الأخت تريز السّلوى
البابا الرّاهب، الحياة المكرّسة في فكر البابا فرنسيس
112 ص. سورية: دار الكتاب المقدّس، 2022
يُقال إنّ الكتاب يُعرَف من عنوانه. والعنوان يشير إلى أمرٍ مميّزٍ تعيشه الكنيسة الكاثوليكيّة في أيّامنا، وهو أنّه، وبعد البابا بيّوس العاشر (1903- 1914)، لم يجلس على كرسيّ بطرس بابا، كان راهبًا، حتّى انتخاب البابا فرنسيس في العام 2013، أي بعد حوالى مائة عام. ولهذا البابا سمة خاصّة وهي أنّه أوّل يسوعيّ في التّاريخ يصبح بابا، على الرّغم من تمسّك اليسوعيّين، بحسب توصيات مؤسّسهم القدّيس إغناطيوس دي لويولا، برفض كلّ الرّتب الكنسيّة غير الكهنوت، وهو تمسّك يعبّرون عنه في صيغة نذرٍ. فإذا كانت خدمة الكنيسة تحتّم، بضرورةٍ قصوى، على اليسوعيّ أن يقبل رتبةً كنسيّة، يضطرّ البابا إلى حلّه من هذا النّذر، وأن يقبل الرّتبة باسم الطّاعة.
لمَ هذه المقدّمة؟ إنّها لإيضاح خصوصيّة كتابٍ كهذا. فالتّعاليم في شأن الحياة المكرّسة لا تصدر من سلطةٍ كنسيّة، بل من شخصٍ عاش التّرهّب، واختبر شخصيًّا تعزياته وآلامه. شخص يعرف تمامًا تحدّيات الحياة الدّيريّة والجماعيّة، وكلّ ما يختبره المكرّس في حياة المشورات الإنجيليّة: الفقر، والعفّة، والطّاعة.
أسلوب الكاتبة، الأخت تريز السلوى، سلس وبسيط، وقد أحسنت دار النّشر في اختيار حجم حرفٍ أكبر من الحجم اعتُمِدَ في الكتب منذ الأيّام الّتي كانت فيها غالبيّة النّاس تقرأ.
ينقسم الكتاب إلى مقدّمة، يتمّ فيها عرض حياة البابا فرنسيس بإيجاز، وأربعة مباحث.
المبحث الأوّل يتناول الأبعاد الأساسيّة للحياة المكرّسة. وتختار الكاتبة من تعاليم البابا كلّ ما يربط الحياة المكرّسة بالثّالوث: البعد الأنتروبولوجيّ يرتبط بالآب، والبعد الخريستولوجيّ بالابن، والبعد المواهبيّ بالرّوح القدس، إضافةً إلى البعد الكنسيّ الّذي يعكس حياة الأقانيم الثّلاثة معًا.
المبحث الثّاني يتناول النّذور: الفقر والعفّة والطّاعة، وهي معروضة بطريقةٍ رعائيّة صرفة، كما اعتدنا في خطابات البابا فرنسيس، فلا تدخل دراستها في الأمور الكتابيّة، بل ينطلق التّفكير فيها من يسوع ليتوجّه بعدها نحو التّحدّيات الّتي يواجهها كلّ نذرٍ في العالم المعاصر، والانحرافات الّتي قد تظهر في طريقة عيشه.
المبحث الثّالث يتناول الحياة المكرّسة، شهادة ورسالة. والرّسالة المعروضة محدودة في أربعة مواضيع: خدمة كلمة اﷲ، خدمة العائلة، خدمة القداسة، خدمة الشّبيبة. قد يبدو تسلسل هذه المواضيع غير مألوف، وربّ قائلٍ: لماذا لم توضع خدمة القداسة ثانيًا، تليها خدمة العائلة وخدمة الشّبيبة؟ بالحقيقة، رأت الكاتبة، وهذا ما تلمّح إليه، أنّ العائلة الّتي تجعل كلمة اﷲ مقيمة فيها، تجعل القداسة ممكنة، وتأتي الثّمرة في النّهاية تنشئةً صالحة تتنشّأها الشّبيبة. يتميّز هذا المبحث بأنّه يختار من تعاليم البابا كلّ ما هو عمليّ جدًّا.
المبحث الرّابع يتناول الحياة الجماعيّة. فلكي نأخذ فكرةً عن مقدار الجانب العمليّ في تعاليم البابا، نذكر بعض العناوين الفرعيّة: الفردانيّة، النّميمة والاغتياب، تجربة «مجرّد العيش».
الكتاب غنيّ جدًّا، وهو مفيد بوجهٍ خاصٍّ لكلّ مَن يعيشون الحياة المكرّسة، إذ يساعدهم على مراجعة حياتهم، وتقييمها من أجل تقويمها.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ:
راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.
[email protected].