تعترض الباحث مشكلات متعدّدة، لاسيّما لدى شروعه في تحديد مفاهيم ذات دراية دقيقة، نذكر منها تغيّر مفهوم الشّعر والقصيدة التي تحمل انبثاقات جديدة في تعبيرها عن معاناة الشّاعر الذّاتيّة. وإذ يسأل جاكبسون (JACKOBSON): “ما هو الشّعر؟”، يدرك تغيّر مضمونه على مرّ العصور. ومع ذلك، لم يفته أن يعبّر عن موقفه إزاء تحديد جامد للشّعر، فـ “لا توجد أسوار صينيّة بين الشّعر والحياة، وبين الشّعر والمرجع، وبين الشّعر والمبدع، وبين الشّعر والمتلقّي، وبين الشّعر وباقي الفنون… كلّ ذلك يخترق الرّسالة الشّعريّة ويتقاطع داخلها”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الشّعر الحديث الذي ظهر في خمسينيّات القرن العشرين قد غيّر أبنية الشّعر العموديّ، باعتباره تمرّدًا ورفضًا للأشكال والطّرق الشّعريّة القديمة، فاعتمد تفعيلة مفردة وقوافيَ مختلفة متحرّرة من القيود. وقد اعتمدنا هذا المصطلح، “الشّعر الحديث”، لنتاج الشّاعر عبده وازن، كونه انتهك الشّعر والنّثر في مؤلّفاته، ليرسم أشكالًا جديدة، ويحدث هزّة عميقة للمفاهيم المتداولة عن الشّعر ومقارباتها الإنسانيّة والفكريّة المباشرة. فهل ينتظم شعره ضمن شعر الحداثة أو تخطّاه إلى شعر ما بعد الحداثة الاختلافيّ؟ وكيف تجلّت الشّعريّة في قصائده، لاسيّما أنّ الكاتب يمارس حرّيّته أكثر من القصيدة التّقليديّة؟
هذا ما سنسعى إلى معالجته في هذا البحث من خلال دراسة الخطاب الشّعريّ وسيميائيّته في ديوان وازن: “الأيّام ليست لنودّعها”. وتكمن أهمّيّة الموضوع في ناحيتين:
-تقديم الشّاعر كتابة شعريّة مغايرة عن شعراء زمنه.
-عدم توافر دراسات أكاديميّة كافية تناولت إبداعاته.
وقد بنينا الدّراسة على مبحثين: يتناول المبحث الأوّل نظرة مختصرة في نظريّات اللّسانيّة البنيويّة وفي نظريّات السّيميائيّة.
أمّا المبحث الثّاني فيتناول دراسة الشّكل الطّباعيّ في قصيدتَي “لأنّكِ في الحبّ” و”رؤية”، والمستويين الإيقاعيّ والدّلاليّ في القصيدة الأولى، والمستويين الإيقاعيّ والأسلوبيّ في القصيدة الثّانية.
واتّبعنا منهج السّيميائيّة الشّعريّة، وهو نهج الخطاب الشّعريّ الذي بدأ مع جاكبسون، وطوّره غريماس (GREIMAS) ، فاستفاد من اللّسانيّات البنيويّة، ولاسيّما مفهوم الوظيفة الجماليّة التي أطلق عليها جاكبسون تسمية المهيمنة (La dominante).

Share This