اللاّهوت السّياسيّ في الكنيسة المارونيّة

أنطوان حنّا يزبك

سيّدة النّجاة، بكفيّا (1833-2020)

96ص. ط.1. بيروت: دار المشرق، 2021
(ISBN: 978-2-7214-5615-1)

ما أجمل أن يسعى ابن بكفيّا وتلميذ اليسوعيّين إلى توثيق تاريخ ديرٍ عريقٍ في بلدته!

سيّدة النّجاة، اسم أطلِقَ على كنائس عدّة في لبنان، ولكنّ نكهته خاصّة، حين يرتبط بأوّل ديرٍ لليسوعيّين في بلد الأرز بعد عودتهم في السّنة 1831. وتزداد هذه النّكهة حلاوةً حين يخطّ كاتب بدقّةٍ وبساطة تاريخ هذا الدّير، فيدرج التّفاصيل الفرعيّة في الحواشي، وهي تشغل أحيانًا ثلاثة أرباع الصّفحة، ويركّز على الموضوع الجوهريّ في متن النّصّ.

الكتاب مؤلّف من ثلاثة فصول: تاريخ دَير سيّدة النّجاة، وحماية سيّدة النّجاة، وخَدَمة الدّير والكنيسة. لكنّ القارئ يكاد لا ينتبه إلى هذا التّقسيم لشدّة جاذبيّة السّرد الّذي ينقله من مكانٍ إلى مكان، فيجعله يقف قليلًا ليرى المشهد (وهو الصّور الّتي تزيّن صفحات الكتاب)، ويسمع أخباره باقتضاب، لينتقل إلى مكانٍ آخر.

في الفصل الأوّل، لم ينسَ الكاتب تذكير القارئ، وربّما سكّان بكفيّا، بماضي أجدادهم، وكيف كانوا يكافحون بروح البساطة والتّواضع للعيش في هذه المنطقة الجبليّة القاسية، وكيف كانت تقواهم سندًا عزيزًا لهم. بهذه الرّوح دعموا الآباء اليسوعيّين حين وصلوا إلى المنطقة، وأمّنوا لهم مكانًا ليقيموا فيه، وساهم كلّ واحدٍ منهم في مساعدتهم على بناء الدّير، هذا بماله وذاك بذراعَيه. وينتهي الفصل بآخر أعمال البناء والهندسة الدّاخليّة الّتي تمّت في المزار ليكون كما نراه الآن.

يبدأ الفصل الثّاني بقصّة الأمير حيدر أبي اللّمع الّذي كان له الفضل الأساسيّ في تأسيس دير سيّدة النّجاة، سواء بمساعيه الدّبلوماسيّة أو بمساهماته الماليّة. ولا يروي الكاتب تاريخ هذا الأمير، بل علاقته بالدّير وما ناله من عنايةٍ إلهيّة بشفاعة العذراء، ثمّ يسرد، بحسب التّسلسل التّاريخيّ، بعض المعجزات الّتي تمّت في المنطقة بشفاعة سيّدة النّجاة. وفي هذا السّياق يخبرنا الكاتب أنّ سكّان بكفيّا، وبسبب نجاتهم من أزماتٍ عدّة بعد الصّلاة والتّضرّع أمام صورة العذراء في الدّير، اختاروا لهذه الصّورة، الّتي أحضرها الآباء من إيطاليا، لقبًا وهو: «سيّدة النّجاة»، فصار هذا اللّقب اسم دير اليسوعيّين في بكفيّا: «دير سيّدة النّجاة».

بعد التّسلسل التّاريخيّ والأحداث البارزة، خصّص الكاتب الفصل الثّالث لأبرز الشّخصيّات اليسوعيّة بحسب الترتيب الآتي: أوّلًا، بعض أبناء بكفيّا الّذين انضمّوا إلى الرّهبانيّة اليسوعيّة فكان لهم شأن في الكنيسة من خلال المناصب الّتي تبوّأوها أو الأعمال الّتي أنجزوها، وثانيًا، بعض الشّخصيّات الّتي خدمت الدّير منذ تأسيسه، مع قائمة كاملة بأسماء الآباء الّذين تولَّوا رئاسة الدّير منذ تأسيسه حتّى تاريخ نهاية تدوين مسوّدة الكتاب، أي السّنة 2020. وفي النّهاية، وعلى طريقة الرّواة، يسرد الكاتب متفرّقات جمعها من المسنّين في بكفيّا عن أخبار الدّير.

الكتاب ممتع. إنّه كتاب عائلة، غنيّ بالمعلومات التّاريخيّة والقصص، ويمكن اعتباره، على الرّغم من بساطة أسلوبه، مرجعًا تاريخيًّا جديرًا بالثّقة.

الأب سامي حلّاق : راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف – بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

[email protected]

Share This