فلسفة المكان القدسيّ. الميثاق الروحيّ وتجلّياته بين الزائر والقدّيس

الغرض من هذا البحث هو توضيح حقيقة المكان المقدّس المتسامية وإبراز “العهد الروحيّ” الذي يبرم بين المزار والزائر وما يترتّب عليه من آثار أخلاقيّة.
يبدو لي أنّ كلّ كلمة قيلت عن جوهر ما هو مقدّس تؤدي إلى مفارقة معيّنة. فالمقدّس، بغضّ النظر عن قدسيّته، هو في حدّ ذاته مستقلّ ومميّز عن كلّ ما ليس من طبيعته. وفي سياق الدراسة هذه، يبدو أنّ المكان الذي يتمتّع بخاصيّة التقديس هو انحياز فرديّ في العالم الأرضيّ. فمن أجل فهم الواقع المقدّس، يجب على المرء أن يعيشه، ويكونه، أو بعبارة أخرى، أن يلاحظ قدسيّته برضى وخنوع، ويفهم المكان الذي يتواجد فيه ليكون فهمه نتيجة الملاحظة والفعل.
لا شكّ في أنّ “العهد الروحيّ” الذي يجب على الزائر إبرامه مع المكان المقدّس يجبره على الاستعداد للقاءٍ لم يقم به من قبل. سيتعيّن على الزائر أن يستعدّ لحوار لا يمكن أن يفعَّل إلا على المستوى الشخصيّ مع الحاضر في المزار. فالمكان المقدّس لا يقبل الحوار مع زائره إلاّ إذا جاء هذا الأخير بشكل فرديّ، على الرغم من عدد الزائرين الكبير. لكلّ زائر طريقة في الوصول إلى الموقع المقدّس. ولكنّ الشخص الذي يكتشف، نوعًا ما، سرّه، يمكنه وحده أن يصل إليه. ومَن يتمتّع بنيّة صادقة ويؤمن بالشخصيّة التي يحمل المزاؤ اسمها يكتشف السرّ ويدخل المكان بسلام. وهذا ما يسمّيه الحكماء “لحظة العماد” التي تعبّر في الواقع عن تجربة أخلاقيّة ونشوة روحيّة ى يحصل عليها إلّا مَن يعيشها.

Share This