اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

نيقولاس سينتوبين

تعلّم التّمييز في مدرسة إغناطيوس دي لويولا

نقله إلى العربيّة الأب سامي حلّاق اليسوعيّ
ط.1، 160 ص. بيروت، لبنان: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5635-9)

 

المنشورات الإغناطيّة تتحوّل.

هذا ما يلاحظه متابع منشورات دار المشرق في الرّوحانيّة الإغناطيّة. فبعد الكتب البحثيّة في هذه الرّوحانيّة الّتي يطغى عليها الطّابع الأكاديميّ، بدأت الرّهبنة اليسوعيّة في السّنوات الأخيرة تنشر عن روحانيّتها كتبًا مبسّطة تستطيع العامّة أن تقرأها من دون جهدٍ فكريّ. وكتاب تعلّم التّمييز واحد منها.

ما المقصود بـ التّمييز؟ يقول الكاتب:

«التّمييز قديم قدَم الإنسانيّة. إنّه ليس أمرًا استثنائيًّا. فهناك دومًا أناس يسترشدون بحدسهم حين يكون عليهم اتّخاذ قرار. فالفكرة الّتي تُشعِرُني بالرّاحة تُعتَبَرُ جديرة بالثّقة، وأميل إلى تنفيذها. والعكس بالعكس تجاه ما يُشعرني بالضّيق، أو القلق، أو الارتياب. وبالتّالي، كثيرون يميّزون بين الحركات العاطفيّة الإيجابيّة والسّلبيّة، ويجعلونها نقطة انطلاقٍ لاتّخاذ القرارات. كثيرون يعتمدون على ما تقوله قلوبهم حتّى وإن لم يعوا ذلك» (ص.13).

بتعبيرٍ آخر، أمام الاختيارات الّتي تعرضها الحياة علينا يوميًّا، لا مفرّ أمامنا من التّمييز من أجل اتّخاذ قرار. ففي كثيرٍ من الأحيان تكون الاختيارات بسيطة، ونتائج القرار الخاطئ فيها غير كارثيّة: شراء ثياب من هذا الشّكل أو ذاك، تناول هذا النّوع من الطّعام أو ذاك… ولكنّها في بعض الأحيان مصيريّة: اختيار الدّراسة في هذا الفرع أو ذاك، الزّواج بهذا الشّخص أو ذاك، الانتقال إلى عملٍ آخر أو البقاء… ما هي الوسيلة الّتي تساعدني على حسن الاختيار؟ وما هي الصّعوبات الدّاخليّة الّتي تعترضني في كلّ تفكيرٍ لاتّخاذ قرار، وكيف أذلّلها؟ هذا باختصار موضوع الكتاب.

فالتّمييز في هذا الكتاب لا يتناول التّمييز بين الخير والشرّ، بل بالأحرى التّمييز بين خيرَين لأعرف ما يناسبني منهما. فالتّمييز بين الخير والشرّ يصلح لجميع النّاس، وبالتّالي تكون العمليّة سهلة، بسبب وجود نماذج يُقتدى بها وتعاليم واضحة. أمّا التّمييز بين خيرَين فهو عمليّة صعبة لأنّ ما يصلح للآخر، وقد اختارَه، لا يصلح لي بالضّرورة. فكيف أختار ما يصلح لي مع غياب النّماذج القدوة والتّعاليم الواضحة؟

يعبّر الكاتب، نيقولاس سينتوبين، عن دوافعه لتأليف هذا الكتاب على النّحو الآتي: الرّوحانيّة الإغناطيّة هي روحانيّة أنسنيّة. هذا يعني أنّها تلائم جميع النّاس وتفيد مؤمني جميع الأديان، وحتّى غير المؤمنين. يقول الكاتب في هذا الشّأن:

«التّمييز ليس للمسيحيّين وحدهم، لأنّ روح اﷲ لا يسمح لنفسه بأن ينغلق في إيمانٍ واحدٍ أو كنيسة. فالمسيحيّون يؤمنون بأنّ روح اﷲ يريد أن يكون حاضرًا ونشطًا في كلّ صاحب إرادةٍ صالحة. وهذا ينطبق أيضًا على مَن ينتمون إلى دياناتٍ أو فلسفاتٍ مختلفة في الحياة… والقاعدة الّتي تنطبق على المسيحيّين، تسري على غير المسيحيّين. عليهم أن يسهروا على تنشئة قلوبهم وتغذيتها في إطار خصوصيّة تقاليدهم» (ص.144).

فصول الكتاب متفاوتة في الطّول، وتترجّح أعداد صفحاتها بين العشرة والعشرين، مقسّمة إلى عناوين فرعيّة كثيرة، كلّ عنوانٍ فرعيّ يتناول جزئيّة من مسار التّمييز، ويتبع عمومًا المنهج الآتي:

طرح الجزئيّة «قصّة واقعيّة» تعليق توضيحيّ.

مراحل التّمييز مشروحة في خمسة فصول. الفصلان السّادس والسّابع يتناولان الفخاخ الّتي قد تعترض الشّخص الّذي يميّز وعليه أن يتفاداها. وحيث إنّ أسلوب التّمييز الإغناطيّ صيغ في الإيمان المسيحيّ، ويخصّص الكاتب الفصل الثّامن ليبيّن كيف يتمّ هذا التّمييز لدى المسيحيّين، ويختم بالفصل التّاسع الّذي يتناول التّمييز الجماعيّ، حيث إنّ الفصول السّابقة تناولت التّمييز كعمليّة فرديّة.

الكتاب مفيد، فريد، ممتع، ونأمل أن يجني مَن يقرأه فائدة وغنًى.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

[email protected]

Share This