الأب غي سركيس
إيمان في حالة بحث، النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة
ط.1، 196ص. بيروت: دار المشرق، 2023
ISBN: 978-2-7214-5646-5
هذا الكلام لاهوتيّ، فلانٌ يدرّس اللّاهوت، فلانةٌ تدرُس اللّاهوت… عبارات صارت مألوفة لدينا. إنّنا نعرف معناها بوجه عامّ: اللّاهوت شيء يخصّ الدّين، وربّ مطّلعٍ يقول: إنّه يخصّ الدّين المسيحيّ. ولكن ما هو اللّاهوت؟ وكيف نميّز في النّصوص الدّينيّة بين نصٍّ تفسيريّ، ونصٍّ روحيّ، ونصٍّ رعائيّ، ونصٍّ لاهوتيّ…؟
إلى جانب الصّعوبات في التّمييز بين طبيعة محتويات هذه الأنواع من النّصوص الّتي ذكرناها، لأنّ الأنظمة النّمطيّة تتداخل فيها غالبًا، يبقى السّؤال الأساسيّ مطروحًا: ما هو اللّاهوت؟ أو بتعبيرٍ أكثر شعبيّةً: إذا أردتُ أن أكتب في اللّاهوت، ما هو المنهج (أو المناهج) الّذي ينبغي لي أن أتبعه؟ هوذا باختصار مضمون كتاب الأب غي سركيس: إيمان في حالة بحث، مع عنوانٍ فرعيّ: النّشاط اللّاهوتيّ في المسيحيّة.
الملاحظة الأولى الّتي تشدّ الانتباه، وقد ذكرها الأب سركيس في المقدّمة، وأذكرها هنا بطريقتي: في بلداننا العربيّة عدد لا بأس به من أساتذة اللّاهوت، ولكن قلّما نجد بينهم، أو خارج حلقتهم، لاهوتيًّا. «لقد ولّى الزّمان الّذي تميّز بشخصيّاتٍ لاهوتيّة عربيّة ومشرقيّة» (ص. 9). فلكي لا يكون هذا الغياب مستدامًا، شعر الأب سركيس بضرورة إصدار هذا الكتاب. مَن يدري؟ ربّما يكون حافزًا وفاتحة خيرٍ لعصرٍ يظهر فيه لاهوتيّون عرب.
الكتاب يحوي ستّة فصولٍ وقسمًا أخيرًا طويلًا بمثابة خاتمة تحوي التّأوين والانفتاح. لم يتبع الكاتب في فصوله، كما فعل في بعض كتبه السّابقة، التّسلسل الكرونولوجيّ لظهور الفكر اللّاهوتيّ والمدارس اللّاهوتيّة، بل عكف على تحديد النّقاط الأساسيّة المميّزة الّتي تجعلنا نقول عن نصٍّ أو مؤلَّفٍ: إنّه لاهوتيّ!
وحيث إنّ الكاتب أستاذ جامعيّ، عكف على تقطيع محتويات الفصول بمحطّات تفكيرٍ بعنوان: «نصّ للتّعمّق»، وفي بعض الأحيان ينتهي النّصّ بسؤال للتّفكير. لماذا؟ لأنّ اللّاهوت هو بالضّبط إيمان يُعمِل العقل، أو، كما يقول القدّيس أنسلموس: «آمن وفكّر في ما تؤمن به». فقضيّة إعمال العقل في الإيمان هي أوّل تحدٍّ واجه العمل اللّاهوتيّ، ويذكره الكاتب في الفصل الأوّل.
يبدأ الفصل الثّاني بعرضِ تاريخيّة مصطلح «لاهوت»، فيبيّن أنّ الممارسة سبقت المصطلح، وأنّه مع ظهور المصطلح وشيوعه صار تعريفه ضرورةً، فنجد في الفصل، ضمن إطاراتٍ رماديّة، تعريفاتٍ معاصرة لهذا المصطلح.
عنوان الفصل الثّالث: «علم اللّاهوت مهمّة كنسيّة»، يمكن أن نستبدل به آخر هو: «شروط العمل اللّاهوتيّ». فاللّاهوت عمل يتمّ داخل الكنيسة وفي الشّراكة معها لا خارجها وبالانقطاع عنها، إنّه عمل يتطلّب التزامًا بالإيمان لا مراقبةً له وتحليله من الخارج، إنّه عمل يتطلّب من اللّاهوتيّ حياةً روحيّة عميقة في علاقته بالله .
الفصل الرّابع يطرح قضيّة مهمّة: لا يدّعي اللّاهوت أنّه سيصل يومًا إلى معرفة جميع أسرار الله. إنّه يسبر غور حقيقة الله، وحقيقة الإنسان، وحقيقة العلاقة بين اﷲ والإنسان، لكنّه لا ينسى أبدًا أنّه يتعامل مع سرٍّ يفوق قدرات الكائن البشريّ.
في الفصل الخامس تحديدٌ لمنابع العمل اللّاهوتيّ. وقد رتّبها الأب سركيس بحسب أولويّتها، فجاء الكتاب المقدّس أوّلًا، والتّقليد الكنسيّ ثانيًا، تلاه الحسّ الإيمانيّ عند شعب الله، فاللّيتورجيا، فآباء الكنيسة، وفي آخر القائمة الفلسفة ثمّ العلوم والخبرات الحياتيّة.
الفصول التّالية مكمّلة للموضوع. عرض لفروع اللّاهوت، المجامع «اللّاهوتيّة» وبعض اللّاهوتيّين: إيريناوس، وتوما الأكوينيّ، ومارتن لوثر، وهنري نيومن، لينتهي الكتاب بفصلٍ هو بمثابة خاتمة طويلة ذكرناها في البداية.
ما يلفت الانتباه هو وجود حركة في صفحات الكتاب: صور، مستطيلات مظلّلة، إلخ، ما يجعل قراءته سهلة، ناهيك عن متعة قراءة فحوى النّصّ في حدّ ذاته، إذ التزم الكاتب بالوضوح والاقتضاب درءًا للملل من التّفاصيل الّتي لا تهمّ، في آخر الأمر، سوى جماعة الاختصاص.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.