اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

أندريه لارانيه

تسلسل الأحداث التّاريخيّة
ما الذي فعلناه طوال العشرين ألف سنة المنصرمة؟

نقلته إلى العربيّة إليزابيتّا أبوجوده
176 ص. ط.1 بيروت:  دار المشرق، 2021
(ISBN: 978-2-7214-1210-2)

إنّ التّاريخ هو دراسة الحوادث، أو هو الحوادث نفسها، وبنظر المؤرّخ هو كلّ ما يطرأ على حياة البشر، وكلّ ما يطرأ على الأرض، أو في الكون بشكل عامّ متّصلًا أو مؤثّرًا بالحياة الّتي نعيشها.

يقول المؤرّخ الفرنسيّ «غوستاف مونو» (Gustave Mounod): «إنّ التّاريخ هو إعادة تمثيل الحياة البشريّة السّابقة كما هي».

والتّاريخ هو المعرفة بالماضي الإنسانيّ من قديم الزّمان عن طريق إنسان اليوم، إنسان الغد، الّذي هو المؤرّخ.

أمّا العمل التّاريخيّ المميّز الواقع بين أيدينا، فيصبّ في معلوماته ضمن إطار كشف اللّثام عن أزمنة غبرت، أحياها أحد المؤرّخين، الكاتب الفرنسيّ أندريه لارانيه الّذي خاض دراسة التّاريخ حتّى نال درجة الماجستير، واستهوته الهندسة فكان أحد روّادها. كما اقتحم مهنة المتاعب (الصّحافة)، وفي ذلك أعطى من ذاته ليرضي بعضًا من طموحه، لكن بقي التّاريخ هاجسه الأساس، ورأى فيه علمًا لكلّ العلوم، وأراد أن يستشرف الزّمن بكلّ مراحله وعهوده، فتعمّق في دراسته، وأغنى المكتبة التّاريخيّة في كتابه «تسلسل الأحداث التّاريخيّة، ليكون مشهديّة معبّرة عمّا مضى من غابر الزّمان، معتمدًا في ذلك على معلومات استقاها من باطن الكتب الموثّقة من الّذين دوّنوا الأحداث، وأرّخوا لها من عشرين ألف سنة، فكان الكتاب «بانوراما» مصغّرة ومتسلسلة، تعاقبت على مدى السّنين.

والقارئ يقف على حافّة كلّ مرحلة تاريخيّة ليرى أحوال الملوك والأمراء والحكّام ورجال الدّين، إضافة إلى العلماء والفلاسفة والأدباء والشّعراء وغيرهم، مسهبًا في  مساهمة الشّعوب في بناء تاريخها، حيث يتنقّل بشكلٍ علميّ مشوِّق، يتأمّل التّاريخ من على مسارح جغرافيّة الواقع، منطلقًا من عصور موغلة في القدم، ومن أعماق الحقبات الزّمنيّة، ليطلعنا على كيفيّة تطوّر العنصر البشريّ اعتبارًا من ظهور الإنسان العاقل (Homo Sapiens) وحتّى وقتنا الحاضر.

يدرس أندريه لارانيه في كتابه، الّذي هو موسوعة مختصرة، تسلسل الأحداث التّاريخيّة في كلّ بقعة على الأرض عرفها الإنسان، وأقام عليها كيانات ودولًا وتجمّعات، متكلّمًا عن أهمّ المنجزات والأعمال من اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة، محدِّدًا ذلك بدقّة التّاريخ الزّمنيّ، وبتسلسل منطقيّ يحاكي الواقع الحقيقيّ في كلّ ما يكتب، شارحًا الإنجازات البشريّة في كلّ حقبة تاريخيّة وفي كلّ العصور، غير غافل عن داخلٍ التّاريخ أو عابرٍ فيه، شارحًا أسباب ارتقاء الأمم أو انحدارها، ونشأة أنظمة الحكم وتحوّلاتها وتطوّراتها، وعمل المؤسّسات السّياسيّة والمدنيّة والعسكريّة والحروب الّتي شهدها العالم وتأثيراتها، والثّورات الّتي غيّرت وجهة التّاريخ في العديد من الدّول، دارسًا دور الأيديولوجيّات والأحزاب والعقائد الدّينيّة بمختلف أشكالها وأهدافها وانعكاساتها على السّياسات المحليّة والإقليميّة والدّوليّة.

وبذلك يُعتبر الكتاب «روزنامة» تدرس تاريخ الأمم والشّعوب بطريقة علميّة موجزة، وهو مدعّم بصور معبّرة لأهمّ الشّخصيّات العالميّة على مدى التّاريخ، وبخرائط جغرافيّة للمناطق الّتي شهدت قيام الإمبراطوريّات والدّول، وما أنجزته من أعمال حضاريّة وما خلّفته من آثار وتراث. وما يزيد من أهميّة الكتاب هو التّسلسل المنطقيّ في تسجيل الوقائع والتّواريخ، ما يجعلك أمام عمل متكامل، رغم بساطته ومختصراته. وكلّما غصتَ فيه، كلّما زاد اندفاعك لمتابعة القراءة. وامتاز الكاتب بعلميّته وسعيه وراء الحقيقة المجرّدة، الّتي هي غاية الباحثين والمؤرّخين.

وقد انبرت دار المشرق العريقة إلى تلقّف هذا الإنجاز التّاريخيّ، وعمدت إلى نشره، ما أعطى الكتاب قيمة علميّة إضافيّة ومميّزة.

الدّكتور نافذ الأحمر : حائز دكتوراة في التّاريخ من  الجامعة اللّبنانيّة، ومحاضر فيها، وفي جامعة الجنان. وهو يشغل منصب  رئيس قسم الدّراسات العليا في كلّية الآداب – الجامعة الإسلاميّة.

Share This