أسعد قطّان
المئويّتان في اللاّهوت
وتدبير ابن ﷲ الصّائر في الجسد
للقدّيس مكسيموس المعترف
112ص. ط.1 بيروت: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5630-4)
عُرِف عن مكسيموس المعترِف موقفه النّاقد من إيديولوجيا قيصر رومة لتدخّله في الأمور العقائديّة، كذلك جهوده المضنية لمحاربة فلول الأورجينّسيّة، وإلمامه بالأفلاطونيّة المحدَّثة… كما تصدّى للتّيّارات المؤمِنة بالفعل الواحد والمشيئة الواحدة في المسيح. وأشهر مواقفه، مناظرته العلانيّة مع البطريرك القسطنطينيّ المخلوع في العام ٦٤٥. لكن يبقى دوره المحوريّ في مجمع اللّاتران في العام ٦٤٩ من أهمّ مساهماته في بلورة العقيدة المسيحيّة، ممّا أدّى لاحقًا إلى محاكمته سياسيًّا في زمن اختلط فيه السّياسيّ والدّينيّ. وبذلك، قدّم شهادة رائعة للثّبات في الإيمان المسيحيّ القويم.
أمّا نصّه المئويّتان في اللّاهوت والتّدبير فهو من النّوع الأدبيّ البيزنطيّ الّذي يصنّف ضمن «الفصول» الّتي تمتاز بقصرها وتناول الموضوع الواحد، ويهدف إلى سهولة الحفظ والمساعدة في التّأمّل، الّذي يذكّرنا بـ «أقوال الآباء الشّيوخ». علمًا أنّ المئة مقطع ترمز إلى كمال التّعليم الّذي يحاول أن يقدّمه اللّاهوتيّ، وهو هنا يعرض مئويّتين ليؤكّد كمال تعليمه العقائديّ في مسألتَي اللّاهوت والتّدبير، وهي غير غريبة عن الكاتب، حيث يُعرف لديه مئويّاته الأربع في المحبّة. إنّ وفرة المخطوطات الّتي تقدّم إلينا هذا العمل، تناهز المئة والعشرين مخطوطًا، تؤكّد أهمّيّته في زمانه، وتعكس عمقه اللّاهوتيّ وقدرتها على تبسيط أعمال مكسيموس المعترف السّابقة.
أمّا العمل الّذي صدر عن دار المشرق فقد وضعه بين أيدينا الدّكتور أسعد الياس قطّان، الّذي حاز على شهادة الدّكتوراه في التّاريخ الكنسيّ والآبائيّات من جامعة ماربورغ، والّذي يشغل كرسيّ اللّاهوت الأرثوذكسيّ في جامعة مونستر - ألمانيا. يستند قطّان في منهجيّة التّعريب إلى نصّ الطّبعة النّقديّة المصغّرة الّتي صدرت في ألمانيا في العام ٢٠١٦. ويتحاشى تقديم أيّ تقسيم أو تلخيص للنّصّ الأصليّ، وهو بذلك يحافظ على غاية الكاتب من الأدب المئويّ، أي التّأمّل والتّعمّق والتّفاعل في الأفكار اللّاهوتيّة المقتضبة والمبسّطة. خصوصًا أنّ الفصول الأولى من كلّ مئويّة تقوم مقام المقدّمة لكلّ منها.
في المنهجيّة النّقديّة، يقوم قطّان بتقديم الشّروح والتّعليقات المُسهبة المثبتة في الحواشي، الّتي تهدف إلى تسهيل فهم المصطلحات والمفاهيم الأساسيّة في لغتها اليونانيّة الأصليّة. وهو في ذلك يقدّم إلينا عملًا من طابقَين، الأوّل، كما أراده صاحب النّصّ، أي القراءة والتّأمّل. والثّاني، كما يبتغي المعرّب في تقديم نصّ أكاديميّ نقديّ في وفرة الحواشي والتّعليقات. لا بل أيضًا طابقًا ثالثًا، وهو التّعليميّ، إذ إنّ وفرة الشّروحات وسلاسة أسلوبها تضع بين يدي القارئ المهتمّ أُسس التّفكير اللّاهوتيّ البيزنطيّ الّتي تُساعد في فهم أعمال أوسع من المكتبة اللّاهوتيّة نفسها.
إنّ هذا العمل في صفحاته الّتي تناهز المئة يُغني المكتبة المسيحيّة العربيّة بنتاجٍ لاهوتيّ معمّق، ويُساعد مؤمني الشّرق في التّفكّر والتّأمّل في واقعهم حيث ما يزال يختلط ما هو دينيّ بالدّنيويّ من دون تمييز لدور التّدبير الإلهيّ.
الأب طوني حمصي اليسوعيّ : حائز شهادة ماجستير في اللّاهوت الكتابيّ – كلّيّة اللّاهوت اليسوعيّة – باريس، ودبلوم جامعيّ في الصّحافة الرّقميّة، جامعة القدّيس يوسف – بيروت. مدير التّواصل الرّقميّ للرّهبانيّة اليسوعيّة في الشّرق الأدنى والمغرب العربيّ. يُشرف على النّسخة الرّقميّة للكتاب المقدّس باللّغة العربيّة في ترجمته الكاثوليكيّة، وله عديد من التّرجمات الصّادرة عن دار المشرق.