إيزابل أو فشل النّبيّ. هل فقدت كنيسةُ لبنان روحَ النّبوّة؟
ط.1، 40 ص. بيروت: دار المشرق، 2023
(ISBN: 978-2-7214-5645-8)
هل من فرق بين الخطيئة والفساد، المشاركة والموافقة، الصّبر والانكسار، الهدوء والتّواطؤ، التّواضع واللّامبالاة، الفعل والإهمال، الذّريعة والدّافع، النّبوّة والعنف؟ هذه الأسئلة، أجاب عنها الأب داني يونس اليسوعيّ في كتيّبه الجديد.
من مواليد 1974، درس الفلسفة واللّاهوت في فرنسا وألمانيا، وحاز شهادة الدّكتوراه في العلوم الدّينيّة من جامعة القدّيس يوسف (بيروت). شغل منصب الرّئيس الإقليميّ لليسوعيّين على الشّرق الأدنى والمغرب العربيّ، وهو اليوم مدير دار المشرق العامّ. صدر له مؤلَّفان: اختر الحياة، مداخل إلى التّمييز الرّوحيّ (دار المشرق، 2020)، خلّيك بالبيت (2021). اشتهر بالرّياضات الرّوحيّة والتّنشئة، ومتسلّحًا بهذه الخبرة، وضع هذا الكتيّب.
إنّ كتيّبه الجديد نشيدٌ، اللّازمة فيه كلمتان ثقيلتان تتردّدان بين الفينة والأخرى: «قهقهت إيزابل» (ص. 13، 16، 20). ثقيلتان، لأنّ الفعل فيهما «محاكاةٌ صوتيّة» (onomatopée)، هدفُه أن يُسمع القارئَ صوتَ التّهكّم والاستهزاء بالحقّ، ولأنّ فاعل الفعل مجهول الهويّة. من هي إيزابل تلك؟ هي «الرّوح الّذي يدعو النّاس إلى أنْ يأخذوا ما ليس لهم» (ص. 17). هي الّتي وظّفت شاهدَي زور ليحكم الشّيوخ والشّعب على نابوت، الرّجل الأمين، بالإعدام بحسب الشّريعة، فيضع الملكُ اليد على أرضه. هي الّتي أقنعت داود أن يقتل زوج عشيقته ليستر فضيحته. هي الّتي طلبت رأسَ يوحنّا المعمدان على طبق للجم صوت الحقّ.
أمّا السّؤال الّذي ينبعث من هذه النّصوص فهو: «من المسؤول؟» لا يتملّق المؤلِّفُ القارئ: «كلّنا قتلنا نابوت» (ص. 13)، أي المدبِّر والمتغافل والكاذب والمنفِّذ والصّامت، الّذين اعتادوا الظلم. لكنّ الأب يونس لا يستقبح تشابك الشّرّ وحسب، بل يوجّه نداء لمواجهته. في رأيه، المطلوب أوّلًا ليس أنْ يجهد المسيحيّون لإسعاف النّاس في مأكلهم واستشفائهم وتأمين حاجاتهم – وهي أعمال صالحة وصادقة من دون شكّ -، بل أنْ يحافظوا على النّبوّة فلا يصبحوا مِلحًا مسيخًا أو تينةً ماحلة. هذه ليست نبوّة إيليّا السّاخط الّذي استلّ السّيف ليذبح كهنة بعل، بل الّذي تعرّف إلى اﷲ بالنّسيم اللّطيف. تتمّ المحافظة عليها باستقامة الضّمير وتوطيده من خلال أمورٍ ثلاثة، أتوقّف عند واحدةٍ منها: «المأسسة الّتي تفترض الشّفافيّة والمساءلة». في المؤسّسات الكنسيّة، اعتاد المسؤولون القيام بأعمالهم انطلاقًا من نواياهم الصّادقة ومعاييرهم الشّخصيّة (ولكن ألا يقول المثل الفرنسيّ «إنّ جهنّم مرصوفة بالنّيّات الحسنة»!). المسؤول الحقيقيّ الخادم الحقّ لا يرى في الشّفافيّة والمساءلة تقييدًا لسلطته، بل صونًا لضميره وانسجامًا مع الجماعة. إذًا نحن بحاجة إلى أنبياء ينتمون إلى الكنيسة، تلك الّتي تستمع إلى الأنبياء فيها، ولذلك فإنّ ذروة الكتاب هي في هذه العبارة: «على النّبيّ ألّا يفقد قلبه، لأنّ الكنيسة أعظم منه، وعلى كنيسة اﷲ ألّا تفقد أنبياءها» (ص. 29).
هذا الكتيّب هو في الواقع دعوة نبويّة من كاهنٍ إلى كنيسته، بمسؤوليها ومتواضعيها، لتستعيد طابعها النّبويّ، ويؤكّد لنا أنّ المسألة «ليست في أنْ ننجح أو أنْ نخفق، بل في أنْ نحافظ على قلوبنا» (ص. 25). هو يزعجنا، لا بل يغضبنا، ليحثّنا على عدم الاستسلام، فلا نسمع ما قاله المسيح إلى مسيحيّي تياطيرة: «مأخذي عليك هو أنَّك تَدَعُ المَرأَةَ إِيزابَلَ وشَأنَها، وهي تَقولُ إِنَّها نَبِيَّة، فتُعَلِّمُ وتُضَلِّلُ عَبيدي» (رؤيا 2، 20).
الأب غي سركيس : حائز درجة الدّكتوراه في اللّاهوت من الجامعة اليسوعيّة الغريغوريّة الحبريّة (روما). أستاذ محاضر في جامعتَي القدّيس يوسف،والحكمة. وهو كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة. له مجموعة من المؤلّفات الدّينيّة والتّأمليّة والفكريّة في اللّاهوت المسيحيّ، وحوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ، وبعضها من إصدار دار المشرق (نوبل للّسلام… لمن؟ – أؤمن …وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ…)