). ويرجو المؤلِّف قرَّاءه أن يبقوا معه لمشاركته شيئًا من نفسه وحالته، ويُضيف: «قد لا تجدون أنفسكم في الموقف نفسه الَّذي أنا فيه، ولا بأس بذلك. حسنٌ لنا أن تكون لدينا مواقفُ مختلفة… قد لا تتَّفقون مع معتقداتي، ولا أنا مع معتقداتكم، ولكن حسنٌ لكلٍّ منَّا أن يصغي إلى الآخر… في مثل هذا الحوار.. في مثل هذه المشاركة، الجميع رابح لأنَّ الجميع يغتني من خبرات الآخرين» (ص.14-15).
«كلُّ إنسان رسالة»: هذا العنوان الفرعيّ قد يكون توليفةً لِما يحمله الكتاب من دفاع عن الحياة.
«يعالج الأب پاول اليسوعيّ في هذا الكتاب قضيَّة الإجهاض فينطلق من الخبرة المؤلمة لدى زيارته بقايا أحد معسكرات الموت النَّازيَّة الَّتي قُتل فيها حرقًا، بالإضافة إلى ملايين اليهود، الآلافُ من المرضى والأطفال المُعاقين، والمسنِّين المُقعدين…» (غلاف الكتاب)
عناوين الكتاب، بفصوله الأحد عشر، تدعو كلُّها إلى التَّأمُّل بالحياة في أبعادها الجسديَّة والنَّفسيَّة والرُّوحيَّة كونها هبة الوجود وسرَّه. تتخلَّل هذه الفصول صورٌ من واقع الحياة في تكوينها، ومسيرتها ومسارها، وطفولتها الَّتي تحبو لتصبو إلى الحياة بشبابها وشيبها. تمرّ أيضًا صورة ذي الاحتياجات الخاصَّة المفعَم بمرونة الحياة، والمُسنّ الَّذي حفر العمرُ سطوره تاريخًا على مُحيَّاه فحيَّته الحياة باستراحةٍ على تجاعيد هذا المُحيَّا، وهو الإنسان المُحيّى لأنَّه عرف معاني الحياة وحافظ عليها بأحزانها وأفراحها.
قراءة هذا الكتاب هي فعلًا مشاركة للمؤلِّف حزنَه وخوفَه، كما دعا قرّاءه، منذ الصَّفحة الأولى من كتابه، فإذا بها دعوة إلى إعادة اكتشاف القيمة الَّتي تجسِّدها الحياة، والَّتي باتت تضمحلُّ وتُنذر بالتَّهاون مع ما يُسمَّى الإجهاض والموت الرَّحيم وإنهاء حياة الإنسان، بمعزلٍ أحيانًا عن إرادته، فأتى العنوان الفرعيّ للعنوان الرَّئيس «المحرقة الصَّامتة» مُعبّرًا عن مأساة خنق الحياة منذ الرَّحم حتَّى ما قبل المواراة في اللَّحد.
الفصل الحادي عشر والأخير يعرض بالعنوان العريض «مقترحات عمليَّة لأنشطة داعمة لحقِّ الحياة»، فالمؤلِّف يخلص إلى القول بأنَّنا لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي… علينا أن نفعل شيئًا!» أمَّا المقترحات فهي الآتية: (ص.258-262) :
– الانضمام «إلى إحدى مجموعات دعم الحياة…».
– تشجيع «المساهمات لدعم الحياة ماليًّا».
– كتابة «رسائل مختصرة وواضحة إلى الصُّحف ومحطَّات التّلفزيون والمجلَّات…».
– «نشر وتقديم أيِّ مساعدة» يمكن «تقديمها إلى الجماعات الَّتي تقدِّم بدائل من الإجهاض بالإضافة إلى تقديم التَّعاطف والمحبَّة «للَّواتي يواجهن صعوبات في الحمْل إذا أردنا أن تكون لنا مصداقيَّة في موقفنا الدَّاعم للحياة».
– «المشاركة في أيّ مسيرة أو مؤتمر لدعم الحياة…».
– الطَّلب من كاهن الرَّعيَّة أو القسِّيس «أن يعظ عن حقِّ الحياة…».
– جعل «الرِّسالة تصل إلى المدارس…».
– جعل «القضايا المتعلِّقة بالحياة والموت في الواجهة». «ضعْ زهرة الحياة على صدرك. ضعْ سوارًا لدعم الحياة حول معصمك…».
– الاحتفال «بالحياة» مع تمنِّي المؤلِّف أن «تُقيم الكنائس احتفالات خاصَّة بالحمل…».
– «والأهمّ، علينا أن نصلِّي…».
انطلاقًا من هذا المُقتَرَح الأخير، يتجلَّى البُعد الرُّوحيّ الَّذي أراد المؤلِّف أن يتطرَّق إليه في هذا الكتاب الغنيّ، حيث نغوص معه «في المراجع التَّاريخيَّة والدَّوريَّات العلميَّة» مؤكِّدين معه «القيمة الجوهريَّة الكامنة في كلِّ حياة، وكون كلِّ حياة رسالة يريد لها الله أن تُكتَب»، حياة كلِّ إنسان بفرادته واختلافه وغناه الإنسانيّ.
الدُّكتورة بيتسا استيفانو: حائزة دكتوراه في العلوم الدِّينيَّة من جامعة القدِّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيَّة فيها. أستاذة محاضرة عن بُعد في الجامعة الدُّومنيكيَّة – باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللُّغتين العربيَّة والفرنسيَّة.