أودُّ العودة إلى أحد موضوعات هذا العدد من المشرق الذي يتناول قضيّة البيئة في رسالة قداسة البابا فرنسيس: «كُن مسبَّحًا»، صدرت في أيّار 2015 إلى الشعب الكاثوليكيّ أو المسيحيّ، بل إلى كلّ الشعوب والثقافات؛ إذ إنّ الموضوع يمسُّ العالم كلّه. ما لفت انتباهي في هذه الرسالة عدّة نقاط أختارُ منها ثلاثًا:
– الموضوع الأوّل يقول إنّ هذه البيئة ليست الطبيعة الخارجيّة وحسب، بل هي أيضًا موارد الطبيعة، وكذلك الإنسان الذي هو جزءٌ لا يتجزّأ من هذه البيئة. فالاستهلاك المتواصل والشّره من دون ضوابط على البيئة ومواردها، لا بدّ من أن يعجّل في إفراغ الأرض من ثرواتها، وكأنّها ملك فقط لأجيال معدودة من البشر؛ فلا يُنظر إلى الأرض واحةً لكلّ الذين سيسكنون عليها، بل كأنّها حكرٌ على أجيال معدودة. وعندما تُستهلك خيرات الأرض بالطريقة العشوائيّة التي تُستهلك فيها، فإنّ النتائج مثل انبعاث الغازات السامّة وتوتّر المناخ تصبح وخيمة على الأرض والسماء، وبالأخصّ على البشر أنفسهم.
– الموضوع الثاني الذي تتطرّق إليه الرسالة يكمن في أنّ البيئة ليست مجرّد موارد يتسلّط عليها البشر، بل هي موارد لـها طابعها المقدّس، وبالتالي لا بدّ من ربط استخدام البيئة بقدسيّتها، إذ إنّها ليست مجرّد اختراع بشريّ وحسب، بل هي عطيّة من خالق أبديّ، من الله الذي أبدع لا لنفسه، بل ليغمر الناس الذين خلقهم بمحبّته. ولكنّه كلّفهم أن يحسنوا إدارة الأرض وما فيها، وطلب إليهم أن يعطوا كلّ شيء من الأشياء اسمًا لـها. وقراءة الكتابات المقدَّسة في العهدَيْن القديم والجديد، التي قام بـها البابا فرنسيس تشرح العلاقة العضويّة بين الله والبيئة.
– والموضوع الثالث يتناول الدمار الذي تسبّبه الحروب في منظومة الشرّ والخير؛ بعد ذلك الدمار الذي سبّبه ويسبّبه استهلاك موارد الطبيعة بصورة متوحِّشة. وهذه الحروب القاتلة لا تتوقّف على هدم التراث والثقافة والطبيعة، بل تدمّر الإنسان نفسه تدميرًا واضحًا. أفلعلّ أهل السياسة والدِّين وأصحاب الدولة يستفيقون من سباتهم العميق أمام فواجع الدهر الحاليّ والزمن الآتي؟
حسنًا فعل البابا في هذه الرسالة الأبويّة إلى أبناء الأرض كلّهم، لأنّ التحدّي أمام المسؤولين والبشر كبير في صيانة الأرض والبيئة والإنسان. وإذا قلنا معه «كن مُسبَّحًا»، فذلك يعني أنّ تسبيحنا اليوم ناقصٌ، وعلينا العمل الدؤوب للوصول إلى تطابقٍ بين التكليف الصادر عن الله والعمل على تحسين البيئة وحمايتها وتعزيز جمالـها ودرء المخاطر عن أبناء البشر.
وعندما ننظر إلى المقالات الأخرى في هذا العدد من المشرق نجد أنّ بعضها له صلة بموضوع البيئة مثل: قضيّة «المياه في أزمات الشرق الأوسط السياسيّة»، «وإشكاليّة مفهوم كرامة الإنسان المتأصّلة»، و«السعادة نفقدها أم نتوهّمها»… وكلّها موضوعات تصبّ في نقاش عميق يتعلّق بمصير الإنسان وحضارة البشر في واقعٍ سياسيّ صعبٍ ومتأزّم.

Share This