من مميِّزات المجتمع الدّيموقراطيّ ونظامه السّياسيّ أن يستطيع المواطن، بصفته مشاركًا في ذلك النّظام ورقيبًا عليه، الوصول والحصول على المعلومات بشأن مختلف القضايا والمواضيع والصّفقات والتّرتيبات، لتطوير النّظام الدّيموقراطيّ من ناحية، وتفعيله باستمرار ليكون في خدمة المواطنين على جميع الأصعدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّربويّة والسّياسيّة، وحتّى الأمنيّة إلى حدٍّ ما، من ناحيةٍ ثانية، وحيث يُفترض أن تكون هذه المعلومات متوافرة أمام عين المواطن ليقول كلمته ويؤدّي دوره في خدمة بلاده ونظامها.

في ظاهرة «الرّبيع العربيّ»، وعبر مطالب الشّباب في أكثر من بلد عربيّ منذ العام 2014 حتّى العام 2019 (في لبنان)، ألهبت الجماهير حناجرها مطالِبةً بالتّغيير. وجاء في لائحة مطالبه، ولأكثر من مرّة، حقّ الوصول إلى المعلومات المخزّنة في غياهب أدراج الحواسيب ليطَّلع عليها القاصي والدّاني، فيقوم بدور المحاسِب، إن اقتضى الأمر ذلك. إنّ الوصول إلى المعلومة المخبّأة والّتي لا تريد الدّولة، عبر بعض أجهزتها، أن تكشفها على الملأ هو حقّ لأنّ دور المواطن في الرّقابة هو واجب، وبالتّالي، هو حقّ من حقوق الإنسان الّذي لم تعد عيناه مغمّضتين، بل هي تريد أن تعرف لتصحّح وتضطلع بمهمّة المشاركة المواطنيّة في تعزيز النّظام.

وبالفعل، فإنّ دولًا عربيّة، مثل الأردن والمغرب وتونس ولبنان، سنّت تشريعات لحصول المواطنين والصّحافة والإعلام على المعلومات الّتي تطلبها، إلّا أنّ الأردن على سبيل المثال، بعد أن شرّع الأمر في العام 2007، عدَل عنه في العام 2011، ثمّ جاء بقانون جديد يحدّ من صدور المعلومة. بالإجمال، فإنّ الدّول الّتي شرّعت في هذا المجال، وفّرت حقّ الوصول والحصول، إلّا أنّها في الواقع، مثلها مثل غيرها، لازالت تحجب المعلومة المخفيّة عن مواطنيها لألف سبب وسبب، ومنها الأخطار الأمنيّة، وفي حالات كثيرة ملاحقة النّاشطين المطالِبين بنظام ديموقراطيّ، له مناعته وآليّات تحقيقِه واستمراره.

والقضيّة الّتي يطرحها عدمُ إحقاق الحقّ في الوصول إلى المعلومات، هي موضوع الشّفافيّة، بمعنى البساطة والوضوح في العلاقة بين الدّولة وأجهزتها والسّلطة والسّياسيّين من ناحية والمواطن العاديّ الّذي ليس في يده سوى الحقّ وحنجرته، إنْ سُمح له باستخدامها، من ناحية أخرى. وموضوع الشّفافيّة هو نفسه الّذي يُطرح على مستوى العلاقات ضمن أفراد العائلة والجماعات والمؤسّسات الاجتماعيّة والتّربويّة بمختلف أشكالها. والسّؤال هو كيف نربّي أجيالنا الحاضرة والمستقبليّة على مبدأ الشّفافيّة؟ إذ إنّه قضيّة أخلاقيّة لها علاقة بممارسة الحرّيّات بوجهٍ صحيح.

والمشرق الّتي كرّست وتكرّس موضوعات في المواطنة والدّيموقراطيّة والاقتصاد وإدارة المؤسّسات من كلِّ صنف، إنّما تشارك في عمليّة التّغيير الاجتماعيّ والإصلاح لتعزيز قدرات الوطن والمواطن.

 

الأب سليم دكّاش اليسوعيّ : رئيس تحرير مجلّة المشرق. رئيس جامعة القدّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتّحاد الدّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز دكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة ستراسبورغ – فرنسا (2011)، ودكتوراه في الآداب – الفلسفة من جامعة بانتيون - السّوربون 1 (1988)، ويدرّس فلسفة الدّين والحوار بين الأديان والرّوحانيّة السّريانيّة في كلّيّة العلوم الدّينيّة في الجامعة اليسوعيّة.
[email protected]

Share This