جرهارد بورينغ وبلال الأُرفه لي
سلوة العارفين وأُنْس المشتاقين
لأبي خلف الطّبريّ (توفّي نحو 470هـ./1077 م.)
616 ص. ط.1. بيروت: دار المشرق، 2021
(ISBN: 978-2-7214-8180-1)
صدر عن دار المشرق تحقيق نقديّ لـ كتاب سَلوة العارفين وأُنْس المشتاقين لمؤلّفه أبي خلف الطّبريّ (ت. ٤٧٠/١٠٧٧) بتحقيق وتقديم جرهارد بورينغ أستاذ الدّراسات الإسلاميّة في جامعة ييل الأمريكيّة، وبلال الأرفه لي أستاذ كرسيّ الشّيخ زايد للدّراسات العربيّة والإسلاميّة في الجامعة الأمريكيّة في بيروت. وكان المحقِّقان قد نشرا، قبل ذلك، هذا التّحقيق عن دار بريل – ليدن سنة ٢٠١٣ ضمن «سلسلة التّاريخ والحضارة الإسلاميّة.» ترجَم هاني رمضان مقدّمة الكتاب إلى العربيّة، وغطّت لوحة بريشة الفنّان التشكيليّ محمود الدّاود غلاف الكتاب.
مؤلِّف الكتاب هو أبو خلف محمّد بن عبد الملك الشّافعيّ السّلميّ الطّبريّ، وهو فقيه شافعيّ ومؤلِّف في الفقه والتّصوُّف. عاش في نيسابور عاصمة إقليم خراسان ومركزها الثّقافيّ. وتذكر كتب التّراجم كُتبًا له في الفقه منها كتاب الكفاية، وكتاب المعين، وشرحه على كتاب المفتاح، غير أنّه لم يصل إلينا أيٌّ من أعماله الفقهيّة المذكورة. وكان الطّبريّ قد وضع كتابه هذا بطلبٍ من أبي عليّ حسّان بن سعيد المنيعيّ (ت. ٤٦٣/١٠٧١) الذي كان رئيسًا للفتوّة الصّوفيّة في نيسابور وراعيًا لعلمائها.
حقّق جرهارد بورينغ وبلال الأرفه لي الكتاب عن مخطوط فريد، محفوظ في دار الكتب المصريّة في القاهرة ضمن مجموعة طلعت باشا. ويرجّح المحقّقان أن تكون هذه المخطوطة منسوخة عن نُسخة الكاتب الأصليّة، ما يجعلها في منتهى الأهمّيّة. يبدأ كتاب سَلوة العارفين بمقدّمة قصيرة من وضع الطّبريّ نفسه، ثمّ ينقسم في اثنين وسبعين بابًا تتحرّك بين معاني التّصوُّف وطرقه وأحواله. ويتألّف النّصّ المحقّق من ٤٤٥ صفحة، بالإضافة إلى فهارس الآيات، ومتون الحديث، والأعلام، والأماكن، والأشعار، والاصطلاحات. وتأتي المقدّمة من عمل المحقّقَين، وترجمة هاني رمضان، لتسلّط الأضواء على النّصّ وعتباته الضّروريّة من قبيل البحث في حياة أبي خلف الطّبريّ ومؤلّفاته، ومسيرته العلميّة، كما تقدّم دراسة نصّيّة موجزة لمخطوطة دار الكتب المصريّة. وتضع المقدّمة كتاب سَلْوة العارفين في سياق الآداب والمؤلّفات الصّوفيّة السّابقة عليه والمعاصرة له مثل رسالة القشيريّ (ت. ٤٥٩/١٠٧٢)، وتهذيب الأسرار للخركوشيّ (ت. ٤٠٧/١٠١٦)، وطبقات الصّوفيّة لأبي عبد الرّحمن السّلميّ (ت. ٤١٢/١٠٢١).
تشرح أبواب الكتاب مفردات واصطلاحات صوفيّة وإيمانيّة واجتماعيّة، وتبدأ معظمها بلازمة «باب في بيان معنى..» ويُعنون الطّبريّ الباب الأوّل من الكتاب «باب في بيان معنى التّصوُّف ونعت الصّوفيّة»، ثمّ يتحرّك إلى الكلام في التّوحيد ومعناه عند المتصوِّفة. ينتقل بعد ذلك للتكلّم في طقوس المتصوّفة وآدابهم الحياتيّة في مجموعة من الأبواب في التّوبة، والزّهد، والورع، والتّقوى، والخوف، والرّجاء، والخشوع والتّواضع. ويُلحِق الطّبريّ هذه الأبواب بالحديث عن النّفس، والقلب، والهوى، والدّنيا، والوقت. يعود بعد ذلك للحديث عن طرق الصّوفيّة في التّعامل مع مشكلات النّفس الإنسانيّة من خلال حديثه عن المجاهدة، والاستقامة، والمراقبة، والخلوة والعزلة، والصّمت، والقناعة، والرّضا، والصّبر، والجوع والتّوكّل، والجود والسّخاء، والإيثار. وتأتي الأبواب تباعًا لتصل إلى توصيف علاقة المتصوّف مع ربّه، ليتحدّث الطّبريّ هنا عن الإخلاص، والمحبّة، والشّوق، والمشاهدة، والأُنس، والمكاشفة. تأتي آخر أبواب الكتاب لتتناول مجتمع المتصوّفة، فمكاتباتهم، ووصاياهم، وأحوالهم، وطبقاتهم. وبذلك تأتي معظم أبواب الكتاب ضمن نسق واضح ينمّ عن خطّة المؤلّف في كتابه.
يمكن أيضًا النّظر إلى أبواب الكتاب الاثنين والسّبعين بحسب أغراض الباحثين والدّارسين المعاصرين وأسئلتهم البحثيّة؛ فالأبواب المهتمّة بالتّجريد، ومنها: أبواب التّوحيد، والهوى، والجمع والتّفرقة، والصّحو والسّكر، والتّواجد والوجد والوجود، والتّفكُّر، والحكمة. والأبواب المهتمّة بمجاهدة النّفس، ومنها: أبواب الزّهد، والجوع، والجود والسّخاء والإيثار، والتّقوى، والورع، والخوف، والصّبر، والشّوق. والأبواب المهتمّة بالقلوب، ومنها: أبواب الرّضا، والحرّيّة والعبوديّة، والذّكر، والشّكر، والمحبّة، واليقين، والمعرفة، والمشاهدة، والسّتر والتّجلّي والمحو والإثبات. وبطبيعة الحال يمكن إعادة تنسيق الأبواب وضمّها إلى مجموعات مختلفة بحسب زاوية النّظر الّتي سيأخذها دارس النّصّ أو صاحب التّجربة الصّوفيّة.
يجمع أبو خلف الطّبريّ مادّته ومعارفه من آدم إلى الجنَيد (ت. ٢٩٧/٩١٠) انتهاءً بمعاصريه من المتصوّفة. الكتاب مشغولٌ بأدقّ التّفاصيل؛ ومن ذلك تضمين سنة الوفاة في فهارس الأعلام، وهي إضافة جديدة على تقنيّات التّحقيق الأكاديميّ. ويلحظ القارئ تفادي المحقّقَين تحريك النّصّ، أدّى ذلك في بعض المواضع إلى التباس المعنى، لكنّه حافظ على لغة المخطوط الأصليّة وأبعاده التّجريديّة، ورسم له آفاقًا متعدّدة بتعدّد القراءات والمفاهيم.
سبق للأرفه لي، بالتّعاون مع ندى صعب أستاذة الدّراسات العربيّة في الجامعة اللّبنانيّة الأميركيّة، أن نشر كتاب البياض والسّواد من خصائص حِكَم العباد في نعت المُريد والمُراد لمؤلِّفه أبي الحسن السّيرجانيّ (ت. نحو ٤٧٠/١٠٧٧). ويُشار هنا إلى معاصرة الطّبريّ للسّيرجانيّ وإلى وجودهما في إقليمَين متقاربَين: إقليم خراسان (شمال شرق إيران حاليًّا) وإقليم كرمان (جنوب إيران) بالتّتالي، كما يُشار إلى تشابه الأعلام وبعض الأبواب في الكتابَين. يدعوني ذلك إلى الإشارة لمقدّمة المحقّقَين على كتاب البياض والسّواد، وإضاءتها على تاريخ المتصوّفة وبيئتهم الاجتماعيّة في القرن الخامس/الحادي عشر. كما تبحث هذه المقدّمة في بُنية الكتاب، ومصادره، ما يجعلها رافدًا مفيدًا لكتاب سَلوة العارفين أيضًا.
أشير أيضًا إلى أنّ كتاب سَلوة العارفين وأُنس المشتاقين مناسبٌ للباحث في التّصوُّف كما هو للقارئ العامّيّ، لتقديمه طائفة من حِكَم وأقوال ومأثورات وأشعار ومواعظ إيمانيّة واجتماعيّة وسلوكيّة عامّة.
الأستاذ علاء أحمد كيّالي : حائز شهادة الماجستير في الأدب العربيّ من الجامعة الأميركيّة في بيروت. مهتمّ بالنّثر العربيّ الكلاسيكيّ، ويعمل حاليًّا على أدبيّات الجاحظ بما في ذلك الصّلة بين الأدب وعلم الكلام.