اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

مجلّة الوحدة في الإيمان

دير البطريرك غريغوريوس الثّالث لحّام

السّنة 23، العددان 1و2، 2023

ليس من عادة المشرق أن تنشر مراجعة لمجلّاتٍ أو لمقالات. لكنّ هذين العددين من مجلّة الوحدة في الإيمان، المجموعَين في كتابٍ واحد، يضمّان مجموعة من المقالات تتناول موضوعًا شائكًا في الشّرق المسيحيّ. فكلّما اقترب عيد الفصح، تصحو أذهان المسيحيّين على واقع الانقسام في الكنيسة، ويستولي الحرج على مشاعرهم حين يسألهم غير المسيحيّين السّؤال التّقليديّ: متى عيدكَ؟ طارحُ السّؤال يريد أن يعرف التّاريخ ليقوم بالمعايدة. لكنّ متلقّي السّؤال يشعر بالخجل. المسيحيّون منقسمون، وعلامة الانقسام هي وجود تأريخَين لعيد الفصح، أو العيد الكبير، الواحد اتُّفِقَ على تسميته التّاريخ الشّرقيّ (اليوليانيّ)، والآخر التّاريخ الغربيّ (الغريغوريّ).

ومن هذا الحرج ترتفع صرخات تطالب «بتوحيد العيد»، وترفع أخرى سقف المطالب إلى مستوى توحيد الكنائس في كنيسة واحدة. وبعد انتهاء موسم الأعياد، تصمت الأصوات، وتعود الحياة إلى مسارها المعتاد، وتزيح ديستوبيا الواقع إيتوبيا الأحلام.

ما قصّة هذَين التأريخَين؟ متى ظهرا؟ وهل كانت هناك محاولات لتوحيدهما؟ إنّ دراسة تاريخ مسألةٍ ما  يحوي جزءًا من حلّها، أو أقلّه، يوجّه نحو حلٍّ ممكن. وهذا ما يُرجى أن نجده في هذين العددين من مجلّة الوحدة في الإيمان.

أمّا المحتوى فهو بالتّسلسل الآتي:

المقدّمة، بقلم غبطة البطريرك غريغوريوس الثّالث لحّام، بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك سابقًا، معنونة بصرخة النّاس: «وحْدولنا العيد». ويليها مقال لغبطة البطريرك نفسه يقدّم فيه لمقالات العددين، ويسرد شيئًا من واقع هذه المسألة اليوم بلغةٍ رعائيّة، ثمّ إحصاء للكنائس الكاثوليكيّة الّتي تعيّد بحسب التّقويم اليوليانيّ (في المجلّة يوليّ)، ورؤوس أقلام عن مراحل تاريخ التّعييد.

مقال المطران بطرس المعلّم «مشكلة الأعياد» يشرح كيف يتمّ تأريخ الفصح لكلّ سنة، ويعرض شيئًا من التّاريخ حتّى مجمع نيقية 325، لينتقل بعدها إلى القرن العشرين، فيذكر بعض نصوص المجمع في هذا الموضوع، وينهي باستنتاجات ختاميّة.

مستلّ من كتاب الأبوين ميشال أبرص وأنطوان عرب المجمع المسكونيّ الأوّل، نيقيا الأوّل (325)، يتناول نقاشات المجمع في هذه المسألة. لم تكن القضيّة حينها بين التّاريخ اليوليانيّ والغريغوريّ، بل بين التّاريخ اليهوديّ واليوليانيّ.

مقال عمّانوئيل لان «الاختلافات في المجالات الطّقسيّة والنّظاميّة» يكمل بإيجاز المعلومات عن الفترة التّاريخيّة السّابقة، ويذكر مراسلات الشّرقيّين مع البابا فيكتور في مسألة توحيد العيد.

يلي ذلك ملفّ عن «الاحتفال بالفصح في طقوس الكنائس المسيحيّة» (الصّفحات من 58 إلى 103)، وملفّ آخر يحوي مقالات تعبّر عن موقف كنيسة الرّوم الأرثوذكس من تأريخ العيد، وينتهي ببعض تصريحات البطاركة البيزنطيّين في هذا الشّأن. موقف كنيسة الرّوم الملكيّين هو الملفّ الّذي يتبعه، ثمّ يجد القارئ ملفًّا بعنوان: «موقف الكنائس الأخرى» ويضمّ مقالين، واحدًا للأنبا بيشوي (الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة)، والآخر نداء لمار نيقوديموس متّى داوُد شرف (الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة).

في ملفّ «المواقف بعد الفاتيكانيّ الثّاني» نجد بعض النّصوص من المجمع، وبعض التّصريحات أو المواقف الّتي، برأينا، لا ترتقي إلى مستوى الجدّيّة الأكاديميّة في معالجة مسألة توحيد العيد.

وفي الختام، ملفّ يضمّ مقالات روحيّة ليترجيّة (بيزنطيّة فقط) عن الفصح بعنوان: «فيض النّور وعيد الفصح». اللّافت للنّظر هو سرد قصّة النّور المقدّس، النّور المعجزيّ الّذي يبدو أنّه يظهر فجأةً فيشعل الشّموع الّتي يحملها البطريرك البيزنطيّ الأرثوذكسيّ بعد أن يدخل قبر المسيح. لافت للنّظر إذ – برأينا - الإشكالات الّتي يطرحها «النّور السّماويّ» الّذي يختار التّقويم الأرثوذكسيّ، ويظهر لطائفة من دون سواها، ليبرهن مادّيًّا على صحّة القيامة والإيمان، هي أكثر بكثير من الفوائد الّتي يُخالُ أنّنا نستطيع أن نجنيها من هذا الحدث السّنويّ.

لافت للانتباه أيضًا صمت عجيب في مقالات هذه المجلّة عن فترة تمتدّ من القرن الرّابع إلى القرن العشرين. صمت عن تحوّل كنيسة الأرمن الأرثوذكس من التّقويم اليوليانيّ إلى الغريغوريّ، وفرة في المقالات تتناول المسألة بين الكاثوليك من جهة والرّوم الأرثوذكس من جهةٍ أخرى، وشحّ في ذكر جهود محاولات توحيد العيد بين الكنيسة الكاثوليكيّة والكنائس الشّرقيّة الأرثوذكسيّة الأخرى، وميل واضح إلى الرّغبة بأن تنضمّ الكنائس الكاثوليكيّة الشّرقيّة إلى التّقويم اليوليانيّ وتترك التّقويم الغريغوريّ المعتمَد عالميًّا في حياتنا اليوميّة، وبالتّالي، إبقاء «الخلاف الكبير حول تاريخ العيد الكبير»، والاكتفاء بنقله من خلافٍ داخل البلد الواحد إلى خلافٍ بين البلدان.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

[email protected]

Share This