يوهان بابتيست ماتس[1]
هلاّ نصلّي سياسيًّا
قدّم له ونقله إلى العربيّة الأب باسم الرّاعي
48ص. ط.1. بيروت – لبنان: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5629-8)
في تقديم الكتاب يوضح الأب باسم الرّاعي، الذي عرّب النّصّ أيضًا، سبب اختياره هذا العنوان: هلّا نصلّي سياسيًّا. فقد نشر ماتس هذا النّصّ عن الصّلاة بمعناها السّياسيّ مع نصّ آخر لأستاذه كارل راهنر[2] في كتيّب بعنوان «الحضّ على الصّلاة» في العام 1977 بعد إلقائهما النّصّين بشكل عظة في كاتدرائيّة مار بولس في مونستر سنة 1976. ويُضيف الأب الرّاعي قائلًا: «لكنّنا آثرنا أن نعطيه هذا العنوان: هلّا نصلّي سياسيًّا لنقرّب العنوان من المضمون مباشرةً».
يتمحور التّفكير الأساسيّ في هذا الكتاب على «التّوجّه العامّ لتفكير ماتس في لاهوته السّياسيّ ضدّ حصر الدّين في الإطار الخاصّ، وإيجاد موقع له في المجتمع من منطلق أنّ الدّين يمثّل قوّة نقد… أي إنّ الكنيسة تصير سؤالًا مطروحًا على العالم. فهو يرى بالتّحديد أنّ الكنيسة هي «وجدان المجتمع النّاقد»، إذا عرفت كيف تعيش، وخصوصًا على المستوى المؤسّساتيّ، تحت علامات المخزون الإسكاتولوجيّ حتّى يكون حضورها في قلب العالم شهادة على نسبيّة أيّ مؤسّسة من جهة، وما من أجله أقيمت هذه المؤسّسة من جهة أخرى.» وبالتّالي، فإنّ الكنيسة مدعوّة لأن تسير وراء يسوع المعلّم وتتبعه في حياته وسيرته وعمله، وهذا المسار يمثّل نقدًا للواقع. «كلّ هذا تجلّى في صلاة يسوع». والسّؤال الّذي يطرحه الأب الرّاعي عن الدّافع وراء الاهتمام بهذا البعد للصّلاة هو الآتي: يأتي الجواب من الواقع اللّبنانيّ السّياسيّ وانزلاقه الّذي «أحدث طلاقًا بين الفعل السّياسيّ والشّرط القيميّ أو المعياريّ». أمّا المواطنون فهم يجدون أنفسهم عاجزين عن إحداث أيّ تغيير. «وأدهى ما في هذا الواقع أنّ كلا الطّرفين يعلن في الغالب أنّه من المؤمنين… في حين أنّ ما يجاهرون به لا ينسحب في الكثير من الأوقات على وعيهم الصّريح لارتباط الانتماء الدّينيّ والممارسة الدّينيّة بمعترك الوجود الإنسانيّ، وخصوصًا في الواقع السّياسيّ.» والسّبب في ذلك، يُعيده هنا الأب الرّاعي إلى طلاقين اثنين:
«الأوّل يرتبط بطابع الفهم الدّينيّ الّذي تسيطر عليه مسحة من التّقوى أو الخرافة بمعنى حصر صلة الرّوحيّات بالفضاء العلويّ… كما لو أنّ الرّوحيّات تخصّ المجال الإلهيّ لا الإنسانيّ.» وهذا ما يُعتَبَر «ضربًا للعقيدة الأساسيّة في المسيحيّة أي عقيدة التّجسّد».
الثّاني يرتبط بالموقف المأثور الّذي ينادي بفصل الدّين عن الدّولة وعن السّياسة. إلّا أنّ هذا القول «يتجاوز مجرّد الفصل بين الكنيسة والجامع والسّياسة. إنّه يفصل السّياسة عن أيّ مستند قيميّ أو معياريّ أي يفصل بين الدّينيّ والدّنيويّ.» وهذا ما يبدو نوعًا من «التّنكّر لأيّ مصدر قيميّ أو معياريّ للفعل السّياسيّ وبالتّالي تأصيل للتّهرّب من المسؤوليّة السّياسيّة.»
يجد الأب الرّاعي، كما المؤلّف، أنّ هذين الموقفين «يضربان عمق معنى الصّلاة الدّينيّ الأصيل» لارتباط الصّلاة نفسها بالتّجسّد. فالصّلاة هي في قلب الواقع وهي «فعل التزام في قلب الواقع. إنّها جواب على نداءات العالم بحمل شخص يسوع في قلب هذا العالم».
وبعكس ما يعتقده كثير من المؤمنين، فإنّ السّياسة ليست معزولة عن العالم وسياسته، فـ «السّياسة فيها فعل صلاة بكونها مهمّة تعمل على رفع الواقع». «الصّلاة تحضّ على المسؤوليّة تجاه العالم… تؤسَّس المسؤوليّة لا على القلق بل على التّوق نحو التّحقّق».
الصّلاة تدعونا إلى الالتزام وتحمّل المسؤوليّة تجاه واقع مدعوّ أن يرتقي لتتحقّق مشيئة الرّبّ «كما في السّماء كذلك على الأرض».
لقد استفاق الإيمان المسيحيّ على معنًى جديد للمسؤوليّة فلم يعد منفصلًا عن الحياة اليوميّة ولم يعد محصورًا بالمقدّس.
من هنا، جاء عنوان هذا الكتاب غير مترجم حرفيًّا عن الألمانيّة بل وضعه المقدِّم والمترجِم ليحاكي المضمون ويسلّط الضّوء عليه فأصبح هلّا نصلّي سياسيًّا وفيه دعوة إلى الالتزام بما نصلّي به في الممارسة السّياسيّة الّتي من شأنها أن تدير شؤون النّاس نحو الأفضل، وفيه دعوة إلى أن تستجيب الممارسة السّياسيّة لمضمون الصّلاة الّذي يرتقي بالمصلّين نحو تحقيق مشيئة الآب على الأرض.
الكتاب، بعناوينه، يدعونا إلى الدّخول مع المصلّين «في معترك التّضامن التّاريخيّ» كما يدعونا إلى تأمّل جديد في الصّلاة بالمعنى السّياسيّ وباعتبارها عودة ومقاومة.
[1] Johann Baptist Metz.
[2] Karl Rahner.
الدّكتورة بتسا استيفانو :
حائزة دكتوراه في العلوم الدّينيّة، وإجازة في الأدب العربيّ من جامعة القدّيس يوسف في بيروت. أستاذة محاضرة في معهد الآداب الشّرقيّة في الجامعة، ومسؤولة عن الأبحاث في مكتبة العلوم الإنسانيّة فيها. أستاذة محاضرة في جامعة «Domuni» باريس. ولها العديد من المقالات المنشورة باللّغتين العربيّة والفرنسيّة.