ميشال يونس
في سبيل لاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان
295 ص. بيروت: دار المشرق، 2022
(ISBN: 978-2-7214-5619-9)
يتألّف الكتاب من ثلاثة أقسامٍ رئيسة:
– أبواب الدّخول إلى لاهوت الأديان، ويتضمّن مفهوم الخلاص، والعهد، والوحي؛
– مقاربات التّناسبيّة ومصادرها، ويتضمّن مقاربات تصوّريّة، وموارد كتابيّة تناسبيّة، والأبعاد اللّاهوتيّة للتناسبيّة؛
– التّناسبيّة وتنوّع الأديان، ويعالج مسألة تنوّع الأديان.
وينتهي الكتاب بقائمة مصطلحات من وضع المعرِّب، الأب جورج باليكي البولسيّ، يبيّن فيها التّرجمة الّتي استعملها للمصطلحات الأجنبيّة.
يبدأ الفصل الأوّل بطرح قضيّة محوريّة في جدليّة موقف اللّاهوت المسيحيّ من الأديان. إنّها قضيّة شخص المسيح في مسألة الخلاص بحسب اللّاهوت المسيحيّ. فهذه القضيّة تثير تساؤلًا حين يصبح عدم إقصاء المسيح عن التّفكير اللّاهوتيّ في شأن الأديان مطلقيّةً، «ويتحوّل طابع اللّاهوت المركِّز على المسيح إلى واحديّة المسيح» (ص. 29). وتزداد القضيّة تعقيدًا حين تدخل الكنيسة على الخطّ مع شعارها: «لا خلاص خارج الكنيسة». فيفنّد الكاتب الحجج، ويقدّم مفهومًا شموليًّا بدل المفهوم الحصريّ لبعض العبارات كوساطة المسيح الخلاصيّة، والكنيسة، ويعرض بطريقةٍ واضحة وسلسة مختلف الآراء اللّاهوتيّة في هذه القضيّة، ويقول بأمانةٍ ما لها وما عليها.
ومن محوريّة شخص المسيح، ينتقل الكاتب إلى مفهوم العهد. فيشير إلى مختلف عهود العهد القديم، ومنها ما أبرِمَ قبل حصريّة العهد مع شعبٍ معيّن، وأهمّها عهد الله مع نوح. كما يشير إلى ظاهرة نقض العهد (أو توسيعه) بإحلال عهدٍ جديدٍ مكانه، ويتبنّى نظرة القدّيسَين إيريناوس وإقليمنضوس الإسكندريّ إلى هذا العهد الجديد، فهما يلحّان على شموليّته. ويختم بحثه في أخذ العهود في الأديان الأخرى بعين الاعتبار، وكيف يستطيع اللّاهوت ضمّها إلى العهد الجديد مع المسيح من دون أن يجعلها عهودًا تنال خلاصها من خارج ديانتها، بل من داخلها.
في مسألة الوحي، يتبنّى الكاتب مفهوم الوحي على أنّه كشف الله عن ذاته، أكثر منه مجموعة من العقائد والسّلوكيّات الأخلاقيّة. وحيث إنّ هذا الكشف، في المسيحيّة، لم يتمّ بكلامٍ بل بشخصٍ، ما هي نظرة المسيحيّة إلى الوحي في الدّيانات الأخرى؟ يذكر الكاتب إرنست ترولتش الّذي أدخل النّسبيّة إلى الوحي المسيحيّ، وردّ كارل بارت عليه، ليجد في فكرة بذار الكلمة، أو ركائز الانتظار، الآبائيّة منفذًا لحلّ هذه القضيّة. وبعد ذلك، يعرض الكاتب مختلف آراء اللّاهوتيّين الأقرب إلينا في هذا الموضوع.
إنّ مبدأ التّناسبيّة حجر أساس في اللّاهوت المسيحيّ للأديان. ولأهمّيّته، خصّص له الكاتب بابًا كاملًا، فانطلق من الرّياضيّات إلى الفلسفة، ومنها إلى اللّاهوت. وفي مضمار اللّاهوت، عرّج على مبدأ المماثلة الشّائع في كثيرٍ من كتابات القدماء، وخصّص لكتاب دليل الضّالّين لابن ميمون حيّزًا لا بأس به، لينهي مع يسوع واستعماله الأمثال في إعلان الحقيقة.
لاهوتيًّا، يعالج الكاتب موضوع التّناسبيّة من منظور جدليّة العلاقة بين الحرّيّة والمسؤوليّة في الحياة داخل المجتمع، وفي العلاقة بالآخر، ويرى أنّ لهذه العلاقة ثلاثة أشكالٍ في خصوبتها تفضي إلى انفتاحٍ على المطلق. هذا من جانب الإنسان. أمّا من جانب الله، فالتّناسبيّة تظهر في التّدرّج المرتبط بقدرة الإنسان على الاستيعاب. وعلى الرّغم من هذا التّدرّج، فإنّ الفيض ليس غائبًا. تدرّج وفيض يسيران جنبًا إلى جنبٍ في طريقٍ يزداد الفيض فيه على حساب التّدرّج.
بعد تثبيت هذه المفاهيم، يبدأ القسم الثّالث بالسّؤال الجوهريّ: هل الأديان صادرة من الله أم من الإنسان؟ فهناك موقفان: واحد يضمّها إلى الله وآخر يبعدها عنه. ولمعالجة الموضوع، لا بدّ من التّساؤل: ما هي الدّيانة؟ هنا، يعرض الكاتب باقتضابٍ تاريخيّة تعريف هذه الكلمة، ومواقف بعض اللّاهوتيّين، ليفضي إلى مبدأٍ وهو عمل الرّوح القدس في الخليقة كمرجعيّة ومعيار للحكم على ديانة أو بعض العناصر في ديانة هل هي من الله أم هي تدخّل بشريّ. وفي هذا المجال، يعلن صراحةً: «النّسبويّة عقيدةٌ هدّامة، لا لأنّها تجاور مظاهر الواقع المختلفة وحسب، بل بالأكثر وبشكلٍ أساسيّ لأنّها تجعل من المستحيل البحث عن الحقيقة واعتلانها» (ص. 207).
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التّناسبيّة التي أيّدها الكاتب هي غير النّسبيّة التي رفضها. فعلى أساس هذه التّناسبيّة سيبني في الصّفحات الأخيرة ما سمّاه: «في سبيل لاهوتٍ مسيحيّ للتّنوّع» (ص. 211)، فيستعين بكلّ ما هيّأ له ليرسم خطوطًا واضحة للاهوتٍ مسيحيٍّ للأديان.
الكتاب سهل القراءة والفهم، غنيّ بالمعلومات، جديد في رؤيته، إذ تفادى الكاتب حصر التّفكير في ما هو شائع بالمنشورات العربيّة، أي علاقة المسيحيّة بالدّيانة الإسلاميّة، وجعل الدّراسة مفتوحةً وصالحة لدراسة موقف المسيحيّة، لاهوتيًّا، من أيّ ديانةٍ كانت.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.