ترجمة د.فرانك درويش
ط.1، 680 ص.، بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978-2-7214-8192-4
يتناول هذا الكتاب المرجعيّ الضّخم، ٦٧٤ صفحة من القطع الكبير، مسألة الفلسفة الخالدة (Philosophia Perennis)، من وجهة نظر مقارِنة تجمع بين الفلسفة وتاريخ الأفكار واللّاهوت والرّوحانيّة والأنثروپولوجيا، وكلّ ما تتضمّنه من مفاهيم ومنهجيّات تفكيكيّة تساعد في مجال فهم مدلولاتها وتأثيراتها الفكريّة والاجتماعيّة والسّياسيّة واللّاهوتيّة والإكليسيولوجيّة. أُرفق العمل التّاريخيّ - الفلسفيّ ببيليوغرافيا دسمة تناولت كلّ المراجع والكتابات في هذا المجال، والدّراسات الّتي تناولتها في اللّغات الألمانيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسپانيّة، وبفهرس عامّ للمفاهيم والكتب، والرّموز، والشّخصيّات التّاريخيّة.
هذه الدّراسة متمحورة على تقليد الفلسفة الخالدة كما تبلورت داخل التّقليد المسيحيّ وعلى خطّ التّوازي مع التّراثات الفلسفيّة واللّاهوتيّة والصّوفيّة على تنوّع مصادرها النّيو-أفلاطونيّة واليهوديّة والإسلاميّة الّتي تركت أثرًا داخل هذا النّطاق المعرفيّ. مؤلّف الكتاب الموسوعيّ الدّكتور ڤيلهلم شميدت - بيغمان فيلسوف ألمانيّ ومؤرِّخ معاصر للأفكار (١٩٤٦-) عُرف بعمله في مجال دراسة التّيّارات الفلسفيّة والرّوحانيّة: الكاباليّة المسيحيّة، وتيّار الأنوار ومضادّاته في ألمانيا، والرّؤى النّهيويّة والفيلولوجيا، والفلسفة الخالدة[1]… عملُ التّرجمة يعود إلى الدّكتور فرانك درويش (١٩٧١-) أستاذ الفلسفة في جامعة ديجون بفرنسا، وهو باحث في الفلسفة الألمانيّة الحديثة والمعاصرة والعمل الفلسفيّ المقارن، وقد رافقه في عمل التّرجمة، كما يوضح في المقدّمة، الدّكتور جورج تامر رئيسُ دائرة الدّراسات الإسلاميّة في جامعة إرلنجن بألمانيا الاتّحاديّة.
قدّم المؤلّف الألمانيّ للتّرجمة العربيّة، في حين أوضح المترجم، في مقدّمة عمله، إشكاليّات التّرجمة، لجهة صياغة المفاهيم باللّغة العربيّة، ولجهة التّعامل مع النّصوص اللّاتينيّة الّتي وردت في النّصّ الألمانيّ من دون ترجمة، وقد عمد إلى ترجمتها حتّى يقرأها الّذين لا يعرفون اللّغة اللّاتينيّة وتعزيرًا لفهم الدّراسة، لكنّه (أي المترجم) لم يعمد بشكل منهجيّ إلى وضع قاموس ألمانيّ - عربيّ يُغني المكتبة العربيّة بعمله اللّغويّ والفيلولوجيّ والفلسفيّ الشّاقّ، من أجل تطوير الكتابة الفلسفيّة باللّغة العربيّة، وتعزيز عملية التّثاقف الفلسفيّ والفكريّ في النّطاق العربيّ.
ينطلق العمل البحثيّ من التّعريف بمعالم البحث الأفهوميّة والنّطاقيّة الّتي تطال تيّار الفلسفة الخالدة في التّاريخ الغربيّ مستعرضًا المحاور والمؤلّفات والكتّاب الأساسيّين، كما يؤشّر إليها العنوان المرادف: الفلسفة الخالدة، الخطوط العريضة للرّوحانيّة الغربيّة في العصر القديم والوسيط والحديث المبكر[2]. تمتاز التّرجمة بدقّتها العائدة إلى التّمكّن من اللّغات الألمانيّة والعربيّة واللّّاتينيّة ومن الثّقافة الفلسفيّة المقارِنة المتماسكة، وقد عمدت إلى استثناء وفرة المراجع الألمانيّة والأوروپيّة من أجل تسهيل عمل القراءة والتّخفيف من كثافة الحواشي، فيما تناول المؤلّف في عمله تقديم منهجيّته في القراءة: الفنطاسيا وعلم تاريخ التّخيُّل، ومن ثمّ عمد إلى عرض الخطوط العريضة للفلسفة الخالدة لجهة مبادئها:
أ) وجود ﷲ وجوهره،
ب) اللّوغوس الإلهيّ والكريستولوجيا،
ج) العالم البدئيّ والحكمة،
د) خلق عالم الواقع،
هـ) الزّمان الطّبيعيّ والزّمان التّاريخيّ،
و) الفلسفة القديمة.
قسّم العمل إلى جزأين: الأوّل يتناول مفهوم المجد، والثّاني يتناول لاهوتَ الزّمان.
يتحدّث الجزء الأوّل عن إشكاليّة أسماء ﷲ: عقيدة پروكلّوس (٤٨٥-٤١٠) في الأسماء الإلهيّة عند أفلاطون في كتب القوانين، الجمهوريّة، فايدرا، وفايدو. يستتبع البحث مع جدليّة الأسماء الإلهيّة لديونيسيوس الأريوباغي (النّصف الثّاني من القرن الخامس) مستعرضًا مفاهيم الثّالوث، الكينونة والواحد، دائرة الأسماء الإلهيّة. ومن ثمّ ينتقل إلى الفلسفة الوضعيّة للأسماء الإلهيّة، بحسب إيسيدروس الإشبيليّ (٦٣٦)، ولاهوت رامون لول (١٢٣٥-١٣١٦): لوح لول الكبير، المفاهيم المطلقة، الهرميّة السّيكولوجيّة للماهيّات، الفضائل والرّذائل، العقل ومشهد المسندات الإلهيّة. يتابع البحث في القبلانيّة المسيحيّة عند جيوڤاني پيكو (١٤٦٣-١٤٩١)، ويوهان رويخلين (١٤٥٥-١٥٢٢) وپاولو ريتشيو (ت. ١٥٤١): قبلانيّة كاباليّة اسم يسوع، خلق ﷲ لنفسه (پيكو، رويخلين)، وجوزيف جيكاتيلا (١٢٤٧-١٣٠٥)، قبلانيّة اسم يهوه، التّأويل القبلانيّ عند رويخلين وريتشيو، مفهوم اللّغة عند رويخلين في كتاب «في الكلّمة المذهلة»، القبلانيّة عند ياكوب بوهمه ( ١٥٧٥-١٦٢٤)، عقيدة الكيفيّات: الكيف الأوّل، وضع الإرادة في حيّز الرّغبة؛ الكيفيّة الثّانية، وصف، منبع، انكسار، مرارة، لدغة مريرة؛ الكيف الثّالث، القلق والضّيق؛ الكيف الرّابع، البرق النّاريّ والرّعب؛ الكيف الخامس: الحنان ونار المحبّة؛ الكيف السّادس، الصّوت، الكيف السّابع: حكمة ﷲ.
كما يتناول الجزء الأوّل مسألة الكون البشريّ: لاهوت اللّوغوس، ميثولوجيا الإنسان البدئيّ (Urmensch) عند أفلاطون والحكمة، ومن ثمّ يتطرّق إلى إشكاليّة آدم الكونيّ، بحسب فيلون الإسكندريّ، والدّينونة، والإنسان الباطن وهدف الخلق عند غريغوريوس النّيصيّ في كتابه «عظة حول خلق الإنسان»: تألُّه حرّيّة الإنسان، الإنسان الدّاخليّ والخارجيّ، الكائن النّاقص، العالم المصغّر وخير ﷲ الفائق الطّبيعة، والمحبّة عند هيلدغارد فون بينغن (١٠٩٨-١١٩٧)، والعقل الفاعل عند ملاك فيسينو وجيوفاني پيكو «في كرامة الإنسان»، والكون القبلانيّ عند پاولو ريتشيو: صورة النّموذج الأصليّ ومعنيّ التّنظير، جسد المسيح السّماويّ والمسيحانيّة الرّشديّة، الإنسان الثّلاثيّ عند پراكسلوس، ولاهوت الخلق عند ياكوب بوهمه: الحكمة وآدم، آدم والمسيح، ومقاربة آدم قدمون لا أبراهام كوهين دي هيريرا (ت. ١٦٣٥): آدم كإمكان الفضاء، والقوّة الرّباعيّة للانبثاق الكرويّ، انكشاف آدم قدمون في ملاذه المقدّس، الممارسة التّقيّة للحكمة الإلهيّة، اهتداء غوتفريد أرنولد. كوسمولوجيا فيلون الإسكندريّ (٢٥ق. م. - ٤٥ ب.م.)، سفر بتسيرا ونموذج الأبجديّة الأصليّة، الفضاء المقدّس عند أفلوطين (٢٠٥-٢٧٠)، الأرواح الحرّة عند أوريجينوس (١٨٤-٢٥٤)، النّماذج الأصليّة عند أوغوسطينوس (٣٤٥-٤٣٠)، ديونيسيوس الأريوباغي (١٥٤٨-١٦٠٠)، السّطوع المقدّس؛ العرفان والتسلسل الهرميّ، الطّبّ الكوسمولوجيّ عند النّساء ڤيسينو (١٤٣٣-١٤٩٩)، الاندماجيّات المنويّة بحسب جوردانو برونو والفضاء اللّامتناهي (١٥٤٨-١٦٠٠)، البداية الأبديّة والبداية الزّمنيّة، وعقيدة تناغم العالم (Harmonia Mundi) بحسب جورجيو ڤينيتوس (١٤٦٠-١٥٤٠)، عقيدة العناصر الرّوحيّة لهاينريش كورنيليوس أجريپا (١٤٨٦-١٥٣٥)، البعد الرّوحيّ: تصوّر نيقولاس الكوزاني الخاصّ بالفضاء (١٤٠١-١٤٦٤)…
ويعالج الجزء الثّاني إشكاليّة لاهوت الزّمان. زمان العالم والعودة: زمان الدّينونة يتضمّن معنى النّهاية، التّوق كبنية صوريّة للزّمان ذي المعنى، جوهر النّموّ الطّبيعيّ، معنى الوحي، تيپولوجيا الرّؤى: رؤيا يوحنّا كنموذج عن نهاية العالم، أوريجانوس (١٨٥-٢٤٥/ ٢٤٦): الحرّيّة، القيامة، والباطن، أفلاطونيّة أوريجانوس المسيحيّة، القيامة عند أريجينا، دفاع پيكو عن أوريجانوس، توحيد جميع الأديان، الإعادة التّآزريّة عند غيّوم پوستيل، الفداء الكونيّ عند يوهان ويلهلم پيترسن، تدبير الخلاص، الفداء المخلّص، العودة.
العصور والحقبات: تحوّل التّاريخ في المسيح، لاهوت التّاريخ بحسب الشّريعة والإنجيل عند بولس الرّسول، تحوّل الزّمان والخلود. عصور العالم السّتّة: أزمنة العالم بحسب بيدا (٦٧٣-٧٣٥)، تيپولوجيا الزّمان الآتي بحسب يواكيم دي فيوري (١١٣٢-١٢٠٢): مواضيع تتعلّق بنهاية العالم السّياسيّة، تيپولوجيا العهدين، عصور العالم الثّلاثة، الحكم الرّوحيّ وتداعياته السّياسيّة، رؤى دانيال والإمبراطوريّة الرّومانيّة المقدّسة، تاريخ العالم لأشعيا والممالك الثّلاث بحسب دانيال؛ لاهوت الإمبراطوريّة الرّومانيّة المقدّسة بحسب يوهانس سليدان (١٥٠٦-١٥٥٦)؛ التّاريخ المثاليّ وتاريخ نهاية الدّهر بحسب فيليپ ملانكتون (١٤٩٧-١٥٦٠).
انتقال الحكمة (Translatio Sapientiae): المنطق التّاريخيّ للفلسفة الخالدة، جينيالوجيا الحكمة بحسب أوغوسطينوس، موسوعة الآباء بحسب روجر بيكون (١٢١٤-١٢٩٤)، حكمة ما قبل الطّوفان وجنيالوجيا الشّعوب بحسب طبعة أنيوس من ڤيتربو لنصوص بيروسوس، الوحي الثّالث بحسب ستوشو (١٤٩٦-١٥٤٩)، العلم الدّينونيّ الكينونيّ عند يوهان هاينريش الستيد (١٥٨٨-١٦٤٢).
أزمنة العالم بحسب شيلينغ: الفلسفة الحاصلة (Philosophia adepta)، فلسفة الرّوحانيّة، ظهور العالم المادّيّ، مراحل الصّيرورة، الإسخاتولوجيا، الفلسفات الوضعيّة والسّلبيّة والحاصلة؛ فلسفة الرّوح: الإنتاج المتعالي والبداية المطلَقة، المشاركة والإحساس السّبقيّ؛ تاريخ الآب والابن: الثيوغونيا والماضي، قوّة الصّيرورة، الحضور الخريستولوجيّ، الحياة في المكان والزّمان؛ تاريخ الرّوح: الحلوليّة وتاريخ الفلسفة، تاريخ الميثولوجيا والوحي.
تكمن أهمّيّة هذه التّرجمة في تعريف الوسط الجامعيّ العامل في هذا المجال بهذا العمل الموسوعيّ الضّخم، وإثراء الكتابة الفلسفيّة باللّغة العربيّة لجهة إدخال المفاهيم والمحاور الفلسفيّة والخبرات الرّوحيّة والتّعريف بالفلاسفة واللّاهوتيّين والكتابات العائدة لهذا التّراث. لقد نجح الدّكتور فرانك درويش في التّعاطي مع كلّ الإشكاليّات الفلسفيّة واللّغويّة والفيلولوجيّة والتّأريخيّة ونقلها إلى اللّغة العربيّة بكلّ دقّة وأمانة.
[1] مختارات من بيبلوغرافيا الدّكتور ڤيلهلم شميدت – بيغمان
– Geschichte der Christlichen Kabbala, III Bände, Walter der Gruyter: 2012, 2013, 2014.
– Apokalypse und Philologie, Vandenhoeck § Ruprecht Verlag, 2006.
– Aufklärung in Deutschland, Hohwacht Verlag, 1979, herausgegeben mit Paul Raabe.
– Politische Theologie der Gegen Aufklärung, Walter der Gruyter, 2004.
[2] Wilhelm Schmidt- Biggeman, Philosophia Perennis, Historische Umrisse Abendländischer Spiritualität in Antike, Mittlealter und Früher Neuzeit, Suhrkamp, 1998.
الدّكتور شارل شرتوني: باحث أكاديميّ وأستاذ جامعيّ. حائز شهادة الدّكتوراه في تاريخ الأفكار من جامعة باريس الرّابعة – السّوربون (١٩٨٢). وقد أنجز دراسات ما بعد الدّكتوراه في جامعة ألبرت لودڤيغ – فرايبورغ – ألمانيا، وفي جامعة ميريلاند الأميركيّة. من مؤلّفاته بالعربيّة: هل هنالك من مسألة مسيحيّة في المنطقة العربيّة، دار المشرق ٢٠١٤، ولبنان من النّزاعات المديدة إلى دولة القانون، دار النّهار ٢٠٠٦، والعديد من المؤلّفات باللّغتين الفرنسيّة والإنجليزيّة.
[email protected]