إشراف جان ميشيل دي فالكو، تيموثي رادكليف، أندريا ريكاردي
أحوال المسيحيّين في العالم
ط.1، 388 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
ISBN: 978-2-7214-7118-5
كتاب يقترب عدد صفحاته من الأربعمئة، وهو مستلٌّ من كتابٍ أضخم يحمل عنوانًا مثيرًا «الكتاب الأسود»، وعنوانًا فرعيًّا «أحوال المسيحيّين في العالم». يبدو أنّ جامعة القدّيس يوسف، المشرفة على ترجمته ونشره في دار المشرق، أرادت أن تتفادى النّظرة التّشاؤميّة الّتي يوحي بها العنوان الأصليّ، وآثرت، للسّبب نفسه، أن تُبقي على العنوان الفرعيّ، مع أنّه لا يعكس معيار اختيارات الموضوعات من الكتاب الأصليّ (800 صفحة)، إذ بُني الاختيار على أحوال المسيحيّين في الشّرق الأوسط.
ينقسم الكتاب قسمَين: في الأوّل، مقالات بحثيّة تعالج موضوعات العنف والسّلام، ولمَ يُستهدَفُ المسيحيّون في كلّ مكان، والحرّيّة الدّينيّة… والقسم الثّاني يتناول أحوال المسيحيّين في بلدان الشّرق الأوسط، فيخصّص لكلّ بلدٍ فصولًا عدّة قوامُها تقارير وتحليلات وشهادات حياة.
لا يسعى الكتاب وراء أيّ دفاعٍ أو اتّهام، بل يذكِّر في قسمه الأوّل بمبادئ حقوق الإنسان في المُعتقَد والحرّيّة الدّينيّة، ويصف في قسمه الثّاني، وبكثيرٍ من الحياديّة، أوضاع المسيحيّين في كلّ بلد، القوانين المجحفة في حقّهم، وبعض الممارسات ضدّهم، الّتي توصف عمومًا بأفعالٍ فرديّة، ولكنّها لا تلقى ردّة فعلٍ مناسبة من السّلطات الأمنيّة أو القضائيّة، أو تواجَه، وبكلّ بساطةٍ، بصمتٍ أو تعتيم.
يروي المطران دومينيك ريزو (Dominique Rézeau)، البالغ من العمر سبعةً وستّين عامًا، لدى وصوله إلى طرابلس (الغرب) في ديسمبر (كانون الأوّل) 2012، فيقول: «في أثناء الاغتيال الأخير لمسيحيّين مصريّين في بنغازي، الوحيدان اللّذان أظهرا موقفًا هما سفيرا سويسرا والنّمسا. أمّا ممثّل الأمم المتّحدة فقد أتحفنا بتصريحٍ مبهَمٍ يدين العنف، من دون أن يشير إلى أنّ هذا الفعل الإجراميّ مورِسَ ضدّ مسيحيّين، ولأنّهم مسيحيّون». لِمَ هذا الصّمت؟» (ص. 11).
يقول المطران جان ميشيل دي فالكو في مقدّمته: «مِن واجبنا أن نتكلّم ونثور: ما من شيءٍ مُهينٍ لشعبٍ متحضّرٍ أكثر من الاستسلام، بدون مقاومة، لمزاجيّة المستبدّين الغامضة». (ص. 12). ويذكّر بتقريرٍ صدر في العام 2013 يبيّن أنّ عدد المسيحيّين المضطهَدين في العالم، اضطهادًا سافرًا، يتراوح بين 100-150 مليون شخص في العالم.
البلدان المذكورة في هذا الكتاب هي على التّوالي: شمال أفريقيا، مقال واحد يمزج فيه برنار هيبرجيه التّاريخ والتّحليل والأحداث والشّهادات. إنّه مقال مفصليّ بين قسمَي الكتاب، إذ ستتمّ العودة إلى هذه البلدان في نهاية القسم الثّاني.
العراق، مقالات وتحليلات عدّة، مع شهادات حياةٍ تقشعرّ لها الأبدان للعنف الّذي تعرّض له المسيحيّون في أقاليم الشّمال على يد داعش، ومن بينها شهادةُ حياة للمطران جورج قس موسى الّذي اختُطِفَ وهُدِّدَ بقطع الرّأس قبل أن تتدخّل الوسائط ويُطلَقَ سراحه.
سورية، تحليلات وشهادات يغلب عليها طابع التّحفّظ لغموض مسألة الصّراع الدّائر هناك الّذي لم يستهدف المسيحيّين لأنّهم مسيحيّون، كما في العراق، بل عانوا تداعياته ما أدّى إلى هجرتهم من البلد بأعدادٍ كثيفة.
مصر، تعرض الشّهادات والتّحليلات وضع المسيحيّين كمواطنين محرومين من بعض الحقوق المدنيّة (بناءُ دور عبادة، دخولُ بعض الكلّيّات، نَيلُ بعض الرّتب العسكريّة العليا…)، ما أدّى بهم إلى التّقوقع والعيش وكأنّهم في جزرٍ منعزلة، وإشادة جدرانٍ اجتماعيّة فاصلة بينهم وبين الأكثريّة المسلمة.
إيران، تحليل واستطلاع يبيّنان كيف أنّ السّلطات الإيرانيّة تمنع المسيحيّين من الصّلاة باللّغة الفارسيّة (على كلّ طائفة أن تصلّي بلغتها الأمّ: الأرمنيّة، السّريانيّة، الآشوريّة…)، أو طباعة أيّ كتابٍ مسيحيّ بالفارسيّة، وتفرض على الكنائس رقابة مشدّدة.
ثمّ يأتي دور السّعوديّة، والأراضي المقدّسة، ووضع المسيحيّين الهشّ في لبنان، وتركيا مع مَن بقي فيها بعد ذبح ملايين عدّة من المسيحيّين وتهجيرهم في بداية القرن العشرين، ليُختَتَمَ المشهد مع بلدان شمال أفريقيا: المغرب والجزائر وتونس، وفي آخر الأمر: ليبيا.
ولكي لا ينتهي الكتاب بهذه الصّورة الحالكة، تعود الفصول الأخيرة للكلام على الحوار، وتحديدًا بين ديانتين توحيديّتين، وأهمّيّة الحضور المسيحيّ في الشّرق.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.