خواطر في إنسانيّة يسوع – أصلان اثنان متداخلان في شخص واحد
في القسم الثاني هذا الذي يتحدّث عن إنسانية يسوع المسيح، نناقش المراحل الثلاثة من كريستولوجيا المجامع الكنيسّة في القرون الأولى في ما يتعلّق بطبيعة العلاقة بين ألوهيّة المسيح وإنسانيتّه. ففي أفسس (431)، طرح الإصرار على شخص واحد، ردّاً على نسطور الذي طرح السؤال الحقيقيّ “كيف؟” ، فاصلاً الطبيعتين إلى شخصين، معتبرًا أنّ الألوهيّة غير قادرة على تكبّد معاناة الإنسانيّة. في خلقيدونية (451)، ظهر الفرق الواضح بين طبيعتين في شخص واحد، ردًّا على أوطاخي الذي زعم أنّ اللاهوت قد امتصّ الإنسانيّة، “مثل قطرة ماء في البحر”. ولكن، تبيّن في مجمع القسطنطينيّة الثاني (533) أنّ الألوهيّة تسمح للإنسانيّة بعمل المعجزات، وفي المقابل، نرى الإنسانيّة تهب الألوهيّة المعاناة: “واحد من الثالوث قد عانى”. كذلك، فقد تمّ تأكيد “مشيئتي” يسوع المسيح في لاتران (649) ومجمع القسطنطينيّة الثالث (680-681). وهكذا، وبشكل تدرّجيّ، تعزّز الإصرار على إنسانيّته وواقعه التاريخيّ، في حين أنّ مجمع نيقية (325) قد أصرّ على ألوهيّته الوجوديّة.
وبالنسبة إلينا اليوم؟ هل لا يزال الإيمان في خطر النسطوريّة الجديدة (ألوهيّة يسوع المسيح تصنع المعجزات ولا يمكن بلوغها لا بمعاناة البشرية ولا بموت بشريّ) والأوطيخيّة الجديدة (إنسانيّة يسوع المسيح تختفي في ألوهيّته). في الوقت نفسه، ينبغي أن يصرّ الخطاب اللاهوتيّ على إله يصبح “جسدًا” و”يتأثّر” بالإنسان وبتاريخه. وكذلك، لا بدّ من التشديد على الاقتصاد (تاريخ الخلاص) الذي يعبّر عن “اللاهوت” (حقيقة الله) وعلى “اللاهوت” الذي يوجّه “الاقتصاد”، في “تواصل” حقيقيّ بين هذه الخطابين المسيحيّين.