اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

الأخ إنزو بيانكي
رسالة إلى إخوتي الكهنة

نقله إلى العربيّة الأب سميح رعد
ط.1، ص. بيروت: دار المشرق، 2024
ISBN: 978 -2-7214-5660-1

هو الكتاب الأوّل الصّادر في اللّغة العربيّة للّاهوتيّ الإيطاليّ الشّهير إنزو بيانكي، الّذي أسّس، في العام ١٩٦٥، جماعة بوز الرّهبانيّة المسكونيّة والمختلطة. يتميّز أعضاؤها بالأخوّة الصّدوقة وبالتّشديد على قراءة الكتاب المقدّس. تناول في كتبه الكثيرة موضوعات عديدة (القراءة الرّبيّة، الموت، الشّيخوخة، الحبّ، الحياة الرّوحيّة، الصّداقة، الصّلاة، التّبشير، التّمييز…)، مرتكزًا على الكتاب المقدّس وتعاليم آباء الكنيسة.

في كتابه المُعرَّب من الأب سميح رعد، يتوجّه الكاتب إلى «إخوته» الكهنة، وقد استمع مرارًا إلى مخاوفهم، من خلال موضوعاتٍ عديدة من أجل ترغيبهم في عيشٍ أفضل لخدمتهم وتشجيعهم على تجاوز التّحدّيات. سأتناول في مقاربتي هذه فكرةً واحدة من كلّ محور، آمِلًا في أنْ أنقل إلى القارئة والقارئ نذرًا من «عبير». عن الرّوحانيّة الكهنوتيّة، شدّد اللّاهوتيّ بيانكي على أنّ صاحبها راعٍ للجماعة وخادمٌ للشّركة المسيحيّة وتلميذٌ مطيع مع أخواته وإخوته (ص. ١٧)؛ وعن العلاقة بكلمة ﷲ، استشهد بكلمات بولس الرّسول الّذي أسلم الشّيوخَ إلى ﷲ وكلمةِ نعمته (أع ٢٠: ٣٢)، ما يعني أنّه بإمكانهم نقل كلمة ﷲ إلى الآخرين إذا كانوا محمولين بها (ص.  ٢٥)؛ وعن الصّلاة، ركّز على أنّها إصغاءٌ إلى ﷲ وطلبٌ منه لمنحهم «قلبًا يسمع» (١ مل ٣: ١٩) فيستعدّ للإصغاء إلى الآخرين والتّمييز (ص.  ٣٣)؛ وعن العلاقة باللّيتورجيا، ذكّر بقدرة الأسرار، إذا تمّت بإيمانٍ صادقٍ ومتجدّد، على تحويل مسيرة الحياة (ص.  ٣٨)؛ وعن الشّركة الكهنوتيّة، حثّ الكهنة على بناء علاقةٍ تتّسم بالمحبّة مع الأسقف فيجدون فيه الأخ البكر، وأبًا، وصديقًا وفيًّا (ص. ٤٦)؛ وعن الحياة الإنسانيّة، دعاهم إلى التّمسّك بالنّضج الإنسانيّ وإلى تبنّي علاقاتٍ نوعيّة على مثال يسوع المسيح الّذي عاش كإنسانٍ حقيقيّ (ص.  ٥٢).

من الموضوعات المُعالَجة، انتقيتُ علاقة الكاهن بالزّمن (ص.  ١٩-٢٢). في حقبةٍ تتّسم بالعجلة والتّفتّت، حيث بات الوقت عدوًّا نحاربه أو وثنًا نعبده أو امتدادًا عبثيًّا، أمّا إذا نظّمه الشّخصُ وعاشه بوعيٍ ويقظة فيصل إلى الصّلاة المستمرّة. شدّد الأخ بيانكي على أمرَين: أنّ المسيحيّ يربط الوقت بفكرة مجيء المسيح، وأنّ ساعة الصّلاة صباحًا تحدّد مسار النّهار.

على الرّغم من أنّ الكتاب قديم (نُشرت النّسخة الأصليّة منه في العام ٢٠٠٤)، تبقى الأفكار الرّوحيّة والإنسانيّة الواردة فيه عميقة وآنيّة ومفيدة للكهنة… وأيضًا للعلمانيّين فيدركون ما يواجهه الرّعاة من تحدّياتٍ خارجيّة وداخليّة.

أنوّه في الخاتمة بفقرةٍ عن الزّمن: «في نظرنا، نحن المسيحيّين، فإنّ الزّمن هو المجال الّذي تتحقّق فيه أمانتُنا للرّبّ. […] ينبغي للكاهن تقديس الوقت، أي تهذيبه وحفظه وتقسيمه بطريقة ذكيّة، مع مراعاة ما هو عليه ككاهن والمُهمّة المنوط بها. يتعيّن تحديد الأولويّات؛ هناك وقتٌ ينبغي اعتباره محوريًّا على مدار اليوم ولا يمكن التّخلّي عنه: وقت العمل الّذي يبني الجماعة بامتياز، وهو الذّبيحة الإلهيّة، ثمّ وقتٌ لتوجيه جماعة الرّبّ وفقًا لاحتياجاتها المتنوّعة، وقتٌ للرّاحة. بدون تهذيب الوقت الّذي يُعتبَر حقًّا تقديسًا، لا يمكن أن تكون هناك حياةٌ روحيّة مسيحيّة». (ص.  ١٩-٢٠).

الأب غي سركيس: حائز درجة الدّكتوراه في اللّاهوت من الجامعة اليسوعيّة الغريغوريّة الحبريّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدّيس يوسف والحكمة. وهو كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة. له مجموعة من المؤلّفات الدّينيّة والتّأمّليّة والفكريّة في اللّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للسّلام… لمن؟، أؤمن… وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ، وإيمان في حالة بحث- النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة، ودروس من الهرطقات).

[email protected]

Share This